حمد الحضرمي **
إنَّ سر السعادة في الدنيا والآخرة هو تعلق القلب بالله، وفي حبه وخوفه ورجائه، وإن وجه الإنسان وجهه لله وحده، فإن مرحلة الأحزان والآلام والوساوس والهموم التي تمر عليه في حياته ستنتهي، وبدون معرفتنا وإيماننًا ويقيننا بالله، سنعيش كأننا في صحراء قاحلة، لا نعلم إلى أين ذاهبون، تائهون بين رمالها ولهيبها.
وإذا حاصرتنا أفكار مزعجة لتجعلنا خائفين جبناء، علينا مواجهتها بالصبر والإيمان للتغلب عليها، وإذا أصابتنا هواجس الأمراض العضوية أو النفسية لنكون مرضى، فلا نستسلم لها وعلينا محاربتها بكل قوة وثقة وعزيمة ويقين بالله. إن سعادة الإنسان أو تعاسته، أو قلقه أو سكينته تنبع من نفسه، فهو الذي يعطي الحياة لونها البهيج أو الكئيب، فالإنسان يستطيع جلب المشاكل والأمراض لنفسه، كما أنه يستطيع حل المشاكل ومعالجة الأمراض، فمن يفكر بالسلبيات سيجلب لنفسه التعاسة والشقاء، والذي يفكر بالإيجابيات فإنه سيجلب لنفسه السعادة والسرور.
وما يحققه الإنسان هو النتيجة المباشرة لتفكيره، فالإنسان يمكنه أن يرتقي وينجز عن طريق الارتقاء بتفكيرة ليكون سعيدًا، ويمكنه أن يبقى ضعيفًا وراضيًا بالضعف والتعاسة ليكون تعيسًا، وحتى يعيش الإنسان سعيدًا في حياته عليه أولًا: إصلاح نفسه من الداخل حتى تكون نفسه طاهرة نقية من كل الأحقاد والكراهية، يقول الله تعالى: " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم" (الرعد: 11) وبإستطاعة الإنسان تغير أية عادة سلبية في حياته بأخرى إيجابية لتضيف لحياته القوة والأمل والسرور التي يبحث عنها ليعيش في حياته سعيدًا ويستمتع بها.
ومن دواعي السعادة أيضًا أداء صلاة الفجر في المسجد مع الجماعة، فتكون من بداية اليوم وأنت في ذمة الله، واحرص على استقبال يومك بالابتسامة ليكون يومك سعيدًا وردد بيقين "اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك فلك الحمد ولك الشكر". هنا ستشعر بالسعادة وببهجة الحياة الطيبة، وعش يومك الذي أنت فيه، وإياك أن تعيش بين حزن قاتل على الماضي، وأمل كاذب بالآتي، لأنك حينئذٍ ستضيع فرصة الحاضر، وعليك لتكون ناجحا سعيدًا في حياتك أن لا تستغرق في أحلام اليقظة، فأستغل وقتك ويومك بإنجاز أعمال تحقق لك الهدف الذي تسعى لتحقيقه، وكن على يقين بأن أهدافك مهما كانت بعيدة المنال يمكن تحقيقها بالاقتراب إليها خطوة واحدة في كل يوم، فمشوار الألف ميل يبدأ بالخطوة الأولى.
احرص على أن يكون لك خطة عمل واضحة حتى تنجز أعمالك وتحقق أهدافك فيصبح لحياتك معنى وقيمة، فالناجحون في الحياة لم يحققوا ما وصلوا إليه من نجاحات إلا بالتخطيط السليم والتنفيذ الدقيق بإصرار وعزيمة، ولا تحزن على الماضي ولا تخف من المستقبل، ودع عنك الهموم والتفكير في رزق اليوم والغد لأنه بيد الله، فما عليك إلا التوكل على الله وارمِ همومك ومتاعبك خلف ظهرك، وكن على يقين بأن الله سيهديك ويحميك ويرزقك ويرضيك لتعيش سعيدًا في حياتك مرتاح البال، وعليك أن تكون من أصحاب العقول النيرة والقلوب المؤمنة، التي تحاسب نفسها في كل صغيرة وكبيرة.
ومن طرق السعادة وتجنب الأمراض العضوية والنفسية التمتع بالحياة الاجتماعية بعيدًا عن الرسميات والمجاملات، وإذا ابتهجت فاضحك دون حرج، وإذا أصابك حزن فابكي بلا حياء، وإذا وقعت بهم وغم ففضفض لمن تستريح له، واهزم همومك وغمومك بإخراجها من داخلك، وطهر قلبك من البغضاء والكراهية للذين في خلاف معك، ولا تنتقم ممن أخطأ في حقك، وعش حياتك ببساطة دون تصنع وتكليف، ولا تفكر في المستقبل على حساب حاضرك، وعليك بالتوازن في كل الأمور لتعيش في سعادة.
إن الناظر والمتأمل والمراقب للأطفال في البيوت أو في المدارس أو في الأندية يكتشف بأن الأطفال سعداء، لأنهم يعبرون عن مشاعرهم بتلقائية دون تكلف، فالطفل إذا فرح يضحك في أي مكان بصوت عالٍ، وإذا تألم في أي وقت يبكي بصوت مرتفع، وإذا أحب إنسان ابتسم له، وإذا كره إنسان عبس في وجهه، لا يعرف الخداع والتضليل والمجاملة ولا يفكر في المصالح الشخصية، وزعله لا يطيل وكره للغير مؤقت ربما لا يستغرق دقائق، لذلك الأطفال سعداء لأن قلوبهم بيضاء نقية. فمتى يكون الناس في علاقاتهم بالآخرين، كمعاملة الأطفال لبعضهم البعض؟ وعلينا أن نفتح قلوبنا لمن هم من حولنا- من الأزواج والأولاد والأصدقاء- ونسمع همومهم ونجواهم ونقف بجانبهم ونساعدهم.
فكيف تكون سعيدُا وأنت ذو قلب قاسي ونفس مريضة لا تتعامل مع الناس بتواضع وتعامل أسرتك بقسوة وأولادك بغلضة، وبينك وبين أسرتك خلافات ومشاكل، وتعامل الناس بتعالي وتكبر، وتحب السيطرة على كل شيء، ومن صفاتك المذمومة الطمع والجشع والظلم والغدر والخيانة والمكر والكيد والطغيان والحقد والحسد والعدوان، فكيف بهذه الصفات وعلى هذه الحالة ستكون من السعداء، وتعيش في سعادة!
أيها القراء الكرام، لمن يبحث عن السعادة، السعادة هي بين يديك، لا تبحث عنها بعيداً، ما عليك هو فقط شكر الله على نعمه التي لا تحصى ولا تعد، والرضا بما قسمه الله لك، وإذا منيت بشيء من الفشل، أو انتابك الشعور بخيبة الأمل، فاعلم أنك أنت مصدر ذلك كله، وأنك ينقصك بعض من الإمكانيات والقدرات اللازمة لتحقق النجاح والسعادة في حياتك مع أسرتك ومع من حولك، والإنسان في أماكن كثيرة يعيش في صحة وعافية وأمن وأمان وسلام، وغيره محروم من كل شيء، وعلينا جميعًأ حمد الله على نعمائه وشكره والثناء عليه، وأن نكون دائمًا مع الله ونثق به ونتوكل عليه، فإنه لن يتركنا أبدًا.
وعلينا فعل الخير مع الجميع، وأن نجعل كل ذلك لوجه الله، وسوف يلطف بنا الله برحمته، ويجبر كسر قلوبنا، ويجعل السعادة والسرور تدخل علينا من كل باب. إن الحياة هِبة الله تعالى للإنسان، فلا تعكر حياتك وحياة أسرتك وحياة الآخرين بالمشاكل والخلافات، ولا تنافق، ولا تغضب ولا تحزن، وطهر قلبك من الضغائن والحسد والأحقاد والبغضاء والكراهية، وارفض كل ما يثقل صدرك، وكن على وفاق مع ذاتك، وافتح قلبك لمن حولك، وحرر فكرك وتعامل مع الناس بتواضع وبكل بساطة، ولا تحرم نفسك وأولادك وأسرتك من الطيبات. هذا سر السعادة باختصار لمن يبحث عنها.
** محامٍ ومستشار قانوني
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حكم وحكمة يناقش القضاء والقدر بين الجبر والاختيار
ولمناقشة جوانب الموضوع استعرض برنامج "حكم وحكمة" الذي يبث على منصة "الجزيرة 360" في حلقة 6-1-2025 مع ضيوفه قضية الجبر والاختيار وعلاقتها بمسؤولية الإنسان عن أفعاله وكيفية فهم هذه المسألة العقائدية المهمة.
واستهل مقدم البرنامج الشيخ عمر عبد الكافي الحلقة بتوضيح أن القدر هو "سر الله المكنون"، مشيرا إلى أهمية التمييز بين ما هو مقدر على الإنسان وما هو مخير فيه، وأكد أن مسألة المحاسبة ترتبط بشكل مباشر بمساحة الاختيار التي منحها الله للإنسان، وليس بالأمور المجبر عليها.
وأوضح الشيخ أن الإنسان يُحاسب على الأفعال التي يملك حرية الاختيار فيها، سواء بفعلها أو تركها، مشيرا إلى أن هذا يتوافق مع مبدأ العدل الإلهي، فالله -سبحانه وتعالى- لا يحاسب الإنسان على أمور خارجة عن إرادته أو مجبر عليها.
وتطرق البرنامج إلى كيفية التعامل مع المصائب والابتلاءات في إطار الإيمان بالقضاء والقدر. وأوضح الشيخ أن المؤمن مطالب بالصبر والرضا عند المصيبة، مع الأخذ بالأسباب المشروعة للتعامل مع المواقف الصعبة.
علامات الإيمان
وشدد على أن شكر الله تعالى في جميع الأحوال هو من علامات الإيمان الحقيقي، سواء في السراء أو الضراء. فالمؤمن يدرك أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهذا الفهم يساعده على تقبل البلاء بقلب مطمئن.
إعلانواستشهد عبد الكافي بالآية الكريمة التي تؤكد شمولية علم الله تعالى: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت"، وأوضح الشيخ أن هذه الآية تبين محدودية علم الإنسان مقابل علم الله المطلق.
وأكد أن الإيمان بهذا العلم الإلهي الشامل لا يتعارض مع مسؤولية الإنسان عن أفعاله واختياراته، بل يؤكد أهمية الاعتماد على الله مع الأخذ بالأسباب المشروعة.
6/1/2025