ما الذي قتل الارتباط بين الولايات المتحدة والصين؟
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
عندما التقى الرئيسان الصيني شي جين بينج والأمريكي جو بايدن في الخريف الماضي، فسّر بعض المراقبين ذلك على أنه عودة إلى المشاركة والارتباط. الواقع أن اللقاء لم يؤذِن إلا بانفراجة بسيطة، وليس بتغيير كبير في السياسة.
بدأ ارتباط الولايات المتحدة بجمهورية الصين الشعبية مع ريتشارد نيكسون في عام 1972، ثم توسع في عهد بِل كلينتون.
وقد زعم عدد كبير من الخبراء أن المواطنين الصينيين كانوا يتمتعون في ذلك الوقت بقدر من الحرية الشخصية أكبر من أي وقت مضى في تاريخ الصين. قبل توليهما منصبيهما، أشار كل من مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومنسق البيت الأبيض لشؤون آسيا كيرت كامبل -وهما المسؤولان البارزان في إدارة بايدن فيما يتصل بالسياسة الآسيوية- إلى أن «الخطأ الأساسي في سياسة الارتباط كان الافتراض بأنها كفيلة بإحداث تغيرات جوهرية في نظام الصين السياسي واقتصادها وسياستها الخارجية». في مجمل الأمر، كانا على حق بشأن العجز عن فرض تغييرات جوهرية في الصين. لكن هذا لا يعني عدم حدوث أي تغيرات. على العكس من ذلك، خضعت السياسة الخارجية الصينية فيما يتصل بقضايا رئيسية مثل منع الانتشار النووي والعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة ضد إيران وكوريا الشمالية لمراجعات ملحوظة. علاوة على ذلك، أشار مراقبو الصين إلى إشارات أخرى مثل زيادة حرية السفر، وزيادات في الاتصالات الأجنبية، ونطاق أوسع من وجهات النظر المنشورة، وظهور المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان.
عندما كنت أخدم في إدارة كلينتون، قلت للكونجرس (وأنا أقتبس هنا من تعليق لاحق): «إذا تعاملنا مع الصين باعتبارها عدوا، فإننا بذلك نضمن عدوا في المستقبل. وإذا تعاملنا مع الصين كصديق، فلن نتمكن من ضمان الصداقة، ولكن بوسعنا على الأقل أن نبقي الباب مفتوحا أمام إمكانية التوصل إلى نتائج أكثر اعتدالا». وقد ردد وزير الخارجية الأمريكي كولن باول هذه النقطة في عام 2001، فقال للكونجرس «إن الصين ليست عدوا، والتحدي الذي يواجهنا هو الإبقاء على الوضع على هذه الحال».
بالنظر إلى أحداث الماضي الآن، ما زلت أعتقد أن الارتباط كان واقعيا، وإن كنت أقر بالذنب بأن توقعاتي فيما يتصل بالسلوك الصيني كانت أعلى مما رأيناه من شي جين بينج. وبينما يعتبر بعض الصينيين دونالد ترامب مسؤولا عن قتل الارتباط، فإنه كان أشبه بصبي يصب الزيت على نار أشعلتها الصين. يقودنا هذا إلى شي جين بينج، الذي تولى السلطة في أواخر عام 2012 وسرعان ما عمل على قمع التحرير السياسي، في حين حاول الإبقاء على انفتاح السوق. وفي السنوات الأخيرة، تحول إلى زيادة الدعم للشركات المملوكة للدولة وتشديد الضوابط المفروضة على الشركات الخاصة، وأبلغ المسؤولين الأمريكيين أنه يريد «نموذجا جديدا للعلاقات بين القوى العظمى» يؤكد على الشراكة المتكافئة. من ناحية أخرى، أصدر أوامره لكبار قادة جيش التحرير الشعبي بالاستعداد للصراع؛ لأن الغرب لن يقبل أبدا صعود الصين السلمي. في حين أدى كل من ترامب وشي جين بينج دورا مهما في القطيعة الصينية الأمريكية، فإن موت الارتباط يمتد إلى جذور أشد عمقا. فمنذ أواخر سبعينيات القرن العشرين، استخدم دنج شياو بينج إصلاحات السوق لانتشال الصين من براثن الفقر، في حين حافظ على سياسة خارجية متواضعة تقوم على النصيحة الشهيرة: «أخف قوتك وتحين الفرصة». ولكن في عهد هيو جين تاو، رأت النخب الصينية في الأزمة المالية العالمية عام 2008 (التي بدأت في وول ستريت) علامة على الانحدار الأمريكي، وبالتالي تجاهلت سياسة دنج الخارجية.
برغم أن الصين استفادت من النظام الاقتصادي الدولي الليبرالي، فإن قادتها الآن يريدون المزيد. ولم يكتفوا باستخدام إعانات الدعم الحكومية التي شوهت التجارة الدولية؛ بل شاركوا أيضا في سرقة الملكية الفكرية عبر الإنترنت على نطاق واسع. وفي بحر الصين الجنوبي، تجاوزت الصين الحدود القانونية بإفراط عندما أنشأت جزرا اصطناعية. في عام 2015، أخبر شي الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه لن يضفي الطابع العسكري على الجزر، لكنه مضى قدما وفعل ذلك. وفي عام 2016، عندما قضت المحكمة الدولية لقانون البحار ضد مطالبات الصين في دعوى قضائية أقامتها الفلبين، تجاهلت الصين الحكم. بدأت الصين تتصرف وكأنها قوة عظمى، لكن تصرفاتها أنتجت ردود أفعال، وخاصة من جانب أمريكا، حيث تعزز الشعور بالمرارة بفِعل خسارة الوظائف لصالح الواردات الصينية. واستجاب الناخبون في المناطق المتضررة بسهولة لنزعة ترامب الشعبوية وسياساته القائمة على تدابير الحماية في عام 2016.
