الغرف الإعلامية الكيزانية وشبكاتها الخفية: فجور الخصومة وشهادات الزور!

رشا عوض

تابعت منذ أمس حملة منظمة معلومة المصدر لاتهامي بالتستر على انتهاكات قوات الدعم السريع في مناطق سيطرتها عبر نفيها وتبريرها والقفز مباشرة إلى تكريس أكذوبة أن من يقولون لا للحرب هم حلفاء حميدتي وحاضنته السياسية، وكل ذلك استناداً إلى اجتزاء مقطع نصف دقيقة من حلقة حوارية استمرت لأكثر من ساعة في تلفزيون الشرق من تابعها سيفهم السياق كاملاً، ولكن من أين لجنود إبليس الأمانة والموضوعية وهم من محترفي صناعة الأكاذيب لاغتيال أي شخصية عجزوا عن مقارعتها فكرياً في القضايا المركزية.

مجمل مداخلاتي في الحلقة ركزت على أن مصلحة المواطنين الراجحة والأكيدة هي إيقاف طاحونة الحرب عبر حل سياسي تفاوضي لأن استمرار الحرب لا يعني سوى استمرار الانتهاكات وتقسيم البلاد وللتدليل على قبح الحرب ذكرت أن أزمنة السلم لم تشهد انتهاكات كالتي تمت في هذه الحرب رغم أن قوات الدعم السريع كانت موجودة وبعشرات الآلاف في الخرطوم فما هو الخطأ في ذلك؟ خصوصاً أن من ضمن المشاركين في الحلقة من كان يدافع عن الخيار الذي يقود إلى استمرار الحرب وتوسيع رقعتها عبر الدعوة إلى تسليح المواطنين وانخراطهم في القتال فكان لا بد من الرد على طرحه بأن دعوته هذه ضد المواطنين وسوف تعرضهم لانتهاكات أوسع وأفظع وشرح أن العاصم للمواطنين هو تحقيق السلام وليس صب مزيد من البنزين على نيران الحرب، فما المشكلة في ذلك؟ هل واقع السلم وواقع الحرب متساويان؟ هل من عاقل يغالط في بداهة أن واقع الحرب هو الأرضية الخصبة التي تنبت الانتهاكات بحكم الفوضى وانهيار النظام القانون! هل من دولة في العالم غرقت في الحرب وسلم مواطنوها من الانتهاكات ابتداءً من دول العالم المتحضر في أوروبا مروراً بالدول العربية وصولاً إلى قارتنا الأفريقية المنكوبة! هل من كان صادقاً مخلصاً في حماية المواطنين من الانتهاكات يمكن أن يكون بوقاً لاستمرار الحرب وتوسعة رقعتها في ظل جيش هارب ومتنصل من أدنى مسؤولية تجاه المدنيين وفي ظل شياطين يوزعون السلاح بعشوائية في عملية ستفاقم الانتهاكات إذ أنها ببساطة ستجعل كل مواطن هدفاً عسكرياً مشروعاً وبدلاً من فقدان الأموال والعربات والطرد من المنازل سيفقد الناس أرواحهم وبالجملة عندما يصبحون طرفاً مسلحاً في الحرب، وبداهةً من يدفع المواطنين إلى القتال فهو يريد استغلال المواطنين والاستثمار في آلامهم ومعاناتهم لدفعهم دفعاً لخوض معركته السياسية ولا يهمه الويلات التي سيتعرضون لها.

الترويج الكثيف للمقطع المجتزأ هدفه سياسي بامتياز وهو رد فعل على ما طرحته من أفكار سياسية هم عن مواجهتها عاجزون فاستخدموا السلاح الوحيد الذي هم فيه ماهرون وهو إثارة الغبار الكثيف حول صاحبة الرأي لحجب رأيها تماماً! وكذلك إثارة الغبار حول تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” التي برزت بقوة وتصدت لمهمة التعبير عن صوت المدنيين والانحياز الحقيقي لهم عبر بذل كل ما في الوسع لإيقاف هذه الحرب لأن إيقافها هو الحل الجذري لمعاناة المواطنين، فالفلول ومشايعيهم وعملائهم هدفهم الاستراتيجي الآن هو التعبئة الحربية وبث خطاب الكراهية والحرب ويريدون إخراس أي صوت للسلام وهيهات!

لست بحاجة لأن أقدم مرافعة عن نفسي أثبت فيها براءتي من تأييد انتهاكات الدعم السريع ضد المواطنين وتبرئته من المسؤولية عنها أمام محاكم تفتيش منصوبة بواسطة أبواق النظام الذي بدأ عهده بدق مسمار في رأس طبيب وانتهى بدق خازوق في جسد معلم وبينهما الإبادات والمجازر الجماعية التي نفذها الجنجويد تحت سمع وبصر وتخطيط ومشاركة أساتذة حقوق الانسان الجدد وجيشهم الهمام!!

