بلسان صهيوني بغيض!
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
◄ هناك صهاينة يتحدثون في وسائل الإعلام بهدف إظهار العالم العربي بمظهر المشتت الذي لا يعرف الوحدة السياسية ولا الثقافية
د. مجدي العفيفي
عندما قيل لفتاة جميلة كيف تزوجت رجلا قصير القامة، قالت: صحيح إنه قصير، ولكنكم لم تروه عندما يقف فوق فلوسه، كم يكون طويلا جدًا، وكذلك إسرائيل وهي تقف فوق بنوك أمريكا وأوروبا والبورصة.
أقول ذلك وقد لفت نظري بقوة، وبشكل مقيت، ومثير للغضب اللفظي والموضوعي، أنه ظهر منذ فترة مجموعة من أفراد الكيان الصهيوني، على أسطح فضائيات ومواقع إلكترونية عربية، يتحدثون بلسان صهيوني بغيض، أراقبهم وأرقبهم، والنفس تتميز من الغيظ من هذه الوسائل، التي تفسح لهم الطريق المجاني، تعبيراتهم متقاربة، أفكارهم مصدرها واحد ووحيد، لغتهم تنتظمها أسلوبية واحدة ماكرة، يتحدثون باللغة العربية التي يلوثونها بألسنتهم ويزعمون أنهم يجيدونها أكثر من أهلها.
***
يدور خطابهم الإعلامي السياسي حول نقطة محورية، ذات تفريعات مثيرة للغثيان، من قبيل: إظهار العالم العربي بمظهر المشتت، لا يعرف الوحدة السياسية ولا الثقافية، وأن هناك حكامًا يهرولون إلي الزعيم «نتن ياهو» بأكثر مما يحلم به الصهاينة منذ سبعين عاما أو يزيد!
وعن عمد لا يذكرون الأسماء، لإثارة الفتنة بالتكهنات، وهذا شأنهم ودأبهم! يذكرون أن «شعوبًا عربية» تطالبهم بأن يحتل الصهاينة أراضيهم ودولهم رحمة بهم من الأنظمة العربية؛ فالعرب ممزقون، خائنون، ظاهرة صوتية، مششتون، يكرهون بعضهم البعض، يقتلون أنفسهم بأنفسهم.. و..و.. إلى آخر هذه القائمة التي يسوقها هؤلاء الصهاينة الحاقدون، ويروجون لها هنا وهناك!!.
وانظر إلى قمة الفُجر الصهيوني وهم يصورن أن وسائل الإعلام العربية، هي التي تلهث وراءهم، ويزعمون أنهم «باحثون إسرائيلون» وما هم بباحثين، ولا يمتون الى البحث العلمي بأدنى صلة، أسماؤهم وهمية ومستعارة، وهذا هو دأب أحفاد «صهيون» و«هرتزل» والذين لا حول ولا قوة لهم إلا البيت الأمريكي الأبيض الذي يركبون على كتفه !.
***
يظهرون فجأة ويختفون فجأة، أسماء بعينها، وأشخاص محددون، وجوههم مزيفة، نواصيهم كاذبة خاطئة، يزعمون أنهم يتحدون أي سياسي وأي باحث عربي، أن يصمد أمام ما يطرحونه من حجج، مع أن حججهم أوهن من بيت العنكبوت، لكنهم لا يعقلون، لا يملكون إلا كلمة «لا فلسطين» و«نحن أهل أورشليم الأصليون».
ينطلقون سياسيًا وثقافيًا من تفسيراتهم المثيرة للسخرية، مما يسمونه التوراة، زيفًا وبهتانًا (سياستهم توراتهم) كل تحركاتهم المخفية والمعلنة تحكمها النصوص التي وضعوها باسم توراتهم، يرون في استراتيجتهم العالم العربى من منظور مغاير، طبقًا لكتاب «إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان» الذى أصدره فى عام 2003 ما يسمى «مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا التابع لجامعة تل أبيب» ذكر مؤلفه العسكري موشى فرجى: «إن الاستراتيجية الصهيونية إزاء المنطقة العربية انطلقت من رفض فكرة انتماء المنطقة إلى وحدة ثقافية وحضارية واحدة، والتعامل معها باعتبارها خليطا متنوعا من الثقافات والتعدد اللغوى والديني والإثنى.إذ اعتادت على تصويرها، على أنها فسيفساء تضم بين ظهرانيها شبكة معقدة من أشكال التعدد اللغوي والديني والقومي ما بين عرب، وفرس، وأتراك، وأرمن، وأكراد، وبهائيين، ودروز، ويهود، وبروتستانت، وكاثوليك، وعلويين، وصابئة، وشيعة، وسنة، وموارنة، وشركس، وتركمان، وآشوريين» وأن «المنطقة العربية ما هي إلا مجموعة أقليات، ولا يوجد تاريخ موحد يجمعها».
***
ومن ثم يصبح التاريخ الحقيقي تاريخ كل أقلية على حدة. والغاية من ذلك، في منظور الكاتب «فهمي هويدي» تحقيق هدفين أساسيين هما:
الهدف الأول.. رفض مفهوم القومية العربية والدعوة إلى الوحدة العربية، واعتبار القومية العربية، فكرة يحيطها الغموض، وغير ذات موضوع.
الهدف الثانى.. تبرير شرعية الوجود الصهيونى في المنطقة، إذ ما دامت تضم خليطاً من القوميات والشعوب والقوميات التي لا سبيل لقيام وحدة بينها، فمن الطبيعي أن تكون لكل قومية دولتها الخاصة، وهو ما يضفي شرعية على وجود إسرائيل، باعتبارها إحدى الدول القومية في المنطقة».
***
وفى مؤلفه «صوت إسرائيل» يعترض الإرهابي المجرم أبا إيبان «وزير الخارجية الأسبق» على فكرة أن الشرق الأوسط يمثل وحدة ثقافية، وذكر أن العرب عاشوا دائمًا فى فرقة عن بعضهم، وأن فترات الوحدة القصيرة، كانت تتم بقوة السلاح، ومن ثم فإن التجزئة السياسية لم يحدثها الاستعمار(!) لأن الروابط الثقافية التى تجمع البلاد العربية لا يمكن أن تضع الأساس للوحدة السياسية والتنظيمية.
***
ونفس الفكرة هي التي قننها رئيس جمعية حقوق الإنسان في الكيان «إسرائيل شاحاك» في ثلاثة أمور:
أولها.. مخططات التقسيم يتبناها ويروج لها اليمين الصهيوني والأمريكي.
ثانيها.. أن تفتيت العالم العربي تم بفعل عوامل داخلية نابعة من هشاشة المجتمعات العربية، وليس من التدخلات الأجنبية.
ثالثها.. أن انفراط عقد العالم العربي، ليس سببه الربيع العربي، كما يروج البعض؛ لأنَّ ذلك الربيع كان ثورة من جانب الجماهير العربية على تدهور الأوضاع في بلادها.
***
أرأيتم.. ما يقوم به هؤلاء المتحدثون الصهاينة من حملات مستغلين أسوأ استغلال، ضعف النزعة القومية لدى الوسائل التي تفتح لهم أبوابها لينتشروا منها كالذباب؟
***
إلى اللقاء مع رشقة صاروخية قادمة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الربيع العربي.. الأحداث والتحديات
17 ديسمبر 2010م.. انطلقت شرارة الربيع العربي، حين أحرق التونسي محمد بوعزيزي نفسه، فاندلعت في مدينته سيدي بوزيد مظاهرات عمّت تونس، وبعد أقل من شهر ترك الرئيس زين العابدين بن علي (ت:2019م) بلاده. كانت تونس الحجرة الأولى من رقعة الدومينو التي تتساقط أحجارها واحدةً تلو الأخرى، وآخرها في 8 ديسمبر 2024م، عندما رحل الرئيس السوري بشار الأسد عن دمشق إثر سيطرة قوات المعارضة عليها، التي بدأت نضالها عام 2011م.
كُتِبتْ دراسات ومقالات وقُدِّمتْ حوارات وتحليلات عبر مختلف واجهات الصحافة والنشر والإعلام والتلفزة.. والجامع بينها هو اتفاقها على أن الربيع العربي لم ينتهِ، وأن أحداثه جارية، إنه قطار انطلق ولن يقف حتى تتغير خارطة الوطن العربي. خارج نطاق التحليل، ونزولاً على أرض السياسة العربية، فإن الحكومات تدرك ذلك، وتدرك أن الشارع يتحرك من تحت أقدامها، وقد كشف سير الأحداث أنها تبذل جهدها لتجنب تأثير الربيع عليها، هذا بالنسبة للدول التي لم يكتسحها، أما التي اكتسحها فهي غارقة في صراعاتها، محاولة الخروج من مستنقع الدمار الذي أصابها، وهي تعاني من الاقتتال الداخلي، وتعاني أكثر من التدخلات الخارجية، التي يحاول كل طرف منها أن يفرض رؤيته في تشكّل الدولة الجديدة، من دون أن يرتد هذا التشكل بأثر سلبي على نظامه. وحتى يستبين حجم التحديات المستقبلية للربيع العربي ونوعها؛ ينبغي النظر في الخط العام لأحداثه خلال المدة المنصرمة.
الربيع العربي.. هو ثمرة حالة الشعوب العربية قبله، فقد كانت معظم الحكومات تعتبر الشعوب محكومة من قِبَلها، وليست شريكتها في الوطن وإدارته واتخاذ قراراته وسن قوانينه. فلا توجد أحزاب سياسية حقيقية ينضوي تحتها الشعب، ولا برلمانات معتبرة تمثله، ولا منابر إعلامية يعبر فيها عن رأيه. كانت هذه الحكومات تعاني من اللايقين السياسي والاقتصادات المهزوزة، والتعليم غير قادر أن ينهض بالأمة. وإعلام يقدم الإنجازات الحكومية، غاضاً الطرف عن حقيقة الحالة التي يعيشها الناس. والشعوب تعيش على حافة الفقر، وفرص العمل محدودة. أضف إلى ذلك؛ دخول العالم العصر الرقمي، وتواصل الشعوب فيما بينها، وتأثر العرب بالحالة الديمقراطية التي يعيشها العالم، دون قدرة الحكومات على إيجاد طرق توافقية للتواصل مع شعوبها، وقد ظلت خاضعة لبُنية الدولة العميقة التي يهيمن عليها متنفذون لهم مصالح لا يريدون التفريط بها، ولو على حساب عموم الشعب واستقرار الوطن.
أما أمريكا فقد كانت تعيد هيكلة الشرق الأوسط، وتنفذ مشروعها هذا بطريقين متلازمين: بمحاربة ما أسمته «الإرهاب الإسلامي»، دون اعتبار الأسباب التي أدت إليه، ولا الوضع الاجتماعي الناشئ من الحالة السياسية المحتقنة والممارسات العسكرية لأمريكا ذاتها في المنطقة. وبفرض الديمقراطية الغربية ببرنامج تأهيلي لمن تختارهم من «الناشطين الحقوقيين» في الشعوب العربية المقهورة، مما أوجد حالة من الحقد المتبادل بين الحكومات والشعوب؛ أدى إلى مزيد من السخط.
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. لم يكن غائباً عن التأثر بالربيع العربي، فقد عملت أمريكا على الدفع بالمنطقة إلى التطبيع مع إسرائيل، تحت طائلة خوف الحكومات من تمدد الإسلام السياسي نتيجة الفراغ السياسي الذي أحدثه الربيع، مما دفع إلى تهميش هذا التيار العريض - الذي عملت بعض حكومات المنطقة بنفسها على رعايته وتمكينه- حتى لا يقف عقبة كأداء أمام التطبيع، ونسيت بأن التهميش لا يؤدي إلى الاضمحلال.. بل إلى الانتعاش والعنف. ومن الآثار المباشرة التي أدت إليها هذه السياسة انفجار الأوضاع بغزة، وقيام المقاومة الفلسطينية؛ في مقدمتها حماس بطوفان الأقصى، الذي أدخل المنطقة في صراع مستعر، وجعل العالم على حافة حروب دولية. لقد وقفت إيران وسوريا مع المقاومة، وحشدت إيران معها حزب الله والمقاومة العراقية وأنصار الله اليمنيين لمساندة غزة، مما دفع الدول الحليفة لإسرائيل إلى العمل على تحجيم جبهات المقاومة، وتحقق لها ذلك بقتل إسرائيل قيادات عليا في المقاومة وإيران، مما أوهن الوجود الإيراني في المنطقة، فعاجلت قوى المعارضة السورية بالإطاحة بنظام الأسد، فأصبحت المنطقة في حالة توتر، سيحدد ما بعدها حكام سوريا الحاليون.
لقد أدى الربيع العربي إلى تدمير الدولة في بعض البلدان التي عصف بها، ثم لم تتمكن من بنائها من جديدة.. بل دخلت في دوامة الانقسام والعنف ولم تخرج منها. وهناك تفاؤل من البعض بأن سوريا الجديدة ستكون أوفر حظاً، وتتحول إلى دولة ديمقراطية مستقرة، ولكن سوابق المنطقة لا تبشر بذلك، فقد تمكن بعض البلدان التي أطيح بحكامها من الحفاظ على الدولة من الانهيار، ولم تتمكن من تبني الديمقراطية وعاد الاستبداد إليها، وأزيحت الحكومات المنتخبة بقوة السلاح أو بالحشد المضاد، وزُجَّ بقياداتها في السجون، وقد مضى على الثورات عقد ونصف دون أن تخرج هذه البلدان من مشاكلها كالفقر والاستبداد وهجرة العقول إلى عالم أفضل.
خليجياً.. نظر بعض الدول إلى أن المشكلة في الإسلام السياسي، وأن عليها الأخذ بالانفتاح الغربي، فانقلبت على التوجه الإسلامي عموماً، وفتحت الحياة الاجتماعية على القيم الغربية، ظناً منها أنها تسير في طريق التحول المستقر، وغفلت أن الانفتاح في الغرب ليس هو إلا ثمرة ثانوية للديمقراطية والحرية الفردية. إن هذا الانفتاح الذي تمارسه هذه الدول قد يؤول إلى اضطراب اجتماعي وسياسي لا تحمد عقباه، ولا يكفي أن تحمي الحكومات نفسها بتبني المشاريع الاقتصادية وتحقيق الرفاه الاجتماعي، فالمعتقدات أرسخ في النفس وأقوى في المجتمع من التحولات الطارئة.
ورأت دول خليجية أن تسير سيرتَها الأولى، فواصلت الوقوف مع الإسلام السياسي وتحولاته، باعتباره يشكل شريحة كبرى من الاجتماع البشري في المنطقة، كما أنه التيار الوحيد الذي لديه برنامج سياسي، ومن الصعب تهميشه. ورغم أن هذه النظرة تتمتع بنصيب من الصواب، إلا أن هذه الدول ذاتها تتحصن عن تأثير الإسلام السياسي عليها، وعاقبة هذه السياسة أن يؤثر هذا التيار على الجميع؛ إن نجح في ذلك، بما فيها الدول الداعمة له. في حين آثرت دول أخرى عدم تغيير مسار التعامل مع التحولات الاجتماعية والسياسية فيها، ورأت أن دمج القوى الناشطة في المجتمع هو السبيل الأنجع، وقد دخلت في إعادة التراتبية الاجتماعية، انطلاقاً من وضع ضوابط للجنسية.
أما سلطنة عمان التي نهجت نهجاً متزناً في التعامل مع الأمور السياسية والدينية؛ فقد رأت أن من المشكلات التي ينبغي معالجتها الديون وضعف الاقتصاد، فعملت بـ«خطة التوازن المالي» وتشجيع الاستثمار الخارجي، وهذا جيد. وعليها أن تسارع بمعالجة ملف الباحثين عن العمل والمسرحين من أعمالهم؛ فهو من أهم عوامل الاطمئنان الاجتماعي. وعليها كذلك النظر في الخطاب الديني والحراك الثقافي، وهما ملفان يحتاجان إلى وضع استراتيجية جديدة تستفيد من المعطيات الحضارية للبلاد، على أن تدفع بها إلى مستقبل مستقر ومتوازن ومسهم في التحولات المدنية التي تشهدها المنطقة، وهذا ما تبشر به النهضة المتجددة.
حتى الآن.. لا يبدو هناك مخرج حاسم من مسار الربيع العربي، وقد تتواصل التغييرات حتى تجد الحكومات حلاً للعلاقة بينها وبين الشعوب، فالمنطقة أمام جيل جديد؛ «الجيل زد» (مواليد:1995-2010م)، الذي لا يفكر كما نفكر، ولا طموحاته هي طموحات آبائه، ولا مشاكله هي مشاكل من سبقه. إن على الدول أن توجد لها «دعاتها» بين هذا الجيل، بحيث يكونون قادرين أن يتفهموا آليات التحول الاجتماعي والسياسي، وأن التدرج هو سنة الحياة. والساسة مجبرون بحكم الزمن على إيجاد صيغة تشاركية مع المجتمع، فهذا جيل برجماتي لا ينتظر الأماني المعسولة.. بل تلح عليه سرعة العصر أن يرى النتائج قريبة التحقق.