البوابة نيوز:
2024-12-11@23:53:44 GMT

الحوار هو الحل (3)

تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT

ثانيا: حوار الأديان:

في مقالي هذا، أستكمل حديثي عن أهمية الحوار، واتباع آدابه، في بناء الحضارات الإنسانية، وكيف أنه يمثل ضرورة أساسية من ضرورات بناء الأمم وتقدمها. وإذا كنا قد سبق أن توقفنا عند آليات الحوار بين الشباب والكبار، فإننا سنكمل حديثنا اليوم بطبيعة الحوار بين الأديان، وتبيان أنه لا يوجد تعارض شرائعي أو من حيث طبيعة المعاملات المجتمعية، فيما بين الأديان السماوية الثلاثة، فالأديان الثلاثة إنسانية الطابع في المقام الأول.

غني عن القول أن التعاليم السماوية نزلت مرحلية، بحيث يعد كل دين سماوي مرحلة تعبر عن احتياجات البشر ونوازعهم وميولهم وظروفهم الحياتية والعقلية، ومع تغير الظروف والمتطلبات البشرية يأتي دين سماوي آخر ليكمل ما توقف عنده الدين السماوي الأقدم. وهو ما يؤكده سيدنا المسيح بقوله: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل". وعندما نؤكد ذلك فإن هذا لا يلغي فكرة وجود الثوابت الدينية التي حثت عليها الأديان السماوية الثلاثة؛ نظرًا إلى وحدة المصدر السماوي. وما حدث بين الأديان السماوية الثلاثة من تكامل، حدث داخل كل دين على حدة. على نحو ما نجد ذلك في الدين الإسلامي- على سبيل المثال- من خلال علم الناسخ والمنسوخ، كما في قوله تعالى: "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (سورة البقرة آية 106). فالدين السماوي دائما ما يجاري متغيرات الحياة ومتطلباتها، من خلال نصوصه المقدسة. إذًا العلاقة بين الأديان تكاملية، وليست أفضلية. فهي علاقة تقوم على الاحترام وليس التصارع أو التعارض. ومصر دوما كانت نموذجا يُحتذى في تلقي الأديان السماوية، وفي تسامحها وتعايشها. ربما تكون مصر هي الدولة الوحيدة التي التقى على أرضها جميع الأديان السماوية، وتعايشت جنبا إلى جنب، المعابد اليهودية والكنائس المسيحية والمساجد الإسلامية. ولقد تعايش أبناء الديانات السماوية الثلاثة في سلام وأمان وأمن اجتماعي طوال تاريخهم. وربما تكون مصر من الدول القليلة التي لم يأخذ استقبالها لأي دين سماوي في بداياته شكل التصارع والتقاتل، بل استقبلته بدافع احتياجها المرحلي لهذا الدين في تعاليمه ومبادئه. هكذا عاشت في مصر الأديان السماوية ولا تزال، ولم يكدر صفو هذه العلاقة المتسامحة والمتعايشة منغصات الحياة اليومية، التي كان المصريون يتعايشون معها. لم يكن في يوم من الأيام ليتصاعد الخلاف بين مصري مسيحي ومصري يهودي، أو مصري مسلم مع أي منهما، ليصل إلى حد وصفه بالصراع الديني، وإنما كان مجرد مشكلة اجتماعية حياتية، قد تحدث بين أبناء الدين الواحد، ولذلك كان سرعان ما يتم رأب صدع هذه الخلافات الاجتماعية الحياتية البسيطة. 

غير أنه لما جرت في البحر رياح التغيير السياسي، والتطرف الفكري، لم يعد ما كان يحدث ليمر مرور الكرام، وإنما أصبحت مثل هذه الخلافات الحياتية يتم توظيفها سياسيا. ولكي أدلل على ذلك يمكن معرفة مدى التغيير المجتمعي الذي ألم بالعالم العربي، وليس مصر وحدها، بعد وعد بلفور عام 1917، ثم تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، التي تأتي تحقيقا لما نادت به الحركة الصهيونية، هذه الحركة التي كانت سببا رئيسيا في تكدير حالة الصفاء الاجتماعي في كل أنحاء العالم العربي. ففي مصر كان اليهودي يعيش في سلام وتسامح اجتماعي وإنساني مع سائر المصريين. كان يمارس حياته اليومية، وطقوسه الدينية في أمان بلا أي تكدير. كان اليهود ماهرين في التجارة، فمارسوا تجارتهم في حرية وسماحة. ومارسوا الطب، وتخصصوا في بعض الحرف الاجتماعية المهمة، دون أن يضايقهم أحد، بل مارسوا حقوقهم في تولي المناصب الرفيعة، فمنهم الوزير يعقوب بن كلس الذي تقلد منصب الوزير في عصر الدولة الفاطمية، التي أعلت من شأن اليهود، على نحو يشهد تسامحية مصر وشعبها وسياستها، وهو حق كان اليهود أنفسهم محرومين من الحصول عليه في الغرب (الديمقراطي!) حتى منتصف القرن العشرين تقريبا. ثم جاءت الحركة الصهيونية، فغيرت المزاج المجتمعي، وتغيرت معها هذه الصورة المتناغمة اجتماعيا بعض الشيء. وشعبيا نستطيع أن نلمس هذه الصورة المتعايشة بين أبناء الديانات الثلاثة في حكايات وسير وأغانٍ وأمثال شعبية كثيرة، وهو ما سنتوقف عنده في مقالنا القادم بإذن الله.  