تركتهم يستمتعون بتداول المقطع فرحين بالعثور على كنز جديد ربما يجعل الجمهور المستهدف بالتضليل ينسى أكذوبة ساعة الحسم وأكذوبة موت حميدتي ودفنه مبتور الساق ومفقوء العين بعد غسل جنازته وتكفينه بواسطة أحد أقرباء مبارك الفاضل! وأكذوبة تحرير الخرطوم انطلاقاً من مدني بواسطة المستنفرين!

ولكنهم يتناسون أن إرشيفي المكتوب والمسموع والمرئي مبذول في الصحف والأسافير على مدى عقدين من الزمان! منذ أيام موسى هلال وحريق دارفور ونزع مقالاتي بمقص الرقيب أو رفض نشرها لأنها تردد الدعاية الإمبريالية والصهيونية ضد النظام الإسلامي إذ كانت انتهاكات الجنجويد في ذلك الحين جهاداً في سبيل الله لأنهم كانوا في حماية سلطة الكيزان! ومنذ جرجرتي إلى المحاكم بسبب انتقاد انتهاكات جهاز الأمن! ومنذ أن كان أساتذة حقوق الإنسان الجدد يلعقون بوت البشير رمز السيادة الوطنية ويجب أن نجاهد الكفار الذين أصدروا ضده أمر قبض من محكمة الجنايات الدولية بسبب “الانتهاكات الجهادية” في ذلك الوقت وكنت أنا ومن موقع الانحياز للضحايا أنادي بتسليم البشير وأحمد هارون لمحكمة الجنايات الدولية بدون لجلجة!

وحتى في سياق هذه الحرب حديثي عن إدانة الانتهاكات موثق بصورة  متواترة وكل من يغالط في ذلك كذاب ووقح وبجح أو مجند بوعي أو بدون وعي في كتائب الجداد الإلكتروني وغرف الدعاية الحربية، ودائماً الفجور في الخصومة يجعل صاحبه شاهد زور يتعامى عن الحقائق المجردة ولكن مهما بلغ الفجور فلن ينجح الفجرة في محو مئات المقالات والمقابلات التلفزيونية ومقاطع البودكاست والبوستات في هذه الصفحة بمقطع مجتزأ من سياقه ينشط في ترويجه الأمنجية.

الهستريا التي صاحبت ترويج مقطع الفيديو المجتزأ، سببها هو الموقف النزيه المنحاز فعلاً للضحايا في قضية الانتهاكات، وخلاصته كما وردت في مقالتي بعنوان “حرب السودان وابتذال قضية الانتهاكات المنشورة بصحيفة التغيير 23 يوليو 2023 التي قلت فيها بالنص “الحرص على سلامة المواطنين يقتضي السعي لإيقاف الحرب لتجفيف منبع الانتهاكات وقطع جذرها الرئيس، ولكن من وجهة نظري، أثناء الحرب يجب أن تدين القوى المدنية الديمقراطية الانتهاكات المصاحبة للقتال انتصاراً لمبادئ حقوق الإنسان في المقام الأول، وكجزء من عملية التعبئة ضد الحرب وتعرية أطرافها وعزلهم سياسياً، وتكريس خيار السلام والحلول السياسية التفاوضية، ويجب أن يصدر ذلك عن منصة مستقلة سياسياً عن طرفي القتال، فلا تتردد في كشف تفاصيل الانتهاكات وإدانتها وتسمية الجهة المسؤولة عنها دون أغراض سياسية، ويجب أن يكون لدينا مرصد مستقل لتوثيق جرائم التعذيب والقتل والاغتصاب والاعتقالات والاخفاء القسري ونهب الممتلكات وطرد المواطنين من منازلهم واحتلالها وكل ذلك بشكل مهني يتحرى المصداقية استعداداً لتحقيق العدالة للضحايا مستقبلاً، فلا للصمت أو التستر على انتهاكات الدعم السريع، ولا للصمت أو التستر على انتهاكات الجيش”.

وطبعاً الكيزان ضد التصدي للانتهاكات من منصة ديمقراطية تدعو للسلام، وحياة المواطنين لا تعنيهم أصلاً، بل يريدون استخدام الانتهاكات كوسيلة للتجييش والحرب الأهلية والفتنة العنصرية وفي المحصلة النهائية حسم الصراع السياسي لصالحهم، يريدوننا أن نتناول قضايا الشعب السوداني من زاوية مصالحهم السياسية، فعندما نتحدث عن الانتهاكات يجب أن لا نربط ذلك بنبذ واقع الحرب والدعوة إلى السلام، ويجب أن ندين طرف واحد هو الدعم السريع ونصمت تماماً عن انتهاكات الجيش، يجب أن ندعو لاستئصال الدعم السريع من الكرة الأرضية لأنه احتل منازل المواطنين ولكن علينا أن لا نتذكر في هذا السياق أن طيران الجيش قصف منازل المواطنين وهم بداخلها وفقدوا أرواحهم وتقطعت أشلاؤهم وروائح جثثهم تنبعث من تحت الأنقاض! يجب أن نقتصر على إحصاء قتلى الدعم السريع وضحايا التعذيب بواسطة استخباراته من المدنيين الأبرياء ونتستر على قتلى الاستخبارات العسكرية من الأبرياء على الهوية القبلية وننسى دورها في إشعال الفتن القبلية واعتقال المدنيين!

