مَن مِن أحرار الأمة العربية الإسلامية لا يشعر بحسرة وألم حينما يتذكر أننا خسرنا الأندلس، تلك البلاد الأيبيرية الساحرة بجزأيها الإسباني البرتغالي والتي بنى فيها العرب المسلمون تجربتهم الناجحة، وبسطوا نفوذهم عليها لأزيد من ثمانية قرون، وتركوها رغماً عنهم، وهم من صنع فيها نهضة حضارية إنسانية عظيمة، وأسسوا فيها المداميك القوية للنهضة العلمية والثقافية والدينية حينما كانت أوروبا ما زالت تعيش في ظلامٍ دامس وفي المرحلة البربرية المتوحشة من عصورها المظلمة.


نعم، جميعنا نتحسر وبالذات أحرار الأمة، كما أسلفت، لأن الأندلس جزء غالٍ من ثقافتنا وهويتنا وروحنا الإنسانية التاريخية التي لم يتركها الأجداد طواعية، وفيها رسّخ علماؤنا ومفكرونا وفلاسفتنا أسس النهضة العلمية الحضارية لتاريخنا العربي الإسلامي في هذا الجزء من العالم.
والدارس الحصيف والمؤرخ الموضوعي الجاد والمتتبع لمسيرة العلم والتراث الفكري في المدارس والجامعات وحواضن العِلم والمساجد في مدن الأندلس الواسعة، سيجد الشواهد والآثار وما تبقّى من مخطوطات وكتابات أن علماء العرب المسلمين قد تركوا تراثاً علمياً وفنياً بديعاً ثرياً في شبه الجزيرة الأيبيرية الأوروبية.
لكنّ الإنسان الأوروبي الأبيض ذا الثقافة والميل العنصري المقيت، وبعد أن هزم القادة العرب المسلمين ودفعهم دفعاً باتجاه المغرب العربي وشمال أفريقيا، عمل على محاولة طمس الهوية العربية الإسلامية من جميع أركان شبه القارة الأيبيرية من خلال تشديد تسلُّط محاكم التفتيش على كل شيء له صلة بالحضارة والثقافة العربية الإسلامية، وطرحوا على الشعب الموريسيكي أحد الخيارات الثلاثة وهي:
أولاً: إما أن يغادر الموريسكيون الأندلسيون (وهم المسلمون الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم المسيحي بعد سقوط الحكم الإسلامي) إلى خارج الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال) لكي يعيشوا بعيداً من ديارهم، ولهم بعد ذلك الحق أن يمارسوا طقوسهم وديانتهم كما يرغبون.
ثانياً:
أن يتنصّروا جميعاً ويُبدّلوا دينهم الإسلامي إلى الدين المسيحي الكاثوليكي تحديداً، وهنا لا مانع من بقائهم في ديارهم ومنازلهم وقُراهم آمنين.
ثالثاً: أن يخضعوا لقرارات محاكم التفتيش، وهي الحرق بالنار إلى أن تُزهق أرواحهم.
هكذا مُورست على أهلنا العرب الموريسكيين المسلمين تلك الخيارات، والتي يُعدُّ كل منها خياراً مراً وصعباً لكنهم نفذوا تلك الشروط، وكلٌّ غنى على ليلاه.
تابعت حواراً جميلاً (بودكاست) للباحثة الموريسكية المسلمة المثقفة جداً السيدة/ أديبة روميرو سانشيز، وهي تتحدث باللغة العربية الجميلة في حديثٍ مطول استغرق الحوار الهادئ قرابة الساعتين، ومن حلقتين كاملتين.
تحدثت بمرارة عمّا عاناه الشعب الموريسكي المسلم الذي أخفى لغته العربية وديانته الإسلامية طيلة خمسة قرون تقريباً، ولكنه حافظ على هويته وتواصله الإنساني الثقافي، والآن وبعد الانفتاح الحكومي للدولة الإسبانية والسماح بحرية الأديان، بدأ الموريسكيون المسلمون في استعادة لغتهم ودينهم الإسلامي، ولكن ببطء.
ومن قراءتي للدروس التاريخية عن الأندلس تحديداً، قرأت أن أحد الملوك أو أحد الأمراء من المغرب العربي المسلم من دولة الموحدين قام بإرسال رسالة استغاثة إلى الخليفة المملوكي في مصر، مصحوبة بمخطوطة أنيقة جميلة للقرآن الكريم، يطلب فيها النجدة والمساعدة من خلفاء المماليك، ولكن الرد جاء سلبياً من الخليفة المملوكي يوم ذاك، ليقول في مضمون الرد؛ وما لنا دخل في وجدتكم، أي أن هذه مشكلتكم في المغرب العربي، وليست مشكلتنا نحن في دولة المماليك.
إلى هنا، وتنتهي حكاية رسالة الطلب والرد عليها بالجفاء، لذلك خسرت الأمة العربية الإسلامية هذا الجزء الغالي من وطننا الإسلامي وهو الأندلس؛ بسبب عوامل داخلية من ضعف وتهالك وتقاسم للنفوذ في الداخل الأندلسي والتدخلات من قِبَل الحكومات الأوروبية المسيحية لدعم الملكة إيزابيلا الأولى وزوجها الملك فرناندو الثاني الذين قضوا على الوجود الإسلامي في الأندلس في العام 1492م، وتخاذل السند العروبي المسلم من خلفاء الدولة المملوكية الذين لم يقدروا المسؤولية الأخوية والدينية في دعم أهلنا في الأندلس العزيز ونصرتهم ونجدتهم، ولهذا ضاعت علينا للأبد.
لذلك، نقول إن دروس التاريخ القاسي المؤلم قد تُكرر ذاتها، وربما نقول وما أشبه الليلة بالبارحة، حينما نشاهد ونسمع الأشقاء في المقاومة الفلسطينية البطلة في قطاع غزة وفلسطين كلها يستنجدون بالأمة من الخليج العربي الثائر إلى المحيط الأطلسي الهادر، يناشدون أشقاءهم العرب المسلمين في 22 قطراً عربياً، يصل تعداد سكان العرب فيها إلى أزيد من 400 مليون عربي مسلم، ويقول لسان حال الفلسطيني المقهور متى يا حكام العرب قاطبة ويا شعوبنا العربية متى ستصلون لنجدتنا وإنقاذنا من الموت المحقق، نموت ويتواصل الموت إلى ما بعد 90 يوماً من عدوان متواصل ليلاً ونهاراً من قِبَل “دولة” الكيان الصهيوني اليهودي – الأميركي – الأوروبي.
ونكرر القول هنا، وعلى لسان الأم الفلسطينية المكلومة وهي تقول لقد بلغ عدد الشهداء منذ بدء العدوان الصهيوني وحتى يومنا هذا إلى أزيد من 22400 شهيدٍ وشهيدةٍ جُلُّهم من الأطفال والنساء، وبلغ عدد الجرحى إلى أكثر من 55000 جريحة وجريح، وهناك أزيد من عشرة آلاف مفقود تحت الركام، وتكرر الأم الفلسطينية النداء والاستغاثة وتقول متى؟ متى؟ متى؟
لقد استمعنا جميعاً إلى خطابات قائد الثورة اليمنية عبد الملك بن بدر الدين الحوثي وهو يقول لبيك يا أقصى لبيك يا قدس الأقداس، لبيك أيها المجاهد المقاوم في فلسطين وجنوب لبنان وسوريا والعراق وكرمان في إيران، يقول ويُكرر لن نترك أهلنا في غزة بمفردهم، ووجّه بإطلاق الصواريخ البالستية والطيران المُسيّر وإغلاق باب المندب اليمني على السفن الصهيونية والسفن الذاهبة إلى الموانئ الصهيونية في أرض فلسطين المحتلة، وكان قراراً يمنياً عروبياً شجاعاً يحدث لأول مرة في تاريخ الصراع الصهيوني- اليهودي- العربي منذ أن زرع الغرب الصهيوني كيان العدو الإسرائيلي في أرض فلسطين.
واستمعنا أيضاً إلى القرارات الشجاعة لقادة محور المقاومة العربية الإسلامية بأنهم سيُساندون جبهة غزة بما أوتوا من قوة وإمكانات، وكلٌ بحسب قدرته وعطائه وهمته، باعتبار أن محور المقاومة هو محور واحد يُنسق ويُنظم ويبرمج مجهوده الحربي والأمني والإعلامي والسياسي في الزمان والمكان والقدرات.
لذلك، فإن محور المقاومة العربية الإسلامية سيظلُّ تلك الصخرة الصمّاء التي ستتكسر عليها جميع مؤامرات العدو الصهيوني وداعميه من الصهاينة الأميركيين والأوروبيين وعدد من حُكّام العرب الخونة.
