بوابة الوفد:
2024-11-24@16:33:37 GMT

بيكار وحفنة ذكريات جميلة

تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT

مرت قبل أيام قليلة ذكرى ميلاد الفنان الرائد المجدد الأستاذ حسين بيكار (2 يناير 1913)، هذا الرجل الذى تأثر به معظم من جاء بعده وأمسك الريشة والقلم ليرسم ويلوّن.

أذكر جيدًا كيف كنت أحاكى، وأنا صبى، رسومه المنشورة فى صحيفة (أخبار اليوم) كل سبت والتى كان يبدعها فى منتصف سبعينيات القرن الماضى لترافق روايات مصطفى أمين مثل (الآنسة هيام) ورواية (لا)، كما كنت أقلد كل جمعة لوحته المرسومة فى الصفحة الأخيرة بجريدة الأخبار.

آنذاك كنت أعكف بدأب وإصرار لأصل إلى أفضل النتائج فى مباراة محاكاة رسوم بيكار، حيث أواصل التقليد دون كلل ساعات طويلة، وكان الوالد العظيم المرحوم عبدالفتاح عراق يقدم لى الملاحظات الذكية التى تساعدنى فى ضبط النسب والمساحات، ولا عجب فى ذلك، فالوالد كان رسامًا بارعًا، خاصة بالقلم الرصاص والجاف، وهو الذى غرس فى وجدانى عشق الرسم، والفنون والآداب كلها بشكل عام.

وتمر الأيام وأتخرج فى كلية الفنون الجميلة بالزمالك، وأعمل رسامًا ومحررًا ثقافيًا فى صحف مصرية عديدة، ويهبنى الحظ أثمن هدية، وهى التعرف على بيكار شخصيًا، ويبدو أنه آنس لى، فكم دعانى إلى زيارته فى شقته بالزمالك وعنوانها (9 شارع حسن عاصم).

وهكذا أجريت معه حوارات طويلة نشرتها فى عدة صحف مثل العربى القاهرية والبيان الإماراتية، ولما أقمنا معرضا جماعيًا من ستة فنانين شباب عام 1996 فى قاعة (خان المغربي) بالزمالك أسعدتنا السيدة سلوى المغربى صاحبة القاعة ودعت بيكار لحضور حفل الافتتاح، وذهبت إلى بيته وسألته: (هل ستشرفنا يا أستاذ؟)، وأعلن ابتهاجه بالحضور.

وفِى إحدى المرات طلبنى تليفونيا ودعانى إلى زيارته، ليخبرنى أن الفنان الكبير محمد صبرى رائد فن الباستيل سيمر عليه بعد قليل ليصطحبنا بسيارته إلى زيارة معرضه المقام بدار الأوبرا. وتمثلت المفارقة فى أننى كنت أسير بين عملاقين أصغرهما يكبرنى بنحو 44 عامًا، ثم يقف بيكار أمام كل لوحة ويسألني: (ما رأيك يا ناصر؟)، بينما أذوب من فرط الحياء، فأقول له: (يا أستاذ بيكار... وهل يجرؤ أحد على الحديث وحضرتك موجود؟).

وحكى لى أيضا عن أول لقاء له مع نزار قبانى وقد جرى فى شقة بيكار الذى كان يسكن بمصر الجديدة عام 1945، حيث طلب منه نزار أن يرسم له غلاف ديوانه الأول (طفولة نهد) وقد وصف نزار بأعذب الكلمات.

المدهش أن بيكار أخبرنى كيف رأى محمود مختار شخصيًا عام 1928 وهو منكب على وضع اللمسات الأخيرة لتمثال (نهضة مصر)، وكيف تحرج أن يتحدث معه من شدة إعجابه به.

كذلك أجاب بيكار عن أسئلتى حول علاقته بالمسرح والسينما فى ثلاثينيات القرن الماضى وأربعينياته، وكيف شاهد جورج أبيض ويوسف وهبى ونجيب الريحانى وفاطمة رشدى وأمينة رزق وعلى الكسار على المسرح.

عاش بيكار حتى شبع من الأيام، فلما رحل، رحمه الله، فى 16 نوفمبر 2002، بكاه كل عشاق الرسم... وأنا منهم.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ناصر عراق

إقرأ أيضاً:

«الغيطانى» حكاء الماضى.. سردية الوجع الإنسانى

استلهم التراث وبرع فى الإسقاط صاحب الزينى بركات.. تجربة إبداعية فريدة الجمالية وعمله بالسجاد.. أدوات شكلت إبداعهالغيطانى ومحفوظ.. ثنائية أثقلتها القاهرة القديمة عمل محررًا عسكريًا وكتب عن أحداث الحرب 

 

«كل شىء فى سفر دائم ولكل شىء زمان»

بضع كلمات ربما استطاع من خلالها أن يجسد مشوارا فريدا من الإبداع المختلف، زمن الأشياء، بما يمثله من ماض وحاضر، وجهان استطاع أن يمزج بينهما باحترافية أديب أريب، ذلك السفر الذى يتراوحان خلاله، الماضى والحاضر، بكل ما يحفلان من أحداث رأى بينها تشابها لا ينفك، فقارب بتمكن فيلسوف بين ماض سحيق قد تأنفه الذاكرة، وحاضر نحاول الهروب من ثقله، ليضعنا جميعا رغما عنا وبإرادتنا أمامه.

هذا هو الأديب والصحفى العظيم جمال الغيطانى، ولأنه أبن المدينة العتيقة المدججة بالتاريخ.. القاهرة المملوكية، فقد تفتح وعيه صغيرا على تاريخ طويل من حكايات قديمة تحكيها القصور والمشربيات والقباب والبوابات والمآذن، ماض أفاض عليه بأسئلة شتى، وفجر بداخله فيوضات إبداع لا تنتهى.

* لغة سردية متفردة

هكذا استطاع أن يوجد لنفسه لغة سردية مختلفة، تجمع بين الماضى والحاضر، وكأنها منحوتة من التاريخ وأحداثه، أو كأنها وثيقة تاريخية لا يمكن مضاهاتها، بكل ما يحمله التاريخ من صراعات ووقائع وآمال، حتى إذا ظننت نفسك قد أمسكت بمفاتيح سرده، وجدت نفسك غارقا فى عمق حاضرك وآلامك، فهو يأخذك بكليتك من قبضة حدث مغرق فى القدم ليلقيك عند قدمى حاضرك، لذا فإن حضور التاريخ لدى الغيطانى ليس حضورا شكلانيا أو استحضارا حرفيا، بل هو أداة للإشارة إلى وقائع حاضرة، متعلقة بحلم يكمن فى الذاكرة، إنها تلك السردية التى تقبض بعنفوانها على الزمان بأحداثه واختلافه والمكان بتجلياته وفيوضاته. 

ولأنه وعلى طول ما يزيد على الخمسين عملا، استحضر الغيطانى خلالها الموروث الإنسانى فى كل طبقاته الحضارية، وأفاد منه فى تنويع آفاق تجربته فى الكتابة، فقد عدت تجربته الإبداعية من أكثر التجارب نضجًا فى عالم الأدب العربى.

* طبيب الوجع الإنسانى 

أدرك الغيطانى أن الوجع الإنسانى لا يختلف من زمن لآخر، إنه التيمة الأكثر تواجدا بين العصور، لذا فقد نصب قلمه معبرا عن ذلك الوجع، خالقا تلك المسافة الجامعة بين الأزمنة مهما بعدت، ليصبح هناك جسر تعبر عليه آلام البشر جميعا عل التقاءها يخفف من وطأتها.

وبحنكة شاب صعيدى تشرب طفلا من شوارع القاهرة المملوكية، وامتهن صناعة السجاد فى بدء شبابه، فقد تمكن من مزج الأزمنة والأحداث التاريخية وإسقاطها على زمن مغاير لزمانها، تماما كما تفعل أنامله فى مزج خيوط السجاد وألوانه ونسجه، وكلها تصب فى هدف وحيد، إزالة تلك الآلام التى تنخر فينا، هكذا تجده يستحضر ماضى الدولة المملوكية ويسقطه على الحاضر الناصرى والساداتى.

فإن تنوع خبراته، ما بين النشأة فى حى شعبى أثرى، ودراسة فن السجاد بإيقاعه الشرقى، والعمل بالصحافة، وصداقته الكبيرة لنجيب محفوظ منذ كان فى الرابعة عشرة من عمره، كلها أهلته لأن يخلق لنفسه مشروعا إبداعيا مغايرا ومتفردا عن كل ما عداه.

«اكتشفت نفسى بنفسى، مش بس كأديب.. ومن تكوينى أدركت أنى ولدت لأكتب من عمر 7 سنوات».

* ملامح تتضح

مثلت مجموعة الغيطانى القصصية «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» التى صدرت سنة 1969، ملامح مشروعه المتفرد بشكل واضح، واتضح أنها بداية لتيار جديد فى الكتابة، قد نضجت ملامحه مع رواية «الزينى بركات» سنة 1974، و«وقائع حارة الزعفرانى» 1976، و«خطط الغيطانى» 1980، و«إتحاف الزمان بحكاية جلبى السلطان - عام 1985».

