نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا مطولا عن معسكرات الاعتقال في دولة إريتريا، وأجرت مقابلات مع 42 سجينا سابقا تحدثوا عن الظروف "المروعة للغاية"، وعن تعرضهم للتعذيب مرات عديدة.

وذكرت الصحيفة أن إريتريا هي "أرض الخوف التي لم تعرف منذ استقلالها قبل 3 عقود سوى زعيم واحد" هو أسياس أفورقي، وأن لا شيء فيها يجسد "وحشية" الدولة اليوم أفضل من نظام سجونها.

وأضافت أن إريتريا مليئة بالسجون "المرعبة" التي تنتشر فيها زنزانات من الخرسانة المتصدعة تحت الأرض، وسجون شديدة الحرارة مصنوعة من حاويات بضائع، وأقفاص مكتظة بمئات الرجال الذين يُضطرون للنوم على جوانبهم كالساردين، بينما يقف زملاؤهم وهم منهكون لإفساح المجال لهم. وهناك سجون عبارة عن حُفر غير عميقة مغطاة بأسقف من خشب وطين منخفضة للغاية بحيث لا يستطيع النزلاء الوقوف.

مروعة للغاية

وروى سجناء سابقون للصحيفة الأميركية أن الظروف داخل تلك المعتقلات غالبا ما تكون مروعة للغاية، وأن العقوبة غير محددة المدة حتى أن اليائسين من السجناء يحاولون في كثير من الأحيان الهروب، إلا أنهم في الغالب ما يُقتلون بإطلاق الرصاص عليهم.

وعلى عكس ما يحدث في الدول ذات أنظمة الحكم الاستبدادية، حيث كثيرا ما يتجنب الناس السجن بتوخي الحذر والابتعاد عن السياسة، فإن معظم الإريتريين معرضون لا محالة للاعتقال إذا رفضوا أداء الخدمة الوطنية الإلزامية التي يمكن أن تمتد لعقود من الزمن، ومعظمها في جيش "اشتهر بسمعته السيئة في إفقار المجندين ومعاملتهم بوحشية".

وأفادت واشنطن بوست -في تقريرها- بأنها أجرت اتصالات مع 42 مواطنا إريتريا من السجناء السابقين يعيشون في 6 بلدان مختلفة، بعضهم يعيش في مخيمات لاجئين خارج إريتريا، أو يختبئون في مساكن آمنة سرية في مدن أفريقية، بينما تقيم قلة هاربة في الغرب، وجميع هؤلاء وصفوا ما تعرضوا له من صنوف التعذيب والأوضاع "المنهِكة"، وما عانوه من جوع.

توفوا اختناقا ورميا بالرصاص

وأشارت إلى أن بعض السجناء توفوا اختناقا ورميا بالرصاص، وأن آخرين أصيبوا بالسل أو التهاب الشعب الهوائية أو بالشلل نتيجة ضربهم بالعصي والأسلاك الكهربائية وسلاسل الدراجات.

وقالت الصحيفة إن روايات هؤلاء تتيح نظرة نادرة لما يجري داخل السجون السرية في دولتهم التي توصف بـ"كوريا الشمالية الأفريقية".

ومن بينهم سجين سابق يدعى مولوي زيريزغي قال إن السلطات الإريترية احتجزته لمدة 5 سنوات من دون أن يعرف السبب على الإطلاق.

ويتذكر زيريزغي، وهو ممرض ممارس، عندما جاء رجال بملابس مدنية إلى مستشفى كرن حيث يعمل، وأخرجوه من اجتماع مكبل اليدين واقتادوه إلى السجن. وبعد أكثر من عقد من الزمن، لا يزال يجهل سبب اعتقاله.

ووفقا لزيريزغي البالغ من العمر الآن 38 عاما، فإنه اعتُقل عام 2011، وحينها أمضى شهرين في زنزانة صغيرة بمدينة كرن قبل نقله إلى سجن كارشيلي في أسمرا.

وقال: "لم يستجوبني أحد. في بعض الأحيان، كانوا يقولون لي إذا أخبرتنا بالحقيقة وراء سبب اعتقالك سوف تغادر، وإذا لم تخبرنا سوف تقبع في السجن".

زنازين تحت الأرض

وقال سجين آخر -اشترط على الصحيفة أن تشير إليه باسمه الأوسط جورجيو- إن المرة الأولى التي اعتُقل فيها حُبس في حفرة خانقة تحت الأرض مغطاة بالخشب والطين، كان بداخلها نحو 30 شخصا، ولم يكن باستطاعتهم الوقوف على أرجلهم.

زيريزغي اعتقلته السلطات الإريترية لمدة 5 سنوات من دون أن يعرف السبب على الإطلاق (مواقع التواصل)

وأضاف أنه فر إلى السودان، لكن السلطات هناك ألقت القبض عليه عام 2014 وأعادته إلى وطنه، حيث زُج به في سجن ببلدة تسني غربي البلاد، وبعد أسبوع نُقل إلى هاشفراي وهو سجن تحت الأرض في منطقة القاش وبركة بغرب إريتريا.

ووصف السجن بأنه خندق خرساني يكتظ بنحو 100 سجين في زنزانة صغيرة. وقضى جورجيو 3 أسابيع في سجن هاشفراي تحت الأرض قبل أن يُسجن لمدة عام في آدي أبيتو، وهو مجمع سجون كبير خارج العاصمة أسمرا. وبعد الإفراج عنه، فرّ هذه المرة إلى إثيوبيا حيث قضى 6 سنوات. غير أنه أعيد مرة أخرى إلى السجن في وطنه إريتريا بعد اندلاع الحرب الأهلية في إثيوبيا بين الجيش ومتمردي إقليم تيغراي.

وحسب تقرير واشنطن بوست، نادرا ما تسمح السلطات الإريترية للصحفيين الأجانب بدخول البلاد، كما أن الصحافة المحلية تخضع لسيطرة الدولة التي تضع الهواتف المحمولة تحت المراقبة، كما أن الوصول إلى الإنترنت نادر، مما يجعل من الصعب الاتصال بالإريتريين، الذين عادة ما يخشون التحدث إلى المراسلين الأجانب.

زوجة وزير سابق

ومن السجناء الآخرين الذين ورد ذكرهم في التقرير، زوجة الوزير السابق بيتروس سولومون، الذي اعتقل عام 2001 لمطالبته بإصلاحات حكومية.

وقد قُبض عليها بعد عودتها إلى إريتريا من الولايات المتحدة، حيث كانت تدرس. وقال زيريزغي إنها "كانت وحيدة في زنزانتها، وكنت أسمع بكاءها".

إريتري آخر هو الطبيب النفسي فيتسوم برهاني، كان نزيل الزنزانة المجاورة لزنزانة زيريزغي، الذي قال إن جاره السجين سمع بوفاة زوجته بمرض السرطان عبر الراديو في السجن، وبدأ يصلي لها ولابنهما.

ويقول زيريزغي: "كنت أحلم كل يوم أن شخصا ما سيأتي لينقذني. حلمت به كل ليلة وكل يوم لمدة 5 سنوات".

وفي مايو/أيار 2016، تحقق حلمه وأُطلق سراحه فجأة من دون أي تفسير. وغادر البلاد عام 2018 بعد انفراجة سياسية وجيزة، ميمما وجهه شطر لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، حيث يعمل الآن ممرضا ويشارك في المظاهرات الاحتجاجية ضد الحكومة الإريترية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: واشنطن بوست تحت الأرض

إقرأ أيضاً:

واشنطن بوست: توتر بين القوميين المتطرفين الروسييين في ظل التقارب المفاجئ مع الولايات المتحدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

رأت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أنه في أعقاب التحول الكبير في سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه روسيا، يسعى القوميون المتطرفون المؤثرون في روسيا لفهم التغير المفاجئ في العلاقات مع أكبر أعداء روسيا.

وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ الهجوم الروسي الكامل على أوكرانيا قبل ثلاث سنوات، كان العديد من أفراد المجتمع الروسي، وخاصة أولئك الذين يشاركون بنشاط في الحرب، قد تم تغذيتهم بالأيديولوجيا التي يروج لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقوميون الروس، والتي تعتبر أن روسيا تخوض حربًا وجودية ضد "الغرب الجماعي" بقيادة الولايات المتحدة.

وأعطت الحرب انكشافًا كبيرًا لما يُعرف بمجتمع "Z" الروسي - المتطوعين المؤيدين للحرب، والمدونين العسكريين، والقوميين المتطرفين الذين يرغبون في رؤية إخضاع أوكرانيا تمامًا.

وقال العديد ممن تمت مقابلتهم من قبل واشنطن بوست إنهم لن يقبلوا بتسوية سلام إلا إذا تضمنت إقالة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وتغيير السلطة في كييف.

ومع تقدم المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة ببطء، سيضطر بوتين إلى مراقبة هذه الفئة الصاخبة (والمسلحة جيدًا) من المجتمع، التي أصبحت أقوى خلال الحرب وفي مرحلة ما انفجرت في تمرد مفتوح مع تمرد قائد المرتزقة يفجيني بريجوجين.

وذكرت الصحيفة أن القوميين المتطرفين لعبوا دورًا مهمًا طوال الصراع، فالعديد منهم قاتلوا في الصفوف الأمامية وتم مكافأتهم بزيادة في مكانتهم الاجتماعية في المجتمع الروسي خلال الحرب، ولعقود من الزمن، كان هؤلاء الشخصيات القومية يُنظر إليهم من قبل الرئاسة الروسية "الكرملين" كمصدر غير مستقر للمعارضة المحتملة، ولكن تم استخدامهم لدعم الرسالة الحكومية حول ضرورة هذه الحرب الدموية والمستمرة.

ومع ذلك، ظهرت هذه الفئة أيضًا كمصدر نادر للنقد تجاه بوتين وقرارات حكومته، وتم التعامل مع بعضهم عندما تجاوزوا الحدود، فلقد تم تهديد الكرملين داخليًا عندما حدث تمرد بريجوجين ومجموعة فاجنر في 2023، والذي كان يمثل أكبر تهديد داخلي في الذاكرة الحديثة. وتم احتواء تمرده، ولقي بريجوجين وقادته مصرعهم في حادث تحطم طائرة غامض.

وفي العام الماضي، تم سجن إيجور جيركين، وهو ضابط سابق في جهاز الأمن الفيدرالي وقائد انفصاليين، لمدة أربع سنوات بتهم التطرف.

وأشارت الصحيفة إلى هناك حالة قلق أخرى من المجتمع الأرثوذكسي الروسي، الذي كان قد دعم بسرعة رواية الكرملين بأن الغزو جزء من "حرب حضارية" و"روحية" ضد الغرب الفاسد والشيطاني، وبعد البداية الحماسية لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، بدأ القلق في الظهور.

وكتب بوريس كورشيفنيكوف، مقدم برنامج على قناة "سباس" الدينية التابعة للدولة الروسية، على تليجرام الأسبوع الماضي أن الأمريكيين يرونها "صفقة" بينما هي بالنسبة لهم "حرب وتضحية من أجل مستقبل روسيا".

وأضاف أن "كلمة صفقة" مثيرة للاشمئزاز لأنها تتغاضى عن التضحية الروسية وشرف الجيش الروسي.

ومن جهة أخرى، يشعر العديد من الجنود الروس في الخطوط الأمامية أن الحرب هي أكثر من مجرد قتال ضد الأوكرانيين، حيث يعتقدون أنهم يخوضون حربًا ضد الناتو والولايات المتحدة، بعدما شهدوا بشكل مباشر الأثر المدمر للأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة إلى أوكرانيا.

وقال قائد وحدة استطلاع في تشاسيف يار إن معظم الجنود الروس "لا يهتمون" بتقارير وسائل الإعلام التي وصفوها بأنها "هراء عاطفي" كانت موجهة للاستهلاك الغربي، وقال إنه هو وزملاؤه يركزون فقط على تنفيذ الأوامر.

وأضاف "نحن نعمل، ليس لدينا وقت، ولسنا مهتمين بالأمر. كل شيء يتعلق بالنصر، النصر، النصر بالنسبة لنا".

ويعتقد بعض القوميين المتطرفين أن أي تسوية سلام ستضر بمصالحهم الوطنية. وعلى الرغم من وجود فرصة ضئيلة لقيام هؤلاء الراديكاليين في وقت لاحق بالاعتراض على صفقة سلام محتملة، إلا أنهم لا يزالون يمثلون أقلية في المجتمع الروسي، حيث يظل غالبية الروس غير مهتمين ومستعدين لدعم أي قرار يتخذه بوتين - على حد تفسير الصحيفة الأمريكية.

وقال أليكسي فيديديكتوف، رئيس تحرير محطة "إيكو موسكفي" الإذاعية، إن "السؤال دائمًا هو، ماذا نحن نقاتل من أجله؟ ومن ضد من؟ الآن أصبح الأمر مكشوفًا مجددًا أننا لا نقاتل ضد أحد، بل نحن نقاتل من أجل مكاننا تحت الشمس، والقمر، والسماء".
 

مقالات مشابهة

  • واشنطن بوست: 90% من السوريين تحت خط الفقر و7 ملايين يعيشون في الخيام
  • عاجل| واشنطن بوست: مقتل 7 عمال إغاثة ومدني في غارات إسرائيلية على بيت لاهيا
  • حزب الإصلاح: إشادة واشنطن بوست بالخطة العربية لـ غزة تعكس إدراكًا دوليًا لجدواها
  • قيادات حزبية: تقرير واشنطن بوست بشأن الخطة العربية لغزة انتصار لرؤية مصر
  • واشنطن بوست: على الولايات المتحدة رفع العقوبات عن سوريا
  • واشنطن بوست: إسرائيل تطبق قواعد صارمة على منظمات إغاثة الفلسطينيين
  • عاجل | واشنطن بوست عن مصادر: إسرائيل تطبق قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين
  • "واشنطن بوست": إسرائيل تطبق قواعد صارمة على منظمات الإغاثة بفلسطين
  • واشنطن بوست: توتر بين القوميين المتطرفين الروسييين في ظل التقارب المفاجئ مع الولايات المتحدة
  • واشنطن بوست: مسؤول استخباراتي يشكك في إنهاء الحرب