عسير

روى المقيم السوري طلال الأحمد يروي ما دار بينه وبين زوجته في ليلة القصاص من قاتل ابنه أمام أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال.

وقال طلال الأحمد: “في ليلة القصاص مشيت أناوزوجتي لأحد رفيدة ليش والله لا أعلم وقلت لها انت شريكتي في هذا الأمر، وإني أنا رأيت لازم نعمل شيء نحن في المملكة أعزها الله أخذنا حقنا كاملا والقضاء كان عادل جدا”.

وأضاف: “قالت زوجتي لي إن قصيت فأنت على حق وانا معك وان عفيت يكون أفضل ثم أفضل وأنا معك نسأل الله أن يقبل ما قدماناه”، مشيرا إلى أن أمير عسير لم يطلب منه التنازل، وبعد العفو رأى دموعه تذرف رغم هيبته -على حد قوله-.

يذكر أنه في موقف إنساني ومؤثر قرر المقيم السوري أن يعفو عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى، وذلك أمام الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير.

فيديو | طلال الأحمد والد القتيل: لم يطلب مني أمير منطقة عسير التنازل عن قاتل ابني.. وبعد العفو رأيت دموعه تذرف رغم هيبته#الراصد pic.twitter.com/Tp9aMuESyA

— الراصد (@alraasd) January 7, 2024

فيديو | بعد عفوه عن قاتل ابنه.. طلال الأحمد يروي ما دار بينه وبين زوجته في ليلة القصاص ويقول: أخذنا حقنا كاملا.. والقضاء لم يطلب صفو خاطري وحكم بالعدل #الراصد pic.twitter.com/DgIw8IKSiR

— الراصد (@alraasd) January 7, 2024

المصدر: صحيفة صدى

كلمات دلالية: العفو القصاص عسير طلال الأحمد قاتل ابنه عن قاتل

إقرأ أيضاً:

إبداع.. "زحام قاتل".. قصة لـ حازم أبو المجد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

اليوم يبلغ رامي عامه الثالث والأربعين، في بيته القديم بأحد أحياء مصر الجديدة يعيش وحده، واليوم يحتفل وحده كما احتفل بكل أعياد ميلاده السابقة.

خرّيج كلية الحقوق الذي اشتغل في كل شيء عدا المحاماة، رامي.. واسع المعرفة، المثقف، المعتدّ بذاته، الذي لم يعرف يومًا معنى أن تحبه امرأة- لا ينام تقريبًا منذ عشرة أعوام، ويصحو من غفواته النادرة القصيرة مذعورًا يتمتم بكلام غير مفهوم يتكسَّر إيقاعه سريعًا على لسانه حتى يصمت، كأنه كان يحادث شخصًا أمامه واختفى.

أطفأ الشمعة الوحيدة المغروزة في قطعة الدَّنَش، بعد أن تمنَّى شيئًا ما وهو يضمُّ يديه إلى منتصف صدره كمن يتضرَّع...

 

***

اللوحات للفنان التشكيلي المصري الراحل "يوسف كامل"

لا أحب أن يحكي عني أحد. إن كانَ عليَّ أن أفعلَ كل شيء بنفسي كي يكون صحيحًا، أَفَعَلَيَّ أيضًا أن أتحدث أنا عن نفسي؟! أليس هذا وحدَهُ مُحبِطًا؟

على كل حال، أعرف كل ما يمكن قوله في هذا الأمر، فلا تُزعجوا أنفسكم بإبداء رأي لا فائدة منه. فقط اسمعوا.

أنا مريضٌ بقلة النوم، هذا لبُّ الموضوع، أوَّلُه وآخرُه، حتى إن رأيتُ أو سمعت بعض الهلوسات.. أظن هذا طبيعيًّا مع من ينام نصف ساعة في اليوم! ثلاثون دقيقة تقريبًا هي كل ما يحصل عليه عقلي وجسمي للراحة والاستشفاء والتخزين وغيره.. فماذا يعني أن أرى أبي الحاج حضري السيد -رحمه الله- يصلي في منتصف المنزل؟ أفتقد أبي كثيرًا وجهازي العصبي منهار، منطقي أن أراه ومنطقي أن أرى أمي تتمشى أحيانًا في البيت أو تحكي لخالتي تقرير اليوم وخططها التي لا تتم!

