يتصاعد التوتر بين مقديشو وأديس أبابا على خلفية توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي تضمن لإثيوبيا الحصول على منفذ بحري وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

وقوبلت المذكرة بغضب شديد من مقديشو التي تعدّ إقليم أرض الصومال الانفصالي ولاية تابعة لها، حيث أعلن الرئيس حسن شيخ محمود في خطابه أمام برلمان بلاده أنه "لن يقبل أن تؤخذ قطعة من أرض البلاد"، معتبرا المذكرة انتهاكا صارخا للقوانين الدولية ولا يمكن تنفيذها بأي حال.

ووقع الرئيس الصومالي على قانون بإلغاء الاتفاقية مشيرا إلى أن هذا القانون هو الموقف الرسمي للصومال، و"رسالة قوية لكل من يريد الغزو البري والبحري والجوي للشعب الصومالي".

كما استدعت الحكومة الصومالية سفيرها لدى أديس أبابا، مؤكدة أنها ستتخذ كل الإجراءات القانونية التي تمكنها من الدفاع عن سيادتها شعبا وأرضا.

وبينما شهدت عاصمة أرض الصومال هرجيسا مسيرات مرحبة بالخطوة المشتركة باعتبارها تقدما نحو نيل الاعتراف بالاستقلال، خرج آلاف الصوماليين في العاصمة مقديشو احتجاجا على المذكرة رافعين لافتات كتب عليها "بحرنا ليس للبيع".

حركة الشباب أعلنت أن أديس أبابا لن تتمكن من الاستيلاء على شبر واحد من المياه الصومالية (الفرنسية) خيارات مقديشو

الموقف الصومالي الصارم طرح العديد من التساؤلات بشأن قدرة مقديشو على قطع طريق تنفيذ المذكرة، إذ يرى مراقبون أن لدى مقديشو خيارات واسعة تمكنها من الضغط على حكومة أرض الصومال.

ويقول الباحث والمحلل السياسي الصومالي محمد أبتدون إن حكومة بلاده تستطيع تجييش الشارع والرأي العام الصومالي في الداخل والخارج، ضد الاتفاقية.

كما أن لديها القدرة -يضيف أبتدون في حديثه للجزيرة نت-على إبرام معاهدة دفاع مشترك مع إحدى الدول الكبرى إقليميا أو دوليا، مما سيؤثر سلبا على الطموح الإثيوبي في الحصول على منفذ عبر السواحل الصومالية.

ويشدد على وجود ورقة التصعيد في يد صانع القرار الصومالي، الذي قد يتجه نحو إعلان القطيعة ووقف التعاون الاقتصادي بين البلدين، مصحوبا بتكثيف الضغط الدبلوماسي على إثيوبيا من خلال الاتجاه إلى المحافل الإقليمية والدولية.

ردود فعل دولية

وعلى إثر توقيع المذكرة صدرت العديد من المواقف عن أطراف إقليمية ودولية، حيث حثت بيانات الاتحاد الأفريقي والأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي والولايات المتحدة وعدد من الدول على احترام وحدة وسيادة وسلامة الصومال.

كما أعربت جامعة الدول العربية عن "تضامنها الكامل" مع الحكومة الصومالية في "رفض وإدانة" مذكرة التفاهم.

كما أعربت الهيئة الحكومية لتنمية شرق أفريقيا (إيغاد) عن القلق العميق بشأن التطورات الأخيرة وتداعياتها على الاستقرار الإقليمي، داعية البلدين العضوين في المجموعة إلى التعاون للوصول إلى حل سلمي وودي.

الصومال المنهك

من جانبه يرى المحلل السياسي المختص في شؤون القرن الأفريقي عبد الرازق كرار أن الصومال يعاني حالة من الضعف الداخلي والإنهاك نتيجة الحرب الأهلية المستمرة منذ عقود، والنشاط المحموم لحركة الشباب، مما يحد بالتالي من خيارات مقديشو.

لكن في الوقت نفسه، فإن مواطني أرض الصومال ليسوا متحدين في الالتفاف حول مشروع الاستقلال، حيث شهد "صول" ثاني أقاليم أرض الصومال مساحةً أحداث عنف طوال الشهور الماضية، وهي ورقة تستطيع مقديشو استخدامها وفقا لكرار.

ويعيش إقليم صول وعاصمته لاسعانود حالة من الاضطراب الأمني منذ أواخر 2022، على خلفية نزاعات بين حكومة أرض الصومال وكبرى عشائر الإقليم، حيث ترفض الأخيرة الانفصال عن الصومال وتسعى لتأسيس كيان خاص بها تابع لمقديشو، مما جوبه برفض قاطع من هرجيسا.

مبدأ سيادة الدول

وعلى المستوى القاري يرى كرار في حديثه للجزيرة نت أن حكومة الرئيس حسن شيخ شريف قادرة على الاستفادة من تمسك منظمة الاتحاد الأفريقي بمبدأ سيادة الدولة القومية واحترام الحدود الموروثة عند الاستقلال، لإحراج إثيوبيا المستضيفة للاتحاد واستقطاب الدعم من داخل القارة السمراء وخارجها.

كما أن التعاون الأمني والعسكري الوثيق بين واشنطن ومقديشو أثمر نتائج ملموسة في كبح جماح حركة الشباب العام المنصرم، مما يوفر الأرضية لحصول الصومال على دعم غربي باعتبار مكافحة الإرهاب أحد أهم المحددات للسياسة الأميركية تجاه المنطقة، مضيفا أن الخطوة الإثيوبية الأخيرة "تمثل قبلة الحياة بالنسبة لحركة الشباب".

وكانت الحركة المذكورة قد أعلنت أن أديس أبابا "لن تتمكن من الاستيلاء على شبر واحد من المياه الصومالية"، داعية الصوماليين إلى "تحرير البلاد" والانخراط في "حرب دينية" ضد إثيوبيا، مما يهدد بدفع الأزمة باتجاه أكثر خطورة.

قانونيا يعتقد عبد الرازق كرار أن إثيوبيا راغبة في توقيع اتفاقية على غرار التي أبرمتها هرجيسا مع موانيء دبي العالمية، لكن أرض الصومال لن تقبل هذه المرة بتوقيع الاتفاق إلا مقابل الاعتراف باستقلالها وسيادتها الكاملة، وهو ما يحمل في طياته مخاطرة لإثيوبيا، لأنه يستلزم منها أولا العمل على حشد مزيد من الاعترافات المماثلة لمنح الاتفاقية حال توقيعها قيمة قانونية دولية.

وهنا تكمن المخاطرة، فلو تعثر الاتفاق فلن تستطيع أديس أبابا التراجع عن الاعتراف، وبالتالي لن يكون أمامها خيار سوى اللجوء للقوة، وهو صعب في الظروف الحالية التي تعيشها.

آبي أحمد (يسار) يرى أن حل مشاكل إثيوبيا يعتمد على حصولها على منفذ بحري (رويترز) الأوراق الإثيوبية

في المقابل تبدو إثيوبيا وأرض الصومال ماضيتين في تطوير مذكرة التفاهم، مما تفسره بعض النخب الإثيوبية بالإشارة إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تكفل للدول الحبيسة حق عقد اتفاقات مع الدول الساحلية للوصول إلى البحر والاستفادة من خدمات الموانئ، وأن منطقة القرن الأفريقي تعج بالقواعد العسكرية الدولية فلم يُحرم ذلك على أديس أبابا؟

ويرى أبتدون أن إثيوبيا تعتمد في موقفها على أن هذه لن تكون الاتفاقية الأولى التي يبرمها إقليم أرض الصومال الانفصالي مع طرف خارجي، فهناك سوابق في هذا المجال مع شركات وهيئات دولية".

وكانت حكومة أرض الصومال وقعت اتفاقيتين مع شركة موانئ دبي العالمية (2016 و2018) لتشغيل مركز تجاري ولوجستي إقليمي يتضمن تطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة في ميناء مدينة بربرة التجارية.

وتحتفظ الشركة الإماراتية بموجب ذلك بحصة تبلغ 51% من المشروع، الذي تم الانتهاء من المرحلة الأولى منه عام 2021 بما يمكّن الميناء من العمل بقدرة تشغيلية تصل إلى 500 ألف حاوية سنويا.

ويرى أبتدون أن سعي رئيس حكومة أرض الصومال موسى بيحي وراء الحصول على الاعتراف بالاستقلال سيدفعه إلى منح إثيوبيا 20 كيلومترا على الشاطئ مقابل نيل هذا الهدف، بغض النظر عن العوائد الاقتصادية.

وهو ما يوافقه فيه عبد الرازق كرار موضحا أن اعتراف دولة تتمتع بثقل قاري ودولي كإثيوبيا يشكل دفعة مهمة لجهود هرجيسا في هذا المجال، وأن ما قد يغري الجانبين بتطوير تفاهماتهما الاستقرار النسبي والنظام الديمقراطي في أرض الصومال مما "جعل العديد من المراكز الأكاديمية والشخصيات تتعاطف مع حق هرجيسا في تقرير مصيرها".

وتبنى رئيس الوزراء آبي أحمد منذ وقت مبكر أطروحة أن حل مشاكل إثيوبيا يعتمد على حصولها على منفذ بحري، وأن هذا مكّنه من استمالة نسبة مقدرة من النخب والجماهير الإثيوبية خلف هذه الفكرة.

مضيفا أن وصول إثيوبيا إلى البحر ليس فكرة حديثة بل إحياء لفكرة ظلت راسخة في العقل الجمعي الإثيوبي.

أزمات قديمة في قوالب جديدة

أثارت مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال حالة من التوتر الشديد في القرن الأفريقي، في حين تداعت العديد من الأطراف الدولية والإقليمية لاحتواء النزاع المتصاعد بين مقديشو وأديس أبابا والحيلولة دون انزلاق المنطقة نحو فوضى أكبر.

فهذه الأزمة الناشئة تضيف المزيد من البارود إلى برميل القرن الأفريقي المتفجر، الذي تعاني دوله من الهشاشة الأمنية والحروب الأهلية ونشاط الحركات المسلحة، في حين أن اندلاع صراع في القرن الأفريقي سيكون كابوسا لكل القوى الدولية المعنية بأمن البحر الأحمر.

ويرى مراقبون أن هذه الأزمة قابلة للتصعيد، خصوصا إذا ارتبطت بمحاولة رئيس الوزراء الإثيوبي تصدير أزماته الداخلية إلى دول الجوار، وإذا لم يتم احتواء التوتر بين مقديشو وأديس أبابا فإنه سيبلغ درجة غير مسبوقة، مصحوبا باصطفافات إقليمية ترفع من كلفة الاعتراف باستقلال إقليم أرض الصومال الانفصالي.

لكن مع كل ماسبق، تبرز دعوات إلى ضرورة أن تتعاطى دول الإقليم بشكل واقعي وموضوعي من أجل معالجة معضلة حاجة إثيوبيا إلى منفذ بحري، في حين أن على الأخيرة التزام الواقعية في مطالبها، كما أن على مقديشو صياغة معادلة مناسبة لحل أزمة إقليم أرض الصومال بدلا من الصراع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القرن الأفریقی أدیس أبابا العدید من منفذ بحری على منفذ

إقرأ أيضاً:

بعد التقدم الميداني… ما خيارات الجيش السوداني؟

أماني الطويل

كاتبة وباحثة مصرية

ملخص
إن الخيارات السياسية للجيش في المرحلة المقبلة هي الأعقد، وربما تكون هذه الخيارات هي المؤشر الحقيقي الذي يمكن أن يبلور اتجاهات المستقبل للسودان من حيث استمرار الاحتقانات السياسية، أو القدرة علي بلورة معادلة استقرار سياسي يسمح بتقدم تنموي

تغيرت الموازين العسكرية الميدانية لمصلحة الجيش السوداني في عمليات متصاعدة بدأت قبل ثلاثة أشهر، وتحققت فعلياً تقديرات قادة الجيش خلال هذا التوقيت في شأن إمكانية تغيير الأوضاع على الأرض لصالحهم على حساب قوات “الدعم السريع”. وأسهم في هذه الحال الجديدة بصورة رئيسة طبيعة الممارسات التي أقدمت عليها قوات “الدعم السريع” على الأرض، إذ اتسع حجم الانتهاكات ضد الأهالي المدنيين، وضُربت البنى التحتية لصيقة الصلة بحياة الناس كالماء والكهرباء حتى ينزحوا من أراضيهم، بما شكله كل ذلك من تهديد لصورة الجيش القومي وتقزيم له.

النتائج المباشرة لهذه الممارسات من جانب قوات “الدعم السريع” والمتضمنة اغتصاب النساء كان التفافاً شعبياً حول الجيش السوداني باعتباره منقذاً، وكذلك قبولاً دولياً وإقليمياً أوسع للجيش وطبيعة أطروحاته، وذلك على رغم العقوبات الأميركية التي أقرت من جانب وزارة الخزانة الأميركية التي حرصت فيها على أن تكون ضد الطرفين المتحاربين بالتوازي حتى وصلت إلى رموز القوتين، الفريق عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو قائد “الدعم السريع”.

لا تفاوض

وفي أجواء النصر هذه يحرص قائد الجيش على الإعلان في كل مدينة يدخلها منتصراً أنه “لا تفاوض”، وأن خياراته متبلورة في اتجاه القضاء على قوات “الدعم السريع”. وهذا الإعلان المتكرر دوماً من جانب الفريق عبدالفتاح البرهان يقود إلى طرح بعض التساؤلات في شأن الخيارات القادمة للجيش على المستويين العسكري والسياسي، ومدى القدرة على تحقيق هذه الخيارات في ضوء معطيات معقدة على المستويين الداخلي والخارجي.

وربما تكون أول هذه الأسئلة هي هل يعني الفريق عبدالفتاح البرهان بمقولته الشهيرة بالقضاء على التمرد قدرة عسكرية وسياسية مثلاً على طرد “الدعم السريع” من إقليم دارفور، الذي يسيطر على كل ولاياته عدا عاصمة شمال دافور الفاشر التي تدور حولها معركة مفصلية؟ وإذا كان هذا الخيار ماثلاً في ذهن البرهان فهل يجد سنداً يتيح له ذلك على المستويين العسكري والسياسي؟

وثانياً هل حرص الجيش السوداني على تحرير مناطق وسط السودان والخرطوم مرتبط بصفقات أو ترتيبات سياسية تمهد لانقسام السودان، بمعنى أن تحوز قوات “الدعم السريع” على إقليم دارفور مقابل أن يكون للجيش سيطرة كاملة على شرق ووسط السودان؟ وأخيراً ما صورة الدولة السودانية إذا ما بات نصر الجيش واقعاً معاشاً؟ أي سيطرة عسكرية مطلقة على المناطق التي سبق أن انسحب منها الجيش، خصوصاً في وسط السودان والخرطوم.

وفي ضوء المعطيات العسكرية والسياسية الراهنة، فإنه من الملاحظ أن مخطط الاعتصام بدارفور قد يكون مكوناً في استراتيجيات “الدعم السريع” أكثر منه موجوداً في استراتيجيات الجيش، وذلك طبقاً لمؤشرين، الأول حال الانسحاب أو الفرار التي مارستها قوات “الدعم” أمام قوات الجيش من المناطق الداخلية في المدن، بينما كان الاحتكاك على المحاور الخارجية بين الطرفين، التي جرى فيها اكتشاف القدرات العسكرية المتقدمة للجيش على “الدعم السريع”. من ثم كانت نتائج المعارك محسومة لصالحه، وذلك بعد دعم قدراته من قوات المشاة، فضلاً عن قدراته الجوية الممثلة في سلاح الطيران.