* أستاذ الأدب الشعبي بكلية الآداب، جامعة القاهرة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أهمية الحوار حوار الأديان الأدیان السماویة بین الأدیان

إقرأ أيضاً:

واشنطن تدعو لدعم الحل السياسي بسوريا وتبحث انسحاب قسد من منبج

أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، أن الولايات المتحدة تريد التأكد من حصول الشعب السوري على حق تقرير مستقبله.

وأضاف كيربي، أن: "الإدارة الأمريكية تراقب التطورات في سوريا عن كثب، وفريق الأمن القومي يبقي الرئيس جو بايدن على علم تام بالتطورات". موضحا أنّ: "الولايات المتحدة على اتصال وثيق مع تركيا بشأن انسحاب "قوات سوريا الديمقراطية" من منبج في شمال سوريا".

وأكد البيت الأبيض أن الولايات المتحدة لديها القدرة على التواصل مع جماعات المعارضة السورية وسوف تواصل ذلك. كما أوضح أن واشنطن تضغط بأقصى درجة للحصول على معلومات حول الأمريكي المعتقل في سوريا، أوستن تايس.


وفي السياق نفسه، أشار جون كيربي أنّ: "الولايات المتحدة تجري اتصالات منتظمة مع الجانب الإسرائيلي لمتابعة تطور الأحداث في سوريا"، فيما أكد دعم واشنطن لتنفيذ اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 بين الاحتلال الإسرائيلي وسوريا، بما يسهم في تحقيق الاستقرار على الحدود.

ويذكر أن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن٬ قال إنّ: "الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل سوريا"، داعياً جميع الدول إلى: دعم عملية جامعة وشفافة والامتناع عن أي تدخل خارجي.

وشدد بلينكن على أن واشنطن ستعترف وتدعم بالكامل الحكومة السورية المستقبلية التي ستنبثق عن هذه العملية، مضيفاً أن عملية الانتقال في سوريا يجب أن تتسم بالمصداقية، والشمول، وعدم الطائفية.

وسيطرت فصائل المعارضة السورية، فجر الأحد الماضي، على العاصمة دمشق بعد انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، منهية بذلك 61 عامًا من حكم حزب البعث و53 عامًا من سيطرة عائلة الأسد.


وكانت المواجهات قد اندلعت بين قوات النظام المخلوع والمعارضة منذ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بدءًا من محافظتي حلب وإدلب، اللتين سيطرت عليهما المعارضة، قبل أن تمتد إلى مدن حماة ودرعا والسويداء وحمص، وصولًا إلى دمشق.

في سياق آخر، يواصل الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية في غزة بدعم أمريكي، متسببة في إبادة جماعية، إذ تجاوز عدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين 150 ألفًا، غالبيتهم من النساء والأطفال. إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، وذلك في ظل دمار واسع ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال وكبار السن، ما يفاقم من الكارثة الإنسانية في القطاع.

مقالات مشابهة

  • البابا فرانسيس يدعو للاحترام المتبادل بين الأديان في سوريا
  • برلمان العراق.. الانتخابات تفكك كلمة السر لسلة القوانين الثلاثة الجدلية
  • حكام سوريا الجدد يتعهدون باحترام حقوق "كافة الأديان"
  • هل الخضروات ضارة لبعض الأشخاص؟ اكتشف الحقيقة!
  • واشنطن تدعو لدعم الحل السياسي بسوريا وتبحث انسحاب قسد من منبج
  • بتحالف ثلاثي.. المغرب ينظم كأس العالم 2030
  • العراق وقطر يؤكدان على الحل السياسي للأزمة السورية
  • وزير الخارجية:الحل السياسي الطريق الأمثل لإنهاء الأزمة السورية
  • تأثير التوتر على البشرة| اليوجا الحل الأمثل
  • الرئيس الكونغولي يدعو إلى وضع خطة طوارئ للأشهر الثلاثة المقبلة