لجريدة عمان:
2025-01-09@01:26:05 GMT

«المغيّب» في كتب التراث العمانية

تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT

كثيرة هي الحكايات المرتبطة بالمغيّبين، لا سيما التي دارت على ألسنة الناس في التعريف أو في سرد قصص المغيّب أو المسحور. ويُطلق لفظ «المَغايْبة» أو«المغيّب» على الإنسان الذي يعود حيًّا من رحلة الموت، وهو لفظٌ دَرَجَتْ عليه ألسنةُ الناس في المحكي الشفاهي.

وجاء ارتباط المغيّب بعالم السحر والسحرة الذين يقومون بأدوارهم في قتل الناس في إشارة إلى الخوارق العديدة التي تقام على أيدي السحرة، ومعها يمكن للمسحور بطريقة أو بأخرى بحسب الروايات الشفهية المتداولة العودة إلى عالم الحياة فارًّا من سطوة الساحر إلى عالم التغييب، وهنا دارت ألسنة الناس بكثير من الحكايات والقصص، جعلت من هذا العالم خياليا إلى حدود لا يقبلها العقل البشري، فإلى أي حد يمكن عودة الميت إلى الحياة في هيئة فاقد للإدراك أو متلبس بصكوك ونذور أقامها عليه السحرة.

لقد استطاع الأدب العودة إلى التراث الشفهي في بناء نصوصه من مرجعياته الحكائية، فكما تطرقنا إلى صورة الساحر في المرجعيات التراثية، فإن للكتابة الأدبية والتراثية مرجعيات تخبرنا عن صورة المغيّبين، وهي صورة تأخذ انطلاقتها من الذاكرة التراثية والمكانية في مجتمعاتنا.

قد نجد صورة المغيّب حاضرة في الأدب العماني، وهي صورة مستمدة من التراث وحكاياته، وهنا فإنّ المتلقي يقف حائرا في قراءة الواقع وارتباطه بالكتابة الإبداعية، لكن وعلى ما يبدو فإنّ الأدب يكوّن مرجعياته الرئيسة من مدوّنات التراث المكتوبة جاعلًا منها مرجعًا مهما لنقل الصورة المتخيّلة للكتابة الأدبية، فنجد محمود الرحبي يستفيد مما كتبه نورالدين السالمي عن فتاة نزوى في كتابه «تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان» في نسج الحكاية السردية منفتحًا على الحكاية الأصل، وكذلك فاطمة الشيدية في حفلة الموت، والروايتان كلتاهما تناولتا صورة الفتاة المغيّبة من مصادر مكتوبة سنعرض لها لاحقًا. وهنا تصبح الحكاية الشعبية أكثر رسوخًا على المدى الطويل؛ لأنها أُكّدت في هيئة نص تاريخي موثّق ومكتوب.

تظهر صورة المغيّب/ المغيّبة في كتاب (تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان: ج2/ ص112) للسالمي، وفيه يحاول إثبات وقوع هذه الحادثة من خلال ذكر المكان الذي وقعت فيه الحادثة وهو منطقة سمد وسط السويق بنزوى، والزمن في عام 1109هـ في زمن الإمام سيف بن سلطان (قيد الأرض)، واسم والد الفتاة، ثم يعرض لنا قصيدة شعريةً مجهول قائلها، يقول فيها مع تجاوز بعض أبياتها:

لقد ظهرت أعجوبة في زماننا بقرية نزوى وهي أم العجائبِ

فتاة أناس بنت ستٍ توفيت وقد قبروها في قبور الأصاحبِ

ولكنهم من بعد ظنوا بأنها أصيبت بسحرٍ قول أهل التجاربِ

فساروا لحفر القبر من بعد دفنها فما وجدوها فيه يا ذا المآربِ

فبعد سنين قد مضت وتكاملت حساب تولّى عدّه غير كاذبِ

رآها فتى ترعى شياها وعندها فتاة من الأعراب عنها بجانب

تقرّب منها ثم أمعن طرفه فما شك أنّ الشخص عين المطالبِ

فقال لها من أنتِ قالت فلانة فتاة فلانٍ من كرامٍ أطائبِ

فأيقنَ حقّا أنها بنت ماجدٍ سليلُ سليمانٍ حليف المواهبِ

وجد أبيه ماجد بن ربيعةٍ فتى أحمدٍ أهل الندى والرغائبِ

وذاك بنزوى وهي من آلِ كندةٍ وقد صحَّ هذا الأمرُ مع كل كاتبِ

ترسم الأبيات السابقة التي عرضها السالمي صورة الفتاة المغيبة التي عادت إلى الحياة، فتظهر على الفتاة علامات الإدراك حتى بعد عودتها من الموت إلى الحياة، فقد ذكرت نسب أهلها، وعندما جاؤوا بأهلها تعرّفت على أمها، وعندما سألوها عن حالها عندما وضعت في القبر أجابت بما فعله الساحر؛ إذ أخرجها من القبر ثم تركها عاريةً في الصحراء حتى مرّ عليها ناس من الأعراب فأخذوها معهم وجعلوها ترعى الأغنام لديهم.

