تحاول إثيوبيا الهروب من "سجن الجغرافيا"، عبر اتفاقها مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية على استئجار نحو 12 ميلا من ساحلها عبر ميناء بربرة في البحر الأحمر للأغراض التجارية والعسكرية، من خلال صفقة يتردد أن الإمارات ربما لعبت فيها دور وساطة، بحسب إيشان ثارور في صحيفة "ذا واشنطن بوست" الأمريكية (The Washington Post).

ثارو أردف، في تحليل ترجمه "الخليج الجديد"، أن "إثيوبيا دولة غير ساحلية، وباستثناء عقود قليلة في القرن العشرين عندما ضمت جارتها إريتريا، لم يكن لثاني أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان خط ساحلي، وتدفع لجيبوتي نحو 1.5 مليار دولار سنويا مقابل الوصول إلى موانئها وبنيتها التحتية الساحلية".

وتابع أنه "للتغلب على هذا "السجن الجغرافي، لطالما كانت لدى رئيس الوزراء الإثيوبي  آبي أحمد رؤى حول الوصول إلى البحر، ولم تؤثر المشاكل الاقتصادية العميقة التي تعاني منها إثيوبيا والصراعات الضروس المستمرة، على رغباته، بل إنها قد تغذيها".

وأضاف أنه "في الأسبوع الماضي، وفي ما كان بمثابة "قنبلة جيوسياسية" بمنطقة القرن الأفريقي (شرقي القارة)، بدا أن آبي حقق هدفه، إذ أعلن إلى جانب موسى عبدي، رئيس جمهورية أرض الصومال الانفصالية المعلنة من جانب واحد (لم تعترف بها أي دولة)، أن الطرفين توصلا إلى مذكرة تفاهم تقضي بتأجير أرض الصومال لإثيوبيا حوالي 12 ميلا من ساحلها عبر ميناء بربرة".

و"في المقابل فإن الكيان المتمتع بحكم ذاتي منذ ثلاثة عقود، والموجود داخل الصومال، قد يفوز بالاعتراف الدبلوماسي من أديس أبابا (كدولة مستقلة)"، كما زاد ثارو.

وبحسب مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية فإن "أمل المسؤولين في أرض الصومال أنه أينما ذهبت إثيوبيا، ستتبعها بقية أفريقيا، إذ يوجد مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا".

وأضاف ثارو أن "آبي أحمد يتمتع أيضا بعلاقات قوية مع الإمارات، ويشتبه دبلوماسيون أجانب في أن الإمارات، المقربة أيضا من حكومة أرض الصومال، ربما لعبت دورا في التوسط في الصفقة".

وأشار إلى أن "إثيوبيا، التي تعاني من ضائقة مالية، ستدفع تكاليف الوصول إلى الميناء عبر منح سلطات أرض الصومال حصة في شركة الطيران الوطنية، وهي شركة طيران قارية كبرى".

اقرأ أيضاً

اتفاق أرض الصومال يجعل إثيوبيا قوّة بحرية.. التداعيات الجيوسياسية

قوة مهيمنة

ووفقا لصحيفة "ذا نيويورك تايمز" الأمريكية فإن "إثيوبيا سعت لسنوات إلى تنويع الوصول إلى موانئها البحرية، بما في ذلك استكشاف الخيارات في السودان وكينيا، وفي عام 2018، وقَّعت صفقة للاستحواذ على حصة 19% في ميناء بربرة، لكن الصفقة فشلت".

وقال ثارو إن "منتقدي آبي أحمد في المنطقة يصورون إثيوبيا على أنها قوة مهيمنة محتملة في شرق أفريقيا، لكنه قال إن بلاده ليس لديها "رغبة في إكراه أي شخص بالقوة" من خلال هذه الصفقة، وتريد ببساطة تنويع (وتقليل تكلفة) وصولها إلى البحر".

ورأى أن "هذه الخطوة قد تعزز أيضا آبي أحمد في الداخل، حيث يعاني من اقتصاد متدهور وصراعات عرقية مدمرة".

ورجح مصطفى أحمد، وهو محلل سياسي، أن الاتفاق "سيمنح آبي أحمد الفرصة لإعادة تأهيل صورته، إذ  لا يحظى بشعبية في البلاد بسبب حروبه في منطقة تيجراي، وحركات التمرد العنيفة في منطقتي أمهرة وأورومو، فضلا عن الركود الاقتصادي الذي واجهته البلاد في السنوات القليلة الماضية".

اقرأ أيضاً

الصومال يعلن إلغاء اتفاقية بحرية بين صوماليلاند وإثيوبيا

غضب صومالي

"لكن الصومال غاضبة، وتم استدعاء سفير البلاد في أديس أبابا، ونُظمت احتجاجات ومسيرات ضد الصفقة في مقديشو"، كما أضاف ثارو.

واستطرد: "ووقَّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في 6 يناير/ كانون الثاني الجاري، مشروع قانون يبطل رمزيا الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال؛ لأن الأخيرة موجودة داخل حدود الصومال المعترف بها دوليا".

واعتبر أن هذا الوضع "مثال على ضعف مقديشو في السنوات الأخيرة، وعدم قدرتها على قبول أو قمع استقلال أرض الصومال بحكم الأمر الواقع".

"غير أن الكتل والقوى الدولية الكبرى الأخرى وقفت إلى جانب الصومال، إذ أصدر الاتحادان الأوروبي والأفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة الدول الإسلامية بيانات تحث إثيوبيا على عدم المضي قدما في هذه الصفقة"، بحسب ثارو.

وأضاف أن "تركيا، التي لها بصمة كبيرة في الصومال وتنافس ضمني مع الإمارات في مختلف أنحاء المنطقة، أعربت أيضا عن دعمها لوحدة الصومال".

ودعت الولايات المتحدة إلى تسوية النزاع عبر الحوار، وكذلك فعلت بريطانيا، التي أعربت عن "احترامها الكامل" لسيادة الصومال وسلامة أراضيه".

فيما المبعوث الأمريكي السابق لمناطق الساحل والبحيرات العظمى في أفريقيا جيه بيتر فام المخاوف من أن الاتفاق قد يثير أزمة أوسع نطاقا، واعتبر في تصريح صحفي أنه "فوز حقيقي للجانبين، ويحترم الواقع الموجود على الأرض في القرن الأفريقي، وليس النظريات".

اقرأ أيضاً

إثيوبيا توقع اتفاقا مع أرض الصومال للوصول إلى البحر الأحمر.. ما المقابل؟

المصدر | إيشان ثارور/ ذا واشنطن بوست- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: ميناء بربرة جمهورية أرض الصومال إثيوبيا الإمارات الصومال اتفاق أرض الصومال میناء بربرة الوصول إلى آبی أحمد

إقرأ أيضاً:

فشل حل أزمة سد النهضة منذ 30 يونيو يضع مصر تحت تصرف إثيوبيا

أحد أهم وأخطر الملفات التي فشل فيها النظام المصري منذ 2013 هو ملف المياه وأزمة سد النهضة، حيث كان يترقب المصريون من النظام العسكري الجديد أن يتمكن من إنهاء الأزمة التي كانت في بداياتها ولكن النظام الجديد انشغل بقضايا محلية تتعلق بفرض نظام أمني من حديد والقضاء على الأصوات المعارضة والتخلص من الشركاء وملاحقتهم.

تورط نظام السيسي في اتفاقيات ومفاوضات سمحت بإكمال بناء السد، ما أدى إلى تفاقم الأزمة المائية في مصر.

بدأت إثيوبيا هذا الأسبوع بالفعل عمليات الملء الخامس للخزان، محتجزة بذلك 23 مليار متر مكعب إضافية من مياه النيل، لتضاف إلى 41 مليار متر مكعب تم احتجازها في المراحل الأربع السابقة، مما أثار احتجاجات رسمية من مصر والسودان. هذه التطورات تضع مصر أمام تحديات كبيرة في إدارة مواردها المائية وتأمين احتياجاتها المستقبلية من المياه.


منذ 30 حزيران/ يونيو 2013 لم ينخرط النظام المصري الجديد في أي شيء يتعلق بأزمة سد النهضة إلا بعد عام كامل ومرت منذ ذلك الوقت بعدة محطات حتى تم الإعلان فشلها بشكل نهائي نهاية العام الماضي:

حزيران/ يونيو 2014: اتفقت مصر وإثيوبيا على استئناف المفاوضات مرة أخرى.

أيلول/ سبتمبر 2014: عقد الاجتماع الأول للجنة الثلاثية (مصر وإثيوبيا والسودان) للتباحث حول صياغة الشروط المرجعية للجنة الفنية وقواعدها الإجرائية والاتفاق على دورية عقد الاجتماعات.

تشرين الأول/ أكتوبر 2014: اتفقت الأطراف الثلاثة على اختيار مكتبين استشاريين أحدهما هولندي والثاني فرنسي لعمل الدراسات المطلوبة بشأن السد.

آذار/ مارس 2015: وقع السيسي ونظيره السوداني السابق عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا السابق هايلي ديسالين في العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة".

