السد العالي.. فكرة انطلقت من مهندس «مصرى يوناني» ولاقت ترحيبا من «عبدالناصر»
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
محطات بناء السد العالى كانت متعدّدة، كل منها حكاية تروى، بدأت عقب قيام ثورة 1952، حينما طلب المهندس المصرى اليونانى الأصل أدريان دانينوس، لقاء مجلس قيادة الثورة، وبعد محاولات التقى جمال عبدالناصر، وعرض عليه مشروعاً لبناء سد ضخم عند أسوان لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه بشكل دائم، وتوليد طاقة كهربائية منه، ولاقت الفكرة ترحيباً شديداً، وأعقب ذلك التوجيه ببدء الدراسات الفنية فى أكتوبر من العام نفسه، وقامت بها وزارة الأشغال العمومية، وسلاح المهندسين بالقوات المسلحة، بمشاركة مجموعة منتقاة من أساتذة الجامعات، وخرجت الدراسات بفوائد عظيمة للمشروع.
وأكدت وزارة الموارد المائية والرى، فى تقرير يرصد «حكاية السد»، أنه فى أوائل 1954 تقدّمت شركتان هندسيتان من ألمانيا بتصميم للمشروع، وقامت لجنة دولية بمراجعة التصميم، وأقرته فى ديسمبر 1954، وتم وضع مواصفات وشروط التنفيذ، وطلبت مصر من البنك الدولى تمويل المشروع، وبعد دراسات مستفيضة للمشروع، أقر البنك الدولى جدوى المشروع فنياً واقتصادياً.
بريطانيا حرّضت الولايات المتحدة لسحب التمويل فغضب «عبدالناصر» ورد بتأميم قناة السويسوأضافت الوزارة أنه رغم موافقة أمريكا وبريطانيا على تمويل المشروع من جانب البنك الدولى بتكلفة 1.3 مليار دولار، جاءت شروط «البنك» تعجيزية، فقد تحرّكت «لندن» لتُحذّر «واشنطن» من زيادة نفوذ الاتحاد السوفيتى فى مصر، الأمر الذى أثار غضب «عبدالناصر» وقتها، ثم تطورت الأمور لتسحب الولايات المتحدة التمويل، وهو ما رد عليه «عبدالناصر» بتأميم قناة السويس، وفى 27 ديسمبر 1958، تم توقيع اتفاقية بين الاتحاد السوفيتى ومصر لإقراض مصر 400 مليون روبل روسى لتنفيذ المرحلة الأولى من السد، وفى مايو 1959 قام الخبراء السوفيت بمراجعة التصميمات. وفى ديسمبر 1959، تم توقيع اتفاقية توزيع مياه خزان السد بين مصر والسودان، وبدأ العمل فى تنفيذ المرحلة الأولى بوضع حجر الأساس فى التاسع من يناير عام 1960، وشملت حفر قناة التحويل والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة، وصب أساسات محطة الكهرباء وبناء السد حتى منسوب 130 متراً، وفى 27 أغسطس 1960 تم التوقيع على الاتفاقية الثانية مع الاتحاد السوفيتى، لإقراض مصر 500 مليون روبل إضافية لتمويل المرحلة الثانية من السد، وفى منتصف مايو 1964، تم تحويل مياه النهر إلى قناة التحويل والأنفاق وإغلاق مجرى النيل، والبدء فى تخزين المياه بالبحيرة، وفى المرحلة الثانية تم الاستمرار فى بناء جسم السد حتى نهايته وإتمام بناء محطة الكهرباء وتركيب التوربينات وتشغيلها مع إقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء، وفى أكتوبر عام 1967 انطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالى، وبدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد العالى منذ 1968، وفى منتصف يوليو 1970 اكتمل المشروع، وفى 15 يناير 1971 تم الاحتفال بافتتاح السد العالى بحضور الرئيس محمد أنور السادات، ليبدأ السد العالى مد مصر بمياه منتظمة وطاقة كهربائية لم تنقطع يوماً.
«الرى»: حمى مصر من كوارث الفيضان والجفاف فى السنوات شحيحة الإيرادوعدّدت هيئة السد العالى التابعة لوزارة الموارد المائية والرى فوائد المشروع، وكان أبرزها حماية مصر من كوارث الجفاف والمجاعات، نتيجة للفيضانات المتعاقبة شحيحة الإيراد فى الفترة من 1979 إلى 1987، حيث تم سحب ما يقرب من 70 مليار متر مكعب من المخزون ببحيرة السد العالى، لتعويض العجز السنوى فى الإيراد الطبيعى لنهر النيل، وحمى السد العالى مصر من أخطار الفيضانات العالية التى حدثت فى الفترة من 1998 إلى 2002، فلولا وجود السد العالى لهلك الحرث والنسل وتكبّدت الدولة نفقات طائلة فى مقاومة هذه الفيضانات وإزالة آثارها المدمّرة.
وقالت الهيئة عن دور السد العالى فى التنمية الزراعية والصناعية إنه أسهم فى استصلاح الأراضى وزيادة الرقعة الزراعية، وتحويل الرى الحوضى إلى رى دائم، وزيادة الإنتاج الزراعى، والتوسّع فى زراعة الأرز، وتوليد طاقة كهربائية تُستخدم فى إدارة المصانع وإنارة المدن والقرى، وضمان التشغيل الكامل المنتظم لمحطة خزان أسوان بتوفير منسوب ثابت على مدار السنة، وزيادة الثروة السمكية عن طريق بحيرة السد العالى، وتحسين الملاحة النهرية طوال العام.