أما على المستوى السياسي فإن للجيش حلفاء من دارفور يقاتلون إلى جانبه، فضلاً عن جيوب محسوبة لصالحه ومعادية لـ”الدعم السريع” مثل الشيخ موسى هلال عم حميدتي ومؤسس الجنجويد الأول، وذلك فضلاً عن عدم قبول متوقع من جانب عبدالواحد نور وقبيلة الفور لسيطرة حميدتي على إقليم دارفور، وهو ما يرشح الإقليم لصراعات مسلحة في المستقبل القريب.

المؤشر الثاني لإصرار الجيش على عدم ترك دارفور في أيدي “الدعم السريع” هو استبساله ومن معه في معارك الفاشر، وكذلك وجود دعم إقليمي ودولي ممثلاً في السعودية ومصر ومجلس الأمن في فك الحصار عن الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

سيناريوهات محتملة

وطبقاً للمسارات العسكرية سالفة الذكر فإنه من المستبعد أن يتوقف الجيش السوداني على تخوم دارفور، لكنه في تقديرنا سيسعى إلى استعادة حامياته هناك التي فقدها، وربما يكون حسم الأمر في الفاشر لمصلحة الجيش مقدمة تحتمل سيناريوهين.

السيناريو الأول استمرار الجيش في التقدم مدعوماً بقدراته التي تطورت، وحاضنة شعبية آخذة في الاتساع نظراً إلى بزوغ أمل عودة السودانيين إلى بيوتهم، أما السيناريو الثاني فهو بدء مجهودات دولية وإقليمية لبحث مستقبل السودان، وليس فقط فكرة التفاوض مع “الدعم السريع”.

وفي هذا السياق، تقف العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة بايدن قبل أيام من رحيلها على الفريق البرهان كعقبة كؤود بين الطرفين، وهي العقبة التي قد تدفع الرجل نحو الاتجاه إلى روسيا بخطوات أكثر جدية، ومن هنا قد نتوقع من إدارة ترمب تجميداً لهذه العقوبات ربما بشروط انخراط الجيش وقائده في التفاعل مع المعطيات المطروحة أميركياً في شأن وقف الحرب داخل السودان، وحال مستقبله السياسي وكذلك رغبة واشنطن في عدم إفلات السودان من مظلة النفوذ الأميركي خصوصاً والغربي عموماً، لمصلحة المعسكر الشرقي الممثل في روسيا والصين.

وطبقاً لهذا المشهد، فإن الخيارات السياسية للجيش في المرحلة المقبلة هي الأعقد، وربما تكون هذه الخيارات هي المؤشر الحقيقي الذي يمكن أن يبلور اتجاهات المستقبل للسودان من حيث استمرار الاحتقانات السياسية، أو القدرة علي بلورة معادلة استقرار سياسي يسمح بتقدم تنموي.

وغالب الظن أننا أمام السيناريوهات التالية، الأول الاعتماد على الحاضنة الشعبية الموقتة التي تبلورت للجيش تحت مظلة تزايد المطلب الشعبي في ضمان الأمن الإنساني للسودانيين، وعودة النازحين إلى مواطنهم. وطبقاً لذلك يتم الاستمرار في شيطنة كل القوى السياسية السودانية، والانخراط في مشروع يضمن سيطرة مطلقة على السلطة في السودان، مع الإعلان أنها مرحلة انتقالية، وذلك بالتوازي مع هندسة نوع من الموالاة السياسية للجيش معتمدة على قطاعات منزوعة السياسة.

