بلينكن في أنقرة: ماذا طلب وماذا سمع؟
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
مساء الجمعة الفائت، وصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للعاصمة التركية أنقرة، في استهلال جولة إقليمية يزور خلالها كلا من تركيا واليونان ومصر والأردن وقطر والإمارات والسعودية إضافة لدولة الاحتلال والضفة الغربية، وهي رابع جولة له في للمنطقة منذ بدء حرب طوفان الأقصى.
الأهداف المعلنة لهذه الزيارة يبرز منها اثنان رئيسان؛ كبح احتمالات توسع الحرب، ونقاش الوضع السياسي والأمني لقطاع غزة بعدها.
وقبل الخوض فيما اقترحه الوزير على نظيره التركي وبم رد عليه الأخير، تجدر الإشارة إلى سياقات مهمة تتعلق بالزيارة؛ ذلك أن الولايات المتحدة تعمدت تجاهل تركيا في الأسابيع الأولى من الحرب، فلم يتصل بايدن بأردوغان ولا زار بلينكن أنقرة في زيارته الأولى. لاحقا، وتحديدا بعد الاستعصاء الميداني لجيش الاحتلال، أتت زيارة بلينكن واتصال بايدن بأردوغان.
هذه المرة كان اللقاء مختلفا، فغابت الحدّة والتوتر، كما أن الوزير الأمريكي التقى نظيره التركي ثم الرئيس أردوغان في لقاءين منفصلين ومتتاليين، فضلا عن أن أنقرة كانت محطته الأولى في الجولة الموسعة. على هامش الزيارة وقبلها، صرح مسؤول أمريكي بأن بلاده تنتظر من تركيا أن تلعب دورا في مستقبل قطاع غزة بعد الحرب
كما أن الزيارة السابقة لبلينكن لتركيا كانت عاصفة بكل ما للكلمة من معنى، فلم يخطئ المراقبون قراءة لغة جسد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي تجنب عن عمد تقبيل أو عناق نظيره الأمريكي، ولم يعقد معه مؤتمرا صحافيا، كما خرج البيان الصحافي لكلا الجانبين مغايرا للآخر من حيث أولوية الملفات على جدول أعمال الزيارة ووجهات النظر المتعلقة بها.
هذه المرة كان اللقاء مختلفا، فغابت الحدّة والتوتر، كما أن الوزير الأمريكي التقى نظيره التركي ثم الرئيس أردوغان في لقاءين منفصلين ومتتاليين، فضلا عن أن أنقرة كانت محطته الأولى في الجولة الموسعة. على هامش الزيارة وقبلها، صرح مسؤول أمريكي بأن بلاده تنتظر من تركيا أن تلعب دورا في مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، وبالتحديد أنها "تسعى لحشد دعم أنقرة لخطط حكم غزة ما بعد الحرب".
وبالنظر إلى أن الوزير الأمريكي قد التقى فيدان ثم أردوغان كلا على حدة وبالتتالي، فيما لم يَبْدُ برنامجا مُعَدّا مسبقا، يبدو أن الجانب الأمريكي قد قدم مقترحات محددة لتركيا. فما الذي طلبه بلينكن وبم أجابت أنقرة؟
لا شك أن أجندة بلينكن ضمت ملفات أخرى في مقدمتها عضوية السويد في الناتو وصفقة إف 16 وغيرها، لكن الحرب على غزة كانت الملف الأهم وذا الأولوية، وتحديدا فيما يتعلق بالمسار السياسي بعد الحرب وأوضاع الملاحة في البحر الأحمر، على ما صرح به من أثينا بعد مغادرته أنقرة.
في البداية، تنبغي الإشارة إلى أن هذه الزيارة وسياقها وترتيبها وأجندتها ومقترحاتها تعبير عن أزمة، إذ كان تجنُّبُ واشنطن أنقرة في البدايات منطلقا من رؤية أن الحرب ستنتهي سريعا بهزيمة المقاومة الفلسطينية وبالتالي تنبغي محاولة تغييب أو استبعاد أي طرف يمكن أن يكون له دور مساند لها. أما اليوم، فالولايات المتحدة -وقبلها دولة الاحتلال- تبحث عن مخارج مناسبة بعد الفشل الميداني لجيش الاحتلال في تحقيق أي نتائج ملموسة والوصول لأي من الأهداف الكبيرة التي أعلنها للحرب؛ فضلا عن أن يكون انتصر أو حتى اقترب من الانتصار.
ولذلك فقد تراجع الخطاب الأمريكي، المعلن على أقل تقدير، عن صياغات "ما بعد حماس" وأفكار التهجير القسري الجماعي نحو مصر، لصالح صياغات من قبيل "مرحلة ما بعد الحرب" و"متطلبات اليوم التالي للحرب".
المنتظر والمتوقع ألا تقل مرحلة ما بعد الحرب صعوبة وضغوطا على المقاومة الفلسطينية من الحرب نفسها، إذ ستكون هناك محاولة متكررة لتفريغ إنجازاتها الميدانية العسكرية من مضمونها وتقليل المكاسب السياسية المترتبة عليها، استفادة من ضغط الأنظمة العربية على غزة ومقاومتها وسكانها. وهي معركة ستكون أشرس هذه المرة بالنظر للمستويات غير المسبوقة من الدمار
المنتظر والمتوقع ألا تقل مرحلة ما بعد الحرب صعوبة وضغوطا على المقاومة الفلسطينية من الحرب نفسها، إذ ستكون هناك محاولة متكررة لتفريغ إنجازاتها الميدانية العسكرية من مضمونها وتقليل المكاسب السياسية المترتبة عليها، استفادة من ضغط الأنظمة العربية على غزة ومقاومتها وسكانها. وهي معركة ستكون أشرس هذه المرة بالنظر للمستويات غير المسبوقة من الدمار، بحيث ستحاول الولايات المتحدة أن تربط وقف إطلاق النار ودخول المساعدات وإعادة الإعمار بالمسار السياسي بالشكل الذي تتصوره هي، أي بتنازلات تقدمها حماس والمقاومة تحت ضغط الأوضاع الإنسانية.
وعليه، ستكون مطالب الولايات المتحدة من تركيا في هذه الزيارة مرتبطة بهذا السياق، وبالنظر إلى أن تركيا ليست دولة حدودية مع فلسطين المحتلة أو غزة وأنها لا تملك تقليديا دورا بارزا في هذا الإطار، وأنها عرضت رؤيتها للحل السياسي طويل المدى، وتوقع حضورها في ملف إعادة الإعمار، فإن ما ترغبه واشنطن منها هو الضغط على حماس في مفاوضات وقف إطلاق النار وترتيبات ما بعد الحرب بخصوص إدارة القطاع، وهو تقريبا ما أقر به بلينكن في اليونان حين قال إن تركيا لها علاقات جيدة مع "عدة فواعل".
الاستقبال الفاتر بروتوكوليا لبلينكن، ثم مغادرته تركيا مرة أخرى بدون مؤتمر صحافي، ثم التصريحات المقتضبة التي صدرت عن الخارجية والرئاسة التركيتين، كلها تشير لعدم توافق الطرفين على تفاهمات محددة. صحيح أن لأنقرة موقفا حادا من واشنطن مؤخرا بسبب سقوط عدة جنود أتراك بعمليات إرهابية، وهو ما تحمّل تركيا جزءا من مسؤوليته للولايات المتحدة، لكن الخلاف الأبرز يخص الحرب على غزة.
يبدو أن الجانبين لم يستطيعا التوافق على شيء محدد، وأن اختلاف وجهات النظر ما زال قائما. من جهة ثانية، فرؤية تركيا التي تشمل وجود دول ضامنة في غزة لا تبدو عملية وقادرة على النجاح في القطاع وعموم الأراضي الفلسطينية، كما أن دولة الاحتلال لن ترحب على الأغلب بدور من هذا النوع لتركيا
فما زالت أنقرة لا ترى حلا سياسيا مستداما ذا جدوى بدون إشراك حركة حماس فيه، وهي التي نفت صفة الإرهاب عنها وأكدت على أنها حركة تحرر وطني، وما زالت تدعو لوقف شامل لإطلاق النار، وهو ما زالت واشنطن ترفضه حتى اللحظة من باب أنه سيخدم حماس.
في أثينا، قال بلينكن كلاما عاما عن أن "الأتراك يريدون أن يلعبوا دورا إيجابيا بعد الحرب"، لكنه لم يفصّل فيه، كما أن المؤسسات الرسمية التركية لم تفصح عن شيء في هذا الإطار. وبالتالي يبدو أن الجانبين لم يستطيعا التوافق على شيء محدد، وأن اختلاف وجهات النظر ما زال قائما. من جهة ثانية، فرؤية تركيا التي تشمل وجود دول ضامنة في غزة لا تبدو عملية وقادرة على النجاح في القطاع وعموم الأراضي الفلسطينية، كما أن دولة الاحتلال لن ترحب على الأغلب بدور من هذا النوع لتركيا.
ليس من الواضح ما إذا كانت أنقرة ستقترب مستقبلا من الأدوار التي تريدها واشنطن منها، لكن المؤشرات الأولية سلبية بهذا الاتجاه. ربما علينا الانتظار لإكمال بلينكن جولته الإقليمية ونتائجها التي يمكن أن تدفع لاتصال أو تواصل آخر مع أنقرة، فضلا عن مصير صفقة مقاتلات إف 16 وغيرها من العوامل.
لكن، وفي كل الأحوال، يُستبعد أن تنتظر الولايات المتحدة من تركيا أكثر من محاولة الضغط على حماس أو "إقناعها" بتليين موقفها في مفاوضات وقف إطلاق النار، بالنظر للعلاقات التي تربطها بها. وعليه، سيكون علينا أن نتابع التطورات والتصريحات وما بين السطور في الأيام والأسابيع القادمة تركيا وكذلك عربيا وإقليميا.
twitter.com/saidelhaj
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا غزة حماس امريكا تركيا حماس غزة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة دولة الاحتلال ما بعد الحرب هذه الزیارة هذه المرة من ترکیا على غزة فضلا عن کما أن
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء: الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة هي حرب على الإنسانية
سرايا - قال رئيس الوزراء جعفر حسان، الثلاثاء، إن الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة هي حرب على الإنسانية، وكل المجتمع الدولي يجب أن يكون معنياً بوقف هذا التوحش الذي طال الأطفال والنساء والعزل، واليوم يتمثل في التجويع لغايات التهجير، وطرد الشعب الثابت على أرضه.
وأكد رئيس الوزراء مجدداً على ثوابت الأردن القوية والراسخة تجاه القضيَّة الفلسطينية، التي يعبر عنها جلالة الملك دائماً بكل وضوح في "لاءات الأردن الثلاثة"؛ (لا للتهجير، لا للتوطين، لا للوطن البديل).
وأشار إلى أن الجهود التي يقودها جلالة الملك مكرسة من أجل دعم وتثبيت صمود الأشقاء الفلسطينيين على ترابهم الوطني، وهذا هو الضمان الوحيد لاستعادة حقوقهم الكاملة وفي مقدِّمتها حقَّهم في إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة، على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967، وعلى أساس حل الدَّولتين.
جاء ذلك خلال جلسة مجلس الوزراء التي عقدت اليوم في محافظة مأدبا؛ وهي السادسة التي يعقدها في المحافظات.
إقرأ أيضاً : بعد عودة القتال .. نتنياهو يوجه تعليمات "صارمة" لوزرائهإقرأ أيضاً : الاحتلال يغلق معبر رفح ويمنع سفر المرضى من قطاع غزةإقرأ أيضاً : ارتفاع حصيلة شهداء عدوان الاحتلال على غزة إلى 322 شهيدا
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 1329
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 18-03-2025 11:48 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...