(عمان): صدر مؤخرا عن دار أهوار للنشر والتوزيع في العراق، كتاب بعنوان "همس في عتمة الكلمة - رحلة وراء الأحرف المكتومة مع غالية آل سعيد" للزميل فيصل بن سعيد العلوي، ويقع الكتاب في 190 صفحة من القطع المتوسط، وهو عبارة عن حوار طويل أجراه المؤلف مع الروائية صاحبة السمو السيدة الدكتورة غالية بنت فهر آل سعيد، حول رحلتها الأدبية وتجربتها في الكتابة والإبداع نُشر مختصرا في جريدة "عمان".

يسلط الكتاب الذي تصدرت غلافه لوحة الفنان التشكيلي إدريس الهوتي الضوء على الجوانب المظلمة والمكتومة في مسيرة الروائية غالية آل سعيد الإبداعية، في محاولة لفك شيفرات الكتابة والإبداع لدى إحدى أبرز الروائيات النسائية في الوطن العربي، ويكشف جزءا يسيرا من شخصية غامضة لطالما بحثنا عن تفاصيلها، كما يرصد الكتاب بعمق رحلتها في عالم الرواية ويسلط الضوء على التحديات والإنجازات التي واكبت مسيرتها، ويفصّل تميز الكاتبة وقدرتها الاستثنائية على تجميع العالمَين التقليدي والحداثي في أعمالها الأدبية والمشاريع الثقافية المتعددة، وهو التوازن الفريد الذي يتجسّد في قصصها وشخصياتها العميقة، التي تشعر القرّاء بالتواصل الفوري والعميق مع الواقع الذي ترسمه.

ويكشف الكتاب الصادر حديثا والمؤمل تدشينه في معرض مسقط الدولي للكتاب كما يقول مؤلفه "إن التحدّث عن تجربة تمثّل اليوم بلا شك أحد أبرز فصول السرد العماني المعاصر يحمل في طياته جمالية خاصة هذه التجربة، مع كل تفرداتها وتعقيداتها، تتعانق مع التحولات الراهنة التي تمر بها المنطقة، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي ليس هذا فحسب، بل تجسّد هذه التجربة أيضًا حياة الكاتبة نفسها وأبطال رواياتها، ورغم ظروف الحياة الصعبة والتحديات المستمرة، فإن شخصيات رواياتها تتميز بالثبات والاستقرار، مستندة إلى جذورها العميقة. في هذه التجربة المتميزة، تبرز الكاتبة كمرآة تعكس واقعنا، متأملة في التغيرات المستمرة، وتفهم تماما الأوجاع والآمال المرتبطة بكل حالة انفصال وغربة، كما أنها تسلط الضوء بحنكة على قضايا المهمشين واختلالات مجتمعاتهم، وكيفية التعاطي مع التحديات والتحولات المستمرة. المجتمع معهم بعمق وحساسية. فمن يعيش في الأقاصي، يتجذر بعمق في ذاكرته وتراثه، معترفا بأن الحياة مليئة بالتحديات والتحولات المستمرة".

الأديب سماء عيسى كتب تقديما للكتاب قال فيه إن الكاتبة وُلِدت في حقبة زمنية تعترف بأنها حقبة صعبة جدا، ذلك بالطبع معيشيا، من النواحي كافة، الظرف المعيشي الصعب التي ربطته بأحداث العالم آنذاك، العالم الذي خاضت شعوبه حربين عالميتين الأولى والثانية، وتركت -وهي بالطبع مُحقة- آثارها الاقتصادية الصعبة على الناس في عمان، فهي ابنة مسقط القديمة قبل اتساعها وتمددها، مسقط المسورة المغلقة على سكانها، هي إياها مسقط التي هرب منها سكانها هروبا جماعيا، بمجرد أن وجدوا الفرصة في تركها إلى حواضر أخرى، مشكّلة في الحالتين المادة الغزيرة لإبداعها الروائي المتميز.

وانطلق الكتاب ليبدد فكرة "الغياب" عن الوسط الذي عَزته غالية آل سعيد إلى وفائها لمشروعها الثقافي حيث تقول "تجدني كأي شخص آخر، لديّ مشاغل واهتمامات كثيرة ومختلفة تتطلب إشرافي وتفاعلي وسيري معها، وربما أجد الاختفاء مجديا وضروريا لتكملتها، المشاغل هي التي تدفعني للتواري الذي أشرت له.. وحاليا، أسعى جاهدة لتأسيس المتحف الجديد، وقد أخذ وقتا طويلا لأسباب عدة ومختلفة. إضافة إلى المتحف، تظل هناك اهتماماتي الروائية، فمطالبها لا تخمد ولا أريد قطعها، كل هذه الاهتمامات إنجازها يتطلب الوقت الطويل، والعزلة شبه التامة، عندما أكتب لا أجد ملجأ غير العزلة، وبجانب الأعمال الروائية، أطمح في تأليف بعض الكتب المختلفة، بعضها له علاقة بالمتحف".

