إسرائيل تخشى نهاية الحرب: لا حصانة في «اليوم التالي»

يميل الجمهور الإسرائيلي، وليس القيادة السياسية فقط، إلى إطالة مراحل الحرب.

أصبح عدم رحيل أهل غزة، مهما كانت أسبابه، هو مأزق الإسرائيليين، الذين توهموا أن يهرب العرب من أمامهم دائما.

تحت طائلة رفض المقاومة لترتيبات العدو لليوم التالي، مثل هذه الترتيبات، يبدو من الآن أنها ستنتقص من الحصانة التي اعتادها الإسرائيليون.

عدم واقعية مطالب إسرائيل لا تنسحب على الأميركيين، الذين يتصرّفون على أن ترتيبات اليوم التالي بعد الحرب، يجب أن تأخذ الحقائق على الأرض كما هي.

يعتقد الإسرائيليون أن قتال جيشهم بغزة دفاع عن شروط العيش على هذه الأرض، ويعتبرونه امتيازاً، بالنظر إلى الإغراءات المالية للبقاء، لا سيما في المستوطنات الأمامية.

الخيار الآخر للإسرائيليين العودة إلى التيه والشتات، الذي سبق الهجرة إلى فلسطين لكن أكثر ما تأمله إسرائيل في غزة ترتيبات تشارك فيها أميركا كضامن لأمنها، تظلّ بموجبها «حماس» بسلاحها في القطاع.

* * *

رغم أن الدلائل كلّها تشير إلى أن العدو سيخرج خالي الوفاض من حرب غزة من حيث تحقيق الأهداف الكبرى، وأن كلّ يوم يمرّ يُثبت أن الحرب بالمعنى العسكري صارت بلا جدوى، فإن المحرّك الأساسي لاستمرارها هو خوف الإسرائيليين من انتهائها، الذي يجب أن تسبقه إجابة عن سؤال اليوم التالي.

وذلك اليوم يمكن أن يكون أحد احتمالين: الأوّل، انتفاء التهديد من غزة والضفة الغربية، وأيضاً من الشمال، كما يأمل قادة إسرائيل، وهذا يبدو بعيداً؛ أو العيش - وهنا الاحتمال الثاني - في ظلّ كابوس حصول 7 أكتوبر جديد على إحدى تلك الجبهات أيضاً.

يعمل الإسرائيليون على هدي غريزة تقول إن الإسراف في القتل قد يؤدي غرض استعادة «الهيبة» التي فقدها العدو على الأقلّ، إن لم يؤدّ إلى التهجير المأمول. ولكن التجربة تفيد بغير ذلك، ولا سيما أن الممارسة إياها تضع الفلسطينيين أمام تهديد لا حلّ له، بالغريزة والعقل أيضاً، إلّا المقاومة والدفاع عن النفس حتى الرمق الأخير.

كذلك، يميل الجمهور الإسرائيلي، وليس القيادة السياسية فقط، إلى تطويل المراحل، لأن الانتقال من واحدة إلى أخرى بينها يقرّب نهاية الحرب ويضع هذا الجمهور وجهاً لوجه أمام المجهول. لذا، ترى القادة السياسيين في إسرائيل من بنيامين نتنياهو إلى إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، مروراً ببني غانتس، يصرّون على اقتلاع حركة «حماس» من قطاع غزة، والذي يعني عملياً إبادة سكان القطاع أو تهجيرهم، ومن ثمّ التفرّغ للجبهات الأخرى في الضفة وفي الشمال.

في المقابل، فإنّ العنصر الأساسي في قوة المقاومة في غزة، هو أن الأخيرة تتصرّف على أساس أنه لا حلّ إلا بالقتال، حتى في ظلّ المعاناة التي يكابدها ناس القطاع والتي تفوق طاقة البشر على الاحتمال.

ليس منطقياً هنا القول إن الغزّيين يفضّلون الموت على النزوح. ولا يمكن لأحد في الأساس أن يطلب منهم الموت في العراء وعدم الرحيل الذي لو كان متاحاً لرحل الكثيرون. الواقع أن الناس في غزة لا يستطيعون الخروج إلّا من منطقة إلى أخرى داخل القطاع. وفي هذه الحال، ترتفع نسبة الذين يفضّلون عدم مغادرة بيوتهم، ولو انطوى الأمر على قدر من المخاطرة، لأن الفارق لا يعود كبيراً.

