سمو الشيخ ناصر بن حمد في مقدمة مودعي صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم بن طارق آل سعيد
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
كان سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب، في مقدمة مودعي أخيه صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم بن طارق آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب بسلطنة عمان الشقيقة بعد زيارة رسمية التقى خلالها بحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، وعددٍ من كبار المسؤولين في مملكة البحرين، لبحث سبل تنمية وتعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين.
كما كان في وداع صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم بن طارق آل سعيد لدى مغادرته مملكة البحرين، سمو الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة رئيس مجلس أمناء وقف عيسى بن سلمان التعليمي الخيري رئيس مجلس إدارة صندوق العمل، وسمو الشيخ محمد بن سلمان بن حمد آل خليفة، وعدد من كبار المسؤولين.
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية: بن حمد آل خلیفة صاحب السمو
إقرأ أيضاً:
السلطان هيثم بن طارق.. ومرحلة التأسيس للمستقبل
خطاب.. التأسيس
في سلطنة عمان.. منذ عام 1970م مع قيام الدولة الحديثة؛ تُشكِّل خطابات سلطان البلاد توجيهاً رؤيوياً للحكومة والشعب معاً، بمعنى؛ أن خطاباته ليست فورية التنفيذ مثل المراسيم السلطانية، بيد أنها تحدد توجهات الحكومة في المرحلة التي تعقبها، ومن خلالها يعرف الشعب هو الآخر توجهات الحكومة. وعملياً؛ كثير من الخطابات تفصح عن المشاريع التي تريد الحكومة تنفيذها. ومن هنا تأتي أهمية دراسة الخطاب السامي.
٢٣ فبراير ٢٠٢٠م .. ألقى مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق أدام الله مجده خطابه الثاني على شعبه، إلا أنه هو الخطاب التأسيسي؛ إذ كان خطابه الأول إعلاناً عن توليه الحكم، وتأبيناً للسلطان الراحل قابوس بن سعيد طيّب الله ثراه. فهو يعتبر المؤسس لرؤية الحكم وخارطة السير للمرحلة القادمة. أبان فيه جلالته حفظه الله عن تطلعات سلطنة عمان المستقبلية، وكشف عن استيعاب فذ من لدن جلالته لاستراتيجيات الدولة وآليات عملها، ووقوف على المنجزات والتحديات التي عاشتها الحكومة في عهد السلطان قابوس رحمه الله.
وضّح جلالته حفظه الله في خطابه التأسيسي أهم ملامح حكمه عموماً، ووضع الاستراتيجيات لخطته الخمسية الأولى (العاشرة بالنسبة للدولة)؛ كالآتي:
1. بناء مرحلة جديدة.. (إن الانتقال بعمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله، واضعين نُصب أعيننا المصلحة العليا للوطن، مسخرين له كافة أسباب الدعم والتمكين).
2. المبادئ العليا للدولة.. (إن مما نفخر به أن المواطنين والمقيمين على أرض عُمان العزيزة يعيشون بفضل الله في ظل دولة القانون والمؤسسات، دولة تقوم على مبادئ الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، قوامها العدل. كرامة الأفراد وحقوقهم وحرياتهم فيها مصانة؛ بما في ذلك حرية التعبير التي كفلها النظام الأساسي للدولة).
3. اشتراك الحكومة والمواطنين في صناعة المستقبل.. (إن شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنباً إلى جنب، في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية، التي لا مُحيد عنها ولا تساهل بشأنها).
4. العناية بالشباب وتأهيلهم للمستقبل.. (إن الشباب هم ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب، وسواعدها التي تبني، هم حاضر الأمة ومستقبلها، وسوف نحرص على الاستماع لهم وتلمُّس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم، ولا شك أنها ستجد العناية التي تستحقها).
5. الاهتمام بالتعليم ودعمه بالبحث العلمي.. (إن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية).
