بوابة الوفد:
2025-05-01@06:41:01 GMT

مئة عام من الأحلام المؤجلة

تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT

من زمن لآخر ظل لحكام هذا الوطن آمال وأمنيات وأهداف سعوا إلى تحقيقها لجعل مصر جنة الأرض، والارتقاء بالمصريين إلى مصاف الشعوب المبتهجة، لكن خيبات الأمل كانت كبيرة، وقضينا مئة عام نتحدث عن أحلام لا تتحقق. ما السر؟

الإجابة فى آخر سطر، لكن فى السطور التالية بعض الإشارات اللافتة. فالأصوات تتبدل، والكلمات تتغير، وبعد أن يُغادر الممثلون خشبة المسرح، يزعم ألف زاعم أنهم قالوا وأنهم وقفوا، مُرتكزين على أن الذاكرة الجمعية للناس كذاكرة الأسماك تنسى ما جرى بالأمس.

لكن الأرشيف فضاح فضاح، ومن يعود إليه يندهش من رؤى الناس ومواقفهم، ويتعجب كيف تغيرت بعد رحيل أصحاب السلطة والجاه.

بعد ثورة يوليو1952 سُمى الملك فاروق بالملك الفاسد، ووصم العهد كله بالعهد البائد، وأفاض كبار الكتاب والصحفيين والأدباء فى رص الحكايات عن مباذله وفضائحه، غير عابئين أنهم جميعا كالوا المدائح فى عظمته وحكمته.

نقرأ مثلا من قصيدة للأديب والناقد سيد قطب فى نهاية الثلاثينيات مديحا للملك فاروق يوم ميلاده يقول فيها «والليالى مرهصات والدنا/ ترقب الميلاد آنا بعد آن/ فإذا فاروق فى طلعته/ تهتف البشرى على كل لسان/ ثم كان اليوم يوم المهرجان/ عاش فاروق ودام المهرجان».

ونقرأ أيضا للشاعر صالح جودت قصيدة أخرى يقول فيها: «فاروق واسمك فى القلوب قصيدة/ يشدو بها الوادى السعيد ونيله/ وأظل ألثم كل معنى طاهر/ منها ويُظمئ علتى تقبيله/ وأقول ما بال السمو يطوف بي/ فعلمت أنك فى النهى جبريله».

ويكتب الكاتب عبدالقادر المازنى فى عيد ميلاد الملك فاروق فى فبراير 1939: «إن جلالة الملك هو ابن الثورة.. وهو يمثل عظمة الأمة بعد الرقاد وحركتها بعد التربص.. واقدامها بعد القعود وشعورها بكرامتها القومية.. وحقها فى العمل والحياة».

ويكتب الأستاذ محمد حسنين هيكل فى روزاليوسف بتاريخ 16 أغسطس سنة 1943 مقالا يُهنئ فيه الملك بنجاته من حادث القصاصين، يقول فيه: «إن عرشك يا مولاى حياة وارفة زاخرة، حياة كلها شباب ملتف حولك وحول عرشك، وأكاد أتطلع إلى الآفاق وأطوى بخيالى فروق الزمن وأسبق بفكرى الحاضر لأنفذ إلى المستقبل فأرى عجلة الزمن تدور وأرى أجيالا أخرى تنهض، وأخالهم يشيرون إلى هذا اليوم ويقولون: إنه عصر مجيد رائع».

وفيما بعد ثورة يوليو، وبعد استقرار الحكم لجمال عبدالناصر، وتحديدا فى يوم 4 أغسطس 1956 نقرأ لمصطفى أمين مقالا فى أخبار اليوم يقول فيه « يجب أن يرتفع كل مصرى إلى مستوى الموقف الجديد،  يجب أن يشعر العالم أن كل مصرى هو جمال عبدالناصر، إنه ليس رجلا واحدا، وإنما هو ملايين المصريين، وهو بعث أمة وروح منطقة بأسرها».

ويكتب لنا يوسف السباعى فى 4 سبتمبر 1956 مقالا يتساءل فيه «من أين يستمد عبدالناصر قوته؟» ويجيب هو بإسهاب وتفصيل «من الوضوح، من الإيمان، من الشجاعة».