ولأن الأمر كما تَقدّم، تصبح المقاومة هي الطريق الأقصر لإنقاذ من يمكن إنقاذه من ناس غزة، ومن ممتلكاتهم وأرزاقهم. ولأن الناس لم يحملوا مفاتيح بيوتهم ويرحلوا كما فعلوا في نكبة 1948، على أمل أن تعيدهم الجيوش العربية بعد أيام قليلة، تحوّلت إلى 75 سنة كاملة حتى اللحظة، يصبح عدم الرحيل هذا، مهما كانت أسبابه، هو مأزق الإسرائيليين، الذين توهموا أن يهرب العرب من أمامهم دائما!

وما زالوا يتمسّكون بأمل أن يحصل ذلك، كطريقة لتحقيق الأمن الذي لن يعود الإسرائيليون من دونه إلى منازلهم في مستوطنات غلاف غزة أو مستعمرات الشمال. منذ البداية إذاً، كان الصراع صراع وجود، لكن الإسرائيليين يستعجلون النهاية، لأنهم ليسوا من النوع الذي يمكنه الانتظار أو العيش في اللايقين.

اليوم، يعتقد الإسرائيليون أن قتال جيشهم في غزة هو دفاع عن شروط العيش على هذه الأرض، وهو ما يعتبرونه امتيازاً، بالنظر إلى الإغراءات المالية للبقاء، ولا سيما في المستوطنات الأمامية، والمعنويات التي يؤمنها لهم الوجود ضمن الدولة على أرض فلسطين.

الخيار الآخر بالنسبة إليهم هو العودة إلى زمن التيه والشتات، الذي قامت عليه الهجرة إلى فلسطين. لكن أكثر ما يمكن أن تأمله إسرائيل في غزة هو ترتيبات تشارك فيها الولايات المتحدة كضامن لأمنها، تظلّ بموجبها «حماس» بسلاحها في القطاع.

هذا ما يمكن استخلاصه من كلام جون كيربي حين قال قبل أيام إنه لا يمكن القضاء على فكر «حماس» بالقوة العسكرية، وإن الحركة ما زالت تحتفظ بقدرات كبيرة. وفي الشمال، يرفض الإسرائيليون العودة إلى المستعمرات إذا لم تبتعد المقاومة عن الحدود، ويطالبون قادتهم بتوجيه ضربة إليها لتحقيق الهدف المذكور، ولا يؤمنون بأن حلاً سياسياً يمكن أن يضمن أمنهم.

لكن كما في غزة، وربما بشكل أكبر، لا فرصة لتحقيق هكذا هدف لا بالسياسة ولا بالعسكر، إذا سلّمنا أصلاً بأن أميركا ستوافق على دعم حرب إسرائيلية على لبنان. وعليه، سيتعيّن على هؤلاء العيش في ظلّ كابوس تكرار 7 أكتوبر على الحدود اللبنانية، أو أن يظلّوا حيث هم، وتبقى مستعمراتهم خاوية.

دائماً ما كان الإسرائيليون يرفضون تسليم أمنهم لأحد، ولا حتى للأميركيين، لأنهم يعتبرون أن الأمن الذي يرعاه طرف آخر، ولا سيما بالمعنى اليومي، هو أمن نسبي في أحسن الأحوال، حتى لو كانت أميركا تشكّل مظلة لبقاء إسرائيل على المستوى الإجمالي. اعتادوا على أخذ الأمر بيدهم، وهذا ما يبدو غير ممكن في الظروف الحالية، وهنا المأزق الإسرائيلي.

اللاواقعية في المطالب الإسرائيلية، لا تنسحب على الأميركيين، الذين يتصرّفون على أن أيّ ترتيبات لما بعد الحرب، أو اليوم التالي، يجب أن تأخذ الحقائق على الأرض كما هي، تحت طائلة رفضها من قبل المقاومة. ومثل هذه الترتيبات، يبدو من الآن أنها ستنتقص من الحصانة التي اعتادها الإسرائيليون.

*حسين إبراهيم كاتب صحفي لبناني

المصدر | الأخبار

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أميركا إسرائيل المقاومة غزة حماس ترتيبات اليوم التالي الیوم التالی لا سیما فی غزة

إقرأ أيضاً:

يحيى السنوار: قائد المقاومة الذي دقّ باب الحرية بالدماء

للحرية الحمراء بابٌ، بكل يدٍ مضرجةٍ يُدقّ" كلمات خالدة للشاعر المصري أحمد شوقي، جسّدت معاني النضال والتضحية من أجل الحرية، هذه المعاني ذاتها وجدت صداها في كلمات وأفعال قائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يحيى السنوار قبل استشهاده أثناء قيادته عمليات عسكرية على الأرض ضد القوات الإسرائيلية المتوغلة.