6. بناء اقتصاد وطني يستوعب الشباب.. (سنولي كل الاهتمام والرعاية والدعم لتطوير إطار وطني شامل للتشغيل، باعتباره ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني، يستوجب استمرار تحسين بيئته في القطاعين العام والخاص، ومراجعة نظم التوظيف في القطاع الحكومي وتطويره، وتبني نظم وسياساتِ عمل جديدة تمنح الحكومة المرونة اللازمة والقدرة التي تساعدها على تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد والخبرات والكفاءات الوطنية، واستيعاب أكبر قدر ممكن من الشباب، وتمكينهم من الانخراط في سوق العمل، لضمان استقرارهم ومواكبة تطلعاتهم؛ استكمالاً لأعمال البناء والتنمية).
7. تحديث الدولة؛ إدارياً وتشريعياً وحوكمةً ومحاسبةً.. (لتحقيق أهدافنا المستقبلية؛ فإننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئ وتبني أحدث أساليبه، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة؛ لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها، وسنعمل على مراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية، وسنهتم بدراسة آليات صنع القرار الحكومي بهدف تطويرها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، وسنولي هذه الجوانب كل العناية والمتابعة والدعم).
8. توازن مالي يخفض الدَّين ويزيد الدخل.. (إننا سنحرص على توجيه مواردِنا المالية التوجيه الأمثل، بما يضمن خفض المديونية وزيادة الدخل، وسنوجه الحكومة بكافة قطاعاتِها لانتهاج إدارة كفؤة وفاعلة، تضع تحقيق التوازن المالي، وتعزيز التنويع الاقتصادي، واستدامة الاقتصاد الوطني، في أعلى سُلّم أولوياتها، وأن تعمل على تطوير الأنظمة والقوانين ذات الصلة بكل هذهِ الجوانب).
9. الابتكار والإبداع في ظل التحول إلى الذكاء الاصطناعي.. (إننا إذ نُدرك أهمية قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وقطاع ريادة الأعمال، لاسيما المشاريع التي تقوم على الابتكار والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، وتدريب الشباب وتمكينهم للاستفادة من الفرص التي يتيحها هذا القطاعُ الحيوي؛ ليكون لبنةً أساسية في منظومة الاقتصاد الوطني).
الخطاب.. جاء واقعياً؛ فهو يراعي أوليات المرحلة، دون مغالاة في رفع سقف الآمال والتوقعات. وجاء واضحاً؛ فالجميع يدرك مراميه، ويدركه من يعنيه من أجهزة الدولة والقطاعين الخاص والأهلي. ومن خلال واقعيته ووضوحه يمكننا -ونحن نستقبل المرحلة القادمة- أن نرى مدى مطابقة الإنجاز لما ورد في الخطاب التأسيسي. وعلى ضوء ذلك ينبغي تقييم ما أُنجز تقييماً موضوعياً.
نهج موضوعي.. طريقنا للمستقبل
11 يناير 2020م.. استلم جلالة السلطان هيثم بن طارق الحكم في سلطنة عمان، تلك خمس سنوات كاملة، شهدت البلاد خلالها تحولاً ملحوظاً، فهي تأسيس (لمرحلة أخرى من نهضة عمان المتجددة، تتواكب مع متطلبات المرحلة القادمة، بما يلبي طموح وتطلعات أبناء الوطن)؛ بحسب خطاب جلالته لشعبه بمناسبة العيد الوطني الخمسين. واليوم.. نحن مطالبون من قِبَل عاهل البلاد والوطن والمواطن أن ننظر بموضعية إلى منجزات هذه المرحلة؛ كلٌ في مجاله وبأدواته المنهجية. يحق لنا أن نتغنى بالمنجزات؛ فواجبنا تجاه الوطن تعزيز مكاسبه ورفع يد الشكر والولاء لقائد نهضته، بيد أنه أيضاً نحتاج إلى تشخيص سليم للمرحلة، ليس بمنظار غمط الحق واستنقاص الذات، وإنما برؤية تقدر جوانب الضعف، وتعزز مواطن القوة، وتقدم الحلول للتحديات.