هذا الخيار طرحه الفريق أول عبدالفتاح البرهان، حين قال إن نائبه ياسر العطا يملك مشروعاً يستبعد القوى السياسية القديمة، ويعتمد على الشباب. وهذا التوجه قد يجد داعمين إقلييمين عطفاً على ما أفرزته الحرب السودانية من انقسامات اجتماعية وقبلية من ناحية. وكذلك وجود حال قبول واسعة لفكرة الحاكم الفرد سواء من الجيش أو غيره، دعمتها إقليمياً حالتا كل من لبنان وسوريا، بعد أن دفع المجتمع الدولي في الحال اللبنانية إلى تولي موقع الرئاسة قائد الجيش. أما في سوريا فجرى قبول ترؤس أحمد الشرع للبلاد دون أية شرعية مؤسسة على حوار أو توافق وطني.

والسيناريو الثاني هو إدراك قادة الجيش أن مشروع تقسيم السودان ماثل وبقوة وتدفع إليه شركات عالمية حالياً، تسعى إلى نهب موارد دارفور خصوصاً الذهب والصمغ الغربي، بما لها من وكلاء محليين يدفعون نحو تكوين حكومة منفى بشعارات سياسية رنانة، فيتكرر بذلك مشهد الكونغو في السودان، التي يُنهب منها معدن الكولتان اللازم لبطاريات أجهزة الاتصال والسيارات، وذلك تحت مظلة صراع مسلح.

هذا الإدراك إذا تحقق في ذهنية قادة الجيش السوداني فربما ينحازون إلى خيارات خلق حال توافق وطني واسع، يضمن الحفاظ على التراب الوطني السوداني ويحقق أمنه القومي بعد أن تهدأ المدافع، مما يتطلب من الجيش في المرحلة المقبلة الوقوف على مسافة واحدة من كل المكونات السياسية السودانية، وعدم إعطاء وزن أعلى لهؤلاء الذين شاركوا في العمليات القتالية طمعاً ربما في إعادة سيطرتهم علي مفاصل الدولة السودانية، وكذلك تحجيم حال الاستقطاب السياسي بين الأطراف السودانية بخطط مدروسة، وأيضاً الدفع نحو حوارات متعددة المستويات في شأن مستقبل السودان.

وعليه، فإن دعم فكرة عقد النسخة الثانية من مؤتمر القوى السياسية السودانية بالقاهرة قد تكون خطوة في هذا الاتجاه، وأحسب أن الحوار حول العلاقات المدنية العسكرية في السودان طبقاً لنتائج هذه الحرب خطوة موازية من حيث الأهمية، التي يمكن أن يكون لها مسار منفصل بين خبراء ومتخصصين مستقلين. وإجمالاً يصنع المنتصرون التاريخ، المهم أن يكون هذا التاريخ صناعة لأمن ممتد واستقرار سياسي وصيانة للدولة من تقسيم يبدو مرئياً.

نقلا عن اندبندنت عربية

الوسومأماني الطويل

مقالات مشابهة

  • بعد التقدم الميداني… ما خيارات الجيش السوداني؟
  • أزمة قضائية.. ما خيارات سنة العراق في حال لم يُنفذ العفو العام؟
  • رئيس الوزراء الصومالي يغادر المدينة المنورة
  • رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات يبحث مع نظيره الصومالي تعزيز التعاون المشترك
  • رئيس «المركزي للمحاسبات» يبحث تعزيز التعاون مع رئيس الرقابة المالية الصومالي
  • خيارات فرنسا المرّة للبقاء في أفريقيا
  • أسباب تجهض مخطط ترامب بتهجير سكان غزة.. فيديو
  • ترامب يخطط تهجير سكان غزة إلى 3 مناطق خارجية.. تفاصيل
  • غارة جوية تشعل منطقة القرن الأفريقي.. قذائف طائرة مسيرة تثير الجدل بين جيبوتى وإثيوبيا.. وأديس أبابا تلتزم الصمت
  • خيارات ميسرة للمقيمين في دول الخليج لأداء العمرة