وتابعت «الهيئة» أن السد العالى صُمّم ليكون أقصى منسوب للمياه المحجوزة أمامه 183 متراً، حيث تبلغ سعة البحيرة التخزينية عند هذا المنسوب 169 مليار متر مكعب مقسّمة إلى 31.6 مليار متر مكعب سعة التخزين الميت المخصّص للإطماء، و89.7 مليار متر مكعب سعة التخزين التى تضمن متوسط تصرّف سنوى يعادل 84 مليار متر مكعب موزّعة بين مصر والسودان بواقع 55.5 مليار متر مكعب لمصر و28.5 مليار متر مكعب للسودان، و47.7 مليار متر مكعب سعة التخزين المخصّصة للوقاية من الفيضانات.
وأضافت: «تم تنفيذ مفيض لتصريف مياه البحيرة إذا ارتفع منسوبها عن أقصى منسوب مقرّر للتخزين وهو 183 متراً، ويقع هذا المفيض على بعد 2 كيلومتر غرب السد فى منطقة بها منخفض طبيعى منحدر نحو مجرى النيل، حيث يسمح بمرور 200 مليون متر مكعب فى اليوم، ودخلت المياه إلى مفيض توشكى لأول مرة فى 15 نوفمبر 1996، حيث وصل منسوب المياه أمام السد العالى إلى 178.55 متر.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: السد العالي الوطن حجر الأساس ملیار متر مکعب السد العالى مصر من
إقرأ أيضاً:
المجال المعرفي في برامج التعليم العالي
د. مسلم بن علي المعني **
سلطنا الضوء في المقالة السابقة على نهج التعليم من أجل التعليم وعرَّجنا بشكل مختصر على المجالات الثلاثة الأساسية التي تركز عليها البرامج الأكاديمية في مؤسسات التعليم العالي والتي يمكن تلخيصها في المجال المعرفي والمجال المهاري والمجال السلوكي. في هذه المقالة سنركز على المجال المعرفي. إن بناء البرنامج الأكاديمي يجب أن يتألف من مقررات دراسية تتوزع بين المقررات التي تركز على المجال المعرفي والمجالات الأخرى من خلال مخرجات تعلم محددة.
فمخرجات التعلم القائمة على المعرفة تركز بشكل أساسي على الحقائق ذات الصلة بمجال تخصص الطالب وكذلك المفاهيم والنظريات والمبادئ التي يتعين على الطالب أن يفهمها بشكل جيد. لذا عندما ننظر إلى الخطة الدراسية لبرنامج بكالوريوس، نجد أنها تتوزع على ثمانية فصول دراسية والتي حددها الإطار الوطني للمؤهلات ضمن 4 مستويات: المستوى الخامس (مقررات السنة الأولى)، المستوى السادس (مقررات السنة الثانية)، المستوى السابع (مقررات السنة الثالثة)، المستوى الثامن (مقررات السنة الرابعة).
فمقررات السنة الأولى تركز على وضع حجر الأساس للمجال المعرفي والسلوكي مع إتاحة الفرصة للطالب في تطوير مهاراته الأساسية. لذا تجد أن معظم البرامج الدراسية تبدأ في هذه المرحلة بالذات بالتعريف بالموضوعات الأساسية في التخصص مثل مقررات المداخل مثل مدخل إلى القانون أو مدخل إلى الترجمة أو مدخل إلى المالية. كما تضم مقررات السنة الأولى مقررات عامة على هيئة متطلبات جامعية تركز على مجالات المعرفة الأساسية في العلوم الإنسانية والاجتماعية وغيرها.
وفي السنة الثانية، يبدأ الطالب في التعمق أكثر في التخصص وما يرافقه من تجربة تعليمية في تطبيق المعرفة على المواقف العملية مع بناء المهارات السلوكية بشكل أكبر، مما يسهم بشكل كبير في تعميق الفهم لدى الطلبة للموضوعات الأساسية مع بدء الانخراط في مواضيع متخصصة تتعلق بمجال التخصص.
أما بانتقال الطالب إلى دراسة مقررات السنة الثالثة، فيكون في هذه المرحلة قد تشكَّل لديه أساس معرفي متين؛ حيث يتم التركيز على تطوير المعرفة المتخصصة والمهارات المتقدمة والجوانب السلوكية، مما يزيد من توسع دائرة المعرفة المتخصصة في مجال التخصص لديه وما يصاحبها من مستوى متقدم للفهم للموضوع ذات الصلة بمجال تخصصه.
وفي السنة الأخيرة، يتحول التركيز إلى تعزيز جميع مخرجات التعلم لدى الطالب، بحيث يتمكن من تطبيق المعرفة المتخصصة، وإتقان المهارات الأساسية، وتبني الجوانب السلوكية التي تمكنه من الدخول إلى سوق العمل أو مواصلة دراساته العليا، وهنا يبرز المجال المعرفي لدى الطالب في استطاعته في توظيف المعرفة التي اكتسبها في جميع السنوات الثلاث السابقة في مشروعات واقعية مثل مشاريع التخرج مع المشاركة العميقة في الموضوعات والاتجاهات المتخصصة في مجال تخصصه.
** عميد كلية الزهراء للبنات