على هذا، من الممكن أن نؤرخ رمق الارتباط الأخير في عام 2015، عندما تعاونت الصين والولايات المتحدة في دعم اتفاق باريس للمناخ. وفي حين عقد شي وأوباما أيضا قمة واتفقا على عدم استخدام التجسس السيبراني لأغراض تجارية، فقد أصبح هذا التفاهم حبرا على ورق عندما تولى ترامب منصبه في عام 2017. في كل الأحوال، كانت خيبة الأمل بدأت بالفعل، وتوفي الارتباط فعليا بحلول عام 2016. في العصر الحاضر الذي يتّسم بالمنافسة بين القوى العظمى، حلت «المنافسة الموجهة» و«التعايش التنافسي» محل الارتباط. فليرقد في سلام.
جوزيف ناي أستاذ في جامعة هارفارد ومساعد سابق لوزير الدفاع الأمريكي، وهو مؤلف كتاب «هل الأخلاق مهمة؟: الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين روزفلت إلى ترامب».
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: شی جین بینج فی حین فی عام
إقرأ أيضاً:
معتز الخصوصي يكتب : عندما يدافع المحتل عن المحتل
لست مندهشا من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن ، خاصة وأنها صادره من رئيس أكبر دولة في العالم وهي الولايات المتحدة ، والتي احتلت أمريكا الموطن الأصلي للهنود الحمر ، فلا يجب أن نندهش من الدعم المستميت من جانب الولايات المتحدة لإسرائيل.
الولايات المتحدة التي أبادت الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين وأصحاب الأرض ، تريد الآن بالتعاون مع إسرائيل أن تبيد الفلسطينيين في قطاع غزة وهم سكان الأرض الأصليين ، فلماذا نندهش عندما يدافع المحتل عن المحتل لكي يطرد صاحب الأرض من أرضه.
ربما مع الإعلان عن تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776 لم تكن هناك من التكنولوجيا الحديثة في ذلك الوقت التي ترصد سجل جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها أمريكا ضد الهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا ، إلا أن التاريخ لن يغفل جرائم أمريكا في حق الإنسانية بعد قيامهم بجريمة التطهير العرقي للهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا.
ولعل الموقف الدولي من تصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين كان الأقوى من نوعه بعد توحد دول الاتحاد الأوروبي ضد ترامب نتيجة قراراته الأخيرة بشأن فرض رسوم جمركية على عدد من الدول الأوروبية ، الأمر الذى أدي إلى دخوله في صدام مع عدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي ، هذا بالإضافة إلى رفض عدد من الدول الأوروبية تصريحات ترامب الأخيرة بشأن تهجير الفلسطيين ورفضهم التام لخروج الفلسطينيين من أرضهم ، في ظل حالة الصمت الدولي التي كان عليها العالم حينما كانت ترتكب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة من جانب جيش الإحتلال الإسرائيلي.
ولايجب أن نغفل أيضا موقف الأمم المتحدة من تصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين ، حينما أكد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، أن أي نقل قسري أو ترحيل للأشخاص من أراضٍ محتلة محظور تماماً، مع تأكيده على ضرورة إعادة إعمار غزة ، وهذا يؤكد أن هناك اتفاق دولي على رفض كل المخططات الشيطانية من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن تهجير الفلسطينيين ، بحجة إعادة تعمير غزة ، ولكن الواقع هو تحويل غزة إلى مستوطنات إسرائيلية.
ولربما موقف الدول العربية كان موحد وقوي بعد تصريحات الرئيس السيسي التي أكد فيها مرارا وتكرار في أكثر من مؤتمر على رفض مصر مخطط تهجير الفلسطينيين ، لأن ذلك سيكون بمثابة إعلان تصفية القضية الفلسطينية ، ونفس الموقف بالنسبة للجانب الأدرني الذي رفض تصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ، ونفس الحال بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي أصدرت بيان في منتهي القوة ضد تصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين ، بعد ما أعلنت رفضها التهجير وأنها لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ولعل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولقاءه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت بمثابة الضوء الأخضر من جانب الولايات المتحدة لإخلاء قطاع غزة من سكانه الأصليين لتحقيق مخطط إسرائيل بتعميره ، ولكن بهدف إقامة مستوطنات إسرائيلية ، والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي ، وهو هدف إسرائيل القادم للتوسع في كيانها المحتل ، بالإضافة إلى ما أعلن عنه ترامب خلال المؤتمر الصحفي عن إمكانية ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل على أعتبار أنها دولة صغيرة لاحول لها ولاقوة ، وهو الهدف الخبيث الذي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقه مع إسرائيل لتنفيذ مخطط تهجير أهالي الضفة الغربية إلى الأردن ، للتوسع في بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية.
لاشك أن الأيام القادمة ستكون هي الأصعب على الشرق الأوسط بأكلمه ، في ظل إصرار الولايات المتحدة على اللعب بالنار مع إسرائيل لتحقيق كل مخططاتهم الشيطانية للقضاء على القضية الفلسطينية ، وعدم التوصل إلى حل عادل وشامل بشأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف على حدود عام 1967.
والكرة الآن في ملعب الدول العربية للتوحد في جبهة واحدة لمواجهة أي تهديدات تواجه الأمن القومي العربي ، في ظل الصراعات والتهديدات التي تواجه المنطقة العربية بأكملها ، ولن تكون أفضل من هذه فرصة لإعادة توحيد الصف العربي من جديد من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية التي لن تموت شاء من شاء وأبى من أبى ، لأنها في قلب كل مواطن عربي ، وحتما سيعود الفلسطينيين إلى أرضهم وستتحرر فلسطين والمسجد الأقصى الشريف.