11 يناير.. والطموح الكبير
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
د. أحمد بن علي العمري
في الحادي عشر من يناير المجيد، يكمل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- قائد النهضة المتجددة وربان رؤية "عُمان 2040"، السنة الرابعة منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد.
إنها مدة قصيره للغاية في عُمر الدول والشعوب، لكن تحقق فيها الكثير جدًا، فبعد إعادة هيكلة وتنظيم الجهاز الإداري للدولة ودمج الاختصاصات المتشابهة في بوتقة واحدة، إلى تعزيز التوازن المالي، ثم سداد جزء كبير من الديون، وبعدها إطلاق منظومة الحماية الاجتماعية، وما صاحب ذلك من قوانين ونظم مُسيِّرة ومُيسِّرة لأمور العباد، وفوق كل ذلك التنظيم والتخطيط الاستراتيجي المنظم والمحكم الذي لا يجعل البلاد تخطو خطوة إلّا بعد ضمان سلامتها وإمكانية تحقيق المرجو من أهدافها، فإننا- ولله الحمد- نعمل بالنظام الاستراتيجي المدروس الذي بني على أسس ومعايير دقيقة وواقعية ومنطقية ومضبوطة ومتقنة.
إن الخير آتٍ والمُبشِّرات مُفرحة والنظرة المستقبلية آمنة ومطمئنة.. المهم أن نتكاتف جميعًا كشعب، ونتوحد خلف قيادتنا ونساهم- كل في مجاله، بما يستطيع، وأن ننبذ أي خلاف وأن نكون كما كُنا ولم نزل وسنبقى بإذن الله تعالى.
علينا ألّا نستورد الأفكار الغريبة القادمة من الخارج، وألا نسمع للمروجين لها، ونحمد الله أن قيادتنا ثابتة على مبادئها وقيمها التي لا تتزحزح ولا تتغير، وقد أكد ذلك جلالة السلطان المفدى- نصره الله- في خطاب توليه مقاليد الحكم، ودائما وأبدأ يؤكد على ذلك، والدليل موقف سلطنة عمان الثابت القوي مما يحدث في غزة
إننا نحمد الله الذي حبانا بهذا القائد الفذ؛ ليكون خير خلف لخير سلف السلطان المؤسس قابوس بن سعيد طيب الله ثراه.
حفظ الله عمان وسلطانها وشعبها وكل مقيم على أرضها.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أعظم سلاطين الشرق
محمد رامس الرواس
عندما كنت أقرأ فيما كتبه المورخون والرحّالة الغربيون عن السيد سعيد بن سلطان- طيب الله ثراه- شعرت وكأنني أقرأ سيرة السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- فلا غرابة؛ فهو جده الرابع، وبلا شك تناسلت الجينات الوراثية في سلطان آخر بسماتٍ خاصة مرة أخرى في الدولة البوسعيدية.
والسلطان قابوس بن سعيد، حظي بشبهٍ عظيم مع جده في الخصال والسمات والصفات والطباع والأخلاق والمشاعر والمعاني العظيمة؛ منها الحزم والعزم، والتصميم على الإنجاز لصالح الشعب، إلى جانب العديد من الصفات التي جمعتهما وأولها السلوك المُستقيم، وحبهما الدائم للعدالة والرأفة التي اشتهرا بها، مع الالتزام بالأخلاقيات الإسلامية الحميدة، وتمتعهما بالمهابة التي كانا يتصف بها كلاهما، ومعاملة الرعية برفق، مع الصرامة في تنفيذ القوانين المُنظِّمة للدولة.
وهناك العديد أيضًا من الخصائل والصفات تجمع بينهما، ومنها: إخلاصهما الشديد لشعبهما، وعدم مُحاباتهما للقريب على حساب الرعية، فقد كانا- طيب الله ثراهما- نموذجين لسلاطين عُمان الأمجاد، اللذين تجمعت فيهما صفات البسالة والشجاعة والعدالة والتسامح؛ فهما عنوانان في التسامح العقائدي مع الآخر، هذا بجانب أن كلاهما كان يتمتع بثقافة الملاحظة الدقيقة والفاحصة في معالجة معاملات أمور الدولة، ولقد كانا قريبين جدًا من الناس؛ حيث يستطيع أي شخص أن يقترب منهما ويتحدث إليهما، وهو نهج استمر طويلًا؛ مما غرس وثبَّت محبتهما في قلوب الرعية. وكان خطابهما يتسم بالصدق الحقيقي، بجانب أن خطبهما لم تكن متكلِّفة بل مباشرة وتلج إلى القلوب والعقول، ولن يفوتنا هنا أن نذكر سعيهما الدائم والمستمر لصناعة السلام، والمضي على نهج الوئام.
أما من ناحية البر والإحسان، فقد كان كلاهما يزوران والدتهما بصفة مستمرة مع تميزهما باللطف وحسن المعاملة مع الآخر، وأقصى درجات الرأفة والنزاهة مع من حولهما، مع اهتمامهما الشديد بمصالح الناس والرعاية واحترامهما لهما مما عزز مكانتهما. واتصف السلطان سعيد والسلطان قابوس بالسخاء والشجاعة الشخصية؛ وكانا يتسمان بالوقار ويمتعان بحب فائق بين الناس، ولقد تحلّى كلاهما بأخلاق سامية، بجانب التشابه الكبير في ملامح الوجه، خاصة اللحية البيضاء المشتبكة مع الشارب، والعينين الرماديتين.
وجاء في كتابات الأوربيين ممن عاصروا السلطان سعيد أنه كان يتمتع بتلك الكف الدافئة التي تحمل الكثير من الود والاحترام لمن يصافحها، وعن نفسي لا أزال أذكر تلك المُصافحة التي تشرفتُ بها، عندما مَدَدتُ يدي للسلطان قابوس- طيب الله ثراه- بصلالة بعد انتهاء صلاة عيد الأضحى المُبارك بحي الشاطئ، فلمستُ تلك اليد الدافئة التي تحدَّث عنها أحد الأوروبيين الذي روى لنا دفء يد السلطان سعيد كذلك.
كان كلاهما يتمتع بتلك الخطوات الثابتة المرنة، فلقد ذكر لنا المؤرخون كثيرًا من الصفات التي كان يتمتع بها السلطان سعيد وشاهدناها بأنفسنا في السلطان قابوس، وعلى رأسها الإطلالة البهية والكرم ورقة الطباع، وكان يتسم بالهدوء الكامل والابتسامة الناعمة والروح الفياضة والطباع اللطيفة والمعشر الجميل. وكان ذلك دلالة واضحة على مكنون شخصيتهما من سمو المشاعر الإنسانية العظيمة والخصال الطيبة النادرة.. إنهما من جيل السلاطين النجباء في التاريخ الذين يجعلون الأقوياء يقدرونهم ويحترمونهم وينظرون إليهم بعين الاعتبار.
لن يفوتني قبل الختام، أن أذكر مدى اهتمامهما بالشأن العسكري وخاصة البحرية العُمانية، وبالعلاقات الدبلوماسية التي كان السلطان سعيد والسلطان قابوس قد أسَّساها مع دول العالم شرقًا وغربًا. ونذكر هنا رحلة السفينة "سلطانة" إلى نيويورك عام 1840؛ وهي واحدة من أهم الرحلات التي وُثِّقَت تاريخيًا؛ كونها أول علاقات دولة عربية مع الولايات المتحدة الأمريكية في الجوانب الدبلوماسية والتجارية، ولقد استمرت هذه العلاقات لعقود طويلة، ومع تولي السلطان قابوس الحكم ازدادت هذه العلاقات توثيقًا؛ إذ مد- رحمه الله- يدَ الصداقة مع زعماء العالم كافة، وعلى رأسهم رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، الذين كانوا يُكِنُون الكثير من الاحترام والتقدير للسلطان قابوس؛ كونه رجل سلام وذا رؤية ثاقبة في الأحداث الدولية والعلاقات الخارجية.
ختامًا.. يُمكننا القول إنَّ العظماء أناس تجمعهم صفات كثيرة، تكون مُتشابهة لدرجة كبيرة، ولن أنسى قبل أختم مقالتي هذه أن أذكُر هنا أنَّ فترة حكمهما اتسمت بطول الفترة الزمنية، فقد قُدِّرَت فترة حكم السلطان سعيد بخمسين عامًا تقريبًا، وكذلك فترة حُكم السلطان قابوس بن سعيد.
رابط مختصر