ترجمة: أحمد شافعي -

تم الكشف حديثا عن وثائق مرتبطة بقضية ضد تاجر الجنس غيسلين ماكسويل، وظهرت فيها أسماء شركاء بارزين لجيفري إبستين، فسارع كثيرون إلى تأكيد أن ظهور أسمائهم في القائمة التي طال انتظارها لا يعني أنهم ارتكبوا أي شيء غير قانوني. وهذا صحيح تماما، وبوصفي مراسلة صحفية قانونية، فمن المهم للغاية تأكيد الآثار القانونية المترتبة على هذه المعلومات الجديدة، أو لمزيد من الدقة انتفاء هذه الآثار.

باستثناء ادعاءات جوانا سيوبيرج تحت القسم على الأمير أندرو والتي ترقى ـ في حال ثبوتها ـ إلى السلوك الجنائي، فإن أغلب الأسماء الواردة في القائمة غير متهمة بأي خطأ قانوني. لكن هذا لا يعني أننا لا ينبغي أن نتساءل عن الآثار الأخلاقية، لا القانونية الصارمة، لسلوكهم. وأقصد هذا بمعنيين، هما الآثار الأخلاقية الشخصية على من ترد أسماؤهم، والأخلاق التي يتمسك بها المجتمع وفضحتها هذه الوثائق على نحو بشع.

لقد عملت قرابة أربع سنوات على تأليف كتاب عن جيفري إبستين وغيسلي ماكسويل، وكان ذلك ذروة تحقيقاتي الاستقصائية في القضية. والأمر الذي يفزعني، أكثر حتى من التفاصيل المصورة التي عرفتها من الناجين والتي لم تنشر للعلن هو أن تلك الحلقة المخصصة لتجارة الجنس كانت قائمة على أكتاف جماعة ضخمة من الناس لفترة قد تصل إلى أربعة عقود. وقد بلغ عدد المشاهير والأثرياء ومتصدري العناوين (أو غير المتصفين بهذه الصفات) ممن رأوا الضحايا الذين تحدثت إليهم، أو تفاعلوا معهم، ولم يتساءلوا قط عن السبب في وجود أولئك الضحايا هناك، بلغ العدد حدا مذهلا.

الأمر الأهم في تقديري ضمن مجموعة الوثائق الحديثة يتمثل في رسالة إلكترونية تزعم فيها الناجية فرجينيا جيوفري، الناجية من إبستين، أن الرئيس السابق بيل كلينتون «دخل إلى -مجلة فانيتي فير- وهددهم بعدم كتابة مقالات عن إتجار صديقه العزيز بالجنس»، والإشارة هنا إلى جيفري إبستين حسبما تقول فرجينيا جيوفري. هذا زعم لم يثبت. لكن هذا لا يعني أنه غير جدير بالمزيد من الاستقصاء، وهذا ما يصدق على كثير من المزاعم الأخرى في ملفات إبستين.

والسؤال هنا لا يتعلق بسلوك إجرامي في إتجار فعلي بالجنس و/أو اعتداء جنسي على أطفال. ولو كان هذا فعلا هو قاعدة معاييرنا الأخلاقية المجتمعية، فإنه يجدر بنا أن ننظر إلى أنفسنا نظرة فاحصة طويلة وقاسية. فالسؤال الأشد ارتباطا، وبخاصة حينما يكون عدد شركاء إبستين مذهلا إلى هذا الحد، هو سؤال عن المعرفة بسلوك إجرامي يفترض أنه ينتهك معاييرنا الأخلاقية وإن لم ينتهك بالضرورة المعايير القانونية. إذا ما صح زعم فرجينيا جيوفري، فهو يثبت إلى حد ما أن الرئيس الأمريكي السابق كان يعلم، على الأقل، بوجود مزاعم متداولة حول اتجار «صديقه العزيز» بالجنس.

ولو أن شخصا، وخاصة شخصا منتخبا بوصفه قدوة، لديه معرفة بمزاعم على هذا القدر من الخطورة، فينبغي أن يكون منتظرا منه التحقيق فيها، بدلا من التستر عليها. وبالمثل، ظهر ملياردير السوبرماركت رون بيركل بين عشية وضحاها على قائمة الشهود المحتملين في قضية التشهير بموجب وثيقة قضائية (ومن ثم يجب أن يقسم ممارس للقانون على أنها تمثيل دقيق حقيقي لمعرفته) تنص على أن «لديه معرفة بسلوك غيسلين ماكسويل وجيفري إبستين في الإتجار بالجنس».

ومرة أخرى، لا يثبت هذا أنه كان على علم بالجرائم المقترفة، وإنما ينص على أن محامي جيوفري لديهم من الأسباب ما يجعلهم يعتقدون أنه كان على علم بسلوك متصل بمزاعم اتجار في الجنس. ولا نعرف ماذا كان ذلك السلوك، لكن المحامين رأوا في ظاهر الأمر دليلا على أنه ربما يساعد في إثبات إتجار في الجنس.

وكان في قائمة الشهود أيضا مستشار كلينتون السابق دوج باند الذي تقول الوثائق إنه «ربما كان على معرفة باتجار غيسلين ماكسويل وجيفري إبستين في الجنس وتعاملاتهما مع قُصَّر». تضم القائمة أيضا إيفا وجلين دوبين، والأمير أندرو، والسياسية الأمريكية جويندولين بيك، والمحامي آلان ديرشوفيتز، وحاكم ولاية نيو مكسيكو السابق بيل ريتشاردسون، وقطب الموضة ليزلي ويكسنر.

ومع كل شاهد ترد صيغة أو أخرى من عبارة «على دراية» أو «ربما على دراية» بسلوك اتجار في الجنس. وينبغي أن نعقد العزم على اكتشاف ما شهده حقا كل فرد من أولئك، وما إذا كانوا قد امتلكوا القدرة على التدخل لحماية ضحايا إبستين لكنهم آثروا ألا يفعلوا ذلك. وإنني أعلم أسماء كثيرة أخرى لأشخاص تقول مزاعم إما أنهم شاركوا في الانتهاك أو شهدوا حضور فتيات قاصرات في منازل وطائرات إبستين العديدة، وقد قيل لي: إنه ليس بوسعي أن أكشف هذه الأسماء بسبب قوانين التشهير التي يسهل أن يساء استخدامها في إنجلترا وويلز ومن المقرر إصلاحها خلال تشريع وشيك، ولكن تجب مساءلة هذه الأسماء رسميا لإيضاح مدى ما يعرفونه عن القضية.

يوضّح هذا فارقا مهما بين دور الصحافة ودور النظام القانوني. وبما أنني عملت في المجالين كليهما، فإنني أشعر شعورا قويا أن دور الصحافة في الوقت الراهن هو إيضاح القانون وطرح الأسئلة الصعبة حول الأفعال ـ أو المحذوفات ـ التي قد لا تكون خارجة على القانون، لكننا بوصفنا السلطة الرابعة يجب أن نطرح أسئلة صعبة بخصوصها. فعدم تدخُّل المرء عندما ينتابه الشك، أو إغلاقه عقله عن احتمال استمرار في ارتكاب جرائم بجسامة انتهاك الأطفال قد لا يكون منافيا للقانون، لكن لو أننا راغبون في مواصلة الضغط وصولا إلى عالم يوفر درجة من العدالة للناجين من الانتهاك، فعلينا يقينا أن نعدّ ذلك منافيًا تمامًا للأخلاق.

في بعض الحالات، يدعم القانون نفسه هذه النظرية. فهناك مفهوم «الاجتناب الواعي» في قانون الولايات المتحدة (وقد تم إطلاع المحلّفين عليه بإسهاب، بينما كنت جالسة في قسم الصحافة خلال محاكمة ماكسويل الفيدرالية في قضية الإتجار بالجنس، ويعني تجاهل إشارات قد تثير شبهات حول نشاط مناف للقانون). يمكن لهذا المفهوم بموجب بعض التفاصيل التشريعية (ومنها ما يتعلق بتشريعات خاصة بالإتجار في الجنس) أن يساوي قانونيا المعرفة الفعلية بجريمة.

سوف نشهد في هذا الأسبوع انكشاف المدى الحقيقي لما قد يكون أكبر وأضخم مؤامرة إتجار بالجنس في التاريخ الحديث. وكان عدد الناس الذين عرفوا، أو قرروا ألا يعرفوا، بوجود ذلك، حاسما في نجاحها وأمانها، فدامت لعقود وهي مستمرة. ولو أننا راغبون حقا في تغيير الطريقة التي ينظر بها نظام العدالة لدينا وثقافتنا كلها إلى الانتهاكات الجنسية، فلا بد ألا نخفض المعايير بحيث لا تدين غير الجناة. علينا أن نحاسب المساعدين، سواء انتهكوا القانون أم لم ينتهكوه.

لوسيا أوزبورن كراولي صحفية قانونية ومؤلفة كتاب «الأذى الدائم» The Lasting Harm وهو عمل استقصائي حول قضية إبستين.

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الجنس على أن

إقرأ أيضاً:

أين المدقق اللغوي عن ضبط لسان المذيع؟!

أين #المدقق_اللغوي عن ضبط #لسان_المذيع؟!

أ.د.خليل الرفوع

أخطاء كثيرة وقعت على لسان المذيع في التلفزيون الأردني الذي قرأ خطاب التكليف السامي، وكتاب الرد عليه من الرئيس المنتهية ولايتُه، ولم يستطع المذيع قراءة كلمات معدودة من آية كريمة واحدة:﴿ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا﴾ فلم يفرق بين أمر الأفعال: دخل وأدخل، وخرج وأخرج، ووردت على لسانه أخطاء جلية في ضبط الحروف وإعراب أواخر الكلمات، وقد تكرر اللحن كثيرًا بطرائق تستفز المستمع، وكل ذلك غير مقبول وفيه إساءة للتلفزيون ولمن يحب اللغة العربية، ولعل ذلك يجعل المتلقي لقراءته التي غلب عليها التسكين واللحن والتسرع، يسأل: أين مدقق اللغة عن الضبط السليم للسان هذا المذيع؛ لكي يكون متوافقا مع قيمة الخطاب السامي وقدسية النص القرآني. لا أبتغي إحصاء الأخطاء لحنًا ولغة بل هي دعوة للمسؤولين في التلفزيون أن يراعوا قدسية النص القرآني ومكانة اللغة التي شرفها الله وتكفل بحفظها.

مقالات ذات صلة الوزارة ليست الموارد البشرية فحسب!!! 2024/09/15

مقالات مشابهة

  • "ارتكبوا 5 وقائع".. سقوط عصابة سرقة السيارات في القاهرة
  • روسيا تدرس حظر تبني أطفالها من مواطني دول تسمح بتغيير الجنس
  • ارتكبوا 19 واقعة.. سقوط عصابة الاحتيال على المواطنين
  • الحوثيون يرتكبون فضيحة خلال إحتفالات المولد بعد ظهور عددا من المتهمين بجرائم قتل
  • يقدم خطة لتحقيق "النصر".. زيلينسكي يطالب شركاء أوكرانيا بمزيد من الأسلحة
  • أين المدقق اللغوي عن ضبط لسان المذيع؟!
  • خريطة توضح انتشار زواج مثليي الجنس في العالم.. إليكم الدول والقوانين
  • ‏الشهري: الأهداف التي تلقاها النصر كانت من أخطاء في بناء الهجمة.. فيديو
  • زواج مثليي الجنس كان رائجًا في آسيا.. ليس بعد الