صار العالم، بعد تقدم وسائل الاتصال قرية صغيرة. أهم سماتها ان الشعوب صارت تتعرف وتراقب، عن كثب، وبصورة دقيقة، ما يجري في الأقطار الأخرى. هذه المعرفة اللصيقة، لتلك التجارب، تجعلنا نعرف كيف نجحت تلك الشعوب أو فشلت في علاج مشاكلها. ذلك الأمر يراكم خبراتنا ومعرفتنا في كيفية تخطي العقبات، إذا واجهنا معضلات شبيهة.

لذلك يجِب أنْ نتعلّم من تجارب الآخرين، أي أنْ نتعلّم ألّا نرتكِب ذات الاخطاء والخطايا، لا أنْ نرتكب اخطاء مماثلة ُثمّ نبذل طاقات كبيرة في البحث عن الحل. انطلاقا من ذلك الفهم، أبدا سلسلة مقالات، تعرض، باختصار شديد، ملامح من تجارب الشعوب الأخرى. أبدأ اليوم بتجربة جنوب افريقيا، وكيف تخطت كل الام ومرارات جرائم الفصل العنصري، لتبني ديمقراطية حقيقية.
كانت جنوب افريقيا من الأقاليم القليلة التي حكمتها اقلية بيضاء استعمارية. ظلت هذه الأقلية البيضاء تمارس أبشع أنواع العنصرية ضد الأغلبية السوداء والملونين والأسيويين. وشرعت القوانين التي تقنن هذا التمييز في السياسة، والاقتصاد، والتعليم، وغيرها. في عام 1948 وصل الحزب الوطني الى السلطة وهو الحزب الذي اسسه المستعمرون الهولنديون. ومنذ ذلك الحين صارت للدولة أيديولوجية شبيهة بالأيديولوجيا النازية.
تأسس حزب المؤتمر الوطني الافريقي في عام 1912. بدا الحزب المقاومة المسلحة في عام 1955 وأعلن ما عرف بميثاق الحرية، بعد مذبحة شاربفيل الاجرامية. في مارس 1960 تم اعتقال معظم قادة الحزب. وتصاعدت حرب العصابات بصورة كبيرة.
كان الانتقال الى النظام الديمقراطي التعددي صعبا، وشهد كل صور النضال العسكري والسلمي. فقد قاد النضال حزب المؤتمر ومعه قوى أخرى منها الحزب الشيوعي والجناح اليساري لحزب المؤتمر والذي عرف بمؤتمر عموم افريقيا. وشهدت البلاد خلال عقود طويلة حملات منظمة للحصول على حق الاقتراع، وسلسلة طويلة من حركات العصيان المدني والتظاهرات والاحتجاجات والاضرابات وكذلك الاعمال المسلحة. وساهمت حملات التضامن الدولي وخاصة المقاطعة دورها في ضعضعة النظام. ثم اضافت عقوبات المجتمع الدولي وخاصة قرارات الأمم المتحدة قوة إضافية للحملة من اجل الديمقراطية.
حدث تغيير هام صوب الاعتدال في صفوف الشيوعيين، فبعد ان كان جو سلوفلو (الأمين العام للحزب) وقائد الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الافريقي، يعتقد في أواسط السبعينات، ان الحزب قادر على اطاحة النظام العنصري والاستيلاء على السلطة عبر حرب العصابات والقيام بالثورة. لكنه اضحى في أواخر الثمانينات يري ان المفاوضات هي الطريق المحتملة لتحقيق اهداف حزب المؤتمر الافريقي، على الرغم من انه ظل ملتزما باستخدام العنف.
كان أساس التفاوض هو قبول الأقلية البيضاء والنخب الاقتصادية حماية دستورية للحالة القائمة لتوزيع الثروة في مقابل الاندماج السياسي لغير البيض وحصولهم على حق الاقتراع. وكان المفاوض الأساسي لحزب المؤتمر الافريقي هو رئيس اتحاد عمال المناجم.
بدأت عملية التفاوض الأساسية بين حكومة الحزب الوطني الحاكم برئاسة دي كليرك رئيس النظام العنصري ونيلسون مانديلا زعيم حزب المؤتمر الافريقي في مايو 1990ن بعد إطلاق سراح مانديلا. وانتهت هذه الجولة بتعهد الطرفين بالاستمرار في العمل من اجل وقف العنف وإزالة العقبات امام عودة المنفيين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. وفي جولة أغسطس 1990 تم توسيع موضوعات الحوار ليضم وقف العمل المسلح من الجناح العسكري لحزب المؤتمر وانهاء خالة الطوارئ. وفي سبتمبر 1991 تم التوصل الى اتفاقية السلام الوطني التي وقعها ممثلون من 27 هيئة سياسية من السود والبيض.
استؤنفت المفاوضات على نحو ثنائي بين دي كليرك ومانديلا وتم توقيع ميثاق التفاهم. ثم التوصل الي دستور انتقالي ثم جرا انتخابات في 1994 وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية. وصار مانديلا رئيسا لجنوب افريقيا ودي كليرك نائبا له. وفي عام 1995 أصدر البرلمان قانون دعم الوحدة الوطنية والمصالحة شكلت بموجبه لجنة الحقيقة والمصالحة للنظر في الانتهاكات.
هذا باختصار شديد جدا تجربة جنوب افريقيا. فقد تطور النضال المسلح والسلمي حتى خلق توازن قوة لصالح السود، ثم تواصل دعم المجتمع الدولي. وأخيرا تمت مفاوضات، رغم طولها وتعقدها، ولحظات الهبوط والارتفاع فيها، الا انها حققت المصالحة وتغيير النظام. قاوم مانديلا روح الانتقام ونجح في خلق تعايش ساعد في استقرار الدولة. وصار اقتصادها واحدا من أكبر الاقتصاديات العالمية.

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لحزب المؤتمر حزب المؤتمر فی عام

إقرأ أيضاً:

بدء مؤتمر حزب العدالة والتنمية المغربي.. فلسطين والغنوشي أبرز الحاضرين

انطلقت فعاليات المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية في مدينة بوزنيقة المغربية، وسط حضور لأغلبية الأحزاب والقوى السياسية المغربية، وغياب رئيس الحكومة عزيز اخنوش والكاتب العام للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ادريس لشكر.

وشهدت فعاليات المؤتمر رفع أعلام فلسطين بشكل واسع، مع ترديد لشعارات الانتصار لفلسطين ودعم المقاومة في قطاع غزة، مع شعارات أخرى تطالب بإسقاط التطبيع حضور لضيوف أجانب من عدد من الدول العربية والإسلامية.

ويشهد اليوم الأول من المؤتمر افتتاح الأشغال الداخلية، حيث من المرتقب أن يتم تشكيل لجنة البيان الختامي، وتقديم تقرير حصيلة أداء الحزب خلال الفترة الماضية. 


وسيم يتم عرض قيادة الحزب مشروع البرنامج العام المحين، المتمثل في الورقة المذهبية، إلى جانب مشروع التوجهات السياسية للمرحلة المقبلة (الأطروحة السياسية)، ومشروع تعديل النظام الأساسي للحزب.

ومن المنتظر أن تقدم الجهات الحزبية المختلفة تقاريرها حول المشاريع المعروضة للنقاش والمصادقة، قبل أن يلقي الأمين العام للحزب كلمته أمام المؤتمرين. والمصادقة على البرنامج العام المحين، والورقة المذهبية، والأطروحة السياسية، إضافة إلى النظام الأساسي المعدل.

وتتواصل أشغال المؤتمر صباح غد الأحد 27 نيسان/ أبريل، حيث ستعقد الجلسة الثانية المخصصة لإعلان نتائج انتخاب أعضاء المجلس الوطني للحزب والأمين العام الجديد للحزب.

وتشير غالبية المؤشرات إلى أن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، يتجه إلى ولاية ثانية، رغم تأكديه أن موضوع استمراره في ولاية جديدة على رأس الحزب لا علاقة له به، وأنا لا أرشح نفسي، والقرار بيد 1700 مؤتمر من أعضاء الحزب".


وخلال انطلاق فعاليات المؤتمر، وقف الأعضاء عند عرض صورة الشيخ راشد الغنوشي وهتفوا باسمه، ثم غنوا النشيد التونسي الشهير "إذا الشعب يوما أراد الحياة".

وأوقف الأمن التونسي الغنوشي في 17 نيسان/ أبريل 2023، إثر مداهمة منزله، ثم أمرت محكمة ابتدائية بإيداعه السجن في قضية "التصريحات المنسوبة له بالتحريض على أمن الدولة".

وراوحت أحكام السجن بين 5 أعوام و54 عاما بحق 41 من "السياسيين والصحفيين والمدونين ورجال الأعمال"، وبينها سجن الغنوشي 22 عاما.

وبهذا المؤتمر يسعى حزب العدالة والتنمية إلى ترميم صفوفه الداخلية واستعادة موقعه في المشهد السياسي بعد التراجع الكبير الذي شهده في انتخابات 2021.


وبعد أن قاد الحكومة لولايتين متتاليتين في 2011 و2016، لم يحصل في سباق 2021  على غير 13 مقعدا برلمانيا، ما حرمه من تشكيل فريق برلماني، ودفعه لعقد مؤتمر استثنائي أفرز عودة عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابق لقيادته.

وبين مؤشرات التعافي الداخلي وواقع العلاقة المتذبذبة مع بعض قياداته التاريخية، تبدو طريق الحزب نحو انتخابات 2026 مشروطة بقدرته على تجديد نفسه من الداخل والخارج.

مقالات مشابهة

  • العدالة والتنمية المغربي يبدأ مؤتمره الوطني لاختيار قيادة جديدة  
  • بدء مؤتمر حزب العدالة والتنمية المغربي.. فلسطين والغنوشي أبرز الحاضرين
  • انطلاق المؤتمر الوطني لحزب العدالة والتنمية المغربي.. فلسطين والغنوشي أبرز الحاضرين
  • وسط مقاطعة أبرز القيادات وزعماء أحزاب.. البيجيدي يفتتح مؤتمره التاسع بشعارات فلسطين ومهاجمة النظام التونسي
  • طبيب يحذر النساء من نظام غذائي شائع يهدد خصوبتهن
  • تأمين العمانيين العاملين لحسابهم الخاص.. بين شمولية التغطية والتزام بسداد الاشتراكات
  • انطلاق المؤتمر الوطني التاسع لـ"البيجيدي" وسط شعارات تطالب بإسقاط التطبيع
  • اليابان تنسخ نظام “إيستا” الأمريكي لتنظيم عمليات دخول السواح لأراضيها
  • "الرعاية الصحية وسُبل مواجهة تحديات تطبيق نظام التأمين الشامل" سيمنار بمعهد التخطيط القومي
  • «صحة دبي» تطبق نظام «جينيسس» المدعوم بالذكاء الاصطناعي