وتصف "غالية آل سعيد" في سؤال عن مسقط الذاكرة والحكاية، مدينة مسقط التي تبدأ بيوتها "من مدخل الباب الكبير وتنتهي ببوابة مثاعيب"، وتنظر من إحدى جوانب قصر السلطان (قصر العلم العامر)، "سفن البضائع والمسافرين آن وصولهم إلى الجمرك. المسافرون يودعون ذويهم بالدموع خوفا من عدم رؤيتهم ولقائهم مرة أخرى. والقادمون يذرفون الدموع آن وصولهم شاكرين الله على سلامة الوصول وتفادي مخاطر البحر والسفن البدائية". وتوثق غالية آل سعيد، توزيع البيوت حول قصر العلم العامر حيث تقول "بتضاريسها المختلفة: جبالها الشاهقة، وبحرها المترامي الأطراف، وقلاعها الساكنة أعلى الجبال، ومبانيها.. وهنا أعني ما تبقى من القلة القليلة من تلك المباني والبيوت القديمة التي بقيت من حقب مضت. بيوت بسيطة الهندسة والتصميم، يحق لنا وصفها بتجريدية الشكل خارجيا وداخليا، لقلة ما تحمله من زخرفة فهي أشبه بأماكن العبادة.. وعكس ما ذكرت للتو، بيوت اليوم تؤسس على زخارف خارجية وداخلية، أثقلتها بتفاصيل كثيرة ومتضاربة. أظن الأمر يتعلق بنزعة الناس لإظهار الغنى والذي يتحول إلى بذخ مبالغ فيه. ولم توجد نزعة البذخ هذه في تصميم البيوت العمانية في الزمن القديم.. وهكذا. بجانب ذلك، وجدنا الاهتمام بتعليم الشباب في المدرستين الأساسيتين للأولاد: المدرسة السعيدية؛ واحدة في مسقط والأخرى في مطرح. مدرسة الإرسالية كذلك؛ واحدة في مسقط والأخرى في مطرح. بالمناسبة، المدرسة الإرسالية كانت مختلطة.

ولم تغفل صاحبة السمو السيدة غالية آل سعيد عن القضية الفلسطينية وحضورها في الوجدان؛ تقول حول "ازدواجية المعايير": هناك مماطلات سياسية ودبلوماسية بشأن القضية الفلسطينية الشائكة، التي لم تحل رغم مرور السنين.. صدرت مئات القرارات إن لم تكن آلاف من القرارات المتتالية لمعالجة المشكلة وحلها، ولكن تجدها ما زالت كما هي عليه، منذ سنة التقسيم 1947 ودون حلٍ مجدٍ للفلسطينيين، فالفشل في إيجاد تسوية مجدية عائد لحق الفيتو الذي تتمتع به الدول الخمس في مجلس الأمن الدولي. حق النقض هذا يمنع التصديق على أي قرار يُتّخذ في شأن هذه المشكلة؛ إن كان سيضعف إسرائيل سياسيا وعسكريا، أو كان يتعلق بطبيعة الواقع الإقليمي.. بجانب مشكلة القضية الفلسطينية، هناك قضايا سياسية واقتصادية ودبلوماسية، وغيرها أخرى عديدة صغيرها وكبيرها تسبب التهميش والإحباط. لم توجد لها حلول: إما عمدا أو بسبب تعارض آراء الأعضاء الخمسة في شأنها، أو عدم الاكتراث لقضية لا تجلب فائدة لتلك الدول التي تتغذى على المنفعة والمصالح الاقتصادية.

كما عرجت الكاتبة على مسألة التهميش في المجتمعات مؤكدة أنه لا يوجد سبب واحد أو رئيس يقف خلف التهميش كما يظن البعض، مشيرة إلى أنه في السنوات القليلة الماضية تضرر العالم بأضرار مختلفة ومخفية لم يخمن أحد إطلاقًا حدوثها، ويمكن القول إنها هزّت العالم حتى النخاع؛ كما لم تهزه من قبل، أحداث مثلها، أهمها جائحة كوفيد-19 الوبائية، والصراع بين روسيا وأوكرانيا والذي غيَّر معادلات وترتيبات كثيرة بين الدول سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا وبالأحرى اقتصاديا.

وإضافة إلى الكثير من المواضيع المتنوعة التي تحدّثت عنها غالية آل سعيد في الكتاب وصفت المشهد العماني بأنه حافل بالأدباء والكتّاب الذين قاموا بتجارب إبداعية عديدة ومتنوعة، مؤكدة أن القضايا العمانية لم يتم تجاهلها؛ وقد وجدت حظها في أعمال كثيرة من غير أعمالها، وقالت "الرواية العمانية لم تخسر شيئا إن لم تركز أعمالي الروائية تحديدا على الشخصيات العمانية، تجربتي تتعلق بالخارج، وإن لم تتجاهل الداخل. أظن أن رواياتي تمزج بين الداخل والخارج، هذا هو التحدي الذي يجب الغوص في عناصره المركبة والمعقدة والمتناقضة"، مشيدة بالعديد من الأسماء الروائية والقصصية في المشهد الثقافي العماني وما حازت عليه من جوائز عالمية وعربية.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الإصدار يعد الرابع للكاتب فيصل بن سعيد العلوي حيث صدر له ثلاثة كتب وهي «أرق» (2008م) -مجموعة شعرية- عن وزارة التراث والثقافة، و«بوح الشعر الشعبي» (2014م) عن دار الغشّام للنشر والترجمة وهو مجموعة مقالات وصل عددها لقرابة 50 مقالا، و«بوجه الريح والصحراء»، (2018م) -مجموعة شعرية- عن الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، ودار مسعى للنشر والتوزيع.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مثقفون اردنيون يعاينون مسيرتهم الإبداعية استضافهم كرسي عرار في جامعة اليرموك.

