#تصحيح_وتوضيح د. #هاشم_غرايبه
سادت العالم معلومات تاريخية مغلوطة، كونها بنيت على روايات رجال دين قدماء، صاغوها وفق أهوائهم وبما يتماشى مع أمانيهم وأحلامهم، والتقطها أصحاب الأطماع فوظفوها لتحقيق مصالحهم.
من أكثرها انتشارا قصة شعب الله المختار، وما ارتبط بها من أن الله لأنه يحبهم، منحهم أرضا يقطنها بشر آخرون، وأجاز لهم طرد قاطنيها منها، والتنكيل بهم، سموها أرض الميعاد.
المستغرب في الأمر أن هذه الفكرة ظلت مجرد روايات خيالية آلاف السنين، لم يأخذها أحد على محمل الجد، بل بقيت لتعزية النفس، تجترها نفوس اليهود كلما لاقوا اضطهادا من قبل الشعوب الغربية، الى ان اكتشفها علمانيون أوروبيون لا يؤمنون بالدين أصلا ولا يتبعونه، فاستثمروا في هذه الرواية، وجعلوها مبررا لاحتلال أرض الغير، وتحقيقا لإيجاد قلعة محصنة في قلب ديار المسلمين.
بداية، ومن حيث المبدأ، الموضوع برمته يتناقض مع ما بينه لنا الخالق من طبيعة ذاته العلية، فهو منشئ العدل والحق والاستقامة، وهو من حرم الظلم على نفسه أصلا .. فهل يجيزه لأحد من خلقه؟.
لقد حدد الخالق المبادئ التي أنشأ عليها البشر ورتب علاقاتهم ببعض، في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” [الحجرات:13]، مما يعني أن علاقات البشر بين بعضهم البعض انبنت على أساس المساواة التامة، فلذلك جعل منشأهم واحدا، وذلك حتى لا يعتبر بعضهم مميزا عن غيره، كما لم يجعلهم متماثلين متشابهين بل وزعهم على أعراق وألوان وقوميات مختلفه، لأجل التعددية في القدرات والمعارف، لكي ينتفعوا من هذا التباين، والتعارف يؤدي الى تعاون وتبادل المنافع بين الأفراد والمجتمعات والأمم.
كما حدد في الآية ذاتها أسس الأفضلية بينهم، لأجل التفاضل والتنافس فيما بينهم للارتقاء عنده، فجعلها مبنية على أساس واحد هو التقوى، والذي يعنى عمل الخير، ويتحقق بصلاح النفس ونفع الغير.
نخلص إلى أنه تعالى إله لجميع مخلوقاته، وبما أنه عادل مقسط، فليس هنالك شعب محبب إليه ولا آخر مبغوض منه، بسبب من النسب أو الحسب، بل بمقدار صلاحه واستقامته وطاعته.
فمن أين جاءت القصة إذا!؟.
أصلها أن الله تعالى بعد أن ابتلى ابراهيم عليه السلام ابتلاءات كثيرة، ونجح في اجتيازها، كافأه بان جعله للناس إماما، ولما كان ابراهيم قد انعم عليه ربه بابنين على كبر سنه، فأراد أن يخلفاه في الدعوة الى منهج الله، فأجابه تعالى لذلك كونها تتماشى مع سنته في انزال هديه الى البشر على مراحل، فقدر اسكان اسماعيل منذ صغره في أرض العرب لتتمازج الأنساب ويخرج منها محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا خاتما، وجعل من سلالة اسحق يعقوبا (اسرائيل)، الذي جعل من ذريته كافة الأنبياء، ليتولوا ابقاء الدعوة متواصلة الى حين حلول زمن الرسالة الخاتمة.
من سلالة يعقوب كان مؤمنون هم يوسف وأخيه، وآخرون ظالمون هم أخوتهم من أبيهم، وعاشوا معا بعد انتقالهم الى مصر، ولغلبة الذرية الظالمة ظهر فسادهم فنالوا الضيم، وجاءت بعثة موسى عليه السلام لاخراجهم من مصر وإسكانهم الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم (وادي طوى)، وليس فلسطين، الى حين حلول زمن آخر أنبيائهم المسيح عليه السلام.
وذلك لأنه كان يريد إعادتهم الى مصر بعد اهلاك فرعون: “وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا” [الأعراف:137]، (المشارق سيناء والمغارب مصر، وليست الشام) لكنهم رفضوا إلا بإخراج أهلها (الجبارين) منها، فدعا موسى ربه أن يفرق بين الجماعة المؤمنة من بني إسرائيل (ذرية الأنبياء المتصلة)، وبين الفاسقين الذين أصبح مسماهم اليهود منذ ان عبدوا العجل.
فغضب الله عليهم وكتب عليهم التيه، ثم الذلة الى يوم الدين.
هكذا فهمنا عهد الله الى ابراهيم: “لا ينال عهدي الظالمين”، فقد اقتصر عهده للمؤمنين من ذريته، وقدر الله الانقراض لهذه الذرية بعد أدت رسالتها، فكان آخرهم عيسى عليه السلام الذي ولد من غير أب، حيث لم يبق ذكر من بني إسرائيل بعد موت يحيى قبل أن يتزوج.
هكذا لم يبق من ذرية يعقوب إلا الفاسقون، ومن لعنهم الله لا يمكن أن يكونوا ابناء الله وأحباؤه.
مقالات ذات صلة 4 تقييمات سياسية حساسة 2024/01/08
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: علیه السلام
إقرأ أيضاً:
الرد على من زعم أن الإمام البخاري ليس فقيهًا
الإمام البخاري .. قالت دار الإفتاء المصرية إن الإمام البخاري رحمه الله تعالى من فقهاء الأمة المعتبرين وأئمتها المجتهدين، وهو من العلماء الذين جمعوا بدقةٍ بالغة بين العلوم المختلفة، وقد شهد بإمامته في علم الفقه الفقهاءُ أنفسُهم، وهذا ما عليه السابقون واللاحقون من علماء المسلمين وأئمتهم من غير نكير.
صحيح الإمام البخاري
وأكدت الإفتاء أنه يجب على المسلمين أن يتكاتفوا للدفاع عن أئمتهم وعلمائهم ضد هؤلاء المفسدين، مشيرة إلى أن هذا الطعن الأثيم في الإمام البخاري جهلًا وسفاهةً وقلة حياء وضعف دين.
من هو الإمام البخاري
هو الإمام الفقيه اللغويُّ المجتهد أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري [ت256هـ] صاحب "الصحيح"، رحمه الله تعالى ورضي عنه هو زَيْنُ هذه الأمة، وكان إمامًا حافظًا فقيهًا واعيًا.
وقد أجمع علماء المسلمين وأئمتهم وفقهاؤهم عبر القرون على إمامته وتقدمه.
وكما كان البخاري إمامًا في الحديث، فقد كان إمامًا في الفقه واللغة والتاريخ، وكان موصوفًا بالموسوعية التي لم تتأتَّ لغيره من المحدثين، حتى نُعِتَ بأنه كان آيةً من آيات الله وأمةً وحدَه، وأنه لم يكن في الدنيا مثله:
الإمام البخاري
فوصفه شيخُه محمد بن بشار بُندَار بالسيادة على الفقهاء وأنه أفقه خلق الله في عصره؛ فلَمَّا قدم الإمام البخاري البصرة قال محمد بن بشار: دخل اليوم سيد الفقهاء.
وقال محمد بن يوسف: كنا مع أبي عبد الله عند محمد بن بشار، فسأله محمد بن بشار عن حديث، فأجابه، فقال: هذا أفقه خلق الله في زماننا، وأشار إلى محمد بن إسماعيل.
قالت دار الإفتاء المصرية إن "صحيح الإمام البخاري" هو أصحُّ كتاب بعد كتاب الله تعالى، ولذلك اعتنى به المسلمون أعظم عناية؛ حتى صار علامةً على المنهج العلمي الدقيق وعلى التوثيق في النقل عند المسلمين.
صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى
وأوضحت الإفتاء أن الاعتناء بـ"صحيح البخاري" باب من أبواب رضا الله تعالى، وقراءتُه باب جليل من أبواب تعلم العلم النافع، وقراءتُه في النوازل والمهمات والملمات هو ما فعله علماء الأمة ومُحَدِّثوها عبر القرون سانِّين بذلك سُنة حسنة، ونصُّوا على أن قراءته وكتب الحديث سببٌ من أسباب تفريج الكرب ودفع البلاء؛ إذ لا شكَّ أن قراءةَ سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودراسَتَها والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند القراءة من أعظم الأعمال الصالحة.
وقد نصَّ العلماء والعارفون على أن قراءة "صحيح الإمام البخاري" رحمه الله تعالى سببٌ من أسباب تفريج الكرب ودفع البلاء:
صحيح الإمام البخاري
قال الإمام القدوة الحافظ أبو محمد بن أبي جمرة (ت: 699هـ) في "شرحه على مختصر صحيح البخاري" (1/ 6، ط. مطبعة الصدق الخيرية): [كان الإمام البخاري رحمه الله تعالى من الصالحين، وكان مجابَ الدعوة، ودعا لقارئه، وقد قال لي من لَقِيتُه من القُضَاة الذين كانت لهم المعرفة والرحلة، عمن لَقِيَ من السادة المُقَرِّ لهم بالفضل: إن كتابَه ما قُرِئَ في وقت شدَّة إلا فُرِّجَتْ، ولا رُكِبَ به في مركب فغرقت قط] اهـ بتصرف يسير.
ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني قولَه هذا في مقدمة "فتح الباري" (1/ 13، ط. دار المعرفة) مرتضيًا له، وعدَّه من وجوه تفضيل "صحيح البخاري" على غيره من كتب السُّنة، وهذا يبين سِرَّ مواظبة العلماء على قراءة "صحيح البخاري" دون غيره لدفْع الملمَّات.
وقال الإمام الحافظ تاج الدين السبكي (ت: 771هـ) في "طبقات الشافعية الكبرى" (2/ 234، ط. هجر): [وأمَّا "الجامع الصحيح" وكونه ملجأً للمعضلات، ومجرَّبًا لقضاء الحوائجِ فأمرٌ مشهورٌ. ولو اندفعنا في ذكر تفصيل ذلك وما اتفق فيه لطال الشرح] اهـ.
قال الإمام الصفدي في "أعيان العصر وأعوان النصر" (4/ 582، ط. دار الفكر): [ولما جاءت التتار ورد مرسوم السلطان إلى مصر بجمع العلماء وقراءة "البخاري"، فقرأوا "البخاري" إلى أن بقي ميعاد أخروه ليختم يوم الجمعة، فلما كان يوم الجمعة رُئي الشيخ تقي الدين في الجامع فقال: ما فعلتم ببخاريكم؟ فقالوا: بقي ميعاد ليكمل اليوم، فقال: انفصل الحال من أمس العصر وبات المسلمون على كذا، فقالوا: نخبر عنك؟ قال: نعم، فجاء الخبر بعد أيام بذلك، وذلك في سنة ثمانين وستمئة على حمص، ومقدم التتار منكوتمر] اهـ.