تسوية في المنطقة: الثمن لوقف الحرب؟
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
دفعت غزة، منذ بداية الحرب، كل ما يمكن ان تدفعه، فسلاح اسرائيل الاقوى أُستخدم ودمرت اسرائيل شمال القطاع بالكامل ولم يعد هناك مراكز صحية أو تعليمية،في المقابل لم تستطع تل ابيب تحقيق اي من اهدافها، ولم تحرر الاسرى ولم تنهِ وجود حماس العسكري ولم تهجر السكان، وحتى المنطقة العازلة داخل القطاع ليست متاحة على ما يبدو.
افرطت اسرائيل في استخدام قوتها بحيث لم يعد لاهالي غزة وللمقاومة الفلسطينية ما يخسرونه، في مقابل عدم قدرة الجيش الاسرائيلي على الاستمرار في الحرب البرية، فبدأ بالانسحاب من القطاع وتحديداً من شماله من دون انجازات ميدانية او استراتيجية، وعليه بات استمرار الحرب مضرا اسرائيلياً، بعيدا عن رغبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الشخصية. اما حماس، فبعد كل ما حصل لا يمكنها الخروج من المعركة، التي لن تتضرر في حال استمرارها اكثر مما تضررت خلال في الاشهر الماضية، من دون تحقيق انجازات حقيقية لاهالي القطاع.
تحتاج حماس لتسوية تستطيع من خلالها القول بأن الثمن الذي دفع كان خطوة كبرى نحو التحرير، وهذا غير ممكن الا من خلال تحقيق امرين، الاول تصفير السجون مع ضمانات دولية بحماية المحررين، وفك الحصار او تخفيفه عن القطاع، ومن دون ذلك لن يتمكن اهالي شمال غزة من العودة واعادة الاعمار. مع مرور الوقت ستزداد حاجة اسرائيل لوقف الحرب وسيكون الضغط الاميركي اكبر بسبب اقتراب الانتخابات الرئاسية، وهذا ما سيمنح المقاومة الفلسطينية فرصة لفرض شروطها خصوصا اذا كانت قد تمكنت من الحفاظ على بنية صاروخية جدية واعادت قصف المستوطنات بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي من غزة.
تحقيق الانجاز خلال اي تسوية مقبلة بات هدفا ليس فقط لحركة حماس، بل لكل المحور المتحالف معها، فخطاب الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله وضع قواعد جديدة ورسم مسار التسويات المقبلة، ولوّح بالشروط الضمنية لوقف التصعيد. تحدث نصرالله عن لبنان مؤكداً أن إمكانية تحرير الاراضي المحتلة بات امرا واقعيا وقد يكون ثمن الحرب والمعركة الحاصلة، ما يعني أن "حزب الله" سيفرض تحقيق بعض الشروط قبل وقف المعركة ومن بينها الانسحاب من الاراضي المحتلة وضمنها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اضافة الى وقف الخروقات الاسرائيلية.
يعتقد "حزب الله" ان اسرائيل، وبالرغم من تلويحها بالحرب عليه غير قادرة على شنّها، لذلك فهو يسعى الى تحقيق امرين، الاول منعها من استعادة قدرتها على الردع وكسر قواعد الاشتباك وهذا ما سيظهر تدريجيا من خلال ردود الحزب على قصف الضاحية، والثاني هو فرض تحرير الاراضي المحتلة ومنع عمليات التجسس وهذا يتم تحصيله من خلال قدرة الحزب على تحمل استمرار المعركة اكثر من قدرة اسرائيل، وهذا ما يتطابق مع المسار الذي ستأخذه الحرب في غزة..
معادلات نصرالله تناولت العراق حيث بدأ الحشد الشعبي بتكثيف عمليات استهداف القوات الاميركية، اذ اعتبر امين عام الحزب ان خروج واشنطن عسكريا من العراق وسوريا يجب ان يحصل، وهذا ما قد يصبح هدفاً للمعركة ايضا، اذ ان اللحظة السياسية في واشنطن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية ستجعل انسحاب القوات الاميركية من مناطق تتعرض فيها للاستنزاف ويسقط لها فيها خسائر بشرية، امراً وارداً في ظل ضغط سياسي قد تبدأ بغداد بممارسته خلال مرحلة قصيرة. اذا يبدو انه كما كانت الحرب والمعارك شاملة وغير مقتصرة على غزة ستكون التسوية شاملة وتضم اكثر من طرف واكثر من ساحة.. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
خطاب القائد العام للجيش بين فقه الحرب والاستتابة وفقه البناء الوطني
خطاب القائد العام للجيش بين فقه الحرب والاستتابة وفقه البناء الوطني
خطاب النصر المطلق ام رحابة السياسة
ياسر عرمان
قديماً قال نصر بن سيار الكناني "ان الحرب مبدؤها كلام" وأيضاً الحرب أخّرها كلام، وقال أهم استراتيجي حربي ومفكر وفيلسوف ومؤلف أقدم نص تاريخي لاستراتجيات الحرب على مدار الزمان الإنساني وخلّدته سراديب التاريخ العسكري الجنرال الصيني سون تسو (زو) " ان اعظم المعارك هي التي تكسب دون قتال" اي بدلاً من فن الحرب فن السياسة.
هل هنالك جديد في خطاب اليوم للقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان؟ لنحاول قراءته باتزان وعقل وحكمة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، بعيداً عن مرارات الحرب التي لحقت اعظم خسائرها بالشعب وبالمدنيين وبالدولة وبالسودان حاضراً ومستقبلاً التي شتت المجتمع وجرفت ذاكرة الدولة، وبعيداً عن من يعفو عن من؟ ومن يحاسب من؟ وفوق غضب الاختلاف والاتفاق وبعيداً عن المواقف الصفرية، دعنا نقرأ خطابه على هدى كتاب إيقاف وانهاء الحرب الذي ترفعه القوى المدنية في بحثها المضني عن السلام وبحث المواطن عن حق الحياة والعودة للمنزل والفضاء المدني والتخلص من عسكرة المجتمع.
في تقييم عسكري محض من واقع تجاربنا السابقة ومعرفتنا اليوم لست مع الفئة التي تظن وتردد في وسائل التواصل الاجتماعي ان المعارك الأخيرة والتي سبقتها بين الجيش والدعم السريع هي انسحابات متبادلة بل هي معارك حقيقية ازهقت كثير من الأرواح، مدنيين وعسكريين وشهدت انتصارات وتقدم حقيقي للدعم السريع في بداية الحرب وفي قتال لا هوادة فيه ثم شهدت انتصارات حقيقية وتقدم للجيش منذ معارك أمدرمان وسنار وهي كذلك معارك حقيقية، والجيش الذي تخلى عن واجبه الأول في حماية المدنيين والدولة نجح في التمسك بمواقعه التي توفر القيادة والسيطرة داخل العاصمة الخرطوم، أولها القيادة العامة التي تشكل رمزيته ونجح في اخراج قائده العام والحفاظ على سلسلة القيادة على مدار انتشار قواته، وفي كل منطقة تحالف فيها مع القبائل والقوى المحلية احتفظ بحامياته، كما هو الحال في بابانوسة والدلنج والفاشر والأبيض وغيرها، ولكن كل ذلك لا يحقق النصر المطلق لأي من الطرفين، ومهما كانت نتائج انتصارات الجيش الحالية فإنها (سقالة) نحو الحل السلمي لا النصر المطلق، ومهما كانت قدرات الدعم السريع في استعادة زمام المبادرة فان كسب الحرب عبر نصر عسكري حاسم غير ممكن وبناءً على ذلك ان يجب ان ترتكز استراتيجية الطرفين نحو الحل السلمي، آخذين في الاعتبار التجارب السابقة الأقل اتساعاً من حرب ١٥ أبريل، وقدرات الطرفين الحالية وتحالفاتهم الداخلية والخارجية الماثلة للعيان، ومن هنا تأتي أهمية هذا الخطاب الذي انتقل من خطاب النصر المطلق إلى رحابة حديث السياسة الذي يقود للبحث عن الحلول.
لا أود أن أعقب على ما قاله قائد الجيش بالتقليل أو التعظيم أو السخرية أو تبادل اللكمات الخطابية، والتساؤل هل الخطاب موجه للسودانيين ام لقمة الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي؟ فالخطاب و حده غير كافي لوقف الحرب ولكنه يفتح كوه من ضوء الحوار وطرح الاسئلة الفعلية والمعقدة، إذا تركنا جوانبه المتعلقة باستتابة الآخرين وعلى رأسهم القوى الرافضة للحرب ولندع جانباً حديث الوثيقة الدستورية وما أدراك ما الوثيقة الدستورية تعديلاً أو الغاءً فهي قد شبعت موتاً منذ انقلاب ٢٥ أكتوبر وكذلك لنترك جانباً الحديث عن التعديلات في هيكل السلطة وتعيين رئيس وزراء من تماسيح بورتسودان، كل ذلك لن يغير من واقع الحرب بل يبدد الموارد والزمن.
ان الحديث عن تقدم والحرية والتغيير ورفع يدها عن المليشيا للترحيب بهما كما ذكر القائد العام حديث من فقه دعاية الحرب ولم يقدم جديد، واقع الأمر هنالك ثلاث قوى على المسرح السياسي اليوم، هي قوى الثورة والتغيير وحركات الكفاح المسلح غير الموقعة، والقوات المسلحة وحلفائها، والدعم السريع وحلفائه، والقوى التي تحتاج ان ترفع يدها عن القطاع الأمني هي قوى الفلول والحركة الاسلامية وعلاقتها ملتبسة بالجيش وتحتاج ان تنهي زواج المصلحة حتى تتحول القوات المسلحة لقوات غير مسيسة وتعكس التنوع السوداني ولا تعادي الحكم المدني الديمقراطي ولا تخوض حروب الريف وتكون مهنية، وبعدها تقطع اي يدٍ سياسية تمتد اليها.
وزع أحد الشباب قبل عدة ايام ويدعي قربه لقيادة الجيش، ورقة بعنوان ( الطريق إلى السلام والاستقرار- نحو الوحدة وتحقيق السلام والتحول الديمقراطي) تحدثت الورقة عن الثوابت الوطنية والمهام الرئيسية وقضايا الانتقال ودور القوات المسلحة، وقد شكلت ملامح حديث القائد مع حلفاء الجيش وهي بداية طبيعية، بدأت بأهل البيت وتتطلب الحكمة والشجاعة للحديث مع خصوم البيت وللتقدم نحو الامام يحتاج القائد العام لحديث مباشر مع الدعم السريع لوقف الحرب، وليس هناك أفضل للجيش من الحديث والجلوس لوقف الحرب وادخار الإمكانيات البشرية والمادية من هذا الوقت، ان اليوم هو اليوم الذي يجب ان يترجم فيه الجيش تقدمه على أرض المعركة إلى تقدم على أرض السياسة فلا يوجد نصر مطلق، ولنذكر صيف العبور وصيف السلام وأخطاء البشير الكارثية، ان مصالح الشعب والبلاد تأتي في المقدمة. والخطوة الأخرى هي الحديث المباشر مع قوى الثورة والتغيير ولطالما أبدت تقدم وقوى الجبهة المدنية استعدادهم لوقف وانهاء الحرب ومن الحكمة ان يلتقي قائد الجيش وزملائه بجميع قوى الثورة والتغيير داخل وخارج السودان للبحث في وقف وانهاء الحرب دون شروط او اشتراطات.
ان شعبنا قد ذاق الأمرين وعانى من الاذلال والقتل والتشريد ودفع ثمناً باهظاً لهذه الحرب وهو لا يستحق ذلك بل يستحق سلام عادل والتنمية والديمقراطية، ان اليوم هو يوم لوقف الحرب وجرائمها ومخاطبة الكارثة الانسانية وتكريس خطاب البناء الوطني بديل لفقه الحرب الاستتابة، والنصر المطلق في السلام وحده لا سواه فلنتجه جميعاً نحو رحابة السياسة وفعلها والاستجابة لمطالب الشعب والحفاظ على وحدة بلادنا وسيادتها.
#نعم_لثورة_ديسمبر
#لا_لحرب_أبريل
٩ فبراير ٢٠٢٥