المقال.. يدعو إلى قراءة منهجية لهذه المرحلة، تأخذ بالحسبان الفرق بين الخطاب وتنزُّلِه على أرض الواقع؛ فهذا من طبيعة الخطابات عامةً. إن الخطاب السامي يأتي بتوجيهات كلية عليا ويطمح إلى ما هو أفضل من العمل، أما التنفيذ فهو يواجه الواقع بكل تجلياته؛ بفرصه ومشكلاته وتحدياته واختلاف توجهات الناس. كما أننا نحن البشر لا نحيط بكل شيء علماً، ولذا؛ نعيد النظر باستمرار فيما نقول ونفعل. إن آمالنا وتطلعاتنا.. بل كذلك قيمنا ومُثُلنا؛ تصطدم بالتحديات الخارجة عن إرادتنا، والتي تواجهنا محلياً وعالمياً. ولأجل هذا؛ جاءت التوجيهات السامية من لدن عاهل البلاد المفدى حفظه الله باعتماد الحوكمة في قطاعات الدولة ومشاريعها. علينا فعلاً أن نفكر منهجياً، وأن ننفذ علمياً، وأن ننظر للمستقبل بمنطق صحيح. وهذا يعني؛ أنني لا أتفق مع الآراء المتوجسة من المستقبل، والقلقة عليه من دون مبرر، وإنما علينا أن نشجع النظرة التي تحمل الأمل بمستقبل أفضل لبلادنا الحبيبة عمان؛ دون مغالاة في تقييم ذواتنا وأعمالنا؛ إيجاباً أو سلباً.
الدولة.. وواجب الداعية والمؤرخ
الدولة.. تقوم على مجموعة أسس معرفية؛ لازمة لتأسسها ورسوخها وتطورها وبقائها، منها: الفكري؛ يقوم به المفكر والفيلسوف، والقيمي؛ يقوم به المؤمن بمشروعية الدولة، والسياسي؛ يقوم به المحلل والمتابع للأحداث، والاستراتيجي؛ يقوم به الدارس للأوضاع العالمية، وهكذا قل في سائر الجوانب التي لا غنى للدولة عنها. ولا أقصد هنا ما تقوم به المؤسسات الحكومية؛ من تكوين الرؤى ووضع الخطط والتقييم والمحاسبة، فهذا واجب تقوم به كل جهة لتسيير عملها. وإنما لابد للدولة أن يكون لديها متخصصون يفكرون معها، تسند إليهم القضايا التي تحتاج إلى تقصٍ وتتبع واسعين، وإلى تحليل ورأي عميقين. الدولة بحاجة إلى «داعية» يروّج لها بعلم، ويدافع عنها بموضوعية. يقوم بعمله بحماس المؤمن بمشروعها ومشروعيتها، يتحرك بين الناس مبشرا بها، يستمع إليهم، وينقل للسلطان بأمانة رأيهم ومقترحاتهم.. بل ونقدهم وعتبهم.
لقد شهدت الدول نماذج عديدة على ما أقصد بـ«الداعية للدولة»، ولا أذهب بعيدا في سوق الأمثلة عليه، وأكتفي بالعصر الحديث.. ففي عهد السلطان سعيد بن تيمور (ت:1972م) حيث الجانبين القبلي والديني هما الأبرز؛ كان السيد أحمد بن إبراهيم البوسعيدي (ت:1981م) داعية الدولة بين القبائل والمجتمع، والمفتي إبراهيم بن سعيد العبري (ت:1975م) والسيد محمد بن أحمد البوسعيدي (ت:2012م) هما دعاتها في الوسط الديني. وأما في عهد السلطان قابوس بن سعيد؛ فقد تغيّرت الأوضاع، وصعد الخطاب الديني في المنطقة؛ وغلب على غيره من الخطابات، فكان المدخل إلى ترسيخ الدولة هو الخطاب الديني؛ فاعتمدت على رموزها الدينيين، عملوا على مواجهة الخطابات الدينية التي لا تتوافق مع بُنية المجتمع المتسامح وهيكلة الدولة المتزنة؛ لاسيما الخطابات ذات الامتدادات الخارجية التي لها أجندتها الخاصة أو الشمولية، فأمد «هؤلاء الدعاة» الدولةَ بخطاب ديني محلي، متسامح مع المذاهب والتوجهات الدينية المعتدلة. فما تحتاجه الدولة للمرحلة القادمة الاهتمام بهذا الجانب، وأن تتخول من بين أبناء عمان مَن يمتلك المعرفة العميقة بها، ولديه الرؤية الواضحة لمستقبلها؛ ليقوم بهذا الدور، فنفوس الناس تبرد وتحتاج من يلهب جذوة حماسها للدولة.
إن من معهود الدول أن تتخذ لها مؤرخين يدونون لها أيامها وأحداثها وسير رجالها، حتى يبقى سجلا حافلا بأحداثها ومنجزات قادتها للزمن، تطلع عليه الأجيال الآتية، فترى الدولة حلقة من سلسلة التاريخ الوطني والإنساني، ويرجع إليه الباحثون للوقوف على عبر الزمن وتقلباته، ويعرف القادة مواطن قوة الدول وضعفها، ويستمر ذاكرةً وطنيةً في عقول أبنائها؛ مهما تقادم الزمن. ففي الدولة البوسعيدية.. كان المؤرخ حميد بن محمد بن رزيق النخلي (ت:1291هـ) هو مؤرخ حقبتها الأولى، ثم عبدالله بن حميد السالمي (1332هـ) المؤرخ التالي لها، وإن كان في إطار تأريخه العام لعمان. لقد مضت الحقبة الأولى من النهضة الحديثة ولم يكتب تأريخها؛ إلا أشتاتا من الدراسات الأكاديمية والبحوث الحرة، فما أحرى بالدولة الحديثة أن تهتم بهذا الشأن في مرحلتها القادمة، وتكتب تأريخها بمنهج علمي لا انفصام بين أحداثه.
اجتياز التحديات الاقتصادية
من أهم المعالم التي تنبئنا عن المستقبل.. التحديات والمشكلات التي تعاني منها الدول؛ فإن استطاعت علاجها باقتدار، فإنها تصبح تمرينا تعبويا للأمة وقيادتها، فهي تكسبها خبرات واعية بظروف التحولات، وتعينها على التخطط للمرحلة القادمة بأقل موازناتها المالية وميزانها الاقتصادي، فإذا ما انفرجت الأمور وتيسرت الأحوال.. كان الحال أوفر والقدرات أجدر والتجربة أنضج. وإن ساءت الظروف أو ركدت على حالها.. فالدولة على قاعدة صلبة من القدرة على التكيّف مع الصعوبات. هذا أدنى مكاسب التعامل مع المشكلات، وأما أعلاها فهو تحويل المشكلات إلى فرص. فالأمم الحية تستند على قدرات أفرادها، وتهيئهم لاقتناص الفرص، وليفكروا -كما يقال- خارج الصندوق.
لقد مرت سلطنة عمان خلال الفترة الماضية بمجموعة من التحديات؛ داخلية وخارجية، فقد ورثت ميزانية مثقلة بالديون، ثم واجهها الكساد العالمي؛ الذي هبط فيه سعر النفط إلى أدنى مستوياته. وزاد الطين بلة.. انتشار جائحة كورونا كوفيد19، التي استمرت حوالي عامين، أصابت مفاصل الحركة العالمية بالشلل. اتخذت الحكومة خلالها حلولا ناجعة، ضمن «خطة التوازن المالي»، التي اشتملت على أهم الإجراءات لتعافي الاقتصاد.. بل وعلى تمكينه وتعزيزه، كما أنها وضعت المجتمع محور اهتمامها بـ«منظومة الحماية الاجتماعية»، حيث عملت على: (دعم النمو الاقتصادي، وتنشيط وتنويع مصادر الإيرادات الحكومية، ترشيد ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية، ورفع كفاءة المالية العامة).
