جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-22@19:57:23 GMT

سر السعادة

تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT

سر السعادة

 

حمد الحضرمي **

 

إنَّ سر السعادة في الدنيا والآخرة هو تعلق القلب بالله، وفي حبه وخوفه ورجائه، وإن وجه الإنسان وجهه لله وحده، فإن مرحلة الأحزان والآلام والوساوس والهموم التي تمر عليه في حياته ستنتهي، وبدون معرفتنا وإيماننًا ويقيننا بالله، سنعيش كأننا في صحراء قاحلة، لا نعلم إلى أين ذاهبون، تائهون بين رمالها ولهيبها.

ومن دواعي السعادة الرضا بما قسمه الله لنا والتسليم بأمر الله، والتفاؤل مع الصبر بأنَّ القادم كله خير، والبعد عن التشاؤم واليأس، وعلينا بالتفكير بالأفكار الجميلة والسعيدة لنكون سعداء، ولا نفتح المجال للأفكار التعيسة والشقية، حتى لا نكون أشقياء.

وإذا حاصرتنا أفكار مزعجة لتجعلنا خائفين جبناء، علينا مواجهتها بالصبر والإيمان للتغلب عليها، وإذا أصابتنا هواجس الأمراض العضوية أو النفسية لنكون مرضى، فلا نستسلم لها وعلينا محاربتها بكل قوة وثقة وعزيمة ويقين بالله. إن سعادة الإنسان أو تعاسته، أو قلقه أو سكينته تنبع من نفسه، فهو الذي يعطي الحياة لونها البهيج أو الكئيب، فالإنسان يستطيع جلب المشاكل والأمراض لنفسه، كما أنه يستطيع حل المشاكل ومعالجة الأمراض، فمن يفكر بالسلبيات سيجلب لنفسه التعاسة والشقاء، والذي يفكر بالإيجابيات فإنه سيجلب لنفسه السعادة والسرور.

وما يحققه الإنسان هو النتيجة المباشرة لتفكيره، فالإنسان يمكنه أن يرتقي وينجز عن طريق الارتقاء بتفكيرة ليكون سعيدًا، ويمكنه أن يبقى ضعيفًا وراضيًا بالضعف والتعاسة ليكون تعيسًا، وحتى يعيش الإنسان سعيدًا في حياته عليه أولًا: إصلاح نفسه من الداخل حتى تكون نفسه طاهرة نقية من كل الأحقاد والكراهية، يقول الله تعالى: " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم" (الرعد: 11) وبإستطاعة الإنسان تغير أية عادة سلبية في حياته بأخرى إيجابية لتضيف لحياته القوة والأمل والسرور التي يبحث عنها ليعيش في حياته سعيدًا ويستمتع بها.

ومن دواعي السعادة أيضًا أداء صلاة الفجر في المسجد مع الجماعة، فتكون من بداية اليوم وأنت في ذمة الله، واحرص على استقبال يومك بالابتسامة ليكون يومك سعيدًا وردد بيقين "اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك فلك الحمد ولك الشكر". هنا ستشعر بالسعادة وببهجة الحياة الطيبة، وعش يومك الذي أنت فيه، وإياك أن تعيش بين حزن قاتل على الماضي، وأمل كاذب بالآتي، لأنك حينئذٍ ستضيع فرصة الحاضر، وعليك لتكون ناجحا سعيدًا في حياتك أن لا تستغرق في أحلام اليقظة، فأستغل وقتك ويومك بإنجاز أعمال تحقق لك الهدف الذي تسعى لتحقيقه، وكن على يقين بأن أهدافك مهما كانت بعيدة المنال يمكن تحقيقها بالاقتراب إليها خطوة واحدة في كل يوم، فمشوار الألف ميل يبدأ بالخطوة الأولى.

احرص على أن يكون لك خطة عمل واضحة حتى تنجز أعمالك وتحقق أهدافك فيصبح لحياتك معنى وقيمة، فالناجحون في الحياة لم يحققوا ما وصلوا إليه من نجاحات إلا بالتخطيط السليم والتنفيذ الدقيق بإصرار وعزيمة، ولا تحزن على الماضي ولا تخف من المستقبل، ودع عنك الهموم والتفكير في رزق اليوم والغد لأنه بيد الله، فما عليك إلا التوكل على الله وارمِ همومك ومتاعبك خلف ظهرك، وكن على يقين بأن الله سيهديك ويحميك ويرزقك ويرضيك لتعيش سعيدًا في حياتك مرتاح البال، وعليك أن تكون من أصحاب العقول النيرة والقلوب المؤمنة، التي تحاسب نفسها في كل صغيرة وكبيرة.

ومن طرق السعادة وتجنب الأمراض العضوية والنفسية التمتع بالحياة الاجتماعية بعيدًا عن الرسميات والمجاملات، وإذا ابتهجت فاضحك دون حرج، وإذا أصابك حزن فابكي بلا حياء، وإذا وقعت بهم وغم ففضفض لمن تستريح له، واهزم همومك وغمومك بإخراجها من داخلك، وطهر قلبك من البغضاء والكراهية للذين في خلاف معك، ولا تنتقم ممن أخطأ في حقك، وعش حياتك ببساطة دون تصنع وتكليف، ولا تفكر في المستقبل على حساب حاضرك، وعليك بالتوازن في كل الأمور لتعيش في سعادة.

إن الناظر والمتأمل والمراقب للأطفال في البيوت أو في المدارس أو في الأندية يكتشف بأن الأطفال سعداء، لأنهم يعبرون عن مشاعرهم بتلقائية دون تكلف، فالطفل إذا فرح يضحك في أي مكان بصوت عالٍ، وإذا تألم في أي وقت يبكي بصوت مرتفع، وإذا أحب إنسان ابتسم له، وإذا كره إنسان عبس في وجهه، لا يعرف الخداع والتضليل والمجاملة ولا يفكر في المصالح الشخصية، وزعله لا يطيل وكره للغير مؤقت ربما لا يستغرق دقائق، لذلك الأطفال سعداء لأن قلوبهم بيضاء نقية. فمتى يكون الناس في علاقاتهم بالآخرين، كمعاملة الأطفال لبعضهم البعض؟ وعلينا أن نفتح قلوبنا لمن هم من حولنا- من الأزواج والأولاد والأصدقاء- ونسمع همومهم ونجواهم ونقف بجانبهم ونساعدهم.

فكيف تكون سعيدُا وأنت ذو قلب قاسي ونفس مريضة لا تتعامل مع الناس بتواضع وتعامل أسرتك بقسوة وأولادك بغلضة، وبينك وبين أسرتك خلافات ومشاكل، وتعامل الناس بتعالي وتكبر، وتحب السيطرة على كل شيء، ومن صفاتك المذمومة الطمع والجشع والظلم والغدر والخيانة والمكر والكيد والطغيان والحقد والحسد والعدوان، فكيف بهذه الصفات وعلى هذه الحالة ستكون من السعداء، وتعيش في سعادة!

أيها القراء الكرام، لمن يبحث عن السعادة، السعادة هي بين يديك، لا تبحث عنها بعيداً، ما عليك هو فقط شكر الله على نعمه التي لا تحصى ولا تعد، والرضا بما قسمه الله لك، وإذا منيت بشيء من الفشل، أو انتابك الشعور بخيبة الأمل، فاعلم أنك أنت مصدر ذلك كله، وأنك ينقصك بعض  من الإمكانيات والقدرات اللازمة لتحقق النجاح والسعادة في حياتك مع أسرتك ومع من حولك، والإنسان في أماكن كثيرة يعيش في صحة وعافية وأمن وأمان وسلام، وغيره محروم من كل شيء، وعلينا جميعًأ حمد الله على نعمائه وشكره والثناء عليه، وأن نكون دائمًا مع الله ونثق به ونتوكل عليه، فإنه لن يتركنا أبدًا.

وعلينا فعل الخير مع الجميع، وأن نجعل كل ذلك لوجه الله، وسوف يلطف بنا الله برحمته، ويجبر كسر قلوبنا، ويجعل السعادة والسرور تدخل علينا من كل باب. إن الحياة هِبة الله تعالى للإنسان، فلا تعكر حياتك وحياة أسرتك وحياة الآخرين  بالمشاكل والخلافات، ولا تنافق، ولا تغضب ولا تحزن، وطهر قلبك من الضغائن والحسد والأحقاد والبغضاء والكراهية، وارفض كل ما يثقل صدرك، وكن على وفاق مع ذاتك، وافتح قلبك لمن حولك، وحرر فكرك وتعامل مع الناس بتواضع وبكل بساطة، ولا تحرم نفسك وأولادك وأسرتك من الطيبات. هذا سر السعادة باختصار لمن يبحث عنها.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هل يجوز استفتاء القلب في الأحكام الشرعية؟.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: إذا أفتى العلماء بحلة شيء وأنا أشك أنه حرام فهل لى أن أستفتى قلبى أم أتبعهم؟.

وأجاب الشيخ عويضة عثمان،أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن السؤال قائلا: إن الله تعالى يقول "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، والإنسان مطالب بأن يسأل العلماء عما لا يعرف.

وأوضح فى فتوى له، أنه لا يجوز أن يقول الإنسان فى كل شيء سأستفتى قلبى، فهل أنت أهل لمعرفة الحلال والحرام لكى تستفتى نفسك؟!.

ونوه بأن الإنسان الذى يستفتى لا بد أن يكون قد نظر فى الأدلة وعلم الأحكام والمسائل الفقهية وأشكلت عليه بعض الأمور ولا يستطيع أخذ قرار فيها، يعنى "الفطرة السوية"، أما نحن فقد غلب علينا الهوى فى بعض الأمور.

هل يجوز قراءة القرآن بالعين فقط دون تحريك الفم؟.. الإفتاء توضحهل يجوز الاحتفال بشم النسيم؟.. الإفتاء تحسم الجدل وتوضح الحكم الشرعي بالأدلةهل يجوز للأب توزيع أمواله بالتساوي على أبنائه حال حياته؟.. أمين الإفتاء يجيبشم النسيم 2025 اليوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟

وأضاف: أن كثيرا ما يريد الإنسان أن يخالف كلام الشيخ عندما يسمعه، وهو يعلم أن كلامه صحيح ولكن هواه يغلب عليه بغير ذلك، فإذا حكمنا هذا الكلام فى كل واقعة سنكون بذلك تركنا قول الله تعالى:"فاسألوا أهل الذكر".

وبين انه لابد أن نتعلم أن نرجع إلى علمائنا المتخصصين فى مسألة الفتوى فى كل كبيرة وصغيرة، فلو قال كل شخص لنفسه سأستفتى قلبى ويحكم بالهوى وما يغلب عليه نفسه فلماذا ندرس الفقه ولماذا نضع مؤسسات للفتوى؟! .. فلابد أن ننزل الكلام فى مكانه ونصابه.
 

ووجه كلامه للسائل وقال انه يقول: "أنا شاكك إنه حرام حتى لو اتفق العلماء على إنه حلال فهل يجب عليه اتباعهم أم يستفتى قلبه" فقد وصل به التشدد إلى هذا مع أنه حريص، لكن حرصه سيؤدى به الى أن يضيق على نفسه فى أمور كثيرة، فيمكن أن يكون الشخص عالما فى مجاله ولكن ليس من الدارسين المتخصصين للفتوى.

وطالما اتفق العلماء على شيء أنه حلال فقد جعل الله لك مخرجا، فأنت أوكلت الأمر الى أهله وأحلوه، فلا تشدد على نفسك ولا تتصف بهذه الصفة، لأن هناك قوما شددوا على أنفسهم حتى شدد الله عليهم.

مقالات مشابهة

  • السيسي: الإيمان بالله شرف عظيم.. وعلينا استثمار المساجد في بناء الإنسان وتعزيز الهوية الدينية
  • أبو خابصها ظاهرة بنكهة عراقية .. في سطور
  • هل يجوز استفتاء القلب في الأحكام الشرعية؟.. الإفتاء تجيب
  • النقل تحذر: اقتحام المزلقانات والسير عكس الاتجاه يعرض حياتك للخطر
  • أزهري يوضح حكم الشرع في قتل وتعذيب الحيوانات
  • البابا تواضروس: مصر تبذل كل غال ورخيص من أجل إحلال السلام بفلسطين
  • علامات المؤمن الصادق وصفاته.. تعرف عليها
  • رمضان عبد المعز: منظومة الصدق في القرآن تشمل 5 مراتب رئيسية
  • قداسة البابا تواضروس: المحبة تتجلى في أشكال متعددة وترتبط بقلب الإنسان
  • علي جمعة: من أراد النجاح فليطلبه بالله.. والتوكل عليه سر الطمأنينة وتحقيق المقاصد