البيت الشعري "وللحرية الحمراء بابٌ، بكل يدٍ مضرجةٍ يُدقّ" اقتبسه الشهيد يحيى السنوار من قصيدة "نكبة دمشق" لأحمد شوقي، التي كتبها عام 1926 للتعبير عن استنكاره للقصف الفرنسي الوحشي على دمشق خلال الثورة السورية الكبرى، حيث تجسد “الحرية الحمراء” الثمن المدفوع بالدماء، و"اليد المضرجة" تعكس النضال والكفاح، فلا يُفتح باب الحرية إلا بتضحيات الشجعان.

وبينما عبّر محمود درويش عن الوجع الفلسطيني وأحلام الحرية في شعره، جاء قائد حركة حماس يحيى السنوار ليجسد هذه الأحلام على أرض الواقع، حيث تحولت الكلمات إلى أفعال والنضال إلى واقع يومي، ما بين شاعر الثورة وصوتها، وقائد المعركة وأحد رموزها، تظل الحرية هي الهدف، والتضحية هي الثمن.

لاقى مقطع الفيديو لقائد حركة حماس وهو يقول بيت الشعر انتشارا كبيرا بين أوساط مغردين فلسطينيين وعرب بعد أن ظهر يردده أثناء قيادته عمليات عسكرية على الأرض ضد القوات الإسرائيلية المتوغلة في رفح ومناطق أخرى.

"مكاني القادم بين جنود القـ،سام"

– القائد الشـ،هيد صادق الوعد يحيى السنوار(٢٠١١)

"للحرية الحمراء بابٌ..بكل يدٍ مضرجة يدق"

– القائد الشـ،هيد صادق الوعد يحيى السنوار (٢٠٢٤) pic.twitter.com/w1APgkVIHq

— ق.ض (@Qadeyah1) January 24, 2025

إعلان

وتعليقا على ذلك، قال الدكتور محمد ثامر عبر صفحته على فيسبوك: "إن الشهيد يحيى السنوار بهذه الكلمات عاش، وبهذا المبدأ استشهد. لم يكن استشهاده إلا تأكيدا على أن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن الكرامة تُكتب بالدماء".

وأضاف أن السنوار واجه العدو في الميدان، ثابتا شامخا، حاملا سلاحه وكوفيته، واستقبل الرصاص في جبهته، مقبلا غير مدبر، واستشهد ليترك خلفه إرثا من الشجاعة، ورسالة لا تموت: أن المقاومة باقية، والفكرة لا تموت.

في كتب الناشط محمد جمال هلال عبر منصة إكس أن أحمد شوقي، أمير الشعراء، قال الأبيات ورحل، ونفذها أمير المقاومين "يحيى السنوار" فأحياها واستشهد.

قالها أمير الشعراء ورحل ونفذها أمير المقاومين فأحياها وأستشهد.
"وللحرية الحمراء بابٌ
لكل يدٍ مضرجة يدقُ"

— محمد جمال هلال (@gamal_helal) January 24, 2025

وأشار الناشط قاسم طاهر إلى أن الكلمات فيها عزيمة وقوة، تدعو كل الأحرار للقتال من أجل حريتهم مهما كانت الصعاب تعبر عن النضال المستمر ورفض الخضوع، وعن كل من رفع سلاح الحق في وجه الطغاة، يد ملطخة بدماء الشهداء، لكنها تدق على أبواب الحرية التي لا يمكن إغلاقها مهما حاولوا.

"وللحرية الحمراء بابٌ..لكل يدٍ مدرجةٍ يدقوا" كلمات فيها عزيمة وقوة، تدعوا كل الأحرار للقتال من أجل حريتهم مهما كانت الصعاب. تعبر عن النضال المستمر ورفض الخضوع، وعن كل من رفع سلاح الحق في وجه الطغاة. يد ملطخةبدماء الشهداء، لكنها تدق على أبواب الحريةالتي لايمكن إغلاقها مهما حاولوا. pic.twitter.com/v8KRpNmIZl

— قاسم طاهر ــ Qasim Tahir (@gasm11taher) January 24, 2025

وكتب بعض الناشطين بالقول: "للحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق" هذه الأبيات لها معنى آخر عندما تسمعها بصوت يحيى السنوار وهو في أرض المعركة.