«خطة التوازن المالي».. اتسمت بالعملية في الأداء والشفافية في النتائج، [ولمعرفة ذلك يرجع إلى الموقع الرسمي لوزارة المالية العمانية على الإنترنت]. وما يهمنا هنا هو ما حققته هذه الخطة؛ والمتمثل في: فائض مالي سنوي، وخفض الدين العام للدولة. وعدم المساس برواتب العاملين في الدولة؛ اللهم إلا ما لزم لتحقيق هذا التوازن؛ وهو خفض غالبه مس العلاوات السنوية. وخفض الإنفاق السنوي عن البنود التشغيلية في وحدات الجهاز للدولة؛ مع زيادة الفعالية بدمج بعض الوحدات أو فصلها، بحسب متطلبات المرحلة. وعملت أجهزة الدولة من أعلى هرمها؛ جلالة السلطان هيثم بن طارق- أعزَّه الله- من خلال متابعته للخطة، وتوجيهه إلى تعزيزها، والدعوة للاستثمار من خلال برنامج زياراته للدولة الصديقة والشقيقة. إلى قاعدتها؛ عموم الوحدات الإدارية، التي جعلت الاستثمار الاقتصادي ضمن خططها.
ومع هذه المكاسب.. علينا تقييم الخطة، أولا.. لأن المدة الموضوعة لها قد انتهت بنهاية العام 2024م، وثانيا.. خشية أن يتحول الإنسان إلى رقم اقتصادي مجرد، فالإنسان مركب اجتماعي نفسي، ولابد من تغذية مكوناته كلها باتزان، كما أنه ينبغي عدم المكث في هذه المرحلة، والعمل على التحول إلى مرحلة أفضل. فمثلا؛ تضمنت الخطة في تنفيذها اعتماد «نظام إجادة»، وبكوني أحد العاملين في الحكومة؛ ومسؤولا عن وحدة فيها، أرى أن هذا النظام ينبغي إعادة النظر فيه، فهو لم يحقق النتيجة المرجوة منه، وأثار حساسية بين العاملين، حتى أصبح كثير من الموظفين يتبرمون منه. لا أدعو للنكوص إلى النظام السابق، ولكن أرجو أن تكون لدينا قدرة على تجاوز هذا النظام بآليات وخطط أفضل.
استطاعت الحكومة خلال المرحلة المنصرمة تحريك الدينمو الاقتصادي في البلاد؛ حيث بدأت في توفير فرص عمل للباحثين، فاستوعبت بعضهم، لكن قضية الباحثين تظل وضعا مقلقا للباحث وأسرته ومجتمعه وحكومته، وشكلت خطرا متحققا منه في العقد الماضي. إضافة إلى هذه المشكلة توجد قضية المسرحين عن العمل؛ التي تنزل على المواطن وهو مكبل بالتزاماته الاجتماعية والمالية، وقد تؤدي به إلى المحاكم والسجن. ويبدو أن المرحلة القادمة ستشهد مراجعة لهذه القضايا، وتقييمها في ضوء ما تحقق خلال المرحلة الماضية، ثم وضع الحلول الناجعة لها. إن علاج ملف الباحثين عن العمل والمسرحين له مردود إيجابي في أكثر من جانب؛ فهو يؤدي إلى التخفيف كثيرا من حالة الاحتقان لدى الشباب، ومن قلق أسرهم، وفي هذا استقرار للوطن بأسره، كما أنه يوفر لجيل الشباب الاستقرار الاجتماعي والاطمئنان النفسي. وبالنسبة للجانب الاقتصادي.. فإنه يدير عجلة الاقتصاد وينمي المال في البلاد نفسها، وبإحلال المواطن محل الوافد يقل تسرّب الأموال إلى خارج الوطن. وعلى المستوى الإبداع الذي حضت عليه «رؤية عمان 2040م»؛ يعلي من شأن التنافس في العمل وتجويده، لاسيما أن الشباب يمتلكون المؤهلات لدخول العالم الرقمي؛ وهذا أمر مهم؛ خاصةً ونحن أمام أبواب الذكاء الاصطناعي المتجاوز لكل التوقعات والتصورات.