لذلك، يلاحظ المراقب العربي والدولي أنه، وفي غضون أسبوع ونيّف من إعداد مقالنا هذا، يتعرض محور المقاومة لهجمة عدوانية مسعورة بدأت بمهاجمة قوات “المارينز” الأمريكية للقوارب الحربية التابعة للجيش اليمني في البحر الأحمر، واستشهد خلالها عشرة جنود مجاهدين من القوات المسلحة اليمنية، واغتيال الشهيد رضا موسوي، مستشار حرس الثورة الإيرانية في العاصمة السورية دمشق من قِبَل المُسيرات الصهيونية الإسرائيلية، واستشهاد الشيخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية حماس ورفاقه بصواريخ مُسيرة من الكيان الصهيوني اليهودي، وارتقاء أزيد من 103 شهداء في مدينة كرمان الإيرانية وجرح ما لا يقل عن 200 شخص، وقد أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن هذا العمل الإجرامي، وارتقاء الشهيد طالب السعيدي واثنين من مرافقيه، وهو معاون قائد عمليات حزام بغداد في الحشد الشعبي من حركة النجباء العراقية، باستهدافهم من قِبَل طائرات مُعادية أمريكية في قلب العاصمة العراقية بغداد، وما زلنا نتابع وسائل الإعلام العربية والعالمية في تتبُع ارتقاء الشهداء الفلسطينيين في قطاع غزة، وكذلك في الضفة الغربية، وهم بالمئات.
علام تؤشر كل تلك الأحداث الدموية الإرهابية الموجهة ضد محور المقاومة الممتد جغرافياً من جنوب البحر الأحمر، وفلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق والجمهورية الإيرانية الإسلامية؟
أولاً:
يُشكل محور المقاومة العربية الإسلامية لفلسطين الدرع الواقي لصد جزء من الهجمات العسكرية والأمنية والسياسية المميتة من قِبَل الكيان الصهيوني -الأمريكي.
ثانياً:
يثبت محور المقاومة العربية الإسلامية أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة الإسلامية كلها من العاصمة الإندونيسية -جاكرتا وحتى طنجة في المغرب العربي.
ثالثاً:
يقوِّض محور المقاومة العربية الإسلامية جميع المشاريع التطبيعية الهزيلة بين العرب الصهاينة وكيان العدو الصهيوني والمحمي من قِبَل الصهاينة الأمريكيين والأوروبيين.
رابعاً:
يُفشل محور المقاومة العربية والإسلامية جميع المشاريع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بين المُطبّعين العرب وكيان العدو الإسرائيلي الصهيوني اليهودي.
خامساً:
يُعيد محور المقاومة العربية والإسلامية لفلسطين وشعبها الحُر موقعه الطبيعي والحيِّز المكاني في الصراع العربي -الإسرائيلي الصهيوني-الاستيطاني.
سادساً:
يُثبت محور المقاومة العربية الإسلامية للشعب العربي الفلسطيني هويته الإيمانية والعروبية والنضالية والكفاحية، ويجعل من تراثه النضالي العربي عنواناً للمجابهة مع المشاريع الصهيونية الاستيطانية المؤقتة.
سابعاً:
أيقظت المقاومة العربية الإسلامية الرأي العام العربي والإسلامي والأجنبي، في العواصم والمدن الأمريكية والأوروبية واللاتينية والأفريقية ومن حول العالم، بأن قضية الشعب العربي الفلسطيني قضية حية ويستحيل تجاوزها وطمسها من قِبَل تناغم الحُكّام المتواطئين، سواء من الحكام العرب أو من حكام عواصم أوروبا الغربية والأمريكيتين.
الخلاصة:
نذكر القارئ اللبيب هنا، بأن ما دامت قوى عربية إسلامية مقاومة حيّة موجودة فلن تضيع فلسطين الحُرة الأبيّة كما أضاع الحكام العرب في ذات يوم أسود، أرض الأندلس الغالية على قلب كل حُر عربي ومسلم.
*رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال في الجمهورية اليمنية / صنعاء.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

29 أبريل بدء موسم «كنة الثريا» في الجزيرة العربية

يبدأ موسم «كنة الثريا» في الجزيرة العربية اعتبارا من 29 أبريل الجاري ويستمر حتى 7 يونيو المقبل وتبدأ الثريا بالاستتار بعد غروب الشمس خلف حمرة الشمس الغاربة في الأفق الغربي مع نهاية أبريل وتظل مختفية داخل وهج الشمس فترة نحو أربعين يوماً وتنتقل بعدها لتظهر فجرا من الجهة الشرقية خلال الأسبوع الأول من يونيو.
وقال إبراهيم الجروان رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للفلك عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك في تصريحات لوكالة أنباء الإمارات/وام/ إن كلمة «الكنة» تعني الاستتار أوالغياب ويقال «كنة الثريا» أو«خفوق الثريا» أو«غيوب الثريا» و«كنّة الثريا» تقع ضمن 3 من منازل القمر هي «الرشاء والشرطان والبطين» ومدة كل واحدة منها 13 يومًا فيكون المجموع 39 يوما.
وأضاف أنه على الرغم من أن «عنقود الثريا» لايختفي تماما في الأفق الغربي قبل العاشر من مايو إلا أن الأوائل يعتبرون قرب الثريا من الأفق الغربي أي بمجرد دخوله في الشفق الأحمر اختفاءً حيث تصعب رؤيته إلا في الأجواء المثالية.
لذا ووفقاً لحسابات الطوالع والمنازل فالثريا تختفي نهاية شهر أبريل وتطلع بداية يونيو.
وأشار إلى أن موسم «الكنة» يعتبر من المواسم المهمة عند العرب في الجزيرة العربية فهو أول مواسم الحر وهو مرحلة فاصلة بين بداية الحر وهو الصيف وشدة الحر أو القيظ حيث تسيطر الذراع الصيفية على المنظومة المناخية في عموم الجزيرة العربية.
ومع موسم الكنة تستقر درجات حرارة الهواء العليا نهارا لتتجاوز 38 درجة في مستوياته العليا ويغلب على الجو الجفاف وانخفاض الرطوبة ونشاط الرياح الشمالية والشمالية الغربية «البوارح» الصيفية وتتشكل الموجات الغبارية «الطوز».
وأوضح الجروان أن «السرايات» أوالاضطرابات الجوية الربيعية تأخذ بالانحسار ويطرأ تصادم جبهي بين الجبهات الدافئة الرطبة والباردة فوق الجزيرة العربية أوبين امتداد كتلة دافئة رطبة وكتلة باردة جافة فوق الجزيرة العربية فتتسبب باضطرابات جوية ربيعية تعرف ب «السرايات» التي قد يصاحبها هطول الأمطار بشكل مفاجئ مصحوبة بالرعد والبرق وأحيانًا البرد وهذه الأمطار قد تطيل عمرالأعشاب الحولية التي تظهر وقت الربيع لكنها تفيد الشجيرات المعمرة مثل العرفج والرمث والسدر والعوسج وغيرها.
ونوه إلى أنه يسبق غروب الثريا موجة اضطرابات جوية يطلق عليها «يولات غيوب الثريا» وهي اضطرابات جوية ربيعية تتسم بالقوة والمفاجأة أما «ضربة الثريا» فهي من الضربات المشهورة التي يعرفها بحارة الخليج قديما وتوصف ب «الحالة المدارية» في بحر العرب وبحر عُمان ولها تأثير في البحر حيث يهيج بعنف وتتسبب السيول والعواصف في تساقط الأشجار والنخيل وموعدها نهاية مايو وبداية يونيو قبيل طلوع الثريا.
والثريا هي عنقود نجمي أو مجموعة من النجوم المتقاربة ترى كسحابة من النجوم تبرز منها سبعة نجوم وفي الحقيقة عددها يفوق 600 نجم تشاهد متجمعة في حيز من السماء يقارب حجم القمر.. كما نشاهده في السماء وهي من أشهر النجوم عند العرب وسماها الإغريق الأخوات السبع أو بلياديس وسماها المصريون «نيت» والأتراك «أولكر» والصينيون «ماوتو» واليابانيون «سوبارو» والعبرانيون «كماه».

أخبار ذات صلة طرق دبي تفتتح تقاطعاً مجسراً بطول 1.8 كم لخدمة مجمع الاستثمار نيابة عن رئيس الدولة.. ولي عهد أبوظبي يحضر مراسم تشييع جثمان البابا فرنسيس في العاصمة الإيطالية روما المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • بين فشل أمريكا المُدوِّي وصمود اليمن.. قصة الضمير العربي الوحيد المدافع عن فلسطين
  • دور اليمن في تعزيز محور المقاومة.. كيف يشكل أنصار الله ركيزة لفلسطين؟
  • سرايا القدس تنشر: صفقة جادة تعيد أسراكم.. “هذا هو الحل الوحيد”
  • عنوانه هذا الحل الوحيد.. فيديو من سرايا القدس لترامب ونتنياهو
  • العدو الصهيوني يستعين بـ”الروبوتات” لتعويض نقص جنوده بسبب هروبهم من المعركة
  • العدو الصهيوني يستعين بالروبوتات لتعويض نقص جنوده بسبب هروبهم من المعركة
  • سرايا القدس تنشر: صفقة جادة تعيد أسراكم.. “هذا هو الحل الوحيد” / فيديو
  • بأس “الحوانين” يواصل كسر “السيف” الصهيوني.. ملاحم انتصار أجــدّ في غزة
  • يافا وحيفا تحت النيران.. اليمن يزلزل الكيان الصهيوني
  • 29 أبريل بدء موسم «كنة الثريا» في الجزيرة العربية