حرب الإبادة جيّدة.. توسّعها سيّئ!
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
حرب الإبادة جيّدة... توسّعها سيّئ
حرب الإبادة لا بأس بها بل هي جيدة، أما توسّعها فهو أمرٌ سيئ، يجب الحذر منه ومنعه!
كيف يمكن وصول المساعدات وتوزيعها وتناولها في أجواء من القصف والتهديد به؟
بانحيازها الهستيري لدولة الاحتلال، تخسر واشنطن الكثير من صدقيّتها ومن احترام الآخرين لها.
الصراع مع "حماس" لا يؤدّي إلى حرب إقليمية، إنه يؤدي فقط إلى حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وهو ما لا يؤرّق واشنطن بكثير أو قليل!
القبول بالإبادة أو الاستهانة بها انحطاط أخلاقي، وليس مجرّد قصور سياسي، فلا يمكن وقف الإبادة والتطهير بمجرّد تقديم مساعداتٍ غذائية.
سعى ناطقون إسرائيليون إلى تحييد حزب الله بالقول إن الاستهداف لم يكن موجّها إلى الحكومة اللبنانية أو حزب الله ، و"هذا ما لا ينطلي على طفل".
تردّد أبواق الصهاينة أن في كل الحروب يقع مدنيون ضحايا، علما أن هذه الحرب تجري، أولاً، ضد المدنيين وضد كل مظاهر الحياة والطبيعة والعمران.
ماذا تريد واشنطن، بعد مضي ثلاثة أشهر من الحرب على غزّة وبعد تدمير ثلاثة أرباع القطاع، وجعل حياة أبنائه شبه مستحيلة ومحفوفة بأشد أنواع المخاطر؟
* * *
تنشغل الولايات المتحدة وبريطانيا مع دول أخرى بالتهديدات التي تطاول حركة الملاحة في البحر الأحمر، فيما يعتبر أنصار الله (الحوثيون) أن الاستهداف يطاول حركة الملاحة إلى إسرائيل ومنها، وليس حركة الملاحة التجارية ككل، ومرتبطٌ بالحرب على غزّة، فإذا توقّفت الحرب توقّفت معها التهديدات.
وهو منطقٌ لا يقبل به البريطانيون والأميركيون، إذ تتمحور جهودهم، كما يقولون، حول منع توسيع الحرب بمختلف أشكالها.
وفيما كان أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، يلقي خطابه الأربعاء الماضي، كانت المواجهات مستمرّة على الحدود بين لبنان والدولة العبرية، بل شهدت نشاطا متزايدا، في وقت كان سياسيون وعسكريون إسرائيليون يتجادلون بشأن حجم الرد المحتمل لحزب الله على جريمة اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت، وحيث تقع مراكز رئيسية للحزب.
وقد سعى ناطقون إسرائيليون إلى تحييد الحزب بالقول إن الاستهداف لم يكن موجّها إلى الحكومة اللبنانية أو حزب الله ، و"هذا ما لا ينطلي على طفل"، كما قال نصرالله في خطابه، فالحرب تتوسّع، وإن ليس بوتيرة عالية، إذ يضيف نصرالله إلى وقائعها استهداف "الأميركي" في العراق، والمقصود المراكز والنقاط العسكرية الأميركية في العراق.
ويثير استمرار هذا التوسّع مخاوف الأميركيين، إذ لا ترغب واشنطن في مواجهة إقليمية تكون طرفا فيها مقابل الطرف الإيراني، وقد أبدت أخيرا "حسن نية" بسحب حاملة الطائرات، جيرالد فورد، من مياه المتوسّط.
لا يكلّ الأميركيون من الحديث عن ضرورة تجنّب مواجهة واسعة، وها هو رئيس الدبلوماسية الأميركية، أنتوني بلينكن، يأتي مجدّدا إلى المنطقة في بحر هذا الأسبوع، لغاياتٍ منها التباحث في ضرورة عدم توسيع الحرب.
وكان قد استبق الإعلان عن جولته هذه بتمرير صفقة مقذوفات إلى تل أبيب من غير المرور بالكونغرس، وفقا لصلاحياتٍ استثنائيةٍ يتمتّع بها، بما يعنيه ذلك من دعم لاستمرار الحرب، ما يثير التساؤل عما تريده واشنطن، بعد مضي ثلاثة أشهر على الحرب على غزّة وبعد تدمير ثلاثة أرباع القطاع، وجعل حياة أبنائه شبه مستحيلة ومحفوفة بأشد أنواع المخاطر.
إنها تريد، في المقام الأول، إرضاء الإسرائيليين الأشد تطرّفاً، وإذ يصف جو بايدن حكومة نتنياهو بأنها يمينية متطرّفة، ويدعو رئيسها إلى تغييرها، فإنه، في الوقت ذاته، يستجيب لرغبة هذه الحكومة في الحرب، ويشارك فيها، فالدولة العُظمى لا تكون عُظمى في مرآة "نفسها" إلا إذا انصاعت لرغبات أركان الدولة العبرية في شنّ الحروب.
وتعمل واشنطن بصورة محمومة على ترميم صورة إسرائيل التي تصدّعت بعد عملية طوفان الأقصى، إذ إن مهابة أميركا من مهابة إسرائيل والعكس بالعكس. ويُعجب واشنطن أن تختار تل أبيب فصيلاً مسلحاً هو حركة حماس عدوا لها، لا إيران.
فالصراع مع "حماس" لا يؤدّي إلى حرب إقليمية، إنه يؤدي فقط إلى إبادة جماعية وتطهير عرقي، وهو ما لا يؤرّق واشنطن بكثير أو قليل، ففي كل الحروب يقع مدنيون ضحايا، كما تردّد أبواق الصهاينة، علما أن هذه الحرب تجري، أولاً، ضد المدنيين وضد كل مظاهر الحياة والطبيعة والعمران.
ومجمل الرسالة الأميركية أنه يتعيّن تركيز الحرب على غزّة وعلى الضفة الغربية المحتلة، ولكن مع إقصاء المستوطنين الفوضويين عن مشاهد التنكيل، وما دامت الحربُ لا تتوسّع، فإن بايدن يواصل الاسترخاء، وينتقل في إجازة من شاطئ إلى آخر.
غير أن بعض حلفائه في الاتحاد الأوروبي لا يتردّدون في القول إنه إذا لم تتوقف هذه الحرب، فإن الشرق الأوسط كله مهدّد بالاشتعال، وهذا فحوى تصريحات متكرّرة لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل.
وإذا كان الالتحاق بالعقيدة الصهيونية يمنع أركان إدارة بايدن من رؤية الجريمة الكبرى في غزّة، فإن بقية العالم ترى الأمور كما هي عليه، إذ إن القبول بالإبادة أو الاستهانة بها انحطاط أخلاقي، وليس مجرّد قصور سياسي!
فلا يمكن وقف الإبادة والتطهير بمجرّد تقديم مساعداتٍ غذائية، فذلك هراءٌ صفيق واستخفافٌ بالعقول، فكيف يمكن وصول المساعدات وتوزيعها وتناولها في أجواء من القصف والتهديد به؟
بانحيازها الهستيري لدولة الاحتلال، تخسر واشنطن الكثير من صدقيّتها ومن احترام الآخرين لها. إذ من مهمّات الدول الكبرى السهر على الأمن الدولي، ولهذا جرى اختيارها دولا دائمة العضوية في مجلس الأمن، وحين ينشأ صراعٌ مسلح، فإن أولى مهمّات الدول الكبرى تتمثل في الدعوة إلى وقف إطلاق النار والعمل عليه.
وهو ما دأبت عليه دول المجلس في السنوات الأخيرة إزاء الصراعات المسلحة في إثيوبيا وفي السودان وفي أوكرانيا، غير أن واشنطن اختارت دعم حرب نتنياهو، ومواجهة مطالب العالم بوقف إطلاق النار، ثم اخترعت مقولة منع توسيع الحرب.
فحرب الإبادة لا بأس بها بل هي جيدة، أما توسّعها فهو أمرٌ سيئ، يجب الحذر منه ومنعه. وبهذا، جرى عملياً استخدام هذه المقولة للتغطية على تشجيع استمرار الحرب ضد ما يزيد عن مليوني إنسان في قطاع غزّة كانوا يعيشون قبل الحرب في ظروف عسيرة.
ولو كانت واشنطن جادّة وصادقة حقا في تجنيب الدول والشعوب مخاطر توسّع الحرب لكانت دعت إلى توقف الحرب، إذ هذا هو أفضل وسيلة وضمانة لمنع توسّعها.
سبق لأركان إدارة بايدن أن تحدّثوا عن ضرورة تجديد السلطة الفلسطينية، كي تتولّى إدارة شؤون غزّة بعد الحرب. ومع تفحّص الموقف الأميركي المتواطئ على تهديم قطاع غزّة وإبادة أهلها، فالظاهر أن واشنطن تريد بناء غزّة أخرى، بديلاً لغزّة المدينة الكنعانية التي يعود تاريخها لقرون عديدة قبل الميلاد.
غزّة هاشم التي دفن فيها جدّ الرسول العربي، وولد فيها الإمام الشافعي، أحد الأئمة الأربعة في الفقة الإسلامي، والتي أقيم فيها مُجمّع الشفاء عام 1946 (قبل إنشاء الدولة العبرية على أرض فلسطين بعامين)، والتي تصدّت، عبر تاريخها الطويل، لهجمات الإغريق والرومان والبيزنطيين والإنكليز والإسرائيليين وغيرهم.
وها هي تتعرّض مجدّدا لهجمة بربرية من الإسرائيليين بدعم من بايدن، غير أن غزة لا تفقد روحها، فيما يفقد السادة في واشنطن شرفهم السياسي، وهم يرطنون بعباراتٍ زائفةٍ مثل إدخال مساعدات وضرورة حماية المدنيين ومنع توسّع الحرب.
*محمود الريماوي كاتب صحفي وروائي من الأردن
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة فلسطين حماس حزب الله حرب الإبادة صالح العاروري أنتوني بلينكن حرب إقليمية حرب الإبادة حزب الله ع الحرب
إقرأ أيضاً:
الجهاد الإسلامي تتهم واشنطن بإدارة حرب الإبادة في غزة
يمانيون../
عبرت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، اليوم الأربعاء، عن إدانتها لاستخدام أمريكا حق الفيتو في مجلس الأمن لعرقلة مشروع قرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وقالت الحركة في بيان لها: “إن استخدام الفيتو الأمريكى فى مجلس الأمن ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار، يؤكد أنها تدير حرب الإبادة بحق شعبنا”.
واستخدمت الولايات المتحدة في وقت سابق اليوم، حق النقض “الفيتو” ضد قرار لمجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، يدعو إلى وقف إطلاق النار في حرب العدو الصهيوني على قطاع غزة، وهو ما اعتبرته فصائل المقاومة الفلسطينية شراكة في حرب الإبادة ضد القطاع.
وكان مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة، الذي أيدته 14 دولة وعارضته الولايات المتحدة فقط، يطالب “بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار يجب أن تحترمه كل الأطراف”، و”الإفراج الفوري وغير المشروط عن كل الرهائن”.
وأكد المشروع المطالبة بامتثال الأطراف للالتزامات الواقعة على كاهلها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بالأشخاص الذين تحتجزهم، وبتمكين السكان المدنيين في قطاع غزة من الحصول فوراً على الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة.
ودعا مشروع قرار وقف إطلاق النار، جميع الأطراف إلى الامتثال التام للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، لا سيما أحكامه المتعلقة بحماية المدنيين، خصوصا النساء والأطفال والأشخاص العاجزين عن القتال، وكذلك أحكامه المتعلقة بحماية الأعيان المدنية.