ونقرأ لكامل الشناوى فى الجمهورية بتاريخ 16 يناير 1958 مقالا، يقول فيه: «وعبدالناصر هو الرجل الذى انبثق من أرض مصر، من عقيدتها، من إحساسها، من فكرتها، هذا الذى صنع الثورة، فكان قلبها وعقلها، كان لهبها ووقودها».

وببساطة شديدة يُمكن الإجابة عن السؤال الأصعب عما عطل كل طموحات الحكام وأحلامهم فى التحقق، إنه النفاق، النفاق (والتكرار يفيد التأكيد)، وقاكم الله شروره.

والله أعلم

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصطفى عبيد الوطن مصر جنة الأرض یقول فیه

إقرأ أيضاً:

عبد السلام فاروق يكتب: معارض الكتب العربية.. لماذا لا نمل التكرار؟!

في البدء كانت الكلمة، ثم صارت معرضًا، نلتقي هناك، بين الرواق والرف، لنعيش لحظات نعتقد أنها ثقافة، لكنها غالبًا ما تكون مجرد ظل لها. نشتري الكتب، نلتقط الصور، نستمع إلى المتحدثين نفسهم كل عام، ثم نغادر كما جئنا: بلا أسئلة جديدة، ولا أفكار تقلقنا.  

هذا ليس نقدًا لمعارض الكتب، بل هو حنين إلى ما يمكن أن يكون. إلى معرض لا يختزل في "الحدث الثقافي" الذي يعلن عنه، بل في ذلك الحوار الخفي الذي يحدث بين القارئ والكتاب، بين المبدع والمتلقي، بين الماضي الذي نحمله والمستقبل الذي نصنعه. معرض لا يكرر نفسه، بل يتجدد كالنهر الذي لا يعبر المرء نفس مياهه مرتين. 

فهل نجرؤ على أن نحلم بمعرض كهذا؟!

في كل ربيع، تتنفس أبو ظبي بكتب تفتح، وأفكار تعلق كنجوم في سماء ندواتها، وأصوات تأتي من كل حدب لتلون أروقة المعرض الدولي للكتاب. هنا، حيث تتحول الكلمات إلى لوحات، والندوات إلى حوارات تلامس الغيم، يصبح المعرض ليس مجرد سوق للورق والحبر، بل مهرجانًا ثقافيًا يذوب فيه الفن في الفكر، والماضي في المستقبل. لكني، وأنا أقرأ أخبار هذه الدورة، أشعر بظل من الحزن يتسلل إلى كياني؛ حزن لا يعبر عن غيابي الجسدي عن أروقته هذا العام فحسب، بل عن سؤال يلح علي: هل يكفي أن نكرر الوجوه ذاتها كل عام لنجعل من المعرض منارة ثقافية؟.

بين الكتب والوجوه: سردية المكان

لا يختزل المعرض في رفوفه الممتلئة، بل في ذلك الحوار الخفي بين الغائبين عنه والحاضرين فيه. إنه فضاء تعيد فيه الثقافة العربية اكتشاف ذاتها عبر كتب تتنافس في جمال الطباعة وعمق المحتوى، وندوات تلامس قضايا من الشرق إلى الغرب، وفنون تشكيلية تتحرك كأنها قصائد بصرية. الضيوف الذين يحتضنهم المعرض، من مفكرين وأدباء وفنانين، هم بمثابة جسور تربط بين الموروث والحداثة، بين المحلي والعالمي. كل دورة جديدة تذكرنا أن الثقافة ليست تراكمًا، بل حركة دائمة نحو آفاق غير مطروقة.

لكن هذه الحركة، يا سادتي، تحتاج إلى رياح جديدة. فكيف لنا أن نتحدث عن انفتاح ثقافي، ونحن نرى الوجوه ذاتها تتكرر عامًا بعد عام، وكأن المعرض تحول إلى "صالون أدبي" مغلق على نخبة محددة؟ أليس في العالم العربي والعالمي من المبدعين والمفكرين من يستحق أن يسمع صوته؟ أليس التغيير جزءًا من جوهر الثقافة ذاتها؟.

غيابي... وحضور الأسئلة

قد يقول قائل: "الحضور رمزي يعزز التواصل". لكنني، وأنا أتأمل صور الندوات وبرامجها، أتساءل: كم من تلك الأسماء المكررة قدمت رؤية جديدة هذا العام؟، كم منهم تجاوز خطابه المألوف إلى فضاءات غير مسبوقة؟ الثقافة لا تبنى بالتكرار، بل بالتجديد. ولئن كان حضور بعض الوجوه ضرورة لاستمرارية الحوار، فإن إحلال دماء جديدة مكان أخرى بالية هو شرط بقاء الثقافة حية.  

أذكر ذات مرة أن الدكتور سعيد يقطين الناقد المغربي المعروف ، كتب عن "السرد الناعم" كحكاية تتدفق بلا ضجيج، لكنها تحدث أثرًا عميقًا. هكذا يجب أن يكون المعرض: حكاية تتجدد شخصياتها كل عام، لا أن تتحول إلى مسرحية يعاد تمثيلها بنفس الأدوار. إن تكرار الضيوف يشبه إعادة طباعة كتاب قديم بغلاف جديد: قد يبدو جميلًا، لكنه لا يغني المكتبة. 

اقتراح من القلب

لا ينبع نقدي من جحود بقيمة المكررين، بل من حب لجعل المعرض منصة لا تضاهى. لماذا لا نستلهم تجارب معارض عالمية تخصص مساحات واسعة للاكتشاف؟ لماذا لا نشرك الشباب أكثر، أو نستضيف مبدعين من ثقافات لم تسمع أصواتها بعد؟ الثقافة العربية غنية بتنوعها، لكن هذا التنوع لا يظهر إلا إذا فتحنا الأبواب لـ"الآخر" المختلف، لا الذي نعرفه مسبقًا.  

الشارقة.. حب قديم!  

بين ضجيج المعارض وصمت الذكريات، تقف الشارقة كسيرة عشق لم تكمَل. زرتها ذات يوم ضيفًا على معرض الكتاب، فكانت كحكاية "كليلة ودمنة" تروى لأول مرة: كل جنباتها حروف، وكل شارع فيها باب مفتوح إلى عالم آخر. أحببتها حتى ألفت عنها كتابًا، وكتبتها حتى صارت في قلبي وطنًا ثانيًا.  

لكن العجيب في الحكايات الجميلة أنها تنسى أحيانًا! فمنذ تلك الزيارة اليتيمة، لم أتلق دعوة، ولم أعد إلى أروقة المعرض، وكأنما اكتملت فصول تلك القصة بلا خاتمة. أتذكر جيدًا ذلك الزحام الثقافي، وتلك الوجوه المتعطشة للكتب، والجلسات التي كانت تشبه "نديم" الجاحظ في زمن السوشيال ميديا. فالشارقة ليست معرضًا للكتب فقط، بل هي "ديوان" العرب الذي يجمع بين الأصالة والانطلاق.  

فيا معرض الشارقة، أليس من العدل أن تعود الفراشات إلى حيث تلونت أجنحتها أول مرة؟ أم أن الدعوات صارت كالكتب النادرة التي لا يوفق الجميع لاقتنائها.

طباعة شارك معارض الكتب أبوظبي الشارقة

مقالات مشابهة

  • كريم حسن شحاتة: لا يمكن اتهام محمد فاروق بالتواطؤ لصالح بيراميدز
  • التموين: خطط لزيادة السعات التخزينية وتعزيز الأمن الغذائي
  • عبد السلام فاروق يكتب: معارض الكتب العربية.. لماذا لا نمل التكرار؟!
  • برشلونة يتحدى إنتر ميلان.. التاريخ ماذا يقول؟
  • مجانا حتى 4 مايو.. عرض أبو الأحلام في دنيا الخيال ضمن مسرح الطفل بشرم الشيخ
  • ثقافة الغربية تكرم اسم الدكتور نبيل فاروق في مؤتمر اليوم الواحد الأدبي
  • القضاء على حماس والنصر المطلق.. ماذا يقول مسؤولون ومحللون إسرائيليون؟
  • اعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 يوم الخميس
  • الرابطة تعلن تعديل برنامج المباريات المؤجلة لـ شباب قسنطينة
  • الرابطة تعلن تعديل برنامج المباريات المؤجلة لـ “السياسي”