وأمام عيني لا أرى إلا ما صنعه سلاحي.

الشهيد يحيى السنوار من أمام مدرعة دمرتها مجموعة من المقاومة الفلسطينية كان يقودهم في رفح . pic.twitter.com/HC8QsW1T9v

— Tamer | تامر (@tamerqdh) January 24, 2025

إعلان

وعلق أحد المغردين قائلا: "‏بيت الشعر رسالة معناها أنه لا يأتي شيء إلا بثمن، وهو السلاح والجهاد".

#ما_خفي_اعظم

للحرّيةِ الحمراءُ بابٌ
بكلِّ يدٍ مُضرّجةٍ يُدقُّ#السنوار pic.twitter.com/Rc8RPYt9zR

— صـــالـــح (@Saleh24427) January 24, 2025

وأضاف ناشطون أن السنوار سطر تاريخه في الأرض وفي السماء، ومن كتب تاريخه بدمه لا يمكن أن يُنسى.

و للحرية الحمراء بابٌ
بكل يدٍ مضرجةٍ يُدَقّ#الشهيد_القائد #يحيى_السنوار #طبت_حيا_و_ميتاً_أبا_إبراهيم pic.twitter.com/ufPSZPo89W

— Ayman Azzam (@AymanazzamAja) January 24, 2025

وأشار مغردون إلى أن هذه الأبيات كتبها أمير الشعراء، وألقاها أمير المجاهدين والشهداء يحيى السنوار، وكأنه كان يعلم أن إحدى يديه ستُضرّج بالدماء، والأخرى ستدق طائرة كواد كابتر بالعصا.

وفي حلقة استثنائية من برنامج "ما خفي أعظم"، بثتها قناة الجزيرة، كشف الإعلامي تامر المسحال عن تفاصيل غير مسبوقة حول عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها كتائب القسام يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتضمن التحقيق مشاهد حصرية كشفت عنها كتائب القسام لأول مرة، توثق مراحل التخطيط لعملية "طوفان الأقصى" وما بعدها، وذلك منذ انعقاد القيادة العسكرية وحتى لحظة التنفيذ.

كما أظهرت لقطات نادرة تظهر القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف، بصورة كاملة وهو واقف على قدميه داخل غرفة العمليات العسكرية، يضع اللمسات الأخيرة على خطة الهجوم.

وعرضت الحلقة وثائق سرية، من بينها أمر العمليات الذي وقّعه الضيف بتاريخ الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي حدد موعد الهجوم عند السادسة والنصف صباحا من يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أي قبل يومين من العملية، كما شملت تحديد قواعد عسكرية إسرائيلية رئيسية للهجوم عليها مثل "يفتاح" و"ناحل عوز" و"كيسوفيم".

إعلان

وتضمنت الحلقة مشاهد للسنوار، الذي لعب دورا رئيسيا في توجيه المقاومة خلال الحرب، إلى جانب شهادة خاصة لعز الدين الحداد، عضو المجلس العسكري العام لكتائب القسام وقائد لواء غزة.

مقالات مشابهة

  • دور مصر في غزة في اليوم التالي
  • اليوم التالي في غزة بين نرجسية الاحتلال وداعميه وقوة الأمر الواقع الذي فرضته المقاومة!
  • محلل فلسطيني: الإسرائيليون يؤيدون عودة المحتجزين وعدم وقف الحرب
  • اليوم التالي لنهاية الحرب في السودان.. ماذا ينبغي أن يحدث؟
  • خبير استراتيجي: إسرائيل تخشى من توحيد الضفة وغزة وتأسيس دولة فلسطينية مستقرة|فيديو
  • رئيس الهيئة الشعبية السودانية لإسناد القوات المسلحة وبناء السودان يشيد بإلتقاء الجيوش الذي يمثل نهاية المليشيا
  • كيف نقرأ «اليوم التالي للحرب»؟
  • ماسك وترامب… الصدام الذي لا يمكن تجنبه!
  • يحيى السنوار: قائد المقاومة الذي دقّ باب الحرية بالدماء
  • إسرائيل تخشى تصاعد قوة حماس بالضفة بعد وقف إطلاق النار بغزة