#سواليف – محمد الأصغر محاسنة/ اربد / جامعة اليرموك .

قدم كتاب و #مثقفون #أردنيون، شهادات إبداعية حول تجاربهم الشخصية في الكتابة الابداعية صباح أمس في #جامعة_اليرموك . الندوة التي رعاها مندوبا عن رئيس الجامعة الدكتور موسى ربابعة المساعد للشؤون الأكاديمية صباح أمس بعنوان : “ندوة أعلام من الشعر الأردني ” : الدكتور راشد العيسى، يوسف عبد العزيز، مهدي نصير، “شهادات إبداعية”، والتي نظمها كرسي عرار للدراسات الثقافية والأدبية في الجامعة .

الحفل الذي ادار مفرداته استاذ اللغة العربية الدكتور الشاعر عمر العامري أكد الربابعة في كلمة له عن دور جامعة اليرموك الثقافية والعلمية وجهود جامعة اليرموك في إقامة نشاطات علمية وإبداعية متنوعة في شتى وسائل المعرفة.

وعن رسالة الجامعة اكد الربابعة بأن اليرموك منذ تاسيسها لازالت وستبقى منارة ثقافية تنهض برسالتها العلمية.

مقالات ذات صلة جلسة ثقافية في الرمثا للتوعية بحقوق المرأة والإنسانية عامة ضمن اتفاقية بكين 30 2024/12/19

وأضاف ربابعة منذ تأسيس كرسي عرار ٢٠١٠ يقوم بدور ثقافي كبير استطاع بادارته ان يسلط الضوء على رواد الحركة الادبية منذ تأسيس الدولة الاردنية . مؤكدا على احتفالنا هذا الصباح بشهادات ابداعية لمبدعين اردنيين .

من جانبه تحدثت أستاذة الأدب العربي في جامعة اليرموك شاغل كرسي عرار الدكتورة الاديبة ليندا عبيد قائله” تأتي هذه الندوة برؤية ثاقبة وتستحق لمسيرة قامات ثقافية وطنية ، ودورنا في كرسي عرار نأخذ بعين الجد تسليط الضوء على ابداعات اردنية اثبتت على الساحة الأردنية و العربية دورها الثقافي والتنويري .

واستهلت فعاليات الندوة، على عرض فيلم قصير حول الشعراء ، وافتتحت الندوة التي أدارتها الدكتورة ليندا عبيد بشهادات إبداعية للمشاركين عاينوا فيها تجربتهم الشعرية ” وقدموا في نهاية الندوة قراءات شعرية عاينت ايضا احوال الذات والحياة .
وكرم راعي الحفل الربابعة وعبيد الشعراء المشاركين بحضور جمع كبير من اعضاء هيئة التدريس في الجامعة ومدير ثقافة اربد الدكتور سلطان الزغول، وطلبة الجامعة والمهتمين بالشأن الثقافي والاعلامي.

مقالات مشابهة

  • انطلاق "مارثون الأفكار الإبداعية" في عبري
  • شاهد بالفيديو.. سيدة خليجية تشكو من انتشار الكلمة السودانية “زوووط” في الشارع الخليجي: (بدي أعرف من اخترع هذه الكلمة ولماذا تقال في كل سالفة)
  • إبراهيم عبدالمجيد يصدر أحدث رواياته «32 ديسمبر» في معرض الكتاب 2025
  • مقرر لجنة الحريات في رابطة الكتاب الأردنيين .. عليك السلام يا أحمد حتى نراك حراً طليقاً
  • ثلاث نساء في غرفة ضيقة".. مجموعة قصصية جديدة للروائية هناء متولي
  • التفاصيل الصغيرة تصنع الحكايات الكبيرة.. أسرار الكتابة الإبداعية في معرض جدة للكتاب
  • "جمعية الكتاب" في جنوب الباطنة تحتفل بيوم اللغة العربية
  • معرض جدة للكتاب يسلط الضوء على علاقة الفن بالفلسفة والقراءة المتخصصة والكتابة الروائية
  • السياحة الثقافية و جهود السعوديين في خدمة العربية والكتابة الإبداعية
  • مثقفون اردنيون يعاينون مسيرتهم الإبداعية استضافهم كرسي عرار في جامعة اليرموك.