قال جنرال سويدي إن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يمكنه كسر حماس أو إجبارها على الاستسلام.

وكشف الجنرال أن التحديات التي يواجهها جيش الاحتلال في غزة أكبر بكثير من التحديات التي واجهها الجيش الأمريكي في الفلوجة أو الموصل.

وكتب رئيس أركان الجيش السويدي السابق أندريس بيرسون في صحيفة "هآرتس" مقالا بعنوان: "لماذا لا تستطيع إسرائيل قصف حماس وإجبارها على الاستسلام؟"

وتطرق بيرسون في مقاله إلى حادثة تعود إلى عام 2016 حين شوهد بنيامين نتنياهو في الكنيست وفي يده كتاب.

وتساءل الصحفيون الإسرائيليون بفضول عما كان يقرأه رئيس وزرائهم.

وتبين أن الكتاب هو "ليس أقل من النصر: الحروب الحاسمة ودروس التاريخ"، للمؤرخ جون ديفيد لويس. الحجة الرئيسية للكتاب هي أنه من الممكن كسر إرادة العدو في القتال من خلال العنف الساحق، وأنه في الحروب الحاسمة، يُعطى العدو احتمالين: الاستسلام أو الموت.

وفي ذلك الوقت أشارت صحيفة "هآرتس" إلى أن "الزمن قد يخبرنا عما إذا كان كتاب لويس يؤثر على التفكير العسكري المستقبلي لرئيس الوزراء".


"والآن حان الوقت كي تواجه "إسرائيل" أصعب عملية لمكافحة التمرد في العصر الحديث، وربما في التاريخ العسكري"، بحسب بيرسون الذي يضيف إن "التحدي الذي تواجهه "إسرائيل" أكثر تعقيداً بكثير مما واجهته أمريكا في أماكن مثل الفلوجة والموصل".

ويتوقع بيرسون، وهو أستاذ بالعلوم السياسية في جامعة لينيوس بالسويد، أن نتنياهو يتطلع إلى الأمثلة المذكورة في كتاب لويس كدليل إرشادي. لكنه يستدرك قائلا: "المشكلة هي أن الحرب في غزة قد لا تكون لها سابقة، وأن حماس تثبت أنها عدو لدود على نحو خاص".

أظهر لويس في كتابه من خلال دراسة ست حالات من العصور القديمة إلى الحرب العالمية الثانية أن الانتصارات الساحقة في الحروب يمكن أن تؤدي إلى اتفاقيات سلام ليست مستقرة ودائمة فحسب، بل أخلاقية أيضًا.

وتبين فصوله عن ألمانيا النازية واليابان أنه من الممكن بالفعل إجبار القوى العظمى على الاستسلام، وسحق الأيديولوجيات وقصف الأفكار التي يمكن القول إنها أقوى من حماس وإسلاميتها المتشددة اليوم في غزة.

وفيما يتعلق بألمانيا النازية واليابان، كتب لويس أنه لم يكن كافيًا هزيمتهم في ساحة المعركة، بل التدمير الكامل والدائم للقدرة العسكرية لهذين البلدين وإرادتهما في القتال. باختصار: "الاستسلام غير المشروط".

كان استسلامهم غير المشروط يعني إنقاذ الملايين من الألمان واليابانيين من موت محقّق واستعادة حياتهم. وفي كلا البلدين، حل السلام محل الحرب كسياسة وطنية.

ليس من المثير للجدل في دراسات الحرب الأكاديمية العثور على حجة مفادها أن هدف الحرب هو هزيمة إرادة العدو في القتال، أو أن الانتصارات الحاسمة تؤدي إلى سلام أكثر استقرارًا.

وقد لاحظت الدراسات وجود اتجاه على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية نحو تحقيق انتصارات عسكرية لصالح اتفاقيات السلام التي تم التفاوض عليها، بدءاً من عام 2009 عندما هزمت الحكومة السريلانكية بشكل حاسم "نمور التاميل"، الذين كان يُنظر إليهم ذات يوم باعتبارهم واحدة من أقوى المنظمات الإرهابية في العالم. والمثال الآخر هو قيام روسيا بإنهاء "عملية مكافحة الإرهاب" في الشيشان بعد أن سحقت بوحشية المقاتلين الإسلاميين هناك، مما يثبت أنه من الممكن قصف حتى الإسلاميين المتشددين لإخضاعهم.

