الأنبا باخوم يكتب: ميلاد للأخوَّة والسلام
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
نحتفل هذا العام بعيد الميلاد وسط أخبار موت ودمار، حروب وانقسامات، تدهور اقتصادى، ومخاطر جوع لشعوب. أحداث كلها تعبر عن أن إنسان اليوم أصبح عدواً لأخيه الإنسان، مصدر خطر، منه يجب أن نحتمى، ويجب أن نتصدى له. عدنا من جديد لنقطة الصفر؛ أخ يقتل أخاه، شعب يقتل شعباً، وأمة تقوم على أمة.
تصدّعت جدران الأخوَّة، وتشققت أسوار شفقة الإنسان ورحمته تجاه أخيه.
الأخوَّة، التى هى فى الواقع بعداً أساسياً للإنسان، وبدونها يصبح من المستحيل بناء مجتمع عادل وسلام صلب ودائم. بدونها نبنى عالماً تميّزه «اللا مبالاة» التى تجعلنا «نعتاد» ببطء على ألم الآخر وتعلقنا على أنفسنا ومصالحنا. بدون الأخوَّة لا يبقى لنا إلا الصراع. الأخوَّة أو الصراع.
بحسب كل الكتب المقدسة، نرى فى رواية الخلق أن البشر جميعاً أتوا من والدَين مشترَكين، آدم وحواء، اللذين خلقهما الله واللذين وَلدا «قائيين وهابيل».. نقرأ فى قصة هذه «العائلة الأولى» بداية المجتمع وتطور العلاقات بين الأشخاص والشعوب. كان «هابيل» راعى غنم، و«قائيين» يحرث الأرض، لكن هويتهما الأساسية هى أن يكونا أخوين. لكن بقتل «قائيين» لأخيه «هابيل» يرفض دعوة الأخوَّة هذه. ومن ذلك اليوم وحتى الآن وللأبد كل البشرية مدعوة لهذه الأخوَّة. ولكنها تبقى كوعاء خزفى رقيق مهددة دائماً بالإمكانيّة المأساوية لخيانتها.
ويبقى التساؤل مطروحاً: إلى متى؟ هل سيتمكن إنسان اليوم من تلبية دعوة الأخوَّة التى طبعها فينا الله؟ هل سيستطيع الإنسان أن يعود لمخطط الله الأزلى: كلنا إخوة؟ الجواب عن هذا السؤال هو شخصى، وأيضاً مجتمعى. هى إجابة يجب أن يعطيها كل شخص فى واقع حياته، ويعطيها كل مجتمع فى واقع صدماته وصراعاته وتطلعاته. إجابة تتطلب منا عملاً وجهداً وتضحية. مسيرة نبدأها مهما كانت اختلافاتنا وتوجهاتنا، طريق رسمه الخالق فى قلوبنا وعلى عقلنا فهمه وإرادتنا اتباعه. فلا سلام بدون أخوَّة ولا أخوَّة بدون رغبة فيها وقناعة بها. إنها الوسيلة الوحيدة لنحتفظ اليوم بإنسانيتنا.
ويأتى الميلاد إمكانية جديدة لهذه الأخوَّة. فرصة جديدة، بل دعوة إلهية. طفل يجمعنا، ويدعونا أن نعود ونلتف حوله كإخوة. ولادة طفل هى معجزة خلق أبدية، بها يبدأ الله تدخله من جديد فى البشرية، بدون تدخل رجل. طفل منه وليس من قدرة وقوة رجل. به يعود ويؤسس بشرية جديدة. بشرية أساسها الأخوَّة وهدفها السلام. طفل المغارة يواصل المشروع الأولى للإنسان أن يصبح أخاً، أخاً لكل إنسان. مشروع الأخوَّة يقرره الطفل ويتبناه، يرغبه ويحققه، ومعه كلنا إخوة.
بهذه الأخوَّة نبدأ مسيرة سلام. تتحلى بواجب التضامن، بواجب العدالة الاجتماعية، بواجب الحفاظ على البيت المشترك: عالمنا. بالأخوَّة نتغلب على الفقر، ونجد معاً سبلاً اقتصادية جديدة لخدمة الإنسان كل إنسان. بالأخوَّة نطفئ نار الحروب ونهدم جدران الفساد وحصون الجريمة. بالأخوَّة ننجو من حتمية الاقتصار على الواقعية الضرورية للسياسة والاقتصاد ونفتحها على بعد تسامى الإنسان ودعوته ورسالته. فيصبح الاقتصاد وسيلة ليحقق الإنسان ذاته وليس ليحقق فقط مصالح. وتصبح السياسة وسيلة ليحيا الإنسان كإنسان وليس كسيد.
يا طفل المغارة.. تعالَ ووحِّدنا
يا طفل المغارة.. تعالَ وازرع فينا هذه الرغبة: أخوَّة لنكون إخوة
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الكاتدرائية المواطنة البابا تواضروس
إقرأ أيضاً: