ما كل هذا الثبات.. ما كل هذا الصبر.. ما كل هذا الإيمان بقضاء الله وقدره.. ما كل هذه القوة.. ما كل هذا الرضا.. ما كل هذا الشموخ حتى فى أوقات نزول المصيبة.. بوجه صامد يأبى الانكسار.. وقلب صابر محتسب يرفض التأفف أو الضجر.. وعيون حبست شلالات وأنهاراً من الدموع داخلها يظهر أيوب، أيقونة «طوفان الأقصى»، وائل الدحدوح، مراسل قناة الجزيرة، الذى فقد عدداً كبيراً من أفراد عائلته تحت ضربات القصف الصهيونى الغاشم على كل شبر من أراضى غزة وعدد من مدن ومخيمات الضفة الغربية.
هو وائل حمدان إبراهيم الدحدوح، صحفى فلسطينى، وُلد عام 1970، ودرس فى مدينة غزة، وقضى معظم سنين حياته فيها، بدأ حياته المهنية مراسلاً لصحيفة القدس الفلسطينية، واشتغل لصالح وسائل إعلام أخرى، قبل أن يلتحق بقناة الجزيرة عام 2004. وائل الدحدوح فقد قبل أسابيع زوجته أم حمزة، رفيقة دربه وابنة عمه، التى أنجبت له من الأولاد ثلاثة هم: «حمزة»، و«محمود»، الأوسط فى الثانوية العامة، وكان «الدحدوح» يُعده ليكون صحفياً وخليفة له فى الإعلام ونال الشهادة، و«يحيى» الصغير الذى كاد أن يفقد حياته فى القصف ونجا من الموت بأعجوبة، أما البنات فلديه: «خلود» الابنة الكبرى، و«بتول» التى أصيبت فى قصف إسرائيلى مجنون، و«شام» الصغرى عمرها 7 سنوات وكانت الأقرب لقلب أبيها واستُشهدت هى الأخرى فى قصف وحشى للاحتلال استهدف منزلهم وأدى لتدميره وفقد فيه أيضاً حفيده الرضيع «آدم»، ابن الـ45 يوماً فقط، وأبلغ هو عن الغارة بنفسه قبل أن يعلم بوفاة أهله وذويه، ثم فقد ابنه الأكبر حمزة، المصور الصحفى، 27 عاماً، غرب خان يونس، يوم الخميس 4 يناير، قبل احتفالات عيد الميلاد، وهو أحدث الشهداء فى العائلة الصابرة.
وعلّق «الدحدوح»، خلال لقاء مباشر مع قناة الجزيرة، على وفاة ابنه بصبر ورباطه جأش، قائلاً: «ليس هناك ما هو أكثر إيلاماً من فقدان دمك، خاصة ابنك الأكبر حمزة، كان أنا، ورفيق روحى، وكل شىء، نعم نبكى ونبكى، لكن هذه دموع الإنسانية، دموع الكرم والشهامة، وليست دموع الخوف»، وخلال تشييع جثمان فلذة كبده، قال إنه يتمنى أن تكون وفاة حمزة هى الأخيرة: «أتمنى أن تكون دماء ابنى آخر من يُقتل من الصحفيين ومن يُقتلوا فى هذه المجزرة»، وأظهرت صور من الجنازة «الدحدوح» وهو يرتدى سترته الصحفية ويمسك بيد ابنه ويقبلها وهو يبكى.
واستمراراً لمسلسل الصبر الذى يجسده وائل الدحدوح وقف أمام الكاميرا بعدما ألقى نظرة الوداع الأخيرة على جثمان ابنه الشهيد حمزة، وقال إننا ماضون رغم الحزن والفقد، باقون على العهد فى هذا الطريق الذى اخترناه طواعية وسقيناه بالدماء، نرجو أن يرضى الله عنا ويكتبنا مع الصابرين.
وائل الدحدوح دفع ثمناً باهظاً من دماء أعز الناس لديه لنقل الحقيقة وتفاصيل الهولوكوست الإسرائيلية التى ترتكب ضد شعب أعزل كل همه أن يعيش على أرضه، التى سلبها منه تتار العصر الحديث، فى سلام وأمان، لكنهم يستكثرون عليه الأمن، ويريدون حرمانه من السلام، وسط حالة من صمت القبور المطبق على المجتمع الدولى ووسائل الإعلام العالمية الشهيرة التى تتشدق بالحرية ولا تمارسها إلا ضد كل ما هو عربى وإسلامى فقط، وتغض الطرف خوفاً وجبناً عن جرائم الاحتلال الصهيونى الذى روى الأراضى الفلسطينية بدماء عشرات الآلاف من أبناء الشعب الصابر المناضل الأبى.
هذه ليست المرة الأولى التى يخطف فيها الاحتلال أرواح أسرة «الدحدوح»، فقد خطف الاحتلال أرواح 20 من أقاربه وإخوته وأبناء عمومته فى حوادث اغتيالات من قبل، ما دفعه لتوزيع أبنائه على 3 منازل حتى إذا تم قصف منزل تبقى له من نسله أشخاص على قيد الحياة. الاحتلال لم يحرم وائل الدحدوح من أهله وذويه فقط لأنه سبق وحرمه من طموحه المهنى لأنه عندما كان شاباً كان حلمه أن يصبح طبيباً لكن تم اعتقاله عام 1988 وظل 7 سنوات فى الأسر لمشاركته فى الانتفاضة الأولى، وعندما خرج من السجن اتجه للصحافة لأنه رأى فيها أنها رسالة إنسانية وسلام على أرض ووطن غاب عنه السلام وتم حرمانه من الإنسانية عن عمد. ورغم حالة الحزن يأبى وائل الدحدوح أن تفارق يده الميكروفون أو تفارق ظله الكاميرا لنقل كل الحقيقة الكاشفة لإجرام عدو استباح كل شىء؛ الأرض والعرض والمواثيق الدولية وأبسط حقوق الإنسان، بدعم ومباركة الإدارة الأمريكية المتخبطة وأعوانها فى أوروبا، وبالتالى بات الاحتلال يعربد فى كل الأراضى الفلسطينية غير آبه بالأصوات المطالبة بالسلام والتوقف عن سفك الدماء، ولأن الاحتلال الصهيونى عدو للإنسانية وأمن العقاب من مجتمع دولى عاجز ومهترئ، فقد بات مصراً على وأد الإنسانية فى فلسطين، وإسكات كل الأصوات الناطقة بالحقيقة.
وختاماً، وائل الدحدوح، الرجل الخمسينى، ظهرت على وجهه مبكراً تضاريس الحزن من هول ما رأى من مآسٍ وأشلاء آدمية ودماء متفجرة من كهول وشباب ورجال ونساء وأطفال؛ بفعل ضربات غاشمة من عدو مجنون يمارس سياسة الأرض المحروقة ضد كل ما هو فلسطينى، بكى بحرقة حزناً على فراق الأهل والأحباب، لكنه ما لبث أن جمّد الدموع فى مقلتيه وتحجرت داخل عينيه بإصرار منقطع النظير، وظهر صامداً قوياً صابراً يأبى أن يراه العدو منكسراً أو محبطاً، بل يستمد القوة والثبات والصبر من مأساته ليضع عدوه فى وادى الخوف والرعب من هول صبره وقوته وصموده، فى سبيل استرداد وطن مسلوب بسبب تآمر دولى يشهد به القاصى والدانى، ليضرب أروع الأمثلة فى الصبر، ويكتب فى كتاب التاريخ اسمه بحروف من نور كأيقونة ساطعة لعملية «طوفان الأقصى» خلال الحرب البربرية على غزة وكل ما هو فلسطينى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: غزة فلسطين وائل الدحدوح ما کل هذا
إقرأ أيضاً:
أمريكا ترسل ٢٤ ألف بندقية لإسرائيل
اكد مسئول أمريكى أن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تدرس إرسال 24 ألف بندقية هجومية إلى إسرائيل والتى تم احتجازها فى وزارة الخارجية بناء على أوامر أنتونى جيه بلينكين، وزير الخارجية السابق. بحسب نيويورك تايمز الأمريكية
وكان بلينكن قد طلب من وزارة الخارجية عدم المضى قدماً فى تلبية طلب إسرائيل، الذى يتألف من ثلاث دفعات بقيمة إجمالية تبلغ 34 مليون دولار. على إثر مخاوف المشرعين الديمقراطيين من امتلاك ميليشيات المستوطنين واستخدامها من جانب ضباط الشرطة الإسرائيلية فى أعمال عنف غير مبررة ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية.
وتشترى إسرائيل أكثر من ثلاثة أرباع البنادق المعلقة من شركة كولت.وأصبح المشرعون على علم بأمر بيع الأسلحة بعد أن قدمت وزارة الخارجية إخطارًا غير رسمى بالبيع إلى لجنتين فى الكونجرس بعد أسابيع قليلة من هجمات حماس فى إسرائيل فى أكتوبر 2023 والتى أشعلت ضربات عنيفة من قبل الجيش الإسرائيلى فى غزة. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الأمر أثار قلق المشرعين وبعض مسئولى وزارة الخارجية.
وكان وزير الأمن القومى ايمتار بن غفير قد صرح فى أكتوبر 2023 أنه سيزود المستوطنات بالسلاح وسينشئ ميليشيات مدنية لحماية المستوطنين.
وعندما سُئل أحد مسئولى وزارة الخارجية عن المخاوف بشأن كيفية استخدام البنادق، قال إن الأسلحة ستذهب فقط إلى «الوحدات الخاضعة لسيطرة الشرطة الوطنية الإسرائيلية»، فى إشارة إلى الشرطة الوطنية الإسرائيلية. لكن المسئولة، جيسيكا لويس، التى تدير المكتب المسئول عن نقل الأسلحة، لم تحدد هذه الوحدات.
وقد غادر بن غفير وحزبه الحكومة مؤخراً احتجاجاً على سلسلة جديدة من صفقات تبادل الأسرى بين إسرائيل والفلسطينيين.
وفى ديسمبر 2023، وافق المشرعون الديمقراطيون بشكل غير رسمى على طلب البنادق بشرط أن تقدم إسرائيل ضمانات مناسبة لاستخدامها، حسبما قال المسئول الأمريكى، ثم واصل المشرعون التعبير عن مخاوفهم بلينكين، الذى أمر فى النهاية باحتجاز البنادق.
وفى منتصف الشهر الماضى، أبلغ البيت الأبيض البنتاجون أنه قد يرسل شحنة كبيرة من القنابل التى يبلغ وزنها 2000 رطل إلى إسرائيل، والتى كان بايدن قد أوقفها فى الصيف الماضى فى محاولة لثنى إسرائيل عن إسقاط ذخائر ثقيلة على مدينة رفح الفلسطينية، وهو ما فعلته على أى حال. ويرى المسئولون العسكريون الأميركيون أن القنابل التى يبلغ وزنها 2000 رطل مدمرة للغاية بحيث لا يمكن استخدامها فى حرب المدن.
وأوضح مايك هاكابى، الذى اختاره ترامب ليكون السفير الأمريكى القادم إلى إسرائيل، أن الضفة الغربية بأكملها تابعة لإسرائيل واعلا يوجد شىء اسمه فلسطين.
يأتى ذلك فى ظل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لعقد اجتماع عمل مع ترامب بحسب المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت والتى لفتت الى دعم الرئيس الجديد لإسرائيل.
وذكر موقع أكسيوس أن من المتوقع اجتماع ترامب ونتنياهو مرتين فى واشنطن يوم الثلاثاء المقبل، مرة من أجل اجتماع عمل والأخرى من أجل عشاء غير رسمى بصحبة زوجتيهما.
ومن المزمع أن يجرى الاجتماع، والذى أكدته حكومتا إسرائيل والولايات المتحدة هذا الأسبوع، وسط وقف هش لإطلاق النار مدته ستة أسابيع أدى إلى توقف مؤقت للقتال الذى استمر 15 شهراً بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) فى قطاع غزة.
من بين الموضوعات الرئيسية المدرجة على جدول الأعمال صفقة إطلاق سراح المحتجزين ووقف إطلاق النار التى تم تنفيذها جزئياً والتى لا تزال قيد التطوير بين إسرائيل وحماس ودخلت حيز التنفيذ فى 19 يناير بعد أشهر من المفاوضات وبعد ضغوط مكثفة مارسها مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، الذى انضم إلى المحادثات حتى قبل أن يؤدى الرئيس الأمريكى الجديد اليمين الدستورية.