ملتقى صنّاع الأفكار.. صورة عمان المستقبل
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
لا يجد القارئ الحصيف للمشهد العماني صعوبة في فهم الدور الكبير المنوط بقطاع الشباب في بناء مسارات المستقبل، وصناعة الأفكار التي تؤسس عليها عُمان خططها ومشروعاتها لبناء غد مشرق أسهم الشباب في وضع أطره النظرية.
ولا شك أن المبادرة التي يطلقها «ملتقى معا نتقدم» الذي تنظمه الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وتهدف إلى مشاركة المواطنين وتشجيع الابتكار والتفكير الإبداعي تؤصل هذا التوجه عندما تطرح في كل عام قضايا مختلفة تكون مدار نقاش الشباب للوصول إلى حلول مشتركة يعمل عليها الجميع ويشعرون بالشراكة الحقيقية فيها.
ويطرح الملتقى هذا العام محورين مهمين الأول: الهوية الوطنية والانتماء، والمحور الثاني: التواصل بين الحكومة والمجتمع.
أما المحور الأول فهو في غاية الأهمية في ظل المتغيرات التي يشهدها العالم والهجمة العالمية المنظمة من أجل إضعاف الهويات الوطنية وتمييعها وهدم قيمها ومبادئها لصالح توجهات غريبة لا يمكن أن تكون في يوم من الأيام عمودا من أعمدة أي حضارة في الكون. ولأن هذا التحدي أحد أهم تحديات المرحلة القادمة فإن طرحه في ملتقى بهذا المستوى يشارك فيه الشباب يحقق أكثر من هدف، يتمثل أبرزها في جعل الشباب يشعرون بحجم الخطر القادم، ما يعني أن عليهم جميعا أن يكونوا جزءا من حوائط الصد، ومن أدوات بناء الوعي المجتمعي لتجنيب المجتمعات هذا الخطر الكبير الذي يهدد تماسكها ويهدد قيمها ومبادئها الأخلاقية والدينية.
أما المحور الثاني والمتمثل في التواصل بين المجتمع والحكومة، فمع أهميته الذي لا يمكن التشكيك فيها إلا أن طرحه في مثل هذا الملتقى الذي تنظمه الأمانة العامة لمجلس الوزراء يكشف عن رغبة صادقة من الحكومة في هدم أي هُوة تشكلت خلال المراحل المختلفة بين الحكومة والمجتمع، وهذا دليل إيمان تام بأن الحكومة لا يمكن أن تعمل في معزل عن المجتمع.
وهذه فرصة مهمة في أن يبادر الشباب في التسجيل من أجل المشاركة الفاعلة في هذا الملتقى وليكون ضمن دائرة صناعة الأفكار.. خاصة أن البعض يعتقد أن أحد أبرز التحديات التي تعيشها الحكومات في العالم تتمثل في صناعة الأفكار وتوليدها لتتواكب من متطلبات المرحلة.. ولا شك أن صناعة الأفكار تعني تعزيز ثقافة التفكير الإبداعي وحل المشكلات عبر الابتكار، وكل ما نشاهده في العالم من حولنا بدأ عبر منظومة صناعة الأفكار والإبداع والخيال الذي استطاع أن يغير العالم من حولنا.
لذلك فإن ملتقى «معًا نتقدم» أكثر من مجرد حدث سنوي؛ إنه نموذج مصغر لرحلة عمان نحو مستقبل متقدم وطموح ومزدهر.. وفي الوقت الذي تواجه فيه سلطنة عمان تحديات القرن الحادي والعشرين فإن مثل هذه المنتديات تعدّ حيوية لضمان أن يكون لكل شريحة من المجتمع، وخاصة الشباب، صوت في تشكيل مصير وطنهم.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ترامب ظاهرة الرئيس الصفيق الذي كشف وجه أمريكا القبيح !
صلاح المقداد
حتى وإن بدأ الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب المُثير للجدل لدى الكثيرين، لا سيما أولئك الذين تنحصر نظرتهم على بعض القشور، الظاهرة رجلاً معتوهًا وكثير التخبط، ونوع من رجال السياسة الذين عدا طوره بما يصدر عنه من تصريحات وتصرفات غير مقبولة تُعبر عن الدولة الأعظم قوة في العالم ، ويعتبرونه بذلك إنسان غير مُتزن تجاوز حدود الممكن والمقبول والمعقول، ويكتفون بهذا التوصيف والتحليل لشخصية ترامب كظاهرة أمريكية قديمة جديدة وتتكرر في التاريخ بإستمرار مع اختلاف في بعض التفاصيل، فإن هذا كله لا يعني كل الحقيقة أو حتى أقل القليل منها .
وتأسيسًا على ما ترسخ في أذهان من انحصرت نظرتهم لترامب على جوانب مُعينة، فلا غرابة أن تقتصر نظرتهم لهذا الرئيس الأمريكي على الإعتقاد الخاطئ بأنه “سوبرمان زمانه وأوانه”، وهؤلاء لا يجدون غضاضة من أن يعتبروا بأن ترامب الذي تم الدفع به للبيت الأبيض تلبيةً لمتطلبات تقتضيها المرحلة، هو أول رئيس أمريكي يستطيع أن يفعل ما يشاء ومتى شاء بلا أي عائق ومانع واعتراض، وتنحصر نظرتهم للرجل عند هذا الحد فقط.
والأكثر غرابة من ذلك أن بدأ ترامب لهؤلاء الذين ينظرون إليه تلك النظرة القاصرة والمحدودة كذلك، وكأنه خارق للعادة ومُغاير لما هو مألوف ومعهود من أمريكا وديمقراطيتها الزائفة التي وصلت اليوم لأسوأ المراحل في تاريخها الأسود لأكثر من سبب يطول شرحه، ويخال لهم أن ترامب جاء بما لم يستطع أن يأتي به من سبقوه في الوصول إلى البيت الأبيض والتربع على كرسي رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية .
وفي الحقيقة أن ما بناه أصحاب هذا الإعتقاد عن ترامب يُجافي أهم مضامين الحقيقة التي تُؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ترامب لا يعدو عن كونه رجل المرحلة العُتل الصفيق بالنسبة لأمريكا ولما تحتاجه هذه الدولة الشريرة المارقة التي أشغلت العالم، وقد جاء ترامب هذا ليؤدي دوره ومهمته المحددة والمطلوبة منه ثم يمضي لحال سبيله.
فضلاً عن أن حقيقة ظاهرة ترامب التي حجبت عن الكثيرين هي ذاتها من تشير صراحةً إلى أن ترامب هذا ينتمي لعالم البزنس والمال ويمثل طبقة الإقتصاد الرأسمالي الإستغلالي الجشع وخصوصياته البرجوازية والإحتكارية بكل مساوئه.
ووفقًا لنفس الحقيقة التي تستعصي على الحجب والتغييب، فإن ترامب كظاهرة أمريكية ميكيافيلية مرحلية لا يمكن في الواقع اعتباره استثناء ومن أكثر الرؤساء الأمريكيين صرامة وقدرة على اتخاذ القرار وبأنه يمتلك كل الصلاحيات التي تخوله وتعطيه حق التصرف ليفعل ما يريد، وتصور أنه يتصرف من تلقاء نفسه بحسب رؤية البعض الضيقة واعتقادهم الخاطئ بشأن الظاهرة الترامبية هذه.
والرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الذي تم انتخابه عن الحزب الجمهوري وينتمي إلى طبقة رجال المال والأعمال، هو رجل أمريكا الذي يمثلها في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها، وما يصدر عنه يعبر عنها في كل الأحوال، والأهم من ذلك أنه يُؤدي مهمة وظيفية محددة ومرحلية طُلبت منه أو كُلف به، وما كان له أن يتصرف من رأسه كما يتصور البعض.
وقد أستهل ترامب فترة رئاسته الثانية بسلسلة من التصريحات الصاخبة واصدار القرارات المُثيرة للجدل التي لاقت استهجانًا وانتقادات دولية واسعة، ومنها اعلانه اعتزام ضم الولايات المتحدة، كندا وجزيرة غيرلاند وخليج بنما وأجزاء من المكسيك إليها، ورفع الرسوم الجمركية على عدد من الدول، والتهديد بإستخدام القوة في بعض القضايا والأماكن في العالم، والدعوة إلى تهجير سكان غزة وتأجيرها للولايات المتحدة وتهديد سكانها بالجحيم إن رفضوا التهجير القسري .
ولم يكتف ترامب بذلك بل وجه الدعوة مُطالبًا دول عربية واسلامية بدفع مليارات الدولارات لأمريكا نظير حماية وخلافه.
حيث طالب السعودية التي وصفها في فترة رئاسته السابقة بـ”البقرة الحلوب” بدفع خمسة ترليون دولار مقابل حماية وعقود سلاح قال أنها سددت ترليون منها قبل زيارته المرتقبة لها قريبا، وطالب دولة الكويت بالتنازل لبلاده عن نصف ايرادات نفطها لمدة 50 عاماً كنفقات خسرتها أمريكا حسب زعمه في تسعينيات القرن الماضي عند تحرير الكويت من القوات العراقية، وردت عليه الكويت بسداد إلتزامتها المالية تلك في حينه.
كما طالب البحرين خلال لقاء جمعه بولي عهدها قبل أيام بدفع الأموال لأمريكا وقال إن امتلاك دولة كالبحرين مبلغ 750 مليار دولار كثيرُ عليها وعليها دفع نصف هذا المبلغ لواشنطن نظير حماية، وطالب مصر بدفع نصف إيرادات قناة السويس للولايات المتحدة، وهذه المطالب من قبل رئيس الولايات المتحدة لدول معينة اعتبره عدد من المحللين والمراقبين بأنها نوع من الإبتزاز الرخيص والإستغلال الفج الذي تلجأ إليه واشنطن عادة وكانت تطلب تلك المطالب في السابق سراً واليوم اعلنتها وطالبت بها جهاراً بلا تحرج ولا خجل .
وما كان ترامب الذي لا يمكن مقارنته بأطنابه من رؤساء وزعماء العالم الثالث الذين يختزلون دولهم وحكوماتهم وقوانينها في شخصياتهم، كون أمريكا دولة مؤسسات وترامب مجرد موظف له صلاحيات محددة لا يتجاوزها، فيما الأمر يختلف بالنسبة لزعماء وحكام العالم الثالث الذين يمسكون بأيديهم مقاليد الأمور ويعتبرون كل شيء في بلدانهم ومصدر كل شيء وفوق كل القوانين.
وترامب الذي يثير اليوم الجدل والإهتمام وتسلط عليه الأضواء، نظراً لتصريحاته الغريبة ومواقفه الأكثر عجبا وإثارة للجدل في قضايا عدة على مستوى العالم، يمثل ظاهرة خاصة بالولايات المتحدة ويعبر عنها، وبإختصار شديد يمكن القول اجمالاً : إن ترامب بصفاقته وجرأته وحدة وقاحته وصراحته هو الرجل الذي اسقط القناع عن وجه أمريكا القبيح وكشف بما يصدر عنه حقيقتها وهذا هو التعليل الأنسب والأصدق للظاهرة الترامبية وما يترتب عليها من آثار وتداعيات.