لكن الظروف، يقول بيرسون " في غزة تختلف كثيراً عن غيرها من الصراعات الأخيرة أو الماضية. إنها فريدة من نوعها لأن المنطقة هي واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم. كما تحكم حماس غزة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وهو أمر فريد من نوعه بين المنظمات "الإرهابية" الإسلامية، التي تحكم عادة لبضع سنوات فقط قبل الإطاحة بها".

وفقا لزعيم حماس يحيى السنوار، قامت منظمته ببناء أكثر من 500 كيلومتر من الأنفاق تحت غزة، ما يسمى "مترو غزة".


وعلى عكس الولايات المتحدة وروسيا في العراق وسوريا، ليس لدى إسرائيل أي حلفاء محليين في غزة للمساعدة في القتال. وينشط الجيش الإسرائيلي أيضًا في كل من الضفة الغربية وعلى طول الحدود اللبنانية، مما يعني أن جزءًا كبيرًا من الجيش الإسرائيلي منخرط في أماكن أخرى.

فباستثناء حرب عام 1948، التي أدت إلى نزوح جماعي للفلسطينيين، وحرب لبنان عام 1982، التي سعت إلى سحق منظمة التحرير الفلسطينية، لم تقاتل "إسرائيل" قط لكسر إرادة أعدائها في القتال.

وفي جميع حروبها الأخرى، بما في ذلك الانتفاضتين الفلسطينيتين، واجهت "إسرائيل" وقف إطلاق نار رسمي أو غير رسمي عند انتهائه، وغالبًا ما كان ذلك تحت ضغط أمريكي.

والسؤال الكبير الآن هو ما إذا كانت "إسرائيل" ستتصرف بشكل مختلف في هذه الحرب. يضيف بيرسون: "لا شك أن "إسرائيل" تمتلك القدرة العسكرية اللازمة لهزيمة حماس وإيديولوجيتها في غزة. وبدلا من ذلك، تمتلك إسرائيل القدرة على طرد الفلسطينيين قسراً، بما في ذلك حماس، من غزة من خلال القصف والحصار والتجويع وغير ذلك من وسائل الإكراه. ومع ذلك، فمن المشكوك فيه أن يكون لدى "إسرائيل" الإرادة للقيام بأي من هذا، على الرغم من وعود نتنياهو المتكررة بأنه ملتزم بسحق حماس، وقتل قادتها وجميع مقاتليها البالغ عددهم 30 ألفاً".

وعلى الرغم من وحشية حملة القصف في غزة، تمكنت "إسرائيل" حتى الآن من قتل حوالي 8000 من أعضاء حماس فقط، وفقًا للرواية الإسرائيلية، ومع هذا فهو ما يمثل 30% من قوتها. وعلى نحو مماثل فإن أغلب قيادات حماس السياسية والعسكرية العليا، في غزة وخارجها، ما زالوا على قيد الحياة، كما يبدو أن قسما كبيرا من بنيتها الأساسية في الجزء الجنوبي من غزة ما زال سليماً أيضاً.

إن حقيقة قيام حماس بإدارة عمليات تبادل متكررة للأسرى خلال الحرب تثبت أنها لا تزال تعمل وتسيطر على أجزاء كبيرة من غزة، وعلى المنظمات المسلحة الأخرى التي تحتجز أسرى في القطاع.

لقد أصبح من الواضح على نحو متزايد أن "إسرائيل" تفتقر إلى الدعم الأمريكي للقيام بما يلزم لهزيمة حماس عسكرياً وسحق أيديولوجيتها وأفكارها. وإذا هاجمت "إسرائيل" غزة بقوة أكبر مما فعلت، فإن هذا لا يخاطر فقط باندلاع حرب إقليمية أوسع وانهيار اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، بل وأيضاً بإضعاف البنية الأمنية الأمريكية برمتها في المنطقة.

ومن الواضح أيضًا على نحو متزايد أن هذه الحرب تمثل كارثة سياسية للرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي كان يأمل أن يبدأ حملته الانتخابية بمعاهدة سلام إسرائيلية سعودية. وبدلا من ذلك، يدخل بايدن هذه الحملة الانتخابية بأرقام استطلاعية قاتمة ويراهن بشكل واضح على البيانات ضده. ومن ناحية أخرى، تلقى دونالد ترامب دفعة كبيرة منه.


ويؤكد بيرسون أنه من الصعب اليوم رؤية طريق واضح لتحقيق نصر عسكري حاسم لـ"إسرائيل". وبالمثل، فإن الطريق إلى وقف دائم لإطلاق النار يبدو بعيد المنال، خاصة وأن معظم قادة حماس ما زالوا على قيد الحياة، والمنظمة سليمة إلى حد ما، وأكثر من نصف الأسرى الإسرائيليين ما زالوا محتجزين. وكان الأسر في غزة بعد ثلاثة أشهر من بدء الحرب بمثابة ضربة مؤلمة لمعنويات البلاد.

وإذا لم يكن تحقيق نصر عسكري حاسم في غزة ممكناً، فقد تضطر "إسرائيل" مرة أخرى إلى التعامل مع وقف رسمي أو غير رسمي لإطلاق النار، كما فعلت في كل الحروب السابقة منذ عام 1948. ومن المرجح أن يعني هذا أن الساسة الإسرائيليين، بقيادة وزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان، كانوا مخطئين عندما وعدوا مرارا وتكرارا بعد حرب 2014 بأن الحرب القادمة في غزة ستكون الأخيرة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الاحتلال حماس غزة حماس غزة الاحتلال صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الاستسلام فی القتال على نحو فی غزة أنه من

إقرأ أيضاً:

لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟

قالت مجموعة الأزمات الدولية إن الأزمة الوجودية الحادة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية تفاقمت، ويلومها الفلسطينيون إما لضعفها في مواجهة عدوان الاحتلال أو بسبب تنسيقها الأمني معه. في حين تتهمها إسرائيل بعدم الفعالية في قمع المسلحين الفلسطينيين، وفرض الأمن على عناصر المقاومة بالضفة الغربية.

جاء ذلك في تقرير نُشر الأسبوع الماضي لكبير محللي فلسطين في مجموعة الأزمات الباحثة تهاني مصطفى بعنوان "توغلات إسرائيل في الضفة الغربية تسلط الضوء على معضلات السياسة الفلسطينية".

وقد بدأت إسرائيل عملية "الجدار الحديدي" في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد يومين فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، مما أدى إلى تصعيد عسكري واسع النطاق لقمع المقاومة المسلحة الفلسطينية في الضفة.

وتسببت عمليات الاحتلال في دمار واسع للمخيمات والمناطق الحضرية المجاورة لها بالضفة، حيث وصف السكان أحياءهم بأنها "غزة مصغرة". وأدى هذا الدمار إلى تشريد ما لا يقل عن 40 ألف شخص، في وقت يؤكد فيه الإسرائيليون أنهم لن يسمحوا بعودة هؤلاء إلى مخيماتهم، حسب ما جاء في التقرير.

الاحتلال دمر عشرات المنازل والشوارع بشكل جزئي وكامل في مخيم طولكرم (الجزيرة)

الجزيرة نت حاورت محللين وباحثين مختصين في الشؤون الفلسطينية لتسليط مزيد من الضوء على هذه القضية، وخلاصة ما وصلوا إليه يمكن إجمالها في النقاط التالية:

إعلان السلطة الفلسطينية تتحمل الجزء الأكبر مما يحدث في الضفة الغربية. السلطة لم تقدم البدائل الحقيقية لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، وخلقت حالة من الترهل داخل المنظومة السياسية الفلسطينية. السلطة مسؤولة عن انسداد الأفق السياسي واستمرار الانقسام الداخلي بوصفها السلطة الحاكمة والمسؤولة عن إدارة البيت الفلسطيني. تخلي السلطة عن مسؤوليتها الوطنية في قيادة الشعب نحو التحرير وإقامة الدولة يدفع الشعب نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية. السلطة لا تعتمد على الشعب الفلسطيني في البقاء، فهي لا تحتاج إليه ماليا أو سياسيا، بل تحتاج إلى دعم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. لا يوجد في الواقع أي بديل حاليا للسلطة الفلسطينية، ورغم الاستياء الشعبي من أدائها الذي تعكسه استطلاعات الرأي فليس هناك دافع للإصلاح. السلطة واقعيا أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال حيث توفر الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية. السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو، بعد أن فقدت أوراق المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها وتقليص دورها. السلطة ما زالت تعوّل على اتفاق أوسلو رغم أنه انتهى سياسيا وواقعيا، وهناك قرارات من الكنيست تمنع تطبيق بنوده. السلطة تتحمل مسؤولية انهيار المنظومة الأمنية أمام توحش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين، وعدم الاعتراض على ذلك. السلطة تخشى مواجهة الاحتلال أو غض الطرف عن نشاط المقاومين في الضفة خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطة المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني. الوجود العسكري الإسرائيلي المتكرر في الضفة حوّل السلطة إلى شبه بلدية تتحمل الأعباء الصحية والتعليمية الثقيلة، وباقي الملفات المصيرية ذهبت لإدارة الاحتلال العسكرية. إسرائيل تنوي تحويل المخيمات في الضفة الغربية إلى "غزة مصغرة"، أي تدميرها بالكامل. ليس من الصحيح أن السلطة الفلسطينية كانت تحتكر السيطرة في الضفة، فمنذ نشأتها وهي تواجه صعوبة في فرض إرادتها على كامل الضفة، فهي كيان نشأ في الخارج أولا ثم فُرض على الفلسطينيين. يجب على السلطة أن تأخذ قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وأن تتحول إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال. يجب فصل السلطة الفلسطينية التي تقدم الخدمات للمواطنين عن منظمة التحرير الفلسطينية المعنية بتحقيق تقرير المصير.

 

تقول تهاني مصطفى -في مقابلة مع الجزيرة نت- إن السلطة الفلسطينية تتحمل جزءًا من المسؤولية عما حدث، إما من خلال تقديم بدائل محدودة جدًا لمعظم الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثل فرص اقتصادية ضعيفة، وتدهور مستويات المعيشة، وعدم القيام بأي شيء لمحاولة التخفيف من حدة العنف في الضفة الغربية من قبل المستوطنين والجنود الإسرائيليين، وعدم الدفاع عن الفلسطينيين بشكل صحيح سياسيًا على الساحة الدولية.

إعلان

لا أعتقد أن السلطة الفلسطينية تعتمد على الفلسطينيين للبقاء، فهي لا تحتاجهم ماليًا أو سياسيًا، إنها تحتاج دعم الولايات المتحدة وإسرائيل، فهما الكيانان القويان اللذان يحددان بقاء السلطة، وهي تعرف ذلك، ورغم الاستياء الشعبي الكبير الذي عبرت عنه استطلاعات الرأي مرارًا وتكرارًا فليس لديها أي دافع للإصلاح.

ما دامت الولايات المتحدة مستمرة في توفير البقاء للسلطة، وتستمر أوروبا في تقديم الدعم، وإسرائيل تسمح لها بالبقاء، فإنها ستبقى. وهذا شيء كان واضحًا جدًا خلال 16 شهرا الماضية، فالسلطة الفلسطينية لا تريد التعامل إلا مع الأميركيين والأوروبيين.

لم يحاول قادة السلطة حتى القيام بالكثير فيما يتعلق بما يحدث في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية، حتى أن الوسطاء الإقليميين مثل قطر كانوا يقولون إن المشكلة ليست أن السلطة الفلسطينية لم تُدعَ إلى طاولة المفاوضات لوقف إطلاق النار، بل لأنها ترفض الحضور.

طبيعة الاحتلال قد تغيرت، فإسرائيل لن تتحمل أي مسؤولية تجاه 5 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية من حيث توفير الخدمات، والمجتمع الدولي لن يتمكن من القيام بذلك مباشرة، وليس هناك بديل حقيقي للسلطة الفلسطينية.

حتى الفلسطينيين لا يستطيعون تصور بديل الآن، وهو ما يعد أكبر إنقاذ للسلطة الفلسطينية، فبقاؤها بالكامل يعتمد على التنسيق الأمني، وحتى (حركة المقاومة الإسلامية) حماس تدرك أنه يجب أن يكون هناك هذا التنسيق.

السلطة الفلسطينية بشكل عام بدأت تفقد قبضتها منذ فترة طويلة، وهذا ليس لأن الفلسطينيين لا يريدونها أو لأنهم يرون بدائل، ولكن لأنها من الناحية المالية مقيدة جدًا نتيجة ممارسات الاحتلال، بالإضافة إلى الفساد الداخلي للسلطة الفلسطينية الذي يسهم في أن تفقد السلطة قبضتها.

السلطة الفلسطينية لم تكن تحتكر السيطرة على الضفة الغربية طوال الوقت، فعملها كان شاقا للغاية منذ نشأتها، فهي لم تكن كيانًا طبيعيًا نشأ في الضفة الغربية، لقد كانت شيئًا مفروضًا على الفلسطينيين من الخارج.

 

السلطة الفلسطينية تتحمّل مسؤولية كبيرة عن انهيار المنظومة الأمنية الحامية للفلسطينيين أمام توحّش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين في عموم الضفة الغربية، ويعود ذلك لعدة أسباب منها:

إعلان التزامات اتفاقية أوسلو التي جعلت الأجهزة الأمنية والأمن الوطني أداة لحماية المستوطنين، وملاحقة النشطاء والمقاومين للاحتلال، بذريعة محاربة الأعمال "الإرهابية" الضارّة بالسلام ومسار المفاوضات المتوقّف منذ عام 2014. مع أن اتفاقية أوسلو انتهت سياسيا وواقعيا، فإن السلطة الفلسطينية تخشى مواجهة الاحتلال وانتهاكاته أو غض النظر عن النشطاء والمقاومين، وذلك خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطوية المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني الذي يشكّل حاجة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدّة. استخدام الولاء المطلق لمنتسبي الأجهزة الأمنية في تصفية الحسابات مع المعارضين السياسيين عبر الاعتقال أو الحرمان الوظيفي أو التحييد كما حصل مع المعارض نزار بنات ابن مدينة الخليل الذي توفي بعد ساعات من اعتقاله لدى أجهزة أمن السلطة في يونيو/حزيران 2021.

خطورة ذلك أن السلطة الفلسطينية ستفقد شرعيتها في عين المواطن الفلسطيني الذي ينتظر منها الحماية أمام انتهاكات الاحتلال وعبث المستوطنين الذين وصلت بهم الجرأة إلى سرقة الأغنام وقطع أشجار الزيتون وحرق المركبات والبيوت، كما حصل في قرية حوّارة جنوب نابلس في فبراير/شباط 2023، دون أي حراك من السلطة أو دفاع من أجهزتها الأمنية.

التخلي عن المسؤولية الوطنية يُفقد السلطة أهليتها السياسية في قيادة الشعب الفلسطيني نحو التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية، مما يدفع الشعب الفلسطيني إلى الاتجاه نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية.

فكرة التنسيق الأمني مع الاحتلال تعد خطيئة من حيث البدء، وكان من المفترض ألا تكون، فمن غير المنطقي أن تعمل سلطة فلسطينية وأجهزتها الأمنية لصالح الاحتلال أو تمنحه معلومات عن النشطاء والسياسيين والعاملين في الحقل الوطني.

الاحتلال تنصّل سياسيا من التزامات اتفاقيات أوسلو، وتبنّى الكنيست الإسرائيلي تشريعا في يوليو/تموز 2024 يرفض فيه قيام دولة فلسطينية بوصفها خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها.

إعلان

أصبح من الضرورات السياسية والوطنية أن تأخذ السلطة الفلسطينية قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن تتحوّل إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال بكافة الوسائل وأشكال المقاومة.

واقعيا، السلطة الآن أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال عبر توفير الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية، وبجودة منخفضة، بسبب الفساد الإداري والعجز المالي وغياب معايير الشفافية.

السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو بعد أن فقدت ورقة المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها، وتقليص دورها حتى الإداري بسحب العديد من صلاحياتها التي من المفترض أن تطلع بها، لا سيّما في المناطق المصنّفة "إي" حسب تقسيمات اتفاقيات أوسلو لأراضي الضفة الغربية.

الرئيس محمود عباس يفقد بالتدريج قدرته على السيطرة، ولو على أجزاء من الضفة الغربية، وسيحوّله الاحتلال واقعيا وفي وقت قريب إلى رئيس لسلطة مدنية محلية تحت السيادة الإسرائيلية، إن بقيت السلطة على هذه الشاكلة من دون استدراك عاجل على دورها السياسي والوطني.

 

لا يختلف اثنان من الفلسطينيين حتى ممن ينتمون لحركة فتح التي انبثقت منها السلطة الفلسطينية على أنها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما حل في الضفة الغربية، نظرا لعدد  من الأسباب:

السلطة تتحمل الجزء الأكبر فيما يتعلق باستمرار الانقسام الفلسطيني لأنها في النهاية السلطة الحاكمة والمسؤولة. عدم قدرتها على تجديد الوجوه مما خلق حالة من الترهل داخل أجسام السلطة في كافة المستويات، وهذا الأمر انعكس على رؤية السلطة السياسية نتيجة الاتكاء على فرضية أن الولايات المتحدة معنية بحل الدولتين، وبالتالي لا حاجة لاستحداث وسائل أخرى. السلطة لم تخلق أي رؤية إستراتيجية واكتفت بخط سياسي غير موجود عمليا، مع وجود حالة من البحث عن المصالح الشخصية الضيقة، وبالتالي وصلنا إلى هذا الوضع المتردي أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وبالتالي السلطة الفلسطينية تتحمل الجانب الأهم في ذلك. إعلان

جزء من الفلسطينيين يرى أن السلطة عقبة أمام القدرة على مواجهة الاحتلال، وكذلك هناك من يرى أن وجودها بات عبئا على الفلسطينيين كون سلاحها مستخدما ضد الفلسطينيين بشكل أو بآخر.

هذه الحالة من التخلي عن البعد السياسي وقبول البعد الإداري فقط يترتب عليها ما يلي:

السلطة الفلسطينية ستتحول إلى جهاز إداري فقط يتحمل جزءا من أعباء الفلسطينيين لكنه في الوقت نفسه سيستميت من أجل الدفاع عن نفسه. سنكون أمام حالة من السلطة التي وافقت على تحديد صلاحياتها وتقزيم نفسها، لكنها لن تقبل التخلي عن أي دور. سيولد ذلك حالة من اصطدام داخلي إن لم يكن هناك حراك داخلي فلسطيني باتجاه ترسيخ حلول داخلية ووحدة فلسطينية وإنتاج مظلة جديدة تجمع الكل الفلسطيني.

السلطة الفلسطينية يجب أن تتخلى عن التنسيق الأمني منذ سنوات طويلة، وكانت هناك قرارات من المجلس المركزي الفلسطيني نفسه طالب السلطة بضرورة التخلي عن التنسيق الأمني.

في الفترة الأخيرة، لم تعد إسرائيل تكترث بالتنسيق الأمني كثيرا مع السلطة، لأن إسرائيل عمليا باتت تسيطر أمنيا على الضفة الغربية بشكل كبير.

السلطة الفلسطينية فقدت أوراق السيطرة على ما تبقى من الضفة الغربية، فهي اليوم ترمى في زاوية تحمل أعباء الفلسطينيين الصحية والتعليمية وغيرها، وباقي الملفات تسحب منها شيئا فشيئا وتذهب لإدارة الاحتلال العسكرية.

السلطة بذلك تحولت إلى شبه بلدية في الضفة الغربية، وهذا لا يرجع فقط للاجتياح المتكرر لمناطق الضفة، بل لأنها قبلت على نفسها مع مرور الوقت الانحناء كثيرا تحت عنوان "الصبر الإستراتيجي" و"الحكمة في التعاطي"، وتحت عناوين مختلفة ومتنوعة ومتعددة.

مقالات مشابهة

  • حماس تبدي مرونة في المفاوضات وتنتظر نتائج الوسطاء مع إسرائيل
  • إسرائيل تصعّد حصارها على غزة بقطع الكهرباء وسط تفاقم الأزمة الإنسانية
  • سموتريتش: إسرائيل ستستأنف الحرب على غزة ومحادثات أمريكا وحماس "خطأ مطلق"
  • جنرال إسرائيلي يحذر من تداعيات استئناف القتال بغزة.. 3 خيارات و7 أسئلة
  • إسرائيل توقف إمداد غزة بالكهرباء قبل محادثات التهدئة الجديدة
  • بعد تهديدات «ترامب».. إسرائيل تقطع الكهرباء عن قطاع غزة المحاصر
  • لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟
  • إسرائيل تصعّد في غزة.. خطة جديدة تضرب المساعدات وتعيد إشعال الحرب
  • مسؤول عسكري سابق: إذا تجددت الحرب لن تُهزم حماس و”إسرائيل” ستفقد شرعيتها الدولية 
  • صحيفة أميركية: إسرائيل رسمت مسارا إلى حد غزو آخر لقطاع غزة