ما ليس طبيعيًّا هو ادِّعاء السادة الأطباء النفسيين أني مريض؛ المرض النفسي في النهاية ترجمة لخلل في العقل، عليَّ تصديق أن عقلي معطوب إذن. عقلي أنا! 

لماذا عرضتُ نفسي عليهم من البداية؟ لأني إنسان محايد حتى النخاع، أجل.. أُعطي حتى الحمقى حقهم في إثبات وجهة نظرهم، ولأن الحمقى سَيَرَوْن أني مريض نفسي -بالطبع أعرف هذا- فأنا أنوب عنهم وأذهب طواعيةً إلى طبيب واثنين وأجرب ثلاث طبيبات جميلات كذلك.. خمس تجارب حاولتُ فيها جاهدًا أن أكون مُخطئًا ويكونوا على حق، لكن بلا فائدة، وهذا منطقي، فالأطباء من طائفة الحمقى نفسها.

مرةً سألتني طبيبة عن طبيعة نومي.. إن كان عميقًا أم متوتِّرًا، رأيتُني -في خيالي- أقفز فوقها.. أضاجعها أضاجعها حتى ننامَ معًا عاشقَينِ منهَكَين، وأخبرها -حين توقِظني بقُبلة- أني نمتُ عميقًا لأول مرة منذ زمن طويل، فتبتسم وتنقض عليَّ كاللبؤة، راودتني الفكرة لأبُثَّ فيها شيئًا من الحياة، كانت كتمثال شمع من عائلة محافظة! لكني أجبتها بكل احترام "أنام عدد ساعات كافيًا". كيف تسألين من يصف شكواه بأنه "في جحيم حي" عن نومه يا ابنة الكلاب؟!

***

لا يعرف رامي لماذا وثقَ بصاحب هذا الإعلان دون الآخرين؛ رامي لم يقتنع يومًا بأن أحدًا من الأطباء النفسيين يستطيع مساعدته، لأنه -ببساطة- يرى أنه ليس مريضًا، وإن كانَ.. فالطبيب النفسي الحق قادر على علاج المريض من دون أن يلحظ المريض تسلُّل الطبيب إلى دواخله، لكن رامي قادر دائمًا على اكتشاف أساليبهم في الوصول إلى عِلَّتِه -الوهمية بالنسبة إليه-، وحين يدرك ما يهدف إليه طبيب أو طبيبة من سؤال ما، يبتسمُ بجانب فمه ابتسامةَ نصرٍ لا إرادية، ويضلِّلُ السائل والسؤال والإجابة والعالم بأسره لو استطاع! تلك طريقته في الحُكم، إذ "إن لم تكتشف أني أكذب الآن.. فكيف تستطيع معالجتي لو كنتُ مريضًا؟!".

لكنه وثقَ بالدكتور أمير بدوي؛ إعلانه غريب، لا يوضِّح سوى اسم الطبيب بالإنجليزية، ورقمٍ للاتصال، وعبارة “you’re maybe sick, but not as sick as you think”، الغريب عدم وجود عنوان، والأغرب أن الإعلان قد وصل إليه في دعوة وجدها على باب شقته.. تحمل اسمه.

لكنه فكَّر أنها لعبة تسويقية تُحتَرَم، الأطباء يتبادلون بيانات الزبائن، فيقرر أحدهم دعوة زبائن الآخرين بالاسم! ورغم اقتناع رامي بأن الإعلانات تكون مثيرةً للجذب فقط.. قرَّر أن الدكتور أمير طبيبٌ فريد ومختلف فعلًا، وتأكَّد له ذلك حين اتصل بالعيادة:

عيادة الدكتور أمير بدوي؟

أهلًا وسهلًا بكَ في عيادة الدكتور أمير بدوي.. الطبيب النفسي الأقل شهرة والأكثر نجاحًا في الوطن العربي، نسبة "الوصول إلى نهاية الرحلة" لدينا لا تقل أبدًا عن 100%، منهجنا العلاجي يختلف تمامًا عن المعهود، هو رحلة نصل إلى نهايتها حين تحقق هدفك. ولا تنتهي قبل هذا إلا بأمر من الدكتور أمير نفسه.