ولذلك فإنهم يكذبون ويتحرون الكذب- وهو صنعتهم- عندما يقولون القوى المدنية لم تدن انتهاكات الدعم السريع! القوى المدنية أدانت انتهاكات الدعم السريع مقرونة بانتهاكات الجيش ولكن الكيزان وعملاؤهم يريدون إدانة مغلظة لطرف واحد فقط والصمت عن الطرف الآخر مع إهدار السياق الكلي الذي أفرز الانتهاكات ممثلاً في واقع الحرب والخلل البنيوي في كامل المنظومة العسكرية والأمنية المصممة على قمع المواطن وإهدار حقوقه. باختصار يريدون تسليط الضوء على جزء من الصورة وحجب الصورة الكاملة لما يجري كلازمة للتضليل وتمرير الأجندة السياسية الكيزانية  وهيهات!!

مهما أثاروا الغبار الكثيف حولنا بشهادات الزور والبهلوانيات الإسفيرية وأكروبات تقطيع الفيديوهات فلن نخضع لابتزازهم الأرعن! ولن نتزحزح عن الموقف الأخلاقي والوطني المحترم من قضية الانتهاكات الذي ينطلق فعلاً من الانحياز للضحايا وذروة سنام الانحياز للضحايا هي رفع راية لا للحرب، وإلى أن تتوقف الحرب ليس في فمنا ماء تجاه انتهاكات الدعم السريع وإرشيفنا يشهد، ولكنهم عبر الابتزاز والبلطجة يريدوننا أن نساعدهم في استغلال الانتهاكات في التعبئة الحربية وتوسيع دائرة الحرب التي تعني بالضرورة زيادة الانتهاكات كماً ونوعاً وطريقنا هو إدانة الانتهاكات والدعوة إلى إيقاف الحرب وتحقيق السلام لتجفيف منبع الانتهاكات وقطع جذرها الرئيس. هذا هو طريق الشعب طريق السلام الذي نحن فيه ماضون وعلى ثقة بأن الزبد سيذهب جفاء وما ينفع الناس سيمكث في جوف الأرض.

الوسومأحمد هارون الإنقاذ الحرب الدعم السريع السودان الكيزان المحكمة الجنائية الدولية تسليح المواطنين رشا عوض طيران الجيش عمر البشير لا للحرب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أحمد هارون الإنقاذ الحرب الدعم السريع السودان الكيزان المحكمة الجنائية الدولية تسليح المواطنين رشا عوض طيران الجيش عمر البشير لا للحرب انتهاکات الدعم السریع واقع الحرب ویجب أن یجب أن فی ذلک

إقرأ أيضاً:

ارتفاع حصيلة هجوم لقوات الدعم السريع بغرب السودان إلى 38 قتيلًا

أسفر هجوم شنته قوات الدعم السريع السودانية بطائرة مسيّرة، عن 38 قتيلًا على الأقل في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب)، وفق حصيلة محدثة أعلنها ناشطون محليون الأحد.
وأعلنت "تنسيقية لجان المقاومة -الفاشر" في بيان نشرته على فيسبوك "ارتفاع حصيلة مجزرة حي أولاد الريف بالفاشر إلى 38 شهيدًا" منذ وقوع الهجوم في وقت متأخر السبت.
أخبار متعلقة 10 ملايين دولار.. الاحتلال الإسرائيلي يكشف عن خططه في الجولانرابطة العالم الإسلامي تُدين قرارَ بتوسيع الاستيطان بالجولان

مقالات مشابهة

  • مطالب دولية بحماية المدنيين مع تزايد انتهاكات "حرب السودان"
  • القاهرة الإخبارية: اقتصاد سوريا المحاصر يعاني من تضخم مستعر وفقر مدقع |فيديو
  • مستشار لقائد الدعم السريع يرحب بالمبادرة التركية وفق شروط محددة
  • "كلهم اغتصبوني.. كانوا ستة"! شهادات مروعة عن جرائم قوات الدعم السريع في السودان
  • ارتفاع حصيلة هجوم لقوات الدعم السريع بغرب السودان إلى 38 قتيلًا
  • الاتحاد الدولي للصحفيين يناقش مع صحفيين يمنيين وسبُل محاسبة المتورطين في الانتهاكات التي تطالهم
  • الدعم السريع تصادر أجهزة “استارلينك” من سكان القطينة
  • جدّة- ميتر لرصد الانتهاكات في السودان
  • " أوقفوا تسليح مجرمي الحرب".. حملة إلكترونية لمؤسسة ماعت تكشف الشركات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان
  • جدّة – ميتر لرصد الانتهاكات في السودان