ومع أن السالمي في عرضه للأبيات الشعرية دون نسبتها إلى قائلها، نجده يميل إلى رأي الشاعر على أن ذلك من فعل السحر، ويحاول تأكيد وقوع الحادثة بالاستدلال على المكان والزمان اللذين وقعت فيهما الحادثة، فإنّ الحادثة تظل مع ذلك نوعًا من الحكايات الشفهية التي تناقلها الناس وجمعها السالمي في كتابه وصارت نصًا كتابيًا يعبّر عن القيمة الموضوعية للحادثة.

كما تحيل القصيدة المذكورة على أسئلة عدة، عن طبيعة عودة الميت، ومستويات الإدراك لديه، وعن فعل الساحر وتركه للمسحور عائدا للحياة.

وتتقاطع القصيدة السابقة في مضمونها مع الحكاية التي أوردها سيف بن حمود بن حامد البطاشي في كتابه (إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان: ج2/ ص238) عن «رجل من وادي القريات مات، وشهد بموته ناس كثير من أهل البلد، واشتهر موته في وادي القريات جميعا، وغسلوه، وصلوا عليه، ودفنوه بمحضر أهل القرية، فأقام بعد ذلك ما شاء الله من السنين، ثم وُجد في قرية لوى من الباطنة. فلقيه رجل يعرفه، فقال له: ما أنت فلان بن فلان، الساكن وادي القريات؟ فقال له: نعم. وأبلغه أن زوجته اعتدت عدة الموتى، وتقاسم الورثة ماله. فطلب منه الرجوع إليهم ليأخذ ماله ويسترد زوجته. فقال: إنه مأخوذ عليه العهود والمواثيق أن لا يرجع إلى بلاده، وأبلغه بقصته أنه كان مريضا في بيته، والناس حوله، فنام، واستيقظ من نومه فما درى بنفسه إلا وهو في لوى. ثم علم أهل بلده فكذّب بعضهم بعضا وأتوا إلى القبر الذي قبر فيه فنبشوه فما وجدوا فيه شيئا. وكان ذلك في أيام الشيخ العالم محمد بن علي بن عبدالباقي، واستفتوه فيها، فأجابهم بأنه كالمفقود».

يحيلنا المرجع التراثي هنا على صورة مشابهة للمغيب عند السالمي، فإن الحكاية تؤكد على فعل الموت، ثم العودة إلى الحياة، والإقامة في مكان آخر ومختلف عن المكان الذي كان يسكنه. هنا تؤكد الروايات التراثية على فعل السحر ووجوده بكثرة في المجتمع، كما تؤكد على وجود المغيّب وهما شخصيتان تأخذان منحى عجائبيًا أسطوريًا في فعلهما.

وسواء آمنا بوقوع الحادثتين أو أنهما كانتا من نسج الرواة ونُقِلت إلينا عبر الزمن حتى رُصدت موثقة في مرجع؛ فإنّ صورة المغيّب تظهر لنا محمّلة بدلالات الضعف والخضوع في مواجهة قوة أخرى متمثلة في الشر يقودها الساحر كيفما أراد.

وفي ذلك يظهر دور الإنتاج الأدبي وتوليد الدلالات التي استغلها الكُتّاب في إنتاج نصوص أدبية قائمة على الصراع الفلسفي بين الشخصيات، وإيجاد دهشة وغرائبيّة في الفعل، إنه موضوع واسع يشتغل عليه الكُتّاب اليوم باللجوء إلى التراث واستعادة أحداثه وحكاياته مرة أخرى مولّدا قيما انغرست في المجتمع.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى الحیاة

إقرأ أيضاً:

القرية التراثية بالعامرات.. منصة تدعم الحرفيين وتجسد الثقافة العمانية

تعتبر القرية التراثية بمهرجان ليالي مسقط منصة لعرض المنتجات الحرفية والتقليدية كالفضيات والخشبيات والفخار وصناعة العطور والبخور وخياطة الملابس النسائية على مختلف أنواع القماش وخياطة الكمة الرجالية التي تتفنن النساء في رسم نقوشها ورسم نقوش أخرى بالحناء لتزيين أيدي النساء، إضافة إلى الوجبات الشعبية العمانية، مما يدعم كل الحرفيين ويحفزهم على استمرارية الصناعات اليدوية التي تمثل جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية، من خلال التعريف بمنتجاتهم وبيعها بشكل مباشر للجمهور، ليحصل الحرفيون على دخل مستدام يعزز من استمرارية هذه المهن، ويسهم في الحفاظ على التراث الحرفي من الاندثار.