نلتزم السريَّة المطلقة، ونقدم لك الدعم على مدار الساعة.

يُرجى التعرف على طبيعة الجلسة ومواصفاتها التالية قبل الموافقة، مع العلم أن تسمية "الفريد" تُشير إلى سيادتكم:

تستقبل العيادة حالةً واحدة في اليوم، ويُترك للفريد حرية المجيء في أي ساعة خلال اليوم المحدد بدون اتصال سابق.

لا يُسمح للفريد برؤية الدكتور أمير مطلقًا، سيفصل بينهما في الغرفة ستار.

إذا لم يحضر الفريد في موعده، سيُعاقَب حسب رؤية الدكتور أمير.

يتم إبلاغ الفريد بعنوان العيادة قبل بدء الرحلة بيوم، ويُمنع عليه مشاركة أحد العنوان سواء في أثناء الرحلة أو بعدها، وسواء بدأ الرحلة أم لم يحالفه الحظ.

مدة الجلسة مفتوحة، لذا يجب على الفريد التفرُّغ يومها.

يبدأ اليوم المخصص للفريد من منتصف الليل تمامًا إلى منتصف الليل التالي.

يُحدد الدكتور أمير البدوي رسسوم الجلسة بعد نهايتها. بما لا يتخطى 2000 جنيه.

للموافقة على الشروط والمتابعة، يُرجى الضغط على الرقم واحد.

اللوحات للفنان التشكيلي المصري الراحل "يوسف كامل"

يُفكر رامي لحظةً ويضغط على الرقم واحد كمن يقول "ها؟ ماذا لديكم بعدُ من مفاجآت؟!".

يوم الزيارة المتاح لكم هو الأحد، السابع عشر من ديسمبر 2023. للتأكيد، يُرجى الضغط على علامة الشباك.

يضغط بلا تفكير.

تمَّ الحجز.

وجدَ رامي نفسه وحده في المكالمة التي أنهاها الصوت الذكري المُسجَّل، ذلك الصوت الإلكتروني الغبي الذي لم يسمح له بدقائق للتفكير قبل الضغط على أي زر، وأنهى المكالمة! كان رامي يرغب في محادثة شخص حقيقي كي يستَشِفَّ شيئًا مما وراء هذا الغموض والشروط العجيبة.. أو ليُلاعبه على الأقل!

يحدِّثُ نفسه بصوت يلائم جالسًا في مقهى لا وحده في البيت: "يعاقِبُني؟! جديدٌ هذا جدًّا.. لِنَرَ".

***

لا أحب أن يحكي عنِّي أحد. أبي كان دائمًا يقول إني أسبقُ أقراني بكثير، وإني أتميز عليهم بقدرات عقلية جبارة، كان يناديني بالدكتور رامي، يكتب اسمي على كراسات المدرسة مسبوقًا بحرف الدال، ويتلطَّف مع المدرسين بابتسامة أوسع من لحيته البيضاء وهو يطلب أن ينادوني بهذا اللقب، تضحك أمي من تصرفاته، كم كرهتُ ضحكتها تلك!

بعد موت الاثنين، وبقائي في الدار وريثًا وحيدًا لهما، عرفتُ أنَّ صمتَ الحاضرين يختلف تمامًا عن صمت غيابهم، وأنَّ لوجودهم صوتًا لا أعرف تحديدًا بأي شيء في جسدي كنت أسمعه، لكنَّ ذاك العضو -أيًّا كانَ- يعضه الجوع عضًّا.

ربما كان هذا سبب احتفاظي بكل الأثاث بلا تغيير، كنت أظن أن السبب احتفاظه برائحة أبي وأمي، لكني حين فكرت في تغييره شعرتُ بالجوع الذي حدثتكم عنه يتسع كالهُوَّة الساحقة، شعرت بأن جسدي يَنْحُلُ ليصبح خيطًا يطيِّره الهواء، كِدتُ أنسحق تحت ثقل الفكرة. أخيرًا أدركتُ أن الأثاث لم يكن يحتفظ برائحة أبويَّ، بل برائحتي أنا، يحتفظ بي؛ يؤنسني...

 

حسنًا.. لستُ مريضًا كما أخبرتكم، لكني لستُ بخير تمامًا، شأن كل الناس في كل مكان، أعني.. أحيانًا حين تسبقُ قدرتُنا على التحليل قدرتَنا على التعبير؛ تتكدَّس المعلومات والكلمات على اللسان، فنتلعثمُ أو ننطق كلمات عجيبة التكوين مضحكة، هذا طبيعي أليس كذلك؟ هذا هو الطبيعي، لكنه يُهدِر كثيرًا من المضمون، يُهدر المعلومات التي أسقطتها اللعثمة في الضحك، لذا قد يطوِّرُ إنسان ما تقنيةً ما تتلافى هذا الزحام القاتل، فيخلق في رأسه ألسنةً أخرى تساعد لسانه الناطق، تلك الألسنة تنطق بالمعلومات الأخرى المتكدسة عند اللسان الناطق، فيخفَّ الضغط عليه، وتختفي اللعثمة، ويسمع الإنسان أصواته الداخلية تقول ما لم يستطع قوله! أليس هذا تطورًا يستحق الدراسة والاحتفاء؟!

بالطبع له مساوئه، أحيانًا يصيبني صداع من ثرثرتهم! أقول لنفسي "كأنهم أولادك"، يسمعني أحدهم وربما يشتمني هه! أضحك وأشتمه ثمَّ... أعني أنهم دلالة تطوُّر لا دلالة عطب أو خلل. فلماذا يقول عني أحد إني مريض؟ هل يمكن لصاحب خلل في العقل تقديمُ تحليل منطقي كهذا؟!

***

"لن أذهب في اليوم المتفق عليه، بل في صباح اليوم التالي قبل زائر ذاك اليوم"، همَسَ رامي لنفسه وانفجرَ ضاحكًا. "فرصةٌ هذه لاكتشاف عدة أشياء، هذه تجربة سأرويها يومًا لـ..."، لم يجد أحدًا في بالِه.

اتجه إلى مكتبه الصغير، أخرج ورقة من رزمة A4 يسحب منها لأنه فجأة صار يكره الدفاتر والأجندات بأغلفتها الغليظة الجاثمة على ما فيها، جمعها كلها وخزَّنها في بناية قريبة حيث مكتب أبيه حين كان مأذونًا شرعيًّا، لم يستطع التخلص منها، فهي توابيت لكنها تحوي أفكاره وملاحظاته على مدى سنوات، ما يجعلها -بالنسبة إليه- توابيت فرعونية لا تفقد قيمتها بالزمن.

ورقةً تلو أخرى يرسم رامي "خرائط ذهنية" لاحتمالات معاقبته، يحاول إحصاءها كلها ليستعدَّ لها كلها، في إحدى الورقات يرسم مربَّعًا به شكل إنسان، يمُدُّ أبعادًا للمربع فيصير مكعبًا، ويصير الإنسان الصغير سجينًا داخله، يرسم سهمًا من رأس الإنسان إلى خارج المكعب، وسهمًا من صدر الإنسان بِالمثل في اتجاه معاكس، وسهمًا آخرَ من عضو الإنسان بين فخذيه عموديًّا على السهمين السابقين، ورابعًا من عنق الإنسانِ في الجهة الرابعة الخالية. ويكتب عند رؤوس الأسهم: عقلي - عاطفتي - شهواتي - وجودي.

***

لا أحب أن يحكي عني أحد. خسرتُ كل المهمين في حياتي بسبب ذلك، أبويَّ وصفاء وعبير وشيماء وابتسام، كلهم صدَّقوا عني كلامًا من آخرين يكذبون، أبي صدَّقَ أمي حين اتَّهمتني بسرقة أثمن ما يملك، ولاعته الذهبية التي رفض التفريط فيها في أشد الأوقات حاجةً، أمي صدَّقت نفسها حين ظنَّت أني أغيِّر لها جرعات الدواء وأستمتع برؤيتها في حالة دوار وغثيان دائم، هي تستحق، لكني لم أفعل ذلك. والفتيات في الجامعة كُنَّ يصدِّقن أشياء لا أتخيل أنها قيلت عني أصلًا!

"يحدِّث نفسه في الجامعة بصوت عالٍ"..

"تحرَّش بشيماء كأنه مُغَيَّب لا يدرك ما يفعل، هجم على صدرها كالحيوان بأسنانه كأنه لا يراها أو يسمعها، وكادت تسجنه لولا خوفها من معرفة أبيها بالعلاقة"..

"انطوائي ومخيف مثل أبطال أفلام الرعب، يُقسم أحدهم أنه رآه خارج الجامعة يضرب رأسه ويضحك"..

"قال لصفاء مرةً إنه لن يسمح لها بالخروج حين يتزوجان!"..

كذبٌ هذا كله.. كذب! حادثة شيماء لم تحدث أصلًا، بدليل أنها رفضت مواجهتي حين طلبتُ ذلك! ولستُ مجنونًا كي أضرب نفسي! ما هذا الغباء؟! وصفاء.. صفاء كانت شهية لدرجةٍ جعلتني أتمنى أن تجمعنا غرفة بلا باب.. كيف يكون هذا سيئًا يا عديمي الخيال والعاطفة؟! لستُ انطوائيًّا أبدًا، الإنسان كائن مادي واعٍ اجتماعي.. أعرف كل هذا بالطبع، لكني كنت منشغلًا طوال الوقت برعاية أبي وأمي، أدويتهما كثيرة، احتياجاتهما أكثر. كل ما قلت حقائق، وكل ما قيل عني كذب!

اللوحات للفنان التشكيلي المصري الراحل "يوسف كامل"

الآن ما عاد أحدٌ يحكي عني صدقًا أو كذبًا، أخيرًا سأحكي أنا عن نفسي، للدكتور "الأمير" بعد أن يلسعني بالفلكة كالصغار على مؤخرتي! هه.. طبيبي العزيز يحتاج إلى طبيب!

قبل هذا عليَّ أن أتهيَّأ للِّقاء، لا يصح أن أُستَدرَجَ إلى عيادةٍ توعَّدني صاحبها بالعقاب وأُحبَسَ هناك، سأكون فريسةً في أرضه مهما بلغتُ من الحنكة وحُسن التصرف.

حسنًا.. بأي نوع من الألم ستُعاقبني يا أمير الكلب؟!

نبدأ بتخصصكَ، موطن قوتك وملعبك المفضل، لكنك تخسر أمامي فيه كغيرك، صحيح أني لم أركَ ولن أرى ملامح وجهك التي كانت ستخبرُني بكثير جدًّا.. لكن هذا نفسه يخبرني بكثير عنك أيها الجبان! لماذا تخشى المواجهة.. إلا إذا كانت ستفضح ضعفك وخوفك؟! هل تحرَّيتَ عني؟ هل حكى لك زميلك عن فشله معي، قطعًا تحدثتما كثيرًا عني، لكن لماذا أُهِمُّك إلى هذه الدرجة؟ ما الذي جعلني في مركز اهتمامك؟!

ثم ماذا لديكَ أيضًا؟ عاطفتي. مُضحكٌ جدًّا! أن تؤثِّر على عاطفتي يا دكتور أمير يعني أن تؤثر نملةٌ على ذئب في معركة دامية مع دبٍّ عملاق. هل عرفتَ حجمك؟ قريبًا جدًّا ستعرف.

ماذا أيضًا؟ رغباتي.. هنا يحلو الحديث، توقعتُ أن تكون خسيسًا هكذا، ستحرمني.. أعني ستحاول أن تحرمني متعةً ما، لكن أي متعة؟ وأي حرمان؟ مؤقت أم دائم؟ جزئيّ أم كُلِّي؟ هل تُراهن نفسك على اكتشاف مزاجي في شهواتي ومعاقبتي من هناك؟! هل حقًّا تثق بقدراتك إلى هذا الحد؟ ليكن! سأكون جاهزًا لأي شيء وكل شيء، أن تُجبرني يعني أن تفوقني قوةً، وهذا يمكن تدبُّر احتياطٍ له، اثنتا عشرة طلقة في مسدس أنيق أظنها تكفي للجلوس على طاولة تفاوض على الأقل إذا تأزمت الأمور، وهي الاحتياط المناسب لتهديد وجودي.

 اثنتا عشرة طلقة لا تكفي لتأمين المجهول.

 إذا كانت الطلقة مؤثرة، فهل تتوقع أكثر من اثني عشر شخصًا في عيادة؟

صاحبنا لا يجيد التصويب.

 ششش.. سيسمعك!

سمعت! سمعت! المسافة قريبة.. ستكون طلقة في الرأس.. اخرسوا.

لن أزورك غدًا يا أمير، انتظرني في غيرِ ميعادي؛ متلبِّسًا بجريمتي الكبرى!

***

في الحادية عشرة والنصف تقريبًا كان يفتح باب منزله متَّجِهًا إلى العيادة، عنوانها على "تطبيق الخرائط" يقول إن سبع دقائق تكفي للوصول! قبل أن يخرج من البيت تذكَّر أنه لا يملك ما يفاوض به إن مال الطبيب/العدو إلى السِّلْم، ركض إلى غرفته وأخرج من درج الكومود ولاعة من ذهب هي أثمن ما يملك، "هذه أفتدي بها رقبتي.. لا أقل من رقبتي!" قالها وهو يدسها في جيبه، ومسدس محشور في خصره يغطيه الجاكت الطويل، تدرَّب ساعتين على إشهاره بأسرع ما يمكن، تخيَّل كل السيناريوهات الممكنة وحفظها وسمَّعَها بصوتِ طالبٍ تُرعبه فكرة النسيان، فينسى كل شيء ولا ينسى آخر مرة استخدم فيها المسدس، ما زال يشعر بالنبض العجوز تحت كفه وهو يضغط الزناد بإصبع ليس إصبعه، ما زال يذكر الشهقة، وامتزاج الأحمر الطازج بالشيب القديم.

نزلَ من السيارة الأجرة بعيدًا عن البناية المقصودة يرقب بوابتها وينظر في ساعته.. ثماني دقائق حتى منتصف الليل، قلبه يدقُّ أسرع فيعاجِلُه بتمرين نَفَسٍ يهدِّئ النبض العنيف، "تماسك الآن يا صديقي، المتعة أقرب ما يكون" يحدِّثُ قلبه، ويتقدم نحو البناية، تفاجئه الأصوات:

             يشبه جيمس بوند!

             ألا تثق به؟

             أيثق بنفسه؟

             كفى كفى! سيُجَنٌّ!

             سيبكي حالا أقسم لكما...

كان قلبه يدق أشد مع كل جملة يسمعها في رأسه، انتظرَ حتى هدأ وقاوم رغبةً باغتته بلا رحمة في أن يبكي كالأطفال. تمالك أعصابه ومسح المدخل بعينين غائمتين من أثر بكاءٍ لم يحدث، صعد الدرج إلى الطابق الثالث بأخَفَّ ما يمكنه أن يطأ الأرض، حتى نَفَسُه العالي بعد ذلك كان بلا صوت، طَوَّر هذه التقنية في التحكم بأنفاسه وصوتها كي يمكنه الاستمناء وهو جالس جوار أبويه مقرفصًا تحت بطانية شتوية أمام مسلسل ممل، أتقن في سبيل ذلك أشياء من قبيل تثبيت مرفقه تمامًا مع تحريك رسغه بِحُريَّة، وتعلم أن يُخفي أي اهتزاز -مهما كان طفيفًا- قد تفضحه البطانية المشدودة بين ركبتيه، تعلَّم إخفاء حضوره رغم وجوده تحت العيون.

لا يجد جرسًا، يطرق الباب طرقتين فينفرجُ متراخيًا، يفتحه بدفعة واحدة بيدٍ لا تكاد تبتعد عن جسده وقدماه ما تزالان خارج العتبة، انفتح الباب عن ردهة بها مكتب صغير وباب موارب غرفته معتمة، ولا شيء آخر، وقف في الردهة محبطًا يرهف أذنيه ويبعثر عينيه حوله بسرعة، كمن يبحث عن ظلٍّ يتحرك أو همسةٍ بعيدة. ولا شيء على الإطلاق.

***

= لا شيء على الإطلاق!

= لا شيء على الإطلاق!

= لا شيء على الإطلاق!..

ليس وقتًا مناسبًا لأي كلام فارغ، اصمتوا الآن، يبدو أنني خُدِعت! لم أضع احتمالًا واحدًا ألَّا يكون موجودًا اليوم! لا "استقبالَ" في العيادة.. ضوء مطفأ.. مكتب مترَّب عليه دفتر، بل أجندة.. مفتوحة على تاريخ اليوم، ما هذا العبث؟! اسمي مكتوب هنا في الصفحة وبجانبه (الساعة 00:00)! وفي صفحة الأمس.. مكتوب أيضًا! ما هذا اللعب الآن؟!

***

 

"تفضَّل" قُلتُها بصوت عالٍ، فارتاحت ملامح رامي بعدما عرف أني موجود، وخطا ناحية الباب الوحيد، دخل فبادرتُه قبل أن يجلس إلى المكتب:

لم تخيِّب ظنِّي يا رامي، كما توقعتُ تمامًا، ستأتي في اليوم التالي، في أول دقيقة منه! مفتاح الضوء خلفك إلى اليسار.

أضاء المصباحين المُثبتين كما قررتُ، سألني:

ألِهذا كتبتَ اسمي في تاريخ اليوم بالأجندة؟

ليس هذا السؤالَ الأهم في رأسك. أخبرني، كيف مات أبوك؟

يصمتُ رامي لحظةً طالت بعض الشيء، يحاول استبيان حدود رأسي التي يطبعها المصباح خلفي على الستار، لكنه -بسبب المصباح الآخر خلفه- لا يرى سوى حدود رأسه وكتفيه هو.

أبي في البيت حيٌّ يرزق! كيف مات أبوك أنت؟

قتلتُه، بمعنى أدق ساعدته على الموت، على إنهاء رحلته. لماذا تكذب يا رامي؟

دعك من كل هذا السُّخف، تريد معاقبتي أنت!

أنت من يريد العقاب يا عزيزي، ولا أعرف لماذا! في رأيي أنت تستحق العقاب لأنك تريده لا لأنك تعمدت تغيير ميعادك. ما رأيك؟

لماذا تختبئ وراء الستار؟

لماذا تريد العقاب؟

كفَّ عن الأسئلة وأجبني.. من حقي أن أعرف ماذا تريد مني ومن أنت!

أريد مساعدتك لا أكثر، أن تصل إلى نهاية رحلتك كما وعدتك.

أريد أن أراك.

لا يمكن، تذكر الشروط.

هذا الستار قماش! يمكنني أن أحرقه بالكامل!

معك الولاعة الذهب؟ رائعة، ولن تفتدي بها رقبتك، أعدك.

يُجَنُّ حين يُدرك كم أعرف عنه! يثور ويشبُّ يمسك بالستار المنسدل من السقف ينزعه إلى أسفل بكل وزنه...

= سيكون شكلي سخيفًا جدًّا إن لم يسقط الستار!

& في الأفلام تكون هذه الأشياء معدَّة للسقوط.

% على الأغلب سيسقط، الغضب يضاعف القوة.

... وينقضُّ عليَّ -حسبما يظن مكاني- قبل أن يسقط الستار كله، ويدرك أنْ لا أحد في الغرفة سواه.

اللوحات للفنان التشكيلي المصري الراحل "يوسف كامل"

بعد أن تدحرج فوق المكتب الصغير وسقط خلفه على الأرض مرتطمًا بعمودين من الأجندات القديمة وقف سريعًا يحدق حوله، عيناه مدهوشتان، يصرخ مذعورًا:

أمير! يا ابن الكلب!

 لم أتوقع!

هل نصفق لأمير؟!

هل هناك أمير أصلًا؟!

اهدأ، أنا هنا.

أين؟

برأسك.

برأسي؟ أنت أرسلت إليَّ الدعوة! أمجنون أنت؟!

بل أنت أرسلتها!

فهمت فهمت، تدفعني للجنون ها! أهكذا تعاقبني؟ اظهَرِ الآن انتهت اللعبة.

كانت يده دافئة، أتذكر؟

من أين يأتي صوتك؟!

 

 هل رامي مجنون حقًّا؟

 ليست هذه كلمة علمية.

 "مريض" يا فيلسوف؟

 أدفع وجودي ثمنًا لهذه الإجابة، لن أقولها.

 أقولها أنا؟

 يقصد وجودنا كلنا يا غبي.

حتى رامي؟

 أنا منهك للغاية.

أنا اكتمالك وكمالك يا رامي، أوج نَصرك العظيم. كل فكرة أقولها الآن هي فكرتك، أنتَ خالق عظيم. قل لي، لماذا وضعتَ طلقة واحدةً في المسدس؟

انظر! جعلتَ مِنه اثنينِ.. هو ليس أحدهما بالمناسبة!

 ومَن صاحب الفكرة من الأساس؟

 قطعًا ليس أحد الطرفين، وليس من يسأل، وليس من يُقَيِّم الفكرة إبداعيًّا هناك في الأعلى، وليس أنا!

يناديني رامي، لا أستطيع الرد عليه، لأنه ينساني ويفكر في هيئته وهو يتألمُّ مُمسكًا رأسه بكفَّيه.

هل أُشبهُ مِن الأعلى بطلًا ينهار في فيلم ما؟ من حيث الوقفة والإضاءة!

كيف تفكِّرُ في هذا وأنت تتحطم الآنَ؟!

أراهنكَ أن رامي يتساءلُ عمَّن تكون أنتَ يا من تبنَّيتَ رأيَه.. هو أيضًا يرى أنه وقت متخلف لنظرةٍ كهذه! ربما أنت حيوانُه الأليف!

             ربما أنت مرضُه الخبيث!

            إذا خرستم قليلًا ربما...

            ربما ماذا؟

            ربما يطلق الرصاصة!

             لا أعرف إن كان هذا جيد أم سيئ، أعني.. ألا يمكن لهذا أن ينتهي ونعود إلى البيت؟

           منطقي، نظريًّا. هلَّا تأملتم أن هذا الحوار بيننا دار ورامي في المسافة القصيرة بين وقوفه وجُثُوِّهِ على ركبتيه؟! كيف يمكن هذا؟!

             من يسألُ حقيقةً؟ أنتَ أم رامي؟

            % لا أعرف، ولا يعرف...

             مسكين! انظر كيف افترش الأرض!

             مثير للشفقة. لماذا لا يبكي؟

             يفكر في شيء أقوى.

             لماذا صمت فجأة؟

            يفكر في شيء أقوى.

             تذكَّروا أنه لا يحب أن يحكي أحد عنه.. سيشتمنا الآن!

            ها قد ضحك. أم هو يبكي؟

           الدموع التي تدخل أذنيه وهو مستلقٍ هكذا ربما تؤذيه.

             لا يهم. المهم أن يتذكر الزاوية الصحيحة.

             ورعشة اليدين؟

             سيثبتهما.. أين كل ما طوَّره من حركات ثابتة خفيَّة؟!

          ربما لم يطور شيئًا حقيقةً.

             ربما هو خدعة، نحن حقيقتها!

             لماذا يتكور كالجنين على جنبه؟

             تخيَّل هذا في مشهد! إخراج رائع!

             عاد المبدع المُختَلّ.

             يضغط مرفقه بركبتيه ليثبت اليد وفيها المسدس في فمه.

            هل تذكَّر الزاويـ...

مقالات مشابهة

  • بسبب «مصروف البيت».. تحقيقات موسعة مع قاتل زوجته
  • شرطة منطقة الحدود الشمالية تقبض على مقيم لتحرشه بطفل
  • قاتل زوجته فى بولاق الدكرور: ماحستش بنفسى وضربتها بسكين المطبخ
  • خلافات أسرية.. قرار قضائي ضد قاتل زوجته حرقًا في كرداسة
  • إبداع.. "زحام قاتل".. قصة لـ حازم أبو المجد
  • طرح 12 فرصة استثمارية في أمانة منطقة عسير 
  • نائب أمير منطقة الجوف يستقبل المواطنين في الجلسة الأسبوعية
  • سوري يحرق زوجته بعدما رفضت إعطائه المال
  • مقيمًا يرتكب مخالفة رعي بمحمية الملك سلمان الملكية ومواطن يشعل نار في عسير
  • الغدير بين منهج توحيد الكلمة وبين المنهج الصهيوني لتفريق الكلمة