هجمات البحر الأحمر… هل تعقد جهود السلام الأممية في اليمن؟ (تقرير خاص)
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
يمن مونيتور/إفتخار عبده
تتواصل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر بإطلاقهم موجة تلو الأخرى من المسيرات والصواريخ على سفن إسرائيل التجارية أو المتوجهة إليها، منذ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023؛ احتجاجا على العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، بحسب زعمهم.
ويستمر هذا التصعيد في الوقت الذي أعلن فيه المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن توصل أطراف الصراع في اليمن إلى الاتفاق على مجموعة من التدابير، تشمل التزامهم بتنفيذ وقف لإطلاق النار في عموم اليمن، والاستعداد لاستئناف العملية السياسية.
الحوثيون بدورهم لم يبدوا رفضهم أو موافقتهم على هذه الخارطة ويستمرون في أعمال القرصنة، وإعاقة سير الملاحة البحرية والتي بدورها تؤثر سلبا على حياة المواطنين نتيجة ارتفاع أسعار السلع.
وكانت جماعة الحوثي قد أعلنت عن بدء معركة مع القوات الأمريكية في البحر الأحمر عقب مقتل عشرة من مقاتليها بهجوم أمريكي.
أكدت ذلك على لسان المشاط، القيادي في الجماعة، في كلمة له خلال اجتماع مع قادة عسكريين في الحديدة عن المعركة التي أطلق عليها اسم “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، فهل تشكل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تعقيدا على مسار السلام في اليمن؟
بهذا الشأن يقول، العميد عبد الرحمن الربيعي (محلل سياسي وخبير عسكري واستراتيجي) “الحوثيين بأعمال القرصنة التي يقومون بها في البحر الأحمر، هم ينفذون أجندة إيرانية، وهم والإيرانيون في الوقت نفسه يحققون مكاسب على الأرض من ذلك رفع سمعة الحوثيين في الداخل اليمني وكسب الشعب معهم، وكذلك البحث عن تلميع عالمي لهم وهذه حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها”.
وأضاف الربيعي ل “يمن مونيتور” الحوثي بأعماله هذه يريد أن يوصل رسالة للعالم بأنه هو الدولة في اليمن وهو القوة، بعدما اهترأت صورته في نظر الشعب خصوصا في العام التاسع للحرب؛ نتيجة ما عاناه الشعب من قبله من معاناة القمع والتعسف وفرض الجبايات وحرمانه للموظفين من مرتباتهم “.
وأردف” اليوم منطقة البحر الأحمر أصبحت منطقة مخاطر دولية وهي مصنفة عالميا بهذا، وهذا ما يؤثر على الملاحة البحرية بشكل كبير، وهو ما ينعكس على سعر السلع التي يستخدمها الشعب اليمني، وبالتالي فالمتضرر الأول هو الشعب اليمني “.
وأشار إلى أنه” لن يكون هناك رد عسكري من قبل أمريكا على الأعمال التي يقوم بها الحوثي، وإن حدث رد فسيكون ردا سياسيا، وسيكون هذا الرد مرهونا بما يحدث في غزة “.
وبين أن ما يحدث اليوم في البحر الأحمر قد يغير مسار السلام في اليمن من زاوية التحول إلى دعم الشرعية بدلا من تدليل الحوثي، مؤكدا” أتوقع أنه إذا استمر الحوثي بهذه الأعمال فقد تدعم أمريكا والدول الأوروبية الشرعية، كما أن ستشجع التحالف إلى العودة في دعم الشرعية من أجل استعادة الدولة والقضاء على الانقلاب “.
ووضح” أعتقد جازما بأن المبعوث الأممي ليندر كنغ استعجل بالإعلان عن خارطة الطريق، وفي تقديري أنها- أي الخارطة- لم تكن قد استكملت من كل الأوجه، ولم يكن قد تم التوافق عليها بصيغتها النهائية، وهي لن تفضي إلى سلام دائم في اليمن بقدر ما هي توافق شكلي “.
وأكد أن” هذه الخارطة لا يعول عليها صنع السلام الشامل والمستدام في اليمن؛ فهي لا تحمل نقاطا جوهرية لشكل الدولة والجمهورية والشرعية والحل النهائي، وليست مزمنة كما أنها فضفاضة ولا تؤسس لسلام حقيقي “.
في هذا السياق علق الصحفي، صدام الحريبي، أنه” لا شك من أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ستؤثر بشكل كبير على جهود السلام الأممية في اليمن، التي من المفترض أن يتم التوقيع عليها قريبا، وسيكون ذلك التأثير سلبيا على الاتفاق، وسيكون الضحية هو الشعب الذي يعاني دوما من الحسابات الضيقة للمليشيات الحوثية ولمن لا يعرف خطر استمرار هذه الجماعة ومن يدعم استمرار إرهابها من تحت الطاولة “.
جولة جديدة من سفك الدماء
وأضاف ل” يمن مونيتور “الحوثيون ينفذون أجندات إيران في بحرنا، دون أن يرف لهم جفن حتى وإن أهلكوا ما أبقوا في اليمن، ولذلك ما زالوا حتى الآن لم يعلنوا عن موقفهم من إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن، لأنهم منتظرون أن يحققوا انتصارات كي يجلسوا على الطاولة ولديهم أوراق جديدة يستطيعون من خلالها إفشال السلام والدخول في جولة جديدة من سفك الدماء”.
وشدد الحريبي على ضرورة أن “تمنع هذه الجماعة الإرهابية من فرض أي شروط جديدة من شأنها إفشال عملية السلام، أو ضربها بيد من حديد، ما لم فلن يكون اليمن بخير ما دامت المليشيات الإرهابية موجودة وما دام وحكامنا ضعفاء ومسيرين”.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: البحر الأحمر السفن الاسرائيلية فی البحر الأحمر الحوثیین فی فی الیمن
إقرأ أيضاً:
اليمن وكسر الردع الأمريكي: البحر الأحمر نموذجًا لفشل الهيمنة
عبدالوهاب حفكوف
من بين أكثر جبهات الصراع حساسيةً في الراهن الإقليمي، تبرز جبهةُ البحر الأحمر؛ بوصفها مرآةً حادةً لتعرِّي العقيدة العسكرية الأمريكية أمام خصم غير تقليدي. فاليمنيون، دونَ مظلة جوية، ولا منظومات دفاع متقدمة، ولا حماية نووية، نجحوا في إعادة صياغة مفهوم الردع، بل وفي تحطيم رمزيته في وعي القوة الأمريكية نفسها.
منذ اللحظة الأولى لتدخُّلِها في البحر الأحمر بذريعةِ حماية الملاحة، اعتقدت واشنطن أن بضعَ ضربات محسوبة ستُعيدُ التوازن وتفرض الهيبة. لكن الوقائع أثبتت عكسَ ذلك تمامًا. وقعت في فخٍّ مُحكم بُنِيَ بعناية تكتيكية فائقة، حَيثُ تقابلت العقيدة اليمنية القائمة على “رفع الكلفة بأقل الإمْكَانيات” مع منظومة أمريكية مأخوذة بالسرعة والضجيج.
كل عملية هجومية نفذها اليمنيون كانت تهدم جدارًا نظريًّا:
• فإسقاطُ مسيّرة أمريكية متقدمة لا يُضعِفُ الأدَاة فقط، بل ينسِفُ الثقةَ في أدوات الردع نفسها.
• وضرب سفينة تجارية لا يعطِّلُ الممرَّ فحسب، بل يربك مركز القرار في وزارة الدفاع الأمريكية.
• والأسوأ: أن الدفاعاتِ الأمريكية الذكية استُنزفت حتى أصبحت أضعف من الهجوم ذاته.
وفي العمق، تحولت معادلةُ الكلفة إلى كابوس استراتيجي: صاروخ بسيط لا تتجاوز تكلفته بضعة آلاف، يُقابل بمنظومة اعتراض بملايين الدولارات.
لكن الأمر لا يتوقف عند اليمن. كُـلّ ضربة يمنية ضد المصالح الأمريكية كانت تُترجَمُ إلى نقطة تفاوضية لصالح إيران؛ ليس لأَنَّ اليمنيين في سلطة صنعاء يتحَرّكون بأمر من أحد -فهم أسيادٌ تتضاءلُ أمامهم السيادة الزيتية العربية-؛ بل لأَنَّهم جزء من منظومة ردع إقليمية واسعة، نجحت في تقاسم الأدوار وتوزيع الجبهات، دون إعلان أَو ضجيج.
ومن هنا، بدأ التحول الأمريكي الحقيقي. الإدراك المتأخر أن التصعيد ضد اليمن كشف حجم الكارثة فجعل البيت الأبيض يُعيدُ الحسابات من جديد. فما كان يُخطط له كعملية تأديب محدودة، تحول إلى أزمة استراتيجية دفعت واشنطن للتراجع خطوة، والبحث عن مسار تفاوضي مع طهران.
في المحصلة، الحوثي لم يعد مُجَـرّدَ طرف محلي يحمي سواحله. لقد أثبت، من خلال أداء منضبط وحسابات دقيقة، أنه قادرٌ على تعديل هندسة القوة في الإقليم، وفرض نفسه كطرف لا يمكن تجاهله في أي معادلة تهدئة وَخُصُوصًا في المعادلة الفلسطينية.
هكذا، تحولت جبهة البحر الأحمر إلى مختبرٍ علني لفشل الردع الأمريكي، وصعود منطق جديد في إدارة الصراع.
أُولئك الذين ظنوا بأن العدوانَ الأمريكي سيقضي على اليمنِ في ظل حكم أنصار الله وحلفائهم، سيخيبُ أملُهم وَسيتعين عليهم الاستعدادُ للتعامل مع قوة إقليمية خرجت مرفوعة الرأس بعد منازلة أقوى دولة في العالم!
* كاتب وصحفي سوداني.. بتصرُّف يسير