عربي21:
2025-02-05@16:48:53 GMT

الفن والشعر: عزف على أوتار الألم في غزة

تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT

يمتلك الشعر والفن قدرة عجيبة على التسلل بين أزيز الرصاص وأتون المعارك خاصة المعارك المصيرية الكبرى، ومنها عملية طوفان الأقصى الدائرة حاليا. فوجدان البشر عبر التاريخ ينوء بحمل أهوال الحروب ومآسيها من دون أن يعبر عما يجيش في صدره من صور جمالية رائعة. لقد ظلت قصيدة تلاميذ غزة للشاعر السوري الراحل نزار قباني عنوانا يزين محيا أطفال غزة لعقود طويلة، وقد عاشت بيننا هذه القصيدة لأن حجم التدفق الإخباري اللحظي حينئذ لم يكن كما هو عليه الحال الآن، فكنا نسمع ونشاهد الأخبار حينا ونعبر عنها وتداول معانيها شعرا وفنا وغناء أحيانا أخرى.



لم تنضب قريحة الشعراء والفنانين مع كل عدوان إسرائيل غاشم على أهلنا في غزة، لكن مدة المعارك خلال السنوات الماضية لم تكن لتسمح بأن يزاحم الخبرَ اليومي فيها أيُّ شيء آخر غير متابعة الحدث نفسه وتفاصيله. أما طول الحرب الحالية ومآسيها ففرض نوعا من الشوق لطرق أخرى للتعبير عما يجري، فعندما يتوقف العقل عن الاستيعاب يتحرك الوجدان للفهم والتعبير. وهذا يفسر الإنشاد والمديح الجماعي للأطباء في غزة أو بعض جلسات السمر والإنشاد الجماعي للنازحين مساء على أضواء الهواتف النقالة في غزة.

عزاؤنا أن الشعراء لم ينسوا القضية، ولو كان الأمر بيدي لنشرت بين كل خبر وخبر عن غزة قصيدة شعرية تتحدث عن الواقع وتصفه. فالرسم بالكلمات في هذه الظروف لا يقل عن صورة الكاميرا والشعر أحيانا أصدق إنباء من الخبر
إن خير مثال على هذا الأمر هو إحياء أغنية تحيا فلسطين لفرقة الكوفية السويدية، وهي أغنية قديمة يربو عمرها على أربعين سنة، وقد وضعتها مآسي الحرب العالية كعنوان متجاوز للثقافات واللغات للتعبير لتمثيل حالة التضامن العالمية التي تزداد رقعتها اتساعا. فحين وصلت حناجر الهاتفين في المظاهرات المؤيدة لغزة إلى مستوى يحتاجون فيه إلى ما هو أبعد وأعمق من الهتاف؛ كان الملاذ مع هذه الأغنية ذات اللحن الشجي. واللافت أن معظم من يسمعونها ويطربون لها ويغنونها تضامنا مع غزة لا يعرفون معاني كلماتها لأنها باللغة السويدية.

الأمر نفسه ينطبق على رواية الشوك والقرنفل التي كتبها القائد يحيى السنوار في السجن، والتي بقيت متوارية في الظل رغم الحضور الطاغي للرجل خلال السنوات الماضية؛ حتى أتت عملية طوفان الأقصى لتبث فيها الحياة وتحولها إلى أيقونة أدبية يقصدها الجمهور المتطلع إلى اكتشاف تضاريس خيال هذا الرجل الذي أذاق إسرائيل هذا المرّ لأول مرة في تاريخها.

عزاؤنا أن الشعراء لم ينسوا القضية، ولو كان الأمر بيدي لنشرت بين كل خبر وخبر عن غزة قصيدة شعرية تتحدث عن الواقع وتصفه. فالرسم بالكلمات في هذه الظروف لا يقل عن صورة الكاميرا والشعر أحيانا أصدق إنباء من الخبر
وهنا يبرز دور جديد للرواية الأدبية الفلسطينية في شكل ومضمون جديد، وفيها يتوحد فيها دور الأديب مع دور المناضل والمقاوم. فمنذ غسان كنفاني لم تحدث عملية التوحد هذه، ولم يمتلئ النص بتجربة الكاتب وتكسيه الشخصية حضورا وعمقا. ولو أن السنوار ليس أديبا محترفا، غير أنه حفر بالكلمات في سجنه نفقا وسردابا يشبه أنفاق غزة؛ أدخل القارئ بعمق على العمق النفسي والتاريخي للغزاويين، وهي تؤرخ بحق للتاريخ الإنساني الذي أفرز لنا حدث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

من بني سويف في مصر إلى العاصمة الأردنية عمان ومنها إلى الكويت والجزائر؛ حدث استنفار شعري للتضامن مع غزة من مسابقات وأمسيات شعرية، تتوارى تفاصيله في ثنايا الأخبار ويغرز بعمق في التربية العربية والإسلامية نبتها جديدا يجدد الهوية والكرامة العربية والإسلامية.

لقد غاب نزار قباني وفدوى طوقان وغيرهما من مشاهير الشعراء العرب، وغابت القصيدة التي تجوب الأراضي العربية من المحيط إلى الخليج كتعبير عن حالة الألم العام الذي تضيق به صدور العرب كبارا وصغارا. وعزاؤنا أن الشعراء لم ينسوا القضية، ولو كان الأمر بيدي لنشرت بين كل خبر وخبر عن غزة قصيدة شعرية تتحدث عن الواقع وتصفه. فالرسم بالكلمات في هذه الظروف لا يقل عن صورة الكاميرا والشعر أحيانا أصدق إنباء من الخبر.

twitter.com/HanyBeshr

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الشعر غزة غزة الشعر الفن مأساة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بالکلمات فی فی غزة

إقرأ أيضاً:

عندما يكون الألم.. مصدرا للالهام

في عدد جريدة البلاد الغراء الصادر يوم الأربعاء الماضي، كتب الأستاذ محمد علي حسن الجفري مقالاً جميلاً بعنوان (الدفاتر )، تحدث فيه عن ثلاثة من رجال الفكر والعلم والقلم في القرن الماضي، عايشوا السراج والدفاتر قبل الكهرباء والحاسوب، هم: الأساتذة الكرام الشيخ على الطنطاوي رحمه الله والمفكر الجزائري مالك بن نبي والمؤرخ اللبناني المعروف نيقولا زيادة، وقال إنهم مروا بأزمة مع دفاترهم وكتبهم التي فقدوها لأسباب مختلفة وكان حزنهم على ممالكهم الفكرية عظيم ولكنهم لم ييأسوا، وبداؤا من حيث انتهوا وأعادوا كتابة ما صنفوا من جديد، وقد أعادتني مقالة الأستاذ الجفري لقراءة شيئ عن حياة وسيرة العالم والمخترع الأمريكي الشهير توماس إديسون، المولود في مدينة ميلانو بولاية أوهايو الأمريكية في11فبراير 1847م،
ونشأ في أسرة متوسطة الحال، لكنه أبدى روحا ريادية استحوذت عليه منذ طفولته.

كتب يوماً يروي أغرب مرحل مرّ بها في حياته، عندما قال عنه أساتذته أنه صبي بليد، عاد إلى البيت وفي جيبه رسالة من معلمه مفادها: “ابنك تومي أغبى من أن يتعلم، أخرجيه من المدرسة”.عندما قرأت أمه الملحوظة أجابت قائلة :(ابني “تومي” ليس أغبى من أن يتعلم , ولسوف أعلِّمه أنا بنفسي )..يقول اديسون “والدتي هي من صنعتني لقد كانت واثقة بي. حينها شعرت بأن لحياتي هدف وشخص لا يمكنني خذلانه “، كانت والدته تقوم بتدريسه في المنزل. قررت الام أن تترك لابنها المجال في إشباع فضوله، فاستطاع أن يتعلم ذاتيا من أخطائه وتجاربه، وساعده على ذلك شغفه الكبير بالمطالعة والقراءة، كما أنه أظهر قدرات في الميكانيكا والتجارب الكيميائية والتكنولوجيا.

يقول أديسون :.”كنت قد بلغت الثالثة عشر من من العمر عندما بدأت أشعر بفراغ في حياتي، فلم تكن الدروس التي أتلقاها على يد أمي تستغرق كل وقتي، راحت أمي تبحث لي عن عمل، ولكن ماذا يمكن أن يصنع صبي مثلي في هذه السن المبكرة، وأخيراً هداها تفكيرها أن تهبني قطعة أرض صغيرة أمام الباب الخلفي لمنزلنا، ووقفت ترقب مااسافعله بهذه الأرض، ولم تطل حيرتي رحت أبحث عن بذور وشتلات الخضروات وازرعها، وكنت أجمع المحصول فأعطي نصفه لأمي، وأبيع النصف الآخر للجيران، وإن هي إلا مدة وجيزة حتى عرفت المدينة بأمر المزارع الصغير، فازداد الطلب على منتجات مزرعتي، وفكرت في البحث عن أسواق جديدة، فلم أجد غير مدينة “ديترويت”، أقرب المدن إلى بلدتنا، وكان هناك قطار يربط بين المدينتين بانتظام، وعندما لم أجد ثمن شراء تذكرة الذهاب والعودة في القطار، اتفقت مع ناظر المحطة على أن اقوم بتوزيع الصحف على المسافرين، ونجحت الخطة ورحت أتنقل أنا وخضرواتي بين المدينتين بدون مقابل، حتى بلغت أرباحي مبلغاً يزيد عن (ألف ) دولار، وبهذا المبلغ، استطعت أن أنشيء معملاً صغيراً، أقوم فيه بإجراء أول تجاربي الكيماوية.

وفي أوائل الستينات من عمره, كان أديسون يمتلك معملاً ضخماً بناه في ويست أورانج في نيوجيرسي، أصبح ذا شهرة عالمية، ونموذجاً لمعامل الأبحاث والتصنيع الحديث، وكان يطلق على ذلك المجمع المكون من أربعة عشر مبنى اسم (مصنع المخترعات).
لقد أحب إديسون هذا المكان وكان يقضي به كل لحظة ممكنة، بل إنه كان ينام هناك على إحدى موائد المعمل غالباً!، وفي عام 1914، اندلع حريق هائل في معامل إديسون، ودمر المختبر بالكامل وتجاوزت خسائره الـ  2 مليون دولار، كان الحريق أسوأ كارثة تحدث للرجل الذي كان يبلغ حينها 67 عامًا، وكان من الصعب عليه أن يرى عمله المتراكم ومختبراته التي حققت 1093 براءة اختراع؛ ويعمل بها 7 آلاف موظف تتحول إلى دخان.

جلس إديسون ينظر إلى المختبر والنيران تشتعل بداخلة، يراقب ويكلم بقايا الذكريات، ومشاعر الأسى تنتابه وهو يرى مشهداً مرعباً، لحصيلة ابتكارات أبدعها عقله، وفي خضم الكارثة والنيران تشتعل حضر إبنه تشارلز، وبعد بحث طويل، وجد أباه يجلس بهدوء وهو يراقب النيران وهي تشتعل.
يقول تشارلز:” كان قلبي ينفطر على والدي، لم يعد شاباً، وكل شيء ذهب مع الحريق، عندما رآني والدي، صاح بأعلى صوته: أين والدتك”؟ قلت له: لا أعرف، ردّ قائلاً : “عليك أن تجدها، وتحضرها هنا لترى شيئا لن يتكرر، ولن تستطيع أن تراه ثانية في حياتها”.

وفي صباح اليوم التالي، جئنا- أبي وأمي وأنا-، ورحنا نسير وسط حطام آمال وأحلام والدي، وفجأةً توقف عن السير، وقال: حقيقة أنها كارثة، ولكنها لاتخلو من نفع، لقد التهم الحريق جهدي ومالي، ولكنه خلصني من أخطائي، شكرا لله، فنحن نستطيع الان أن نبدأ من جديد بلا أخطاء، وأردف قائلا: « صحيح أنني في السابعة والستين من العمر الآن، لكني لم أشخ لدرجة تعجزني عن البدء من جديد ». لم تكن تلك كلمات عابرة، بل تبعها عمل وتصميم، بعد يومين من الحريق، قدم أديسون للعالم “مصباحا “يعمل بالبطارية، مستلهماً ذلك من ملاحظته أن رجال الإطفاء كانوا يواجهون صعوبة في الرؤية أثناء إطفاء الحريق، لقد حوّل أديسون المأساة إلى مصدر للإلهام ونقطة للانطلاق، وقام بإعادة بناء معامله، وواصل عمله فيها لمدة سبعة عشر عاماً، وتوفي بتاريخ  18 أكتوبر 1931م عن عمر يناهز أربعة وثمانين عاماً.

مقالات مشابهة

  • ضمن الشارقة للشعر النبطي.. شعراء يستحضرون صور الماضي
  • عندما يكون الألم.. مصدرا للالهام
  • معاً من أجل سوريا.. شعراء يجسدون آمال الوطن في أمسية شعرية
  • شعراء مصريون وعرب في أمسية شعرية بمعرض الكتاب
  • أمسية شعرية للشاعر الأردني محمد العامري في معرض الكتاب
  • إضاءات مصرية وعربية في أمسية شعرية بمعرض الكتاب
  • فوائد زيت الزيتون للبشرة والشعر| يحارب التجاعيد ومضاد للبكتيريا
  • تأثير سلبي لمسكنات الألم الشائعة على الإدراك
  • «الوطن» داخل متحف أم كلثوم بالمنيل.. فساتين ونظارات مرصعة بالألماس وأغان بخط يد كبار الشعراء
  • في روشتة واحدة قبل وفاته.. هاني الناظر كشف عن حلول كل مشاكل الجلد والشعر| تفاصيل