تطور الموقف الليبي من الحرب على غزة
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
كأغلب المواقف في مختلف الدول العربية والإسلامية، لم يشهد الموقف الليبي، الرسمي والشعبي، تطورا يكافئ وحشية العدوان ويوازي مساعي كسر صمود الغزاويين ومخططات تصفية المقاومة.
الفورة التي شهدتها الساحة الليبية الشعبية بداية الحرب تراجعت، ولم يقابل تراجع التعاطف والغضب الشعبي الذي عبر عنه نفسه في الساحات والميادين توظيفا يضمن استمراريته من قبل النخب والمكونات السياسية والاجتماعية والمجتمعية، ويشهد التفاعل المحدود وغياب الفاعلية مع معاناة غزة على هزال المجتمع المدني الليبي.
الفعاليات التي اهتمت بغزة في الأوساط المجتمعية الليبية كانت محدودة ولم تأخذ طابع الاستمرارية والتراكمية، فجميعها تقريبا كانت حدثا ينتهي أثره بانفضاض جمعه سواء كان احتجاجا في ميدان عام أو ندوة في صالة مغلقة، ولم تشهد الساحة الليبية فعالية متصلة النشاط والتواصل والتعبئة على المستوى المحلي أو تقاطعا مع فعالية ونشاط إقليمي أو دولي، والاستثناء كان في النشاط الإغاثي، إذ تحركت بعض المنظمات المجتمعية في مجال جمع التبرعات وتقديم المساعدات للمتضررين في غزة، وحتى هذه كان دورها دون المأمول بالنظر إلى مركزية القضية الفلسطينية وأهميتها بالنسبة للرأي العام الليبي.
التعاطف والغضب الشعبي موجود وعلى كل المستويات، إلا أنه تأثر بأفة الإلف والتعود التي تلازم بني أدم، وما يجعل الموقف الشعبي متقدا هو العمل المؤسسي الفعال الذي تقوده الحكومة وتفسح من خلاله مجالا رحبا للمجتمع المدني فيكون ذلك حاضنة للتفاعل الشعبي وموجه مؤثر لحالة التعاطف والغضب في أوساط المجتمع، وهذا لم يحصل.
السلطات في ليبيا ليست أفضل حالا من المكونات المجتمعية، ولا يختلف كثيرا موقفها غربا وشرقا وجنوبا، وهي لم ترتهن فقط إلى الحالة المزرية في ليبيا سياسيا وامنيا واقتصاديا، بل تتفيأ ظلال التخاذل العربي والإسلامي، فعندما يكون موقف الدول الأفضل حالا متخاذلا أو سلبيا، يجد القادة في ليبيا مبررا لسلبيتهم. دع عنك العجز حتى في التعاطي الصحيح مع قضايا الوطن وكوارثه، فما تزال كارثة مدينة درنة حاضرة بتداعياتها وأثارها بعد الفيضان الذي ضربها، وما تزال معاناة شريحة كبيرة من سكانها شديدة، ولم تفلح السلطات في الغرب والشرق في التخفيف من معاناتهم وإيجاد حل لعشرات الآلاف من النازحين والبيوت المدمرة وانقطاع الكهرباء عن أحياء عدة... ألخ.
السلطات في ليبيا ليست أفضل حالا من المكونات المجتمعية، ولا يختلف كثيرا موقفها غربا وشرقا وجنوبا، وهي لم ترتهن فقط إلى الحالة المزرية في ليبيا سياسيا وامنيا واقتصاديا، بل تتفيأ ظلال التخاذل العربي والإسلاميأشدد على أن الحالة "المرضية" التي تصيب الجسد العربي والإسلامي والتي تصل في بعض مناطقه إلى "الموات" هي بمثابة ذريعة للطبقة الحاكمة في الشرق والغرب لتقاعصها عن نصرة غزة وأهلها، ولأن القضية الليبية تقترب من مفترق طرق يذهب إلى توافق أو ينزلق إلى مستوى أخطر من التأزيم، وحيث نشهد حراكا يوجه المسار السياسي الليبي بدفع خارجي وتفاعلي داخلي، فإنه لا أمل في أن يكون للفاعلين في الغرب والشرق الليبي إسهاما مهما لتخفيف معاناة أهل غزة أو يلعب دورا في مواجهة خطط تصفية المقاومة.
بقيت نقطة مهمة وهي محاولة بعض أنصار النظام السابق إثبات تخاذل وفشل من هم محسوبون على ثورة فبراير، وهم كذلك، عبر بث تصريحات للراحل معمر القذافي تظهر موقفا صلبا ضد القوى الغربية الداعمة للعدوان الصهيوني أو صرامة تجاه التطبيع مع دولة إسرائيل.
والحقيقة أن هذا من المناكفة السياسية بل المتاجرة الرخيصة بالقضية الفلسطينية، فالمواقف والمبادئ تثبت بالخواتيم، وليست فقط بالبدايات التي كانت لها ظروفها الخاصة، فالجميع يدرك أن مواقف القذافي المتشددة من إسرائيل في سبعينيات وثمانينينات القرن الماضي انتهت إلى الاستعداد للاعتراف باحتلالها الأراضي الفلسطينية عبر مبادرة الكتاب الأبيض وتكوين دولة موحدة تجمع بين المغتصب والمغصوب أسماها القذافي دولة "إسراطين" (أربعة أحرف من إسرائيل مقابل ثلاثة من فلسطين).
فمضمون هذه المبادرة عبثي، غير أنها تضمنت إشارة مهمة جدا بالنسبة للغرب ولإسرائيل وهي إعلان القذافي عن تغيير في موقفه الجذري من الاحتلال إلى موقف أكثر مرونة، والقذافي معروف بطرقه الاستثنائية والغريبة في التعبير عن مواقفه، وإذا أضفت إلى ذلك تسليم كل ما يتعلق بخطط امتلاك أسلحة الدمار الشامل للأمريكان، التي كانت حجة أمتلاكها ردع إسرائيل بل وتدميرها، فإن هذه الشواهد تؤكد انسحاب النظام السابق من ركن المواجهة مع الكيان المحتل، وبالتالي يصير الترويج لمواقفه القديمة تضليل للرأي العام ومناكفة سياسية لا تليق بمن يدعي الوطنية ويصر على موقف جذري من الاحتلال الإسرائيلي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحرب الفلسطينية ليبيا ليبيا فلسطين تضامن رأي حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
إيران في حالة من الجمود.. تهديدات للاقتصاد وتأجيج للغضب الشعبي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعيش إيران في حالة من الجمود، حيث لا أحد يستطيع التنبؤ بما إذا كانت البلاد ستتجه نحو المفاوضات أو الحرب، وهو خيار يتوقف على المرشد الأعلى علي خامنئي.
ووفقًا لمقال لشبكة إيران انترناشيونال، في هذه الحالة من عدم اليقين أبطأت أو أوقفت العديد من التطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بينما يقتصر ما يحدث على القمع، التقييد، وانتهاك حقوق المواطنين.
في الوقت ذاته، أصبح الرئيس مسعود طبيبكتيان، الذي يظل مخلصًا لخامنئي، نسخة أضعف من سابقيه محمد خاتمي وحسن روحاني، وهو ما يزيد من غضب الشعب الإيراني، ولم تحدث أي تغييرات إيجابية في البلاد بعد مرور ستة أشهر على تولي بزشكيان الرئاسة، بينما يتركز الانتباه على المواجهة بين خامنئي ودونالد ترامب.
وتصريحات خامنئي الأخيرة لم توضح كثيرًا المسار الذي ستسلكه إيران، يراها بعض المحللين بمثابة علامة على الاستعداد للمفاوضات، بينما يرى آخرون أن هذه التصريحات تشير إلى استمرارية السياسات المعادية للولايات المتحدة.
هذا الغموض ساهم في تعميق الركود الاقتصادي في البلاد، حيث فقدت العملة الإيرانية أكثر من 30% من قيمتها منذ بداية سبتمبر، فيما قفزت معدلات التضخم إلى 50% وفقًا للتقارير الإعلامية من طهران.
في الوقت نفسه، لا يزال موقف ترامب من المفاوضات غامضًا، وقد يضع شروطًا يصعب على إيران قبولها، فسياسته تجاه إيران أيضًا لا تزال غامضة، مع موقف واحد واضح وهو معارضة حصول إيران على أسلحة نووية.
هذا الوضع الطويل من الانتظار والتعليق لم يشل فقط الشؤون الأساسية للبلاد بل فاقم من الأزمة الاقتصادية وظروف الحياة المعيشية، وصادرات إيران النفطية، التي كانت تحت عقوبات قاسية، لا تزال مستمرة بشكل سري، لكن من المتوقع أن تتراجع مع عودة ترامب إلى الساحة السياسية.
وفي الوقت نفسه، يتم إهدار الكثير من الإيرادات النفطية من قبل قادة الحرس الثوري الإيراني والمقربين من النظام، فسوق الأسهم والاستثمارات والإنتاج تشهد حالة من الغموض التام، فيما تستمر أسعار السلع الأساسية في الارتفاع.
كما وصل سعر الدولار والعملات الذهبية إلى مستويات قياسية، بينما يعاني الناس من صعوبة في شراء الأساسيات مثل البطاطا والبصل.
في هذا السياق، استنتج العديد من الإيرانيين أن المفاوضات أو عدمها لن تغيّر من واقعهم، إذ أظهرت سنوات من المفاوضات والاتفاقات والفشل المتكرر أن حياتهم اليومية تظل في أزمة بغض النظر عن نتائج المحادثات.
وبات الناس يدركون الآن أن الاتفاق أو عدمه لن يؤثر في مصيرهم، حتى وإن تم تخفيف العقوبات وعودة مبيعات النفط، فإن الإيرادات لن تفيدهم، بل ستوجه إما لدعم وكلاء إقليميين مثل حزب الله وحماس أو يتم استخدامها لشراء ولاء القوات الأمنية أو تضيع بسبب الفساد.
بناءً على ذلك، يعتقد الكثيرون أن الإصلاح لم يعد ممكنًا، وأن الحل الوحيد هو نهاية إيران، وهذه المشاعر باتت أكثر وضوحًا في الخطاب العام وفي المساحات الإلكترونية.
بالنسبة للكثيرين، لم يعد يهم ما إذا كانت مفاوضات إيران والولايات المتحدة ستنجح أم لا، لأن التجربة الماضية أثبتت أن إيران لن تتغير، وعندما تكون ضعيفة، تتفاوض وتتساهل لتخفيف الضغط الدولي؛ وعندما تكون قوية، تستأنف سياساتها العدوانية.
هذه الثقة المنهارة هي نتيجة سنوات من الوعود غير المنفذة واستغلال النظام للأزمات الداخلية والدولية، والآن، أكثر من أي وقت مضى، يشعر الناس بالغضب وخيبة الأمل، وتزداد هذه المشاعر تعبيرًا عبر اللغة الحادة والمباشرة ضد خامنئي نفسه.