لم تكن الطرق ممهدة أمام القوافل الإماراتية في العقود التي سبقت قيام الاتحاد، بل كانت تشق مسالكها بين شعاب البوادي وسط الرمال للوصول إلى هدفها، وكانت القبائل تستعين بقصاصي الآثر للاستدلال على خطوط الطرق التي كانت ترسمها الرياح والعواصف وغالباً ما تغيّر من أشكالها كثبان رملية تأخذ شكل أقدام الجمال التي تعلمت الصبر في سبر أغوار الصحراء.

ومن أجل إحياء ذلك التراث الإماراتي، ليمتد الأثر من الآباء المؤسسين إلى الأجيال الناشئة، يستمر ذلك التقليد السنوي الذي يحيه “مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث” من خلال قافلة “رحلة الهجن”؛ بعيداً عن مجتمع المدينة حيث فتحت الصحراء أحضانها لتقص على ضيوفها من 16 جنسية مختلفة من مواطنين ومقيمين على أرض الدولة قصصاً وحكايات لأناس مروا من هنا.. كان ضوء القمر مؤنسهم والنجوم دليلهم، لربط الحاضر بالتراث.

عادت “رحلة الهجن” أمس إلى دبي، قطعت خلالها قافلة الهجن بنسختها العاشرة مسافة 557 كم بين الكثبان الرملية لصحراء دولة الإمارات العربية المتحدة لقافلتها التي ضمت 37 مشاركاً من 16 جنسية مختلفة، في الرحلة التي استغرقت 12 يوماً على ظهر المطية وسط الكثبان الرملية، والتي بدأت من منطقة “عرادة” لتعود إلى وجهتها الختامية في القرية التراثية بالقرية العالمية.

وانطلقت الرحلة من آخر منطقة في صحراء الربع الخالي يوم 26 ديسمبر الماضي، حيث قطع المشاركون عدة محطات أبرزها: جنوبي تل مرعب، الخرزة، شرقي محمية قصر السراب، محمية المها العربي، شرقي حليبه، شرقي أم الحب، جنوبي محمية بوتيس حيث تتابع القافلة مسيرها باتجاه، جنوبي الخزنة، سويحان، العجبان، سيح السلم، وصولاً إلى نقطة الختام بالقرية التراثية في القرية العالمية أمس 6 يناير الجاري.

تستحوذ قصة طرق القوافل القديمة و”المدقات” الصحراوية التي كانت تنبض بالحياة وسط الرمال في الإمارات على الكثير من الذكريات والشجن لا سيما من طرقها بقدميه جيئة وذهاباً بين أطراف الإمارات، ويمتاز أهل البادية بالمعرفة الجيدة بتلك الطرقات والدروب الصحراوية فقد فرضت عليهم ظروف الحياة أن يتقنوا هذا الأمر من أجل البحث عن الماء والطعام.

وبهذا الصدد يؤكد سعادة عبد الله حمدان بن دلموك، الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، على المضمون والجوهر لتلك الرحلة التي يرعاها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ويشرف على تفاصيلها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي ، لما بها من عبر ،والتزام وتعاون وصبر في اجتياز العديد من التحديات، ووعورة بعض المناطق التي اجتازتها القافلة، وزيادة عدد ساعات الترحال.

وقال بن دلموك وهو يفترش المجلس بالقرية التراثية ويرسم على حبات الرمل بعد استراحة قصيرة بعد عودته تواً من (رحلة الهجن): “تلك الرحلة هامة ومدعاة للفخر بالنسبة لنا.. هي بمثابة رسالة لإيصال رؤيتنا في حفظ وصون تراث الوطن منذ أن تم انشاء المركز عام 2004، تحمل في طياتها الكثير من قيمنا العربية الأصيلة في التعايش والمحبة”.

وعن “رحلة الهجن” قال سعادته لوكالة أنباء الإمارات “وام”: “كنا نصل إلى المسارات المحددة في كثير من الأحيان بعد حلول الظلام، و قصة تلك الدروب والمسارات ليست قصة انتقال من مكان إلى مكان فحسب ، إنما تختصر بتفاصيلها علاقة القبائل الوثيقة مع المكان والزمان وتشكل بالنسبة لهم معالم تنبض بالحياة وسط الصحراء”.

وعن القيم التي تغرسها حياة الترحال في نفوس المشاركين قال : ” البادية هي مهد اللغة العربية وحاضنتها، نريد أن نعلم عيالنا ونوسع خيالهم إلى أماكن وبيئات لم يألفوها، التأدب بآداب وأصالة المجتمع البدوي وتقاليده وثقافته المتشكلة أساساً من مدرسة الصحراء، التعامل مع الهجن، التعرف على البيئة والأهمية الكبرى لشجرة الغاف في التراث المحلي، تناقل الحكايات الشعبية عن الجدود والآباء، الحفاظ على التراث الإماراتي الأصيل، وبالنهاية تشكّل الرحلة في الذاكرة مدارك ومفاهيم تهيئهم لقيم الصبر والقوة”.

وعبر المشارك الفرنسي “إلكسندر فيدوتوف”، في تصريح لـ “وام”، عن فخره وسعادته بالمشاركة ضمن مسار رحلة الهجن في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقال : “رغم صعوبة ركوب الهجن والتي تختلف كثيراً عن الخيول في مناطق وعرة للغاية ولمدة أسبوعين كاملين في أجواء صحراوية حارة، إلا أنها كانت تجربة ممتعة وبها الكثير من المناظر الخلابة في الوديان ومشاهدة الشروق والغروب وراء الجبال التي تجعلك تنسي كل شيء”.

ومن جانبها قالت المشاركة المكسيكية “نادية كورتيس”، التي ظلت مبتهجة ترتدي الزي النسائي الإماراتي: ” أعتز كثيرا بفكرة التخييم في صحراء الإمارات لمدة 12 يوماً ورغم الصعوبات في امتطاء الهجن واحكام قبضتي لمواصلة السير مع القافلة تطلب الأمر الكثير من المجهود البدني، ،و جمال الصحراء والاندماج مع الطبيعة والعودة بالزمن إلى الوراء أيام الأجداد هي مشاهد لا يمكن ان تصفها الكلمات”.

وبدوره قال المشارك الإماراتي سيف كتاب السويدي:” إن الهجن موروث شعبي يعتز به كل إماراتي ، خاصة أنها تعكس جانباً من حقبة الأجداد الاولين الذين نفخر بهم، و رحلة الهجن تعد تجربة صعبة وجميلة في نفس الوقت ، و نشيد بالقائمين على مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث لحرصه على توفير متطلبات الرحلة لجميع المشاركين والاحتفاء بالتراث الإماراتي الأصيل”.

فيما بين المشارك الإماراتي عبدالخالق السركال، أن المتعة الحقيقة في رحلة الهجن كانت في التنوع البشري من المشاركين من جنسيات مختلفة أرادوا استكشاف إبداع الصحراء في دولة الإمارات، والعمل ضمن فريق واحد لمواجهة جميع التحديات.وام


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

“الثقافي البريطاني”: الإمارات وجهة بارزة للتعليم الدولي

أشار تقرير المجلس الثقافي البريطاني إلى دور دولة الإمارات المهم في التعليم العابر للحدود ، خاصة في ضوء تسجيل 21825طالبًا في برامج المملكة المتحدة للتعليم العابر للحدود في 2022-2023.

وأوضح التقرير أن دولة الإمارات لا تزال تشكل وجهة بارزة للتعليم الدولي في ظل اقتصادها المزدهر وتنوعها الاقتصادي الاستراتيجي، وتركيزها على تعزيز فرص العمالة الإماراتية.
وأضاف التقرير، مع تزايد الطلب على التعليم العالي، شهدت الإمارات اقبال 10380 طالبًا على الدراسات العليا في 2022-2023؛ و أن 38% من طلاب الدراسات العليا في الدولة لجؤوا إلى اعتماد أشكال التعلم المرنة، مما يعكس الطلب المتزايد على خيارات التعليم السهلة المنال.
وسلطت النقاط الأساسية الواردة في التقرير تحت بعنوان ” استدامة شراكات التعليم العابر للحدود في مصر وقطر والإمارات “الضوء على التحول الذي شهدته الإمارات، وخاصة دبي، على مدى العقدين الماضيين، إذ أنها أصبحت مركزًا إقليميًا وعالميًا رئيسيًا للتعليم العابر للحدود ، بحيث إستضافت أكثر من 237000 طالبًا دوليًا في العام 2023؛ بالإضافة إلى تواجد تسع شركات بريطانية عالمية في دبي وحدها، مما يجعلها غنية بالعروض الشاملة والمتخصصة على حد سواء.
وقال مارتن دالتري، مدير المجلس الثقافي البريطاني في الإمارات:”تؤكد نتائج التقرير على دور الإمارات المتنامي كدولة رائدة إقليميًا في مجال التعليم مع توسع انخراطها في التعليم العابر للحدود. ويجدد المجلس التزامه بتعزيز شراكات التعليم عبر الوطني المستدامة، بما يضمن إستمرار إزدهار الإمارات في قطاع التعليم على مستوى العالم. إن الاستثمار الاستراتيجي لدولة الإمارات في التعليم وتركيزها على تنويع اقتصادها من خلال التعليم يؤثر بشكل بارز على جذب المواهب الدولية إليها ودفع عجلة الابتكار وتعزيز فرص عمل الطلاب”.
أضاف سيدوين فيرنانديز ، نائب مستشار جامعة ميدلسيكس ومدير جامعة ميدلسيكس دبي:” تفخر الجامعة بلعب دور كبير في النهوض بالتعليم عبر الوطني داخل الإمارات ودعم شراكات التعليم العابر للحدود التي تلبي الاحتياجات المحلية والعالمية. وباعتبارنا أحد رواد وأكبر فروع الجامعات العالمية في البلاد، فإننا نركز باستمرار على الاستدامة المالية والتسجيل الملحوظ للطلاب وتقديم برامج متنوعة تتماشى مع الأولويات الاقتصادية لدبي. يؤكد هذا التقرير من جديد على أهمية التعاون الدولي في تعزيز تجارب الطلاب وتبادل الثقافات والمساهمة في بناء اقتصاد قائم على المعرفة.”
وأطلق المجلس الثقافي البريطاني التقرير خلال فعاليات أقامتها جامعة ميدلسيكس دبي، بمشاركة متحدثين بارزين من الجامعات والمؤسسات التعليمية الرئيسة لقراءة النتائج ومناقشة مستقبل التعاون المستدام في مجال شراكة التعليم العابر للحدود.
وسلط التقرير الصادر بتكليف من المجلس الثقافي البريطاني والذي قامت بإجراءه مجلة تايمز للتعليم العالي،الضوء على الدور الفعال لدولة الإمارات في تطوير التعليم العالي على مستوى العالم، بالإضافة إلى تأكيده على أهمية الشراكات الدولية.
وتخللت الفعاليات تقديم عروض من قبل مارتن دالتري مدير المجلس الثقافي البريطاني في الإمارات وأمير رمضان المدير الإقليمي للمجلس الثقافي البريطاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب مشاركات من قبل البروفيسور تانيا كيريازي نائب مدير جامعة ميدلسيكس في دبي وبين بيلي المدير العام لجامعة برمنغهام في دبي، وفينيسا نورثواي المدير التنفيذي للتعليم والحياة الطلابية بجامعة هيريوت-وات وعصمت أبو شهاب خبير في التعليم الدولي والتعليم عبر الوطني.
وتضمنت الفعاليات عرض مجموعة قصص ملهمة من خريجي جامعة ميدلسيكس دبي وجامعة هيريوت-وات وكلية ستراثكليد لإدارة الأعمال وجامعة برمنغهام وجامعة برادفورد.
وركزت حلقة النقاش الأخيرة على رؤية الإمارات لمستقبل التعليم العالي الدولي؛ بحيث قام كل من الدكتور نيتش سوغناني مدير التعليم العالي في هيئة تنمية التعليم العالي وحسين الشماع مدير قسم الامتثال والترخيص فيدائرة رائس الخيمة للمعرفة وفيكي ستوت الرئيس التنفيذي لوكالة الجودة ببحث الفرص المستقبلية للشراكات الدولية في هذا المجال.

وأشار التقرير إلى أن جامعة ميدلسيكس دبي نموذج ناجح للتعليم العابر للحدود ، باعتبارها أكبر فرع دولي لجامعة بريطانية في دولة الإمارات مع أكثر من 6300 طالب من أكثر من 120 جنسية.
وتُعَدُّ جامعة ميدلسيكس دبي رائدة في تطوير التعليم العالي من خلال تقديم برامج متنوعة تتماشى مع أولويات دبي الاقتصادية وتُعِدُّ الخريجين للانخراط في سوق العمل العالمي.
وأعطت الفعاليات الافتتاحية في حرم جامعة ميدلسيكس في دبي المشاركين فرصة الاطلاع و مناقشة الأفكار الرئيسية حول مستقبل التعليم العابر للحدود في الإمارات، مع التأكيد على الحاجة إلى شراكات مستدامة والتعاون بين المؤسسات العالمية بما يتناسب مع الأولويات التعليمية للدولة.


مقالات مشابهة

  • هل رحلة الإسراء والمعراج تمت بالروح والجسد؟.. محمد أبو هاشم يجيب
  • معرض “حديقة المعادن” في أبوظبي يجمع بين الفن والاستدامة
  • “ايكرس 2025” ينطلق اليوم بمشاركة 110 عارضين من الإمارات والمنطقة
  • نادي الشارقة يتُوج بـ5 كؤوس في بطولة “الإمارات للكاراتيه”
  • “الثقافي البريطاني”: الإمارات وجهة بارزة للتعليم الدولي
  • لوموند: المغرب يترقب “اللمسة الأخيرة” من ترامب حول قرار دعم مغربية الصحراء
  • القصة التي لا تنتهي بسبب عدم التزام حكومة البارزاني بقوانين الموازنات..تشكيل لجنة لحل “مشكلة رواتب الإقليم”
  • الإمارات.. مساعدات متواصلة لتخفيف معاناة “الشتاء” حول العالم
  • بنكيران يتراجع عن تصريحات “الصحراء الشرقية”
  • قلعة الفجيرة تحتضن “ملتقى إحياء التراث”