تموز/ يوليو 2015: عقدت في العاصمة السودانية الخرطوم الجولة السابعة لاجتماعات اللجنة الفنية التي أصدرت بيانا يتضمن قواعد وأطر عمل المكتبين الاستشاريين الدوليين.

أيلول/ سبتمبر 2015: انسحب المكتبان الاستشاريان لـ"عدم وجود ضمانات لإجراء الدراسات بحيادية".

كانون الأول/ ديسمبر 2015: وقع وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا على وثيقة الخرطوم التي تضمنت التأكيد على اتفاق إعلان المبادئ، وتضمن ذلك تكليف مكتبين فرنسيين بتنفيذ الدراسات الفنية الخاصة بالمشروع.

شباط/ فبراير 2016: إثيوبيا تؤكد أنها لن تتوقف عن بناء سد النهضة.

أيار/ مايو 2017: الانتهاء من التقرير المبدئي حول سد النهضة، واندلاع خلاف بين الدول الثلاث على التقرير.

تشرين الثاني/ نوفمبر 2017: وزير الري المصري يعلن عدم التوصل لاتفاق بعد رفض إثيوبيا والسودان للتقرير المبدئي.

تشرين الثاني/ نوفمبر 2017: الحكومة المصرية تعلن أنها ستتخذ ما يلزم لحفظ "حقوق مصر المائية".

شباط/ فبراير 2020: استضافت واشنطن، جولة مفاوضات جديدة حول سد النهضة الإثيوبي، تجمع وزراء الخارجية والري في دول مصر والسودان وإثيوبيا، بمشاركة ممثلين من وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولي، بوصفهم مراقبين.

نيسان/ أبريل 2021: فشل مفاوضات "الفرصة الأخيرة" بين مصر والسودان وإثيوبيا في عاصمة الكونغو كينشاسا.

آب/ أغسطس 2022: أديس أبابا تعلن الملء الرابع.

حزيران/ يونيو 2023 اتفق السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على البدء بمفاوضات "عاجلة" للاتفاق على ملء سد النهضة وقواعد تشغيله.

كانون الأول/ ديسمبر 2023: مصر تعلن فشل المفاوضات مجددا.

تموز/ يوليو 2024: إثيوبيا تعلن بدء الملء الخامس.

"مصر تهب إثيوبيا النيل"
كشف خبير المياه والسدود الدولي، الدكتور محمد حافظ، أن مصر "منحت إثيوبيا نهر النيل على طبق من ذهب منذ دخولها في صراع كبير على السلطة عام 2013، وانحراف القوات المسلحة عن دورها في الدفاع عن أمن مصر القومي في البحر والنهر والبر، ومذ ذلك الوقت كانت تسعى لعدم الدخول في أي صدام مع إثيوبيا بسبب الاضطرابات السياسية الداخلية ولكن الأخيرة استعملتها لصالحها تماما".


وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أنه "بضعف مصر اقتصاديا ودبلوماسيا وسياسيا واعتمادها على الآخرين، وهم حلفاء النظام الجديد في دول الخليج، جعلها غير قادرة على مقاومة أطماع الآخرين في مياه النيل، وهي ما أعتبره أخطر أطماع تهدد أكثر من 110 ملايين مصري، لأن نقص المياه هو معناه خراب كبير سوف يحل على الزراعة والصناعة ومياه الشرب".

وأكد حافظ، أن "النظام الجديد منح إثيوبيا كل شيء لحجز مياه النيل وحرمان مصر من حقها التاريخي في المياه، من اتفاق إعلان المبادئ في الخرطوم عام 2015، وعدم الانتباه لمخططات أديس أبابا والسير في مفاوضات غير مجدية وعقيمة منذ ذلك الحين دون أخذ الحيطة والاعتبار بسلسلة الفشل الذريعة، بما فيها فشل كل جهود الوساطة بما فيها الوساطة الأمريكية والأفريقية... الخ".

واعتبر أن "يوم اكتمال الملء الخامس ستكون إثيوبيا قد خزنت خلال عامي 2023 و2024 قرابة 70.0 مليار متر مكعب، وهذا يعني أن الدولة المصرية سوف تحتاج لاستيراد كمية من الغذاء سنويا تعادل إنتاج (7.0 مليون فدان)".

وأشار خبير المياه إلى أن "مصر تستورد حوالي 50 مليار متر مكعب مياه افتراضية على هيئة سلع مثل القمح والذرة وباقي المنتجات الزراعية، والمشكلة هي في أن إثيوبيا تسعى لخصم حصة كبيرة من حصة مصر في مياه النيل".

