ألقى جلالة الملك عبدالله الثاني كلمة خلال زيارته إلى صرح كيغالي التذكاري للإبادة الجماعية في العاصمة الرواندية، اليوم الاثنين، أكد فيها أهمية تعلم الدروس من تجربة رواندا في محاربة الخطاب اللاإنساني الذي يغذي الصراعات.

وقال جلالته في كلمته "علينا أن نتمسك بإنسانيتنا حتى نتجنب الوقوع في الهاوية".

 وتاليا نص كلمة جلالة الملك:

 "بسم الله الرحمن الرحيم

 يذكرنا هذا الصرح التذكاري المؤثر بأن وراء كل فرد قتل في الإبادة الجماعية في رواندا عالم بأكمله، عائلة فقدت أحد أفرادها، أم أو أب أو طفل، حلم تلاشى، وإمكانيات هائلة اختطفت قبل أوانها.

 الفظائع التي شهدت عليها هذه الجدران تذكرنا باستمرار بالتبعات المخيفة لتجريد الآخر من إنسانيته. إنها تذكرنا بأن بث الخوف والمعلومات المضللة، في ظل غياب رد فعل دولي، يقود إلى أبشع أشكال التطرف المميت.

 تعلمنا تجربة رواندا أنه علينا أن نحارب الخطاب اللاإنساني الذي يغذي الصراعات.

 بإمكان قصتكم أن تكون نبراسا يلهمنا جميعا؛ كيف تعامل شعبكم مع هذه الجريمة الكبرى، وعمل معا نحو المصالحة وشفاء الجراح القديمة، لمنع تكرار الإبادة الجماعية.

 كم مرة قلنا إننا لن نسمح لمثل هذه الجرائم أن تتكرر، لنجد أنفسنا بمواجهة صراع آخر تتجذر فيه الكراهية واللاإنسانية تجاه الآخر؟

 أصبح نحو 30 ألفا في قطاع غزة في عداد الشهداء والمفقودين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والغالبية العظمى منهم، أي حوالي 70 بالمئة، من النساء والأطفال.

 لقد تجاوز عدد الضحايا الأطفال في غزة عدد الضحايا من الأطفال في كل الصراعات والحروب التي شهدها العالم خلال العام الماضي مجتمعة. وفقد العديد من الأطفال الناجين أحد والديهم أو كلاهما. أمامنا جيل كامل من الأيتام.

 كيف يمكن للعدوان والقصف العشوائيين أن يحققا السلام؟ كيف يمكن أن يضمنا الأمن وهما يؤججان الكراهية؟

دون التوصل للسلام العادل على أساس حل الدولتين، سيستمر العالم بدفع ثمن باهظ لفشله في حل هذا الصراع، ولن نتمكن أبدا من أن ننعم بالسلام والاستقرار الحقيقيين في الشرق الأوسط.

 يعلمنا هذا الصرح التذكاري أنه لا يمكننا أن نغض النظر عن أي صراع باعتبار حله بعيد المنال، ويبين لنا أنه من الممكن أن يقودنا الاحترام والعدل والتفاهم إلى مستقبل أفضل.

 إنه يعلم العالم أن الذاكرة مهمة، وأن على الجميع الإقرار بوحشية ما تم ارتكابه قبل أن نعمل لتحقيق السلام، وأن الاستكانة إلى الواقع قد تصل إلى حد التواطؤ، وأن علينا أن نتمسك بإنسانيتنا حتى نتجنب الوقوع في الهاوية".

 وكان جلالته جال في مرافق صرح كيغالي التذكاري للإبادة الجماعية، واستمع إلى شرح من مديره عن المقتنيات والمعروضات التي تروي قصص ضحايا الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، وتجربة الروانديين في تجاوز هذه المأساة الإنسانية والعمل نحو وحدتهم الوطنية.  

 ووضع جلالة الملك إكليلا من الزهور على نصب الصرح، فيما دون كلمة في سجل كبار الزوار.

 ورافق جلالته في الجولة سمو الأمير غازي بن محمد كبير مستشاري جلالة الملك للشؤون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي لجلالته، ومدير مكتب جلالة الملك، الدكتور جعفر حسان، ومدير المخابرات العامة اللواء أحمد حسني، ووزير الصناعة والتجارة والتموين يوسف الشمالي.

 كما رافق جلالة الملك من الجانب الرواندي وزير الخارجية والتعاون الدولي فنسنت بيروتا، ووزير الوحدة الوطنية جان داماسين بيزيمانا.   

المصدر: رؤيا الأخباري

كلمات دلالية: الملك عبد الله الثاني جلالة الملک الجماعیة فی

إقرأ أيضاً:

انتخابات رواندا.. مسار ديمقراطي محلي في وجه التشكيك الغربي

تتكيّف كل ديمقراطية مع السياقات السياسية والتاريخية لدولتها، والديمقراطية الرواندية ليست استثناء من هذه القاعدة. خلال الانتخابات العامة المقبلة المقرر إجراؤها في 15 يوليو/تموز، سيدلي الشعب الرواندي بصوته لانتخاب رئيسه وممثلي مجلس النواب. ومن المتوقع أن يحقق الرئيس الحالي بول كاغامي فوزًا ساحقًا. وهو الذي أصبح رئيسًا لأول مرة في عام 2000، بعد 6 سنوات من قيام الجبهة الوطنية الرواندية، تحت قيادته، بوقف الإبادة الجماعية.

يعتقد المحللون والصحفيون والأكاديميون الغربيون أن الانتخابات الرواندية تجب "السيطرة عليها"، لأنه – من وجهة نظرهم -، لم يتم انتخاب رئيس لأي دولة ديمقراطية "حقيقية" أخرى بأكثر من 90% من الأصوات. بعبارة أخرى، فإن الانتصارات الساحقة المتكررة التي حققها بول كاغامي منذ عام 2003 يصعب تصديقها.

يزعم هؤلاء المنتقدون أنه لا توجد "معارضة حقيقية" في رواندا، وأن الدولة التي تنتخب رئيسها بنسبة 90 أو 95% لا يمكن أن تكون " ذات مسار صحيح وحالة جيدة"، كما قال الصحفي في فرانس 24 مارك بيرلمان في مقابلته الأخيرة مع بول كاغامي. وردّ كاغامي على ذلك قائلًا: "لماذا يجب أن تقلق إذا تم انتخاب شخص ما بنسبة 90 أو 95% إذا كان هذا هو ما يسمح به محيطه وسياقه؟ وفي النهاية، ذلك السياق هو الذي يقرر".

وعندما أمازح أصدقائي الروانديين بشأن ما يسميه هؤلاء المنتقدون "غياب المعارضة"، كانوا يردون بلهجة ساخرة: "لكن ما الذي يمكن معارضته في بلدنا.. الرعاية الصحية الشاملة، والتعليم المجاني، والوصول إلى التعليم؟ والتوظيف، وحصص مقاعد البرلمان المخصصة للنساء والأشخاص ذوي الإعاقة، والتنمية الاقتصادية، وسياسة البيئة المستدامة، وقوة الدولة بشكل عام والوصول إلى الإنترنت، والأمن القومي…؟"

إن الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية التي يشير إليها أصدقائي الروانديون لا يمكن اعتبارها أمرًا مفروغًا منه، حيث إن رواندا وُلدت من تحت الرماد، في أعقاب الإبادة الجماعية ضد التوتسي عام 1994، وحققت في 30 عامًا فقط، مستوى عاليًا من المساواة في الحصول على الخدمات أفضل مما يحلم به أي بلد آخر في العالم، بما في ذلك دول الشمال العالمي.

والأهم من ذلك، بعد تجربة ما أسماه البعض "الإبادة الجماعية القريبة"، حيث قتل الجيران جيرانهم، وقتل المعلمون الطلاب، وقتل الأزواج زوجاتهم، وقتلت الأمهات أبناءهن، تمكن الروانديون، بفضل القيادة والحكم الفعّالين، من إعادة بناء الأمة على الوحدة والمصالحة، حيث تعلم الضحايا والجناة العيش معًا مرة أخرى، ويعيدون بناء مستقبلهم من خلال جهد جماعي.

لقد كان التنميط المريب لرواندا سمة مشتركة للتقارير الغربية عن أفريقيا على مدى السنوات الـ60 الماضية، وقد اعتادت وسائل الإعلام والمحللون الغربيون على تقديم هؤلاء القادة الأفارقة في مرحلة ما بعد الاستعمار، الذين لا يتبعون معايير ديمقراطية غربية معينة، على أنهم "دكتاتوريون".

ولكن ما المعيار الغربي على وجه التحديد  للديمقراطية، وإلى أي مدى قد يكون جديرًا برواندا، في ظل تاريخها المأساوي الفريد من الظلم، أن تتبع نموذجًا ديمقراطيًا غربيًا واحدًا يناسب الجميع؟

وباعتباري مواطنة عالمية عاشت في 5 ديمقراطيات مختلفة في 3 قارات مختلفة، فإنني أعتبر أن تقييم المنتقدين الغربيين للانتخابات الرواندية يتجاهل أن الديمقراطيات تتشكّل بالفعل من خلال السياق.

في الواقع، اختار الغربيون المتابعون للشأن الرواندي، بسبب تحيزهم العنصري الضمني أو الصريح، تجاهل حقيقة أنه حتى في الغرب لا توجد ديمقراطية واحدة تناسب الجميع، لأنه كما ذكر بول كاغامي خلال هذه الحملة الرئاسية، أن الديمقراطية تدور حول حرية الاختيار.

وخير مثال على هذا التصريح الذي أدلى به بول كاغامي، هو الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2002. كان عمري حينها 22 عامًا، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أتمكن فيها من التصويت. لقد حصلت على الجنسية الفرنسية بعد أن هاجرت إلى فرنسا كلاجئة سياسية في عام 1992 من البوسنة التي مزقتها الحرب، والتي كانت آنذاك مقاطعة تابعة لموطني الأصلي يوغسلافيا. وكانت تلك الانتخابات هي المرة الأولى التي يصل فيها مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبان، إلى الجولة الثانية، في مواجهة الرئيس آنذاك، جاك شيراك، الذي كان ينتمي إلى يمين الوسط في الطيف السياسي الفرنسي. وباعتباري مهاجرة سابقًا، ومثل معظم أفراد جيلي، كنت من مؤيدي اليسار التقدمي.

وفي حين كان لوبان، مرشحًا مناهضًا للمهاجرين وشوفينيًا وعنصريًا، كان شيراك معروفًا بانتقاده للمهاجرين الذين اتهمهم بـ"التربح" من نظام الرعاية الاجتماعية الفرنسي "على حساب المواطنين الفرنسيين". كانت هذه اللحظة في تاريخ الديمقراطية الفرنسية بمثابة دعوة للاستيقاظ للشعب الفرنسي الذي سارع جميعًا إلى صناديق الاقتراع، بغض النظر عن الجانب السياسي الذي ينتمون إليه، لهزيمة الحكومة الفاشية المحتملة بقيادة جان ماري لوبان. وقد فاز شيراك في الانتخابات بنسبة 82.21%، وهي النسبة التي قد يعتبرها الصحفي في فرانس 24 مارك بيرلمان "غير صحية"، لكن العالم الغربي شعر بالارتياح واحتفل بحرارة بانتصار شيراك.

وكانت انتخابات عام 2002 الفرنسية مجرد مثال واحد من بين العديد من الأمثلة الأخرى لكيفية تشكيل الديمقراطية حسب السياق. إن نفس الأيديولوجية الفاشية التي صوت الفرنسيون ضدها في عام 2002، أدت إلى القتل الجماعي لمليون رواندي في عام 1994. ولا تزال هذه الأيديولوجية تلوح في الأفق، ويروج لها أشخاص مثل فيكتوار إنجابير، التي يطلق نفس هؤلاء المنتقدين الغربيين على حزبها السياسي اسم "المعارضة". وعلى هذا، حين يُنتَخَب بول كاغامي بأكثر من 90% من الأصوات، فإن ذلك يشكل موقف حياة أو موت بالنسبة للشعب الرواندي الذي اختار، من خلال حريته في الاختيار، الوحدة والمصالحة والأمن، على الانقسام والكراهية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مندوبا عن الملك وولي العهد.. العيسوي يعزي آل الساكت
  • الملك محمد السادس يبعث برقية تهنئة إلى ولد الغزواني
  • جلالة الملك يهنيء الغزواني بإعادة إنتخابه رئيساً لموريتانيا
  • موظفة بـ«الداخلية الأمريكية» تستقيل من منصبها لدعم إدارة بايدن للإبادة في غزة
  • أخنوش في “مقهى المواطنة”: نحن حكومة تسعى لإيجاد الحلول لا البحث عن الأعذار
  • "الجبلي" يلقي كلمة بالبرلمان الأفريقي حول تقنين المرتزقة والأمن الغذائي بأفريقيا
  • الملك يعزي ملك المغرب بوفاة والدته الأميرة للا لطيفة هاتفيا
  • رواندا.. دولة أفريقية نهضت من وحل العنف القبلي
  • انتخابات رواندا.. مسار ديمقراطي محلي في وجه التشكيك الغربي
  • رئيس النيابة العامة يعزي جلالة الملك في وفاة والدته للا لطيفة