مرت قبل أيام قليلة ذكرى ميلاد الفنان الرائد المجدد الأستاذ حسين بيكار (2 يناير 1913)، هذا الرجل الذى تأثر به معظم من جاء بعده وأمسك الريشة والقلم ليرسم ويلوّن.
أذكر جيدًا كيف كنت أحاكى، وأنا صبى، رسومه المنشورة فى صحيفة (أخبار اليوم) كل سبت والتى كان يبدعها فى منتصف سبعينيات القرن الماضى لترافق روايات مصطفى أمين مثل (الآنسة هيام) ورواية (لا)، كما كنت أقلد كل جمعة لوحته المرسومة فى الصفحة الأخيرة بجريدة الأخبار.
آنذاك كنت أعكف بدأب وإصرار لأصل إلى أفضل النتائج فى مباراة محاكاة رسوم بيكار، حيث أواصل التقليد دون كلل ساعات طويلة، وكان الوالد العظيم المرحوم عبدالفتاح عراق يقدم لى الملاحظات الذكية التى تساعدنى فى ضبط النسب والمساحات، ولا عجب فى ذلك، فالوالد كان رسامًا بارعًا، خاصة بالقلم الرصاص والجاف، وهو الذى غرس فى وجدانى عشق الرسم، والفنون والآداب كلها بشكل عام.
وتمر الأيام وأتخرج فى كلية الفنون الجميلة بالزمالك، وأعمل رسامًا ومحررًا ثقافيًا فى صحف مصرية عديدة، ويهبنى الحظ أثمن هدية، وهى التعرف على بيكار شخصيًا، ويبدو أنه آنس لى، فكم دعانى إلى زيارته فى شقته بالزمالك وعنوانها (9 شارع حسن عاصم).
وهكذا أجريت معه حوارات طويلة نشرتها فى عدة صحف مثل العربى القاهرية والبيان الإماراتية، ولما أقمنا معرضا جماعيًا من ستة فنانين شباب عام 1996 فى قاعة (خان المغربي) بالزمالك أسعدتنا السيدة سلوى المغربى صاحبة القاعة ودعت بيكار لحضور حفل الافتتاح، وذهبت إلى بيته وسألته: (هل ستشرفنا يا أستاذ؟)، وأعلن ابتهاجه بالحضور.
وفِى إحدى المرات طلبنى تليفونيا ودعانى إلى زيارته، ليخبرنى أن الفنان الكبير محمد صبرى رائد فن الباستيل سيمر عليه بعد قليل ليصطحبنا بسيارته إلى زيارة معرضه المقام بدار الأوبرا. وتمثلت المفارقة فى أننى كنت أسير بين عملاقين أصغرهما يكبرنى بنحو 44 عامًا، ثم يقف بيكار أمام كل لوحة ويسألني: (ما رأيك يا ناصر؟)، بينما أذوب من فرط الحياء، فأقول له: (يا أستاذ بيكار... وهل يجرؤ أحد على الحديث وحضرتك موجود؟).
وحكى لى أيضا عن أول لقاء له مع نزار قبانى وقد جرى فى شقة بيكار الذى كان يسكن بمصر الجديدة عام 1945، حيث طلب منه نزار أن يرسم له غلاف ديوانه الأول (طفولة نهد) وقد وصف نزار بأعذب الكلمات.
المدهش أن بيكار أخبرنى كيف رأى محمود مختار شخصيًا عام 1928 وهو منكب على وضع اللمسات الأخيرة لتمثال (نهضة مصر)، وكيف تحرج أن يتحدث معه من شدة إعجابه به.
كذلك أجاب بيكار عن أسئلتى حول علاقته بالمسرح والسينما فى ثلاثينيات القرن الماضى وأربعينياته، وكيف شاهد جورج أبيض ويوسف وهبى ونجيب الريحانى وفاطمة رشدى وأمينة رزق وعلى الكسار على المسرح.
عاش بيكار حتى شبع من الأيام، فلما رحل، رحمه الله، فى 16 نوفمبر 2002، بكاه كل عشاق الرسم... وأنا منهم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ناصر عراق
إقرأ أيضاً:
فنون جميلة أسيوط تنظم معرضًا فنيًا تحت عنوان دلالات الرمز للتعبير عن القضية الفلسطينية
شهدت جامعة أسيوط افتتاح معرضًا فنيًا بعنوان دلالات الرمز للتعبير عن القضية الفلسطينية في سينوغرافيا العرض المسرحي نعيمة للدكتورة غادة صلاح النجار، الأستاذ المساعد، ورئيس قسم الديكور، بكلية الفنون الجميلة، والذي تنظمه الكلية بصالة (2)، ويستمر لمدة أسبوعين.
أشاد الدكتور أحمد المنشاوي رئيس جامعة أسيوط بالمعرض الفني، مثمنًا جهود الكلية في تقديم أعمال فنية هادفة تسهم في تنمية الوعي المجتمعي وتعبر عن القضايا الوطنية والإنسانية. وأكد أن الجامعة تحرص على دعم الأنشطة الفنية والثقافية التي تساهم في الارتقاء بالذوق العام وتعزيز الانتماء الوطني بين الطلاب.
وجاء ذلك بحضور الدكتور جمال بدر نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث، والدكتور محمد حلمي الحفناوي عميد كلية الفنون الجميلة، والدكتور محمد عبد الحكيم وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، والدكتور محمد بداري العميد الأسبق للكلية، ومحمد جمعة مدير إدارة الفنون بالإدارة العامة لرعاية الطلاب، ومخرج العرض المسرحي، ونخبة من أعضاء هيئة التدريس والعاملين بالكلية، وبإدارة الفنون وعدد من طلاب وطالبات الكلية.
وأكد الدكتور جمال بدر أهمية التطبيق العملي للدراسة النظرية، حيث يظهر تأثير الدراسة الحقيقي على أرض الواقع؛ من خلال ما يقدمه من نتائج يمكن استغلالها وتطبيقها، وهو ما يعكسه تقديم المعرض للديكور والأزياء والإكسسوارات التي قامت بتصميمها الدكتورة غادة النجار، ونفذها طلاب الفنون التعبيرية بقسم الديكور، وطلاب قسم التصوير، للعرض المسرحي (نعيمة)، الذي شارك في مهرجان إبداع الذي نظمته وزارة الشباب والرياضة، ومهرجان الإبداع المسرحي الثاني عشر بجامعة أسيوط.
وأوضح الدكتور محمد حلمي الحفناوي أن المعرض هو أحد معارض الترقيات الخاصة بأعضاء هيئة التدريس بالكلية لدرجة أستاذ في مجال التخصص، ويهدف إلى ربط الدراسة العلمية بالتطبيق، مشيرًا إلى أن المعرض سيتم تنظيره إلى ورقة بحثية، تهدف إلى تحليل دلالة الرموز في سينوغرافيا هذا العرض، واستكشاف كيفية توظيفها لتعزيز الرسائل الدرامية، ومن المقرر أن يتم نشرها في إحدى المجلات العلمية المتخصصة.
وأشارت الدكتورة غادة النجار إلى أن مسرحية (نعيمة) مأخوذة عن ملحمة شعبية مشهورة من التراث الشعبي المصري، وهي تأليف الشاعر درويش الأسيوطي وإخراج الفنان محمد جمعة مدير إدارة الفنون بالجامعة، وتدور الأحداث في إحدى قرى صعيد مصر، وتجمع بين مفاهيم مختلفة (الحب والحقد والخير والشر)، والصراع بينهم، وتحمل في مضمونها أبعاد رمزية ودلالات تعبر عن الأحداث الجارية في غزة بفلسطين، وما تتعرض له من انتهاكات لحقوق الإنسان، وقتل وتشريد لأهلها.
وأوضحت النجار أن الديكور والملابس من أهم عناصر السينوغرافيا في العرض المسرحي، حيث نجح الديكور في التعبير عن مكان الأحداث، وإيصال رسائل درامية محددة، في ثلاثة مشاهد هي: بيت حسن؛ باللون البيج الفاتح ليعبر عن النقاء، والرموز والزخارف المرسومة عليه باللون الأخضر للدلالة على الخير والنماء، وجاء الباب لمدخل المنزل العتيق ليمثل الوطن، أما بيت نعيمة فتم تنفيذه باللون الأزرق ليمثل الحقد والمؤامرة، وعلى الحائط رمز لمفتاح البيت يحيطه السلاسل التى ترمز إلى القيود، وثالث المشاهد هو الموردة (الطريق إلى الماء) وهو سور على ضفاف النيل يظهر من ورائه أجزاء من أشرعة المراكب والتي يتشكل إحداها على شكل خريطة فلسطين (الوطن).
وأضافت النجار أن الملابس والإكسسوارات عبرت عن ملامح الشخصيات، فشخصية (نعيمة) وهي الشخصية الرئيسية في العرض تكون زيها من اللون الأبيض والأحمر والأخضر والأسود؛ المستوحى من علم فلسطين، و(حسن) بشخصيته البسيطة الحالمة يرتدي جلباب أبيض وشال فلسطين المميز ليعبر عن السلام والنقاء.