وسبق لوزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم أن أعلن أن موارد بلاده المائية تقدر بنحو 59.60 مليار متر مكعب سنويا، في حين تبلغ احتياجاتها نحو 114 مليار متر مكعب سنويا، وفي حال استمرت إثيوبيا بخططها المتعلقة بالسدود على مجرى النيل، ستجد مصر نفسها في وضع خطير للغاية.

وتأتي مصر على رأس قائمة الدول القاحلة والتي تواجه ندرة حادة في المياه، فهي الأقل في معدل هطول الأمطار بين دول العالم، وتعاني من عجز مائي يزيد على الـ50% من احتياجاتها المائية؛ ما يفرض عليها إعادة استخدام المياه المحدودة المتاحة لعدة مرات، واستيراد مياه افتراضية في صورة واردات غذائية بقيمة تقترب من 15 مليار دولار سنويا.

مآلات الضعف والخلافات المصرية السودانية
على الجانب السوداني، قال المحلل السياسي والكاتب الصحفي الدكتور ياسر محجوب الحسين، إن "الخلافات الداخلية في مصر والصراع على السلطة منذ عام 2013، من جهة، والخلافات الخارجية مع السودان، من جهة أخرى، منح إثيوبيا فرصة تاريخية لبناء سد النهضة".

وأضاف لـ"عربي21": "للأسف لا يبدو أن هناك أفقا للحل من غير فرض الإرادة الإثيوبية على البلدين حيث تتعزز حقيقة أن السد أضحى أمراً واقعاً مع مرور الوقت، وفي ظل ضعف البلدين الشديد مصر والسودان؛ فالأول يعصف به وضع اقتصادي متدهور والثاني تعصف به حرب مدمرة إقليمية دولية بأدوات داخلية. ولذا سيمضى الملء الخامس دون ضجة أو أي تحرك لا من جانب مصر ولا بالضرورة من جانب السودان".


بالعودة إلى الخلافات بين القاهرة والخرطوم، يوضح المحجوب: "خلال أزمة سد النهضة منذ 2013 اتخذت الحكومة السودانية مواقف داعمة لإثيوبيا في مشروع سد النهضة، ومع أن الخرطوم حينها نظرت لبعض الفوائد التي ستعود عليها من قيام السد إلا أنها كانت قاصرة بالبعد الاستراتيجي، فاعتزلت التنسيق مع مصر بسبب اضطراب علاقاتها مع القاهرة. وربما تنبهت الخرطوم متأخراً لهذا الخطأ وعمدت إلى قيادة وساطة أسفرت عن اتفاق بين الدول الثلاث لكنه لم يصمد بسبب التعنت الإثيوبي، فإثيوبيا كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في إنجاز مشروع السد الأمر الذي مكنها من التعويل على أن المشروع أصبح أمراً واقعاً رضي من رضي وأبى من أبى".

وختم حديثه بالقول: "في تقديري أن الخلافات السياسية بين النظامين السوداني والمصري على مر العقود الماضية طغت على ما هو استراتيجي ومستقبلي فيما يخص علاقات البلدين و شعبيهما. وبعيدا عن التفاعلات والأسباب الداخلية والتاريخية التي أدت إلى مآل الانفصال، نستطيع القول أن انفصال جنوب السودان كان نتيجة حتمية لخلل هيكلي في الأمن القومي المصري والنظرة القاصرة لدى كلا النظامين في البلدين لأهمية علاقاتهما الاستراتيجية".

مقالات مشابهة

  • أحمد علي.. بطل الفضاء في المستقبل
  • بعد فشل المحادثات بين الصومال وإثيوبيا.. تركيا تحدد موعد الجولة الثانية مطلع سبتمبر
  • أحمد فيصل علي بطلاً لتحدي القراءة العربي على مستوى الدولة
  • بالفيديو | أحمد فيصل علي بطل تحدي القراءة على مستوى الإمارات
  • إثيوبيا: جولة ثانية من المباحثات مع الصومال حول "مذكرة التفاهم" سبتمبر المقبل
  • وساطة تركية بين الصومال وإثيوبيا بشأن الخلاف حول ميناء بربرة
  • تركيا تدخل في وساطة بين الصومال وإثيوبيا بشأن اتفاق حول ميناء
  • فشل حل أزمة سد النهضة منذ 30 يونيو يضع مصر تحت تصرف إثيوبيا
  • قوات طارق صالح تختطف معلماً في حيس بسبب تضامنه مع زميله بمنشور شعري
  • تهرب ضريبي وجوازات سفر مضروبة في رحلة الهروب الإخواني