ارتدادات غزة.. الصين تبحث عن دور الرجل الأول في المنطقة.. بكين تسعى لإبراز ذاتها كقوة عظمى فى الشرق الأوسط على حساب واشنطن
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
لطالما كان الشرق الأوسط بأنماطه الهشة مسرحا للمواجهة بين القوى الكبرى من أجل تحقيق مصالحها، بينما توارى الحضور البريطانى وبرز نظيره الأمريكى فى المنطقة، دخلت الصين كمنافس قوى. وفى هذا السياق، أدت عملية طوفان الأقصى التى شنتها حركة حماس تجاه إسرائيل فى السابع من أكتوبر لعام ٢٠٢٣ إلى إيجاد اصطفافات جديدة على الساحة الدولية، وحاولت الصين إبراز ذاتها كقوة عظمى عابرة للإقليم.
أقامت الصين علاقات دبلوماسية كاملة مع فلسطين منذ عام ١٩٨٩، ومع إسرائيل منذ عام ١٩٩٣، ولكن بعد اندلاع الأزمة الأخيرة فى غزة، وعلى الرغم من الضغوط الأمريكية، تحاول الصين إظهار نهج معتدل. ولهذا الغرض، ومع بداية الأزمة، أرسل الرئيس الصينى شى جين بينغ مبعوثه إلى الشرق الأوسط "تشاى جون" إلى دول الشرق الأوسط، وأعرب عن أمله فى تنفيذ خطة حل الدولتين وإنشاء ممر إنسانى لمساعدة قطاع غزة، ثم وصف وزير الخارجية الصينى قصف المدنيين فى غزة بأنه أبعد من نطاق الدفاع عن النفس وتجنب إدانة حماس.
محدداتتوجد بعض المحددات التى من شأنها تفسير السلوك الصينى تجاه الأزمة فى غزة، وكيف حاولت أن تلعب دورًا جديدًا بالمنطقة يؤهلها لأن تكون القوة العظمى الأولى فى العالم مستقبلا منها:
أولًا: تقديم عرض الوساطةأبدت الصين منذ بدء الأزمة استعدادها للتنسيق مع الدول الأخرى فى المنطقة، للسعى من أجل التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، وأن الحل الرئيسى للصراع المتكرر بين فلسطين وإسرائيل هو الحل السلمي، بما يتضمن حل الدولتين لتشكيل دولة فلسطين المستقلة وتحقيق نوع من التعايش السلمى بين الطرفين. وهو ما انتقدت على إثره كل من واشنطن وتل أبيب بكين بسبب عدم إدانتها لحماس، ولكن تمسكت الصين بموقفها ورفضت إصدار قرار من مجلس الأمن فى هذا الشأن، حتى لا تكون هناك حلقة مفرغة من المواجهة بين تل أبيب وفلسطين.
وفى كل الأحوال، حاولت الصين تقديم ذاتها كقوة مسالمة ومحايدة فى النظام الدولى فى الأزمات الدولية، وتتبنى مواقف غير تدخلية، وهو ما اتضح من خلال أزمة غزة التى سعت من خلالها رسم مسار مختلف عن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الذين دعموا إسرائيل بشكل مطلق. وجاء ذلك فى جزء منه على خلفية رغبة بكين فى الحفاظ على مصالحها بالمنطقة؛ حيث تعد الصين من أبرز الشركاء التجاريين لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويتم توفير نصف واردات الصين من النفط من دول الخليج العربي، ووصل حجم دالتجارة هذا العام مع العالم العربى إلى ٤٢٠ مليار دولار.
ثانيًا: الحد من تفاقم الصراعركزت مبادرات الصين بشأن حل الصراع بين تل أبيب وفلسطين على مجالات واسعة مثل تنفيذ حل الدولتين، ومعالجة القضايا الإنسانية، ومنع الصراع من أن يصبح إقليميًا. ولهذا السبب، امتنعت الصين عن استخدام عبارة "إرهابي" و"هجوم إرهابي" لوصف هجوم حماس، أو وصف انتقام إسرائيل من العقاب الجماعى للمدنيين الفلسطينيين، وهو ما يظهر معارضتها للهجوم البرى الإسرائيلى على غزة من ناحية ورغبتها فى الحفاظ على مصالحها بالمنطقة مع كل الأطراف من جانب آخر.
ويتسق ذلك مع سياسة الصين التجارية بالمنطقة والقائمة على إحداث توازن فى علاقتها الاقتصادية مع كل من إسرائيل والعرب القول إن الصين أقامت دائمًا معادلة من التوازن بين التجارة مع إسرائيل وعرب المنطقة، ففى الوقت الذى بلغت فيه حصة إيران من إجمالى تجارة الصين البالغة ٣،٢٩٦ مليار دولار مع العالم فى ٩ أشهر من عام ٢٠٢٠ نسبة ٠.٣٤٪ فقط، فإن تجارة الصين مع دول مثل العراق (٢٣ مليار دولار)، والمملكة العربية السعودية (٤٩.٢ مليار دولار)، وعمان (١٣.٥٩ مليار دولار)، وإسرائيل (١٨.٦٦ مليار دولار). وتظهر هذه الأرقام أن الصين ترغب فى أن تكون الشريك التجارى الأول لجميع دول المنطقة فقط.
ثالثًا: تعزيز الشرعية على المستوى العالمىتدرك الصين جيدًا أن دعمها لغزة من الممكن أن يساهم فى تعزيز شرعيتها على المستوى الدولي، ولاسيما فى دول العالم الثالث التى تشكل القاعدة الشعبية الأهم لدعم فلسطين، وبالتالى فإن الحرب على غزة تشكل قضية تستطيع الصين استغلالها لحشد الدعم لقيادتها فى العالم النامي. والتشكيك فى موقف الولايات المتحدة الأمريكية الأخلاقى فى النظام الدولى وإزاحة هذه الأخيرة من مكانتها كحكم بلا منازع فى النزاعات الدولية؛ حيث إن تراجع مكانة واشنطن الدولية قد يشكل انتصارًا فى حرب "القوة الخطابية" من خلال الاستفادة من التعاطف مع الفلسطينيين فى مختلف أنحاء العالم.
وكذلك، يمكن لأزمة غزة أن توفر فرصة لتحقيق الاستقرار فى العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والشاهد على ذلك هى الزيارة التى قام بها وزير الخارجية الصينى إلى واشنطن عقب عملية طوفان الأقصى لمحاولة إيجاد نوع من الاستقرار فى العلاقات الثنائية وحل الخلافات مع الولايات المتحدة الأمريكية. فرغم أن الصين والولايات المتحدة الأمريكية قد بدأتا العديد من المفاوضات لتحقيق الاستقرار فى العلاقات الثنائية من قبل، إلا أنها تعرضت للتوقف فى عام ٢٠١٨، لذلك كانت أزمة غزة بمثابة علامة على عملية استئناف المفاوضات بين البلدين. وخلال هذه الرحلة، أكد الجانبان أن العالم يحتاج إلى علاقة عامة مستقرة بين بكين وواشنطن، ثم التقى بايدن وشى على هامش القمة الاقتصادية لآسيا والمحيط الهادئ فى سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا.
وفى النهاية: يمكن القول أن حاجة الصين لتعزيز علاقتها الاقتصادية مع دول المنطقة يجبرها على الابتعاد عن تبنى نهج أحادى فى أى صراع إقليمى فى الشرق الأوسط. وبالتوازى مع ذلك، ورغم أن الصين ترغب فى ملء الفراغ الناجم عن تراجع الدور الأمريكى بالمنطقة، إلا أنها لا ترغب فى الدخول بمواجهة مباشرة مع واشنطن فى المنطقة تحت أى ظرف. وتدرك بكين أنها إذا أرادت الاستفادة من الموارد الطبيعية الوفيرة فى المنطقة، فيجب أن تصل هذه الجغرافيا إلى سلام واستقرار نسبيين، ولهذا السبب دخلت هذا الصراع الجديد كلاعب سلمي، بالنظر إلى أنها لن تسمح بالمساس بمصالحها فى المنطقة، الأمر الذى يكشف عن عدم رغبتها فى توسيع الصراع بالمنطقة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ارتدادات غزة الصين واشنطن الشرق الأوسط حركة حماس تفاقم الصراع مبادرات الصين المتحدة الأمریکیة الشرق الأوسط ملیار دولار فى المنطقة
إقرأ أيضاً:
مسؤولة أميركية لـ«الشرق الأوسط»: أولويتنا في السودان وقف القتال
أكدت الإدارة الأميركية أنها لا تزال منخرطة جداً في السودان، ولن تتخذ طرفاً في النزاع الدائر حالياً في البلاد، وتدعم الشعب السوداني وطموحاته نحو حكومة مدنية. وقالت نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، مينيون هيوستن، في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط» هي الأولى لمسؤول أميركي في عهد الرئيس دونالد ترمب عن ملف السودان، إن هذا الموقف لن يتغيَّر رغم كل المكاسب الميدانية التي حققها الجيش السوداني في الفترة الأخيرة.
التغيير: وكالات
وشدَّدت هيوستن على ضرورة وقف الأعمال العدائية فوراً، مشيرة إلى تعاون وثيق من قبل إدارة ترمب مع دول المنطقة للحرص على إنهاء الصراع الدائر، و«ضمان وقف الأعمال العدائية لتهيئة الظروف لحكومة بقيادة مدنية تعطي الشعب السوداني ما يستحقه، وأن الولايات المتحدة لن تتنازل عن هذا الجهد». كما أكدت على الاستمرار في سياسة المحاسبة عبر العقوبات، وضرورة الاستمرار في توفير المساعدات الإنسانية.
وقالت هيوستن: «نحن نعلم أن الوضع في السودان كارثي. إنها أكبر أزمة إنسانية في العالم. ما نراه في السودان أمر مؤسف، ومن المهم أن يعرف المتابعون والعالم أن الولايات المتحدة لا تزال منخرطة جداً في هذا الملف». وأضافت أن الإدارة الأميركية الحالية تعمل على جبهات متعددة، و«تشمل جهودنا الدبلوماسية الانخراط مع الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، بالإضافة إلى السعودية ودول أخرى».
واشنطن مستعدة للضغطوأكدت، المسؤولة الأميركية أن الولايات المتحدة كانت واضحةً للغاية بشأن ما تحاول تحقيقه في السودان، قائلة: «كنا صريحين للغاية حول ضرورة أن يكون تدخل الشركاء والدول الأخرى في الأزمة (السودانية) تدخلاً بنّاءً يؤدي إلى وقف الأعمال العدائية، لأنه بخلاف ذلك فستكون هذه الدول متواطئةً في إطالة أمد النزاع، ومتواطئةً في خلق مزيد من المعاناة للسودانيين، وخلق مزيد من عدم الاستقرار، وهذا لن يؤدي إلى السلام».
كما تعمل الإدارة الأميركية على الجبهة الإنسانية، إذ إن هناك كثيرًا من العمل بمشاركة الشركاء المنفذين الذين يعملون على دعم الاحتياجات الحيوية للناس في السودان، وكذلك اللاجئين في الدول المجاورة ودعم جهودها لقبول اللاجئين. وأشارت إلى أهمية تدابير المساءلة فيما يتعلق بالعقوبات.
ولدى واشنطن 31 تصنيفاً للعقوبات في الوقت الحالي بين «قوات الدعم السريع» والقوات المسلحة السودانية، وهذا أمر مهم للإدارة الأميركية بوصفه إجراء آخر لدفع الطرفين المتحاربين للجلوس إلى طاولة المفاوضات، ووقف الأعمال العدائية، وإعطاء الشعب السوداني ما يستحقه.
التزام طويل تجاه السودانوأوضحت أن واشنطن تطلب من الشركاء الإقليميين الاستمرار في لعب دور بنّاء في الجمع بين الطرفين، وأن نركز على احتياجات الشعب السوداني «وهو أمر أكثر أهميةً من أي شيء آخر».
وشدَّدت هيوستن على أن التزام واشنطن «هو تجاه شعب السودان، والالتزام بالسلام الدائم، والالتزام بوقف الأعمال العدائية، وهذا الالتزام لا يتزعزع ». وأكدت أن وزارة الخارجية الأميركية، تحت قيادة الوزير ماركو روبيو، تواصل العمل مع الشركاء المنفذين على الأرض للتأكد من وصول المساعدات الإنسانية إلى مَن يحتاجونها، كما تواصل الوزارة دعوة الجهات الفاعلة الإقليمية والحكومات الدولية، إلى بذل مزيد من الجهد، وأن تبذل الدول المانحة مزيدًا، لأن ما نراه في السودان وفي جنوب السودان يظهر أهمية تضافر الجهود العالمية لحل الأزمة.
لا استثمار مع الأسلحةوأشارت المسؤولة الأميركية إلى أنه لا يمكن دعم أي جهود تتعلق بالتقدم الاقتصادي والاستثمار ما لم يتم إخماد نار الأسلحة، لذلك «سنركز في هذا الوقت على الشعب السوداني وإنهاء القتال، فكلا الطرفين مسؤول عن الدمار في السودان، وعن عدم الاستقرار الإقليمي. لذا يبقى تركيزنا منصبّاً على جلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات لتهيئة الظروف لوصول المساعدات الإنسانية إلى مَن يحتاجونها قبل كل شيء».
وأشارت إلى أنه خلال الأسبوعين الأولين من مارس، كان يوجد 2.1 مليون شخص تلقوا مساعدات إنسانية مهمة لأنهم كانوا على حافة المجاعة. وعن العقوبات، قالت هيوستن، إنها مهمة بوصفها أداةً لدفع الطرفين المتحاربَين إلى وقف الأعمال العدائية.
نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومالولايات المتحدة الأمريكية انهاء حرب السودان