جنوب إفريقيا تلك الدولة التي عانت لسنوات من جرائم الاضطهاد والعنصرية والتمييز الذي مورس ضد سكانها الأصليين من جانب المستعمر الهولندي، ومن بعده المستعمر البريطاني، بعد أن ذاقت جنوب إفريقيا صنوف العذاب والتحقير والتمييز العرقي، حتى تمكن شعبها بقادته ومناضليه أن يستردوا حقوقهم المغتصبة داخل بلدهم، ومن هؤلاء القادة الأبطال كان القائد الراحل الزعيم نيلسون مانديلا، الذي سُجن وعُذب من أجل قضية بلاده، إلى أن أصبح رئيسًا لجنوب إفريقيا، تلك الدولة التي يُضرب بها المثل في تصدي منضاليها للبيض المستعمرين، الذين أجرموا في حق جنوب إفريقيا لعقود طوال، و انطلاقًا من تلك الأمجاد والإحساس بشعوب العالم المقهورة، تأتي جنوب إفريقيا قبل غيرها من الدول بما فيها الدول العربية، وتتقدم بمذكرة لمحكمة العدل الدولية في لاهاي ضد إسرائيل متهمة إياها بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد أبناء غزة والضفة الغربية، ومطالبة المحكمة باتخاذ الإجراءات الرادعة، والملزمة ضد حكومة إسرائيل، بما ترتكبه من جرائم وحشية تتناقض مع الأعراف والقوانين الدولية، وتحتوي المذكرة على أربع وثمانين صفحة تشتمل على الكثير من الأدلة التي توضح الجرائم والانتهاكات مع ملحقات الدعوة، وترتكز على تحليل ونقد واقعي وقانوني للحقائق، بهدف إصدار المحكمة قرارات ولو مؤقتة وعاجلة لوقف الحرب والعدوان على أبناء غزة والضفة الغربية، وطلبها أيضًا من المحكمة حماية الشعب الفلسطيني وحقوقه بموجب معاهدة منع الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1948، وكانت إسرائيل من أوائل الدول التي وقعت على تلك الاتفاقية، ما يلزمها قانونًا بوقف تلك الانتهاكات والتجاوزات في حق أبناء الشعب الفلسطيني، ومع التصرف الجريء من جنوب إفريقيا فإن قادة إسرائيل المتطرفين يشعرون بالقلق والترقب من إمكانية إصدار المحكمة قرارًا يدين إسرائيل، ما جعلهم ينوون إرسال أحد ممثليهم للمثول أمام المحكمة التي يرجح عقدها يومي 11 و12 من شهر يناير الجاري، وقد قابلت حكومة إسرائيل طلب جنوب إفريقيا بالاستهجان والاستنكار، مدعيةً بأن مذكرتها تلك لا تستند لأي أساس قانوني، ومتهمة جنوب إفريقيا بالتعاون مع جماعة إرهابية وتقصد حركة المقاومة "حماس"، والأغرب في الموضوع أن أمريكا المنحازة لحليفتها إسرائيل وكعادتها، سارعت عبر "جون كيربي" المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي اعتبر أن هذه الدعوة لا أساس لها من الصحة، ولا تستند إلى حقائق رغم أنها يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية، أما المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "ماثيو ميلر" فقد صرح بأن أمريكا لا ترى في أحداث غزة أي ارتكاب لإبادة جماعية من جانب الجيش الإسرائيلي، وعلى النقيض من تلك المواقف أعلنت تركيا عبر وزارة خارجيتها يوم الأربعاء الموافق ٣ من شهر يناير الجاري تأييدها، وترحيبها ومساندتها لدعوة جنوب إفريقيا فيما يتعلق بانتهاكات إسرائيل، والزامها بالانصياع، واحترام معاهدة منع جرائم الإبادة الجماعية.
لقد جاءت تلك الخطوة الجريئة من جانب جنوب إفريقيا لتمثل نقطة مضيئة، وإيجابية نحو المسار الصحيح من أجل إشعار المجتمع الدولي والشعوب الحرة بأنه سيأتي اليوم الذي تقف فيه كل الدول المتجبرة أمام المحاكم الدولية بما فيها إسرائيل وإجبارها على الخضوع للقوانين والأعراف الدولية، وبعدم التعالي على القانون الدولي، والتمادي في الظلم، والجبروت، ولربما أصدرت محكمة العدل الدولية قرارات إدانة ضد إسرائيل رغم أن قوانينها غير ملزمة، لتنفيذ أحكامها في حين أن القرارات المتوقعة ستكون دليل إثبات دوليًّا لما ترتكبه إسرائيل من جرائم ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وعندها ستصبح إسرائيل مدانة أمام قضاة المحكمة، وأمام كل دول العالم، وحول المرجح من القرارات المتوقعة من المحكمة يرى الخبراء والمهتمون بالقانون الدولي أن جرائم الإبادة تنطبق بكل تفاصيلها على كل ما حدث، ويحدث في قطاع غزة والضفة الغربية، إذا رأت المحكمة جرائم القتل والمجازر التي ارتكبت في حق المدنيين العزل من النساء والأطفال والشيوخ.
لقد لجأت جنوب إفريقيا مؤخرًا إلى محكمة العدل الدولية، وليس لمحكمة الجنايات الدولية التي تملك القدرة على تنفيذ أحكامها، ولكنها رفضت برئاسة مدعيها العام "كريم خان" استلام الدعوة، ورفضت أيضًا إدانة إسرائيل أو الإقرار بما ترتكبه من جرائم، ليكون ذلك دافعًا قويًّا تجاه بلداننا العربية والإسلامية للتحرك، لمناصرة، ومؤازرة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: العدل الدولیة جنوب إفریقیا من جرائم
إقرأ أيضاً:
شجار عنيف بين مهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء وقاصرين بالقليعة يؤدي إلى إصابات
اندلعت مواجهات وتراشق بالحجارة صبيحة السبت على الطريق الرابطة بين القليعة وبيوكرى، بين مجموعة من القاصرين وأزيد من ثمانين فردا من مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء.
هاته الأحداث أدت إلى توقف حركة السير وإصابة عدة أشخاص بجروح بسبب الرشق بالحجارة.
إفادات استقاها « اليوم 24 » من عين المكان، تتحدث عن خلاف سابق بين أحد الأفراد من المواطنين المغاربة وشخص من مهاجري دول إفريقيا جنوب الصحراء، انتهت بطعن الأخير على مستوى العنق، وتم نقله إلى المستعجلات بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير.
غير أن الأمر تطور إلى رد فعل جماعي من المهاجرين صبيحة اليوم، بعد خروج أزيد من ثمانين فردا وتعريض عدد من المواطنين للسرقة بالعنف وتهشيم السيارات وقطع الطريق كرد فعل على إصابة زميلهم.
ولازالت عمليات تمشيط الأحياء من طرف عناصر الدرك الملكي والقوات المساعدة مستمرة لحدود اللحظة، بعد وصول تعزيزات مكثفة لاحتواء الوضع.