كما تشكل الأركان التراثية عنصر جذاب في غالب المهرجانات سواءً كانت للعمانيين أو السياح، وخصوصا عندما تشدوا ألحان الفنون الشعبية العمانية بمختلف أشكالها ويتوافد الكثير من الناس لحضور القرية التراثية وتحاوطهم الأركان الشعبية لتكون سببا لدفع فضول الزوار للتعرف على المعروضات المتواجدة في الأركان وخصوصا عندما تفوح رائحة البخور واللبان مما يعزز ذلك توافد السياح للإنفاق على المنتجات التقليدية والهدايا التذكارية، ويعزز هذا الإقبال من إيرادات المهرجانات وينشط الاقتصاد المحلي.

كما تتيح هذه المهرجانات المختلفة فرصة للشباب ورواد الأعمال للدخول في سوق العمل عبر تقديم منتجاتهم وخدماتهم المستوحاة من التراث العماني مما يدعم الآباء والشباب المشتغلين في هذا المجال، وإتاحة الفرصة لهم للتسويق لأنفسهم ومشاريعهم ومنتجاتهم مما يفتح لهم المجال أمام شراكات تجارية واستثمارات طويلة الأجل مع الشركات المحلية والخارجية أو حتى المؤسسات الحكومية.

وأوضح عبد الله بن خميس اليعربي، أحد المشاركين الحرفيين في مهرجان ليالي مسقط بالعامرات أن مشروعه يعتمد على تصميم وتصنيع المجسمات الخشبية باستخدام أعواد المشاكيك أو الخيزران، مع تشكيلها وتزيينها بأسلوب فني يعكس التراث العماني.

وأشار اليعربي إلى أن الإقبال على ركنه الحرفي كان جيدًا في أيام الخميس والجمعة، بينما يقل الحضور في بقية أيام الأسبوع بسبب ارتباط الكثير من الأسر بفترة الاختبارات.

وأضاف: "رغم الإقبال في بعض الأيام، إلا أن مستوى الدخل هذا العام أقل مقارنة بالأعوام السابقة، إذ كانت المهرجانات في السابق تشهد ازدحامًا أكبر وقوة شرائية أعلى، وقد يكون السبب في ذلك تعدد الفعاليات المقامة في مواقع مختلفة، مما أدى إلى توزع الجمهور".

وعن أهدافه من المشاركة، أضاف اليعربي: "هدفي الأساسي هو استعراض الحرفيات التراثية والاحتكاك بالجمهور لتعريفهم بمشروعي، بالإضافة إلى تبادل الخبرات مع زملائي الحرفيين المشاركين في المهرجان، كما أن المشاركة في المهرجان تمثل فرصة حقيقية لاستقطاب زبائن جدد يمكن أن يتواصلوا معنا حتى بعد انتهاء المهرجان وقد جربنا ذلك في مهرجانات سابقة ".

وأكد اليعربي على أهمية الترويج للمشاريع عبر منصات التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أنها أصبحت أداة رئيسية للتسويق في عصر التكنولوجيا، واختتم بقوله: "علينا أن نواكب التطورات ولو بقدر بسيط لضمان استمرارية مشاريعنا وزيادة انتشارها".

وقالت إلهام بنت يونس المعمرية، صاحبة مشروع نقش الحناء من ولاية قريات: إن الإقبال على الركن التراثي الذي تشارك به كان جيداً بشكل عام، مع تفاوت ملحوظ حسب أيام الأسبوع، وأوضحت أن الإقبال يكون أقل خلال أيام العمل مقارنة بالإجازة الأسبوعية التي تشهد حضورًا جيدًا وأرجعت السبب في ذلك إلى انشغال الأطفال حاليًا بفترة الاختبارات، مما يصعّب على بعض الأسر زيارة المهرجان.

وأشارت المعمرية إلى أن هدفها الأساسي من المشاركة في المهرجان هو تحقيق انتشار أوسع لمشروعها المنزلي خارج نطاق الولاية قائلة: "كنت أعمل في هذا المشروع ضمن نطاق منطقتي فقط، ولكن بفضل ودعم مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح لدي زبائن من مختلف المناطق، حيث ساهم نشر زبائني لنتاج عملي على منصات التواصل المختلفة مع مشاركة حسابي ورقم هاتفي، مما أدى إلى زيادة الإقبال على عملي وتعزيز استمراريتي لأنه مصدر دخلي"، مؤكدة أن مشاركتها في المهرجان تعتبر فرصة قيمة للتعريف بمهاراتها في نقش الحناء، وستتيح لها فرصة للتوسع وإثبات قدراتها في هذا المجال كما أنها فرصة للتسويق لعملها لما بعد المهرجان.

وأكدت فاطمة بنت عوض عبد الله، إحدى المشاركات من ولاية صلالة في مهرجان ليالي مسقط بالعامرات أن مشاركتها الدائمة في المهرجان تعود إلى كونه فرصة قيمة للترويج للمنتجات المحلية التي تقوم بتصنيعها من عطور وبخور، موضحةً أن المهرجان يتيح لها إبراز جودة منتجاتها وقيمتها الثقافية من خلال التسويق المباشر والتفاعل مع الزوار.

وأشارت فاطمة إلى أن الإقبال هذا العام كان أقل مقارنة بالسنوات الماضية، ما أثر على مستوى الاستفادة المالية المعتادة، فعادةً، يسجلون استفادة مالية جيدة من خلال المشاركة في المهرجانات والمعارض مقارنة بالبيع من المنزل، ولكن هذا العام لم يكن الحال كما هو متوقع حتى الآن.

ورغم ذلك، أكدت فاطمة على أهمية المشاركة في المهرجانات لتعزيز حضور المنتجات المحلية التي تقوم الأسر المنتجة بتصنيعها واستمرارية التفاعل مع الجمهور للترويج لمنتجاتهم، مما يسهم ذلك في دعمهم كون هذه المشاريع تعتبر هي مصدر دخل يعتمد عليه.

أوضحت عايدة بنت عبد الله الحمداني، صانعة الوجبات العمانية المشاركة في المهرجان أن الإقبال خلال الأيام الماضية كان "لا بأس به"، مع تزايد ملحوظ خلال عطلة نهاية الأسبوع، مشيرةً إلى أن مشروعها لا يقتصر على كونه مصدر دخل فحسب، بل يعد وسيلة للترويج للثقافة العمانية من خلال الترويج للمأكولات التقليدية، وأوضحت إلى أن الدخل خلال أيام المهرجان كان أفضل بالنسبة لها مقارنة بالأيام العادية قبل المهرجان، حيث أتاح لها للوصول إلى جمهور أوسع.

وعن التحديات التي واجهتها قالت الحمدانية: "إن من أحد التحديات كان التقيّد بإعداد أنواع محددة من الأطعمة التي يسمح المهرجان بتقديمها، وعدم المشاركة بالأطباق التي تحتوي على اللحوم والدجاج، ربما لتجنب مخاطر التلف لأنها معرضة إلى أن تفسد، مع ذلك أوضحت أن الوقت قصير من العصر حتى المساء، مما يجعل هذا القلق غير مبرر، خاصة أن جميع الأطباق تُحضر طازجة ومباشرة على النار".

وأشادت الحمدانية بالمهرجان كونه فرصة من الممكن أن تساهم في تعزيز الدخل وترويج الأطعمة العمانية التقليدية، مؤكدة أن هذه الفعاليات تلعب دورًا محوريًا في دعم المشاريع الصغيرة وتحفيز الابتكار في تقديم التراث الغذائي بأسلوب عصري يستمتع بها المتذوق.

مقالات مشابهة

  • بعد العرض الليبي| هل سيرحل السعيد عن الزمالك؟.. أعرف الحكاية؟
  • "ليالي مسقط".. ملتقى التراث والطبيعة وجسر للترويج للمنتجات العمانية
  • منخفض جوي يستمر حتى 7 فبراير.. مفاجأة بشأن طقس الأيام المقبلة | إيه الحكاية؟
  • القرية التراثية بالعامرات.. منصة تدعم الحرفيين وتجسد الثقافة العمانية
  • أومينفست العمانية تحصل على قرض بقيمة 500 مليون دولار
  • وزير الخارجية يختتم زيارته إلى العاصمة العمانية
  • تحويل 1.5 مليون سيارة للعمل بالغاز الطبيعي في2025.. إيه الحكاية؟
  • عمق السياسة الخارجية العمانية وجوهرها
  • «الجمعية الفلكية العمانية» بهُوية جديدة
  • جسور تعرف زوار ولاية بدية بالثقافة العمانية