تعد رواية الزينى بركات من الروايات البارزة فى الأدب العربى حيث عالجت ظاهرة القمع والخوف، وعرت أسبابها السرية المرعبة.

وانطلاقا من واقع ثقيل يستعيد الغيطانى تاريخ ابن إياس فى «بدائع الزهور»، مجسدًا شخصية سردية موازية لشخصية كبير البصاصين الشهاب الأعظم زكريا بن راضى ووالى الحسبة الزينى بركات فى العصر المملوكى الذى يفضح، خلال فصول الرواية، وسائله فى تعذيب الفلاحين والتجار ليحصل منهم على المال، بالإرغام والإكراه والإقرار بجرائم لم يرتكبوها، بل إنه كان يتلذذ بذلك أمام عينيه، فهو هنا يتناول فكرة السجن منطلقا من شخصية السجان فيما يشبه القراءة النفسية له، باعتباره أداة القهر من خلال شخصية والى الحسبة، الزينى بركات، والشهاب الأعظم زكريا بن راضى، مع حضور الإسقاط السياسى.

يتجلى أمامنا أيضا ذلك الإسقاط السياسى فى أعمال الغيطانى، ولكن على نحو فانتازى فى «هاتف المغيب»، كما لم تفارقه اللغة التراثية فى «دفاتر التدوين» السبعة التى جاءت أشبه بالشذرات والذكريات التى تفيض بالتأمل والسرد الروائى.

وفى «التجليات» مزج فى بردة صوفية بين الحضور الحلم لصورة الأب، وبين أب روحى آخر، تجسد فى شخصية الزعيم جمال عبدالناصر، يحاور الاثنين بلغة سردية ممزوجة بروح التاريخ والحاضر معًا، كما تنوعت هذه اللغة ما بين المشهدية الواقعية فى إيقاعها اليومى، ومحاولة استعادة روح الماضى والبطولة الإنسانية فى مجموعته القصصية «أرض.. أرض»، التى استفاد منها من تقاريره الصحافية التى كان يكتبها ويطالعها حين عمل مراسلاً حربيًا، وكذلك فى رواية الرفاعى، التى نسجها من كلمات للشهيد إبراهيم الرفاعى الذى استشهد وهو يقود جنوده فى حرب الاستنزاف.

* التجريب عند الغيطانى 

تمثل رواية «وقائع حارة الزعفرانى» ذروة روح التجريب الفنى فى أعمال الغيطانى، من خلال حدث مروع هو (وباء الزعفرانى) الذى يهدد حياة سكان حارة شعبية فى مقتل، فكل سكان الحارة يفقدون قدرتهم الجنسية عدا شخص واحد غير معروف. وتنفتح الرواية على الحدث ببناء سردى شائق لا يدغدغ حواس القارئ، بحبكة تقليدية، وإنما عبر مسافة مركبة من البحث والتقصى، وإثارة الأسئلة، من خلال معاناة الشخوص، وفى علاقات وسياقات سردية مفعمة بالتجريب والتجديد.

يقول الغيطانى فى «وقائع حارة الزعفرانى»: «استفدت من تجربة ابن إياس اللغوية على الرغم أن الموضوع ليس تاريخيًا، كان ابن إياس يكتب أفظع الحوادث بالهدوء نفسه الذى يكتب به أبسط الحوادث، كان يوجد مسافة موضوعية بينه وبين الحدث، فى الزعفرانى كنت أعبر عن الأحداث بروح محايدة لأننى أحاول أن أستكشف الشخصى فى العام، والماضى فى الحاضر، والعكس أيضًا».

بروفايل:

ولد جمال الغيطانى فى صعيد مصر، فى مدينة جِهينة بسوهاج فى 9 مايو 1945، ثم انتقلت والدته بعدها إلى القاهرة بسبب عمل الوالد، لتجمع نشأته بين الأصول الجنوبية فى ظل حفاظ الأب والأم على لكنتهما، وبين الترعرع فى الجمالية قلب التاريخ.

كانت أسرته فقيرة، ولكنه يذكر كيف كانت والدته الصعيدية «ذاكرة حية متنقلة للحكم والأمثال والحكايات والثقافة الشفهية»، فكانت تستمع لحكاياته وهو ابن السابعة وتتفاعل مع تخيلاته عن النفق الذى اكتشفه فى الحارة ووجد به التماثيل وحديث أحدهم له، أما والده فكان رجلا عاملا لم يكمل تعليمه «لكن كلامه كان زى الشعر».

بعد أن أنهى الدراسة الإعدادية، التحق بمدرسة الفنون والصنائع بالعباسية، ودرس بها لثلاث سنوات صناعة السجاد، ثم امتهن تصميم السجاد الشرقى وعمل فى أحد مصانع خان الخليلى، ثم انتقل للعمل فى الجمعية التعاونية المصرية لصناع وفنانى خان الخليلى، وأشرف على عدد من مصانع السجاد الصغيرة فى القاهرة والمنيا.

* صداقته بمحفوظ وبدء الإبداع 

وهو فى سن ١٤ عاما التقى نجيب محفوظ خلال تمشيته اليومية على كوبرى قصر النيل.

صار نجيب محفوظ أستاذا ومعلما، كما كان بوابته إلى الحياة الثقافية والمثقفين، جمعهما الأدب والصداقة، وعنه يقول «كان أبويا الروحى وسرى كان معاه.. علاقتنا استمرت حتى شهدت على لحظاته الأخيرة».

بدأ الكتابة فى عمر صغير، حين كان مراهقا، وأولى مظاهرها كانت فى القصة القصيرة، التى نشر منها بصورة متفرقة ما يفوق الـ 50 قصة قصيرة فى مصر وبيروت، فى البدايات واجه النشر صعوبة كبيرة، حتى استطاع عام 1969 نشر مجموعته القصصية «أوراق شاب منذ ألف عام» التى قرأها الكاتب والمفكر محمود أمين العالم، وطلب منه العمل محرر ثقافى فى جريدة «أخبار اليوم».

وعمل بعد عام 1974، بقسم التحقيقات الصحفية، ثم صار رئيسا لقسم الأدب فى جريدة أخبار اليوم عام 1985، وأسس جريدة «معرض 68» الأدبية، التى كانت تجمع كُتاب جيله، كما ساهم فى تأسيس جريدة «أخبار الأدب» عام 1993، وظل يرأس تحريرها حتى عام 2011.

* محرر عسكرى ومؤرخ للحرب

بعد هزيمة يونيو 1967، عمل محررا عسكريا على الجبهة حتى حرب أكتوبر 1973 مرورا بحرب الاستنزاف فغطى على مدار 6 سنوات تقريبا ظروف التدريبات، والعمليات العسكرية.

وكتب عن الحرب عدة كتب وروايات ودراسات، منها: «المصريون والحرب: من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر»، ورواية «الرفاعى»، ورواية «حكايات الغريب» تلتى تحولت إلى فيلم بنفس الاسم عام 1992، ومجموعة قصصية بعنوان «أرض.. أرض»، كما كتب عن الجيوش العربية على جبهة سوريا، وخاصة الجيش العراقى، فى كتابه «حراس البوابة الشرقية».

* برامج وجوائز

قدم أكثر من برنامج تليفزيونى، كان أشهرها «تجليات مصرية»

الجوائز:

نال العديد منها، وكان آخرها جائزة النيل للآداب عام ٢٠١٥.

وتوفى جمال الغيطانى فى 2015.. رحم الله مبدعا أريبا متفردا، كان جزءا من كثير يستحقه أن يطلق اسمه على الدورة السادسة والثلاثين من مؤتمر أدباء مصر، والذى ينطلق يوم ٢٤ من هذا الشهر، فى المنيا،التى شهدت يوما عمله فى مصانعها، لتحتفى عروس الصعيد بابن من أبناء الصعيد، مبدعا وإنسانا.

مقالات مشابهة

  • اليوم.. الثقافة تطلق ورش "مصر جميلة" لاكتشاف مواهب طلاب بورسعيد
  • عادل حمودة: السندباد رمز لتحرر الإنسان العربي وليس شخصية خيالية
  • الركين
  • تيموثي وياه لاعب يوفنتوس يأمل في تكرار ذكريات والده في مواجهة ميلان بالدوري الإيطالي
  • أيمن يونس: هذه نصيحتي لـ شيكابالا قبل الاعتزال..وجوميز لديه تحديات بالزمالك
  • رفعت عينى للسما
  • لاعب يوفنتوس يحلم بتكرار ذكريات والده أمام ميلان!
  • نقابة المهن الموسيقية تنعي الفنان عادل الفار
  • «جمال الغيطانى»
  • «الغيطانى» حكاء الماضى.. سردية الوجع الإنسانى