المراد بالظن في قوله تعالى "إن بعض الظن إثم" ومعنى كونه إثما
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن الشرع الشريف نهانا عن الظن السيئ بالناس؛ وهو: حمل تصرفاتهم على الوجه السيئ بلا قرينة أو بينة؛ إذ الأصل فيهم البراءة والسلامة؛ قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم﴾ [الحجرات: 12].
وأضافت الإفتاء، أن الإمام ابن كثير قال في "تفسيره": [﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم﴾ [الحجرات: 12]، يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا].
وتابعت الإفتاء، أن الإمام الطاهر بن عاشور يوضح جهة وجوب تمحيص الظنون، ويبين المراد بالظن في الآية، ومعنى كونه إثما، فيقول في تفسيره "التحرير والتنوير": [ولما جاء الأمر في هذه الآية باجتناب كثير من الظن علمنا أن الظنون الآثمة غير قليلة، فوجب التمحيص والفحص لتمييز الظن الباطل من الظن الصادق.
والمراد ب"الظن" هنا: الظن المتعلق بأحوال الناس، وحذف المتعلق لتذهب نفس السامع إلى كل ظن ممكن هو إثم، وجملة ﴿إن بعض الظن إثم﴾ استئناف بياني؛ لأن قوله: ﴿اجتنبوا كثيرا من الظن﴾ يستوقف السامع ليتطلب البيان، فاعلموا أن بعض الظن جرم، وهذا كناية عن وجوب التأمل في آثار الظنون، ليعرضوا ما تفضي إليه الظنون على ما يعلمونه من أحكام الشريعة، أو ليسألوا أهل العلم، على أن هذا البيان الاستئنافي يقتصر على التخويف من الوقوع في الإثم، وليس هذا البيان توضيحا لأنواع الكثير من الظن المأمور باجتنابه؛ لأنها أنواع كثيرة، فنبه على عاقبتها. وترك التفصيل؛ لأن في إبهامه بعثا على مزيد الاحتياط.
ومعنى كونه إثما أنه: إما أن ينشأ على ذلك الظن عمل أو مجرد اعتقاد؛ فإن كان قد ينشأ عليه عمل من قول أو فعل؛ كالاغتياب والتجسس وغير ذلك فليقدر الظان أن ظنه كاذب، ثم لينظر بعد في عمله الذي بناه عليه فيجده قد عامل به من لا يستحق تلك المعاملة؛ من اتهامه بالباطل، فيأثم مما طوى عليه قلبه لأخيه المسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا» متفق عليه.
وفي هذا الحديث تحذير من سوء الظن بالمسلمين من غير علم ولا تيقن
جاء في "فتح الباري" للحافظ ابن حجر: [قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إياكم والظن»، قال الخطابي وغيره: ليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالبا، بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به، وكذا ما يقع في القلب بغير دليل؛ وذلك أن أوائل الظنون إنما هي خواطر لا يمكن دفعها، وما لا يقدر عليه لا يكلف به؛ ويؤيده حديث: «تجاوز الله للأمة عما حدثت به أنفسها».
وقال القرطبي: المراد بالظن هنا: التهمة التي لا سبب لها؛ كمن يتهم رجلا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها، ولذلك عطف عليه قوله: «ولا تجسسوا»؛ وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع، فنهى عن ذلك، وهذا الحديث يوافق قوله تعالى: ﴿اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا﴾، فدل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة؛ لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن؛ فإن قال الظان: أبحث لأتحقق. قيل له: ﴿ولا تجسسوا﴾. فإن قال: تحققت من غير تجسس. قيل له: ﴿ولا يغتب بعضكم بعضا﴾].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإفتاء دار الافتاء الشرع الشريف الظن السيئ التجسس کثیر من
إقرأ أيضاً:
حكم الجنب إذا خاف من استخدام الماء زيادة مرض
حكم الجنب إذا خاف من استخدام الماء زيادة مرض سؤال يسأل فيه الكثير من الناس فأجاب بعض اهل العلم وقال فمن كان محدثاً حدثاً أكبر -وهو ما يوجب الغسل- وجب عليه رفعه بالاغتسال، فإن خاف من استخدام الماء زيادة مرض أو تأخر شفاء -ولو غلب على الظن- جاز له التيمم، قال تعالى: وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا {النساء: 43}.
وقال تعالى: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر.
وقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحـج: 78}.
وأخرج أحمد وأبو داود عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه، فقال: هل تجدون لي من رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم: أخبر بذلك، فقال: قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم. حسنه الألباني.
وأما الوضوء، فلا يجزئ، بل البدل عن الغسل هو التيمم في هذه الحالة، ومتى زال العذر عنك وجب الغسل لرفع الجنابة.
وننبه السائل إلى أنه إن كان يقدر على غسل بعض جسده وجب عليه غسل ما يقدر عليه من بدنه بدون ضرر، ويتيمم للباقي، قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16}. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتو منه ما استطعتم. متفق عليه.
قال النووي في المجموع: إذا كانت العلة المرخصة في التيمم مانعة من استعمال الماء في جميع أعضاء الطهارة تيمم عن الجميع، فإن منعت بعضاً دون بعض غسل الممكن، ويتيمم عن الباقي.