الأمر جلل، لا يتعلق أبدًا بكونك تجيد الكتابة أم لا، فالأمر هنا سيّان، فلا كلمات تعبّر، ولا معانيَ تصف المصاب، لم أجد غير كلمة اعتذار أكتبها لك.
عذرًا وائل الدحدوح، فكلنا عاجزون، وكلنا مقصرون.
طوال الأشهر الثلاثة الماضية، ظلت أعيننا مُثبتة على شاشة قناة الجزيرة، نطالع تغطياتك المؤثرة والشجاعة التي تنقلها إلينا من قطاع غزة؛ لتوصل للعالم الانتهاكات التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة بحقّ الفلسطينيين.
مرّ كل ذلك، حتى جاء ذلك اليوم العصيب، الأربعاء الموافق 25 أكتوبر/تشرين الأول، وهو عصيب علينا، نحن جموع المشاهدين العرب، فكيف كان عليك؟
وكيف تلقيت خبر استشهاد عدد من أفراد عائلتك، بمن فيهم زوجتك واثنان من أبنائك وحفيدك، إثر الغارة الجوية التي استهدفت مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة، بينما كنت على الهواء مباشرة؟
طلب الاحتلال من السكان التوجه إليه؛ تحسبًا لهجوم محتمل ضد حماس، على اعتبار أنه منطقة آمنة حسب زعمه.
لن ينسى جمهورك- يا وائل- هذه المشاهد أبدًا، وأنت متكئ أمام جثمان ابنك محمود الملفوف بالكفن الأبيض، مرتديًا سترة الصحافة، أيضًا وأنت تلقي نظرة الوداع على زوجتك، وابنتك شام، وحفيدك آدم تودعهم الوداع الأخير.
هل ينتقمون منا بالأطفال؟
قلت ذلك للتعبير عن غضبك من الاعتداءات التي تستهدف الأطفال والنساء والمدنيين، كما أدنت- عبر قناة الجزيرة – الهجوم الوحشي على مخيم النصيرات، الذي أرسلت إليه عائلتك على أمل إيوائهم.
محارب صلدفي مواجهة المأساة التي حلَّت بعائلتك، قلت في مقطع فيديو: "إن دموعك لا ينبغي أن تفسر على أنها دموع الانهيار والخوف والجبن، وليخسأ جيش الاحتلال".
تلك الكلمات العظيمة، تصدر من صحفي يحمل ميكروفونًا وكاميرا في الظاهر، ومحارب صلد من الداخل يحمل سيفًا يحارب به، ظلمًا وقهرًا، عمالة ومصالح، فأنت لا تحارب عدوًا ظاهرًا فقط، وأنت تعلم ذلك يا وائل.
ما زلت تواصل- يا وائل- نقل الحقيقة والجرائم والمجازر المستمرَّة بحقّ الفلسطينيين في غزة، لإطلاق صرخاتهم إلى آذان العالم. حتى بعد أن أصيبت يدك اليمنى بشظايا، خلال غارة إسرائيليّة على بلدة خان يونس جنوب غزّة، في 15 ديسمبر/كانون الأوّل، أثناء تغطيتك الأحداثَ في مدرسة تؤوي النازحين، عقب تعرضها لقصف إسرائيلي سابق، تلك الغارة التي أودت بحياة زميلك المصور، سامر أبو دقة. على الرغم من ارتدائكما الخوذات والسترات الواقية من الرصاص، التي تدلُّ على أنكما من الصحافة.
لم تمنعك إصابتك البليغة من تشييع سامر ومواصلة عملك، وعندما سألك مذيع قناة الجزيرة جمال ريان عن حالتك الصحية، أجبت بحزم وثبات كعادتك: " إنه بغض النظر عن هذه الإصابة أو غيرها، فما دام أنه قادر على الوقوف أو حتى الجلوس أمام عدسة الكاميرا وامتشاق الميكرفون فلن يتردد ولن يتأخر أبدًا".
الاختبار الصعباليوم تفقد ابنًا آخر قرر أن يسير على خطاك.
وقد نقلت لنا رسالتك الثالثة المليئة بالألم والحزن، وأنت تنعى نجلك الصحفي حمزة ذا الـ 27 عامًا، بعد أن استشهد يوم الأحد على إثر غارة إسرائيلية، استهدفت السيارة التي كان يستقلها هو وزميله الصحفي المستقل مصطفى ثريا بمنطقة ميراج برفح جنوب قطاع غزة. وفيها: "ليس أصعب من آلام ووجع الفقد، فكيف إذا كان الفقد الولد البكر فلذة الكبد. حمزة ليس بضعة مني حمزة كان كلي. روح الروح وكل شيء".
مناشدًا العالم بوضع حد لهذه المجزرة، قائلًا: "أتمنى أن تكون دماء ابني حمزة آخر الدماء من بين الصحفيين والناس في القطاع".
إن فقدان الابن البكر، أول الأبناء- فرحة الوالدين الأولى، في مثل هذه الظروف- يعد اختبارًا صعبًا ومؤلمًا لأي إنسان.
أتمنى أن تجد في ذكرياتك مصدرًا للقوة والراحة. وفي كل كلمة تكتبها في المستقبل، ما يُبقي إرث أحبائك حيًا، يلهم الآخرين ويعكس قوة الروح التي تحملها بداخلك.
"إنك الصابر المحتسب يا أبي، فلا تيأس من الشفاء ولا تقنط من رحمة الله، وكن على يقين أن الله سيجزيك خيرًا لما صبرت"، هذه هي تغريدة حمزة الأخيرة على موقع "إكس" والتي ستبقى اقتباسًا ملهمًا للصبر على الشدائد التي تواجهها في هذه الأوقات الصعبة وقوتك التي تتحلَّى بها.
وأنت حقًا وائل الصابر المحتسب الراضي دائمًا بقضاء الله وقدره، ومن رضي بقضاء ربه.. أرضاه الله بجمال قدره.
لا توجد كلمات يمكن أن تخفف الألم والحزن الذي تشعر به، ولكن لا يسعنا إلا أن ندعو لك بالصبر والمثابرة.
ونعلم جيدًا أنك ستستمر في مواجهة التحديات بكل شجاعة. ولا تنسَ أنك لست وحدك، بل أنت جزء من مجتمعٍ يقف إلى جانبك، جاهزٍ لدعمك، وتقديم يد المساعدة في أي وقت.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ا وائل
إقرأ أيضاً:
بالفيديو .. الدحدوح يعلق بحرقة بعد إعلان الهدنة : كان بودي أن أكون بينكم لإعلان الخبر
سرايا - رصد - علق الصحفي وائل الدحدوح على اتفاق وقف إطلاق النار، وصفقة تبادل المحتجزين في قطاع غزة، بعد مرور أكثر من سنة و 3 أشهر على الحرب الشعواء التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع.
ونشر وائل الدحدوح فيديو على حسابه بفيسبوك: "كان بودي ان اكون بينكم لاعلان خبر التوصل الى قف اطلاق النار من بين خيام النزوح في قطاعنا الحبيب ، لكن لا بد من الاعتراف بان المشاعر ازاء هذا الامر مختلطة ، فالفرح على اشده»".
وجاءت هذه الكلمات القصيرة بعد دقائق معدودة من إعلان التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، برعاية مصرية قطرية أمريكية.
وواجه الصحفي وائل الدحدوح صعوبات قبل وقف إطلاق النار، حيث استشهد ابنه وبعدها استمر في العمل رغم صعوبة الوضع، إذ حرص على أن يستمر في العمل لعرض تفاصيل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وكشف الوجه القبيح لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وبسبب الصعوبات الصحية التي واجهته، استضافته قطر على أراضيها من أجل تقديم العلاج له ودخل عبر الأراضي المصرية التي رحبت به وسهلت له الإجراءات.
أيام عصيبة على الدحدوح قبل وقف إطلاق النار
وائل الدحدوح هو فلسطيني من مواليد إبريل 1970، درس في غزة وعمل في الصحافة منذ تخرجه واعتقلته إسرائيل حيث قضى في سجونها 7 سنوات، وتعرض الدحدوح إلى أزمة إنسانية كبيرة بعد أن قتلت إسرائيل زوجته وابنه وابنته وحفيده.
وتاليا الفيديو عبر موقع سرايا:
بالفيديو..الدحدوح يعلق بحرقة بعد إعلان الهدنة : "كان بودي أن أكون بينكم لإعلان الخبر"#سرايا #غزة_تنتصر #الهدنة https://t.co/rxjtnTvQON pic.twitter.com/rFRBNtPMEl
— وكالة أنباء سرايا الإخبارية (@sarayanews) January 16, 2025
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 2982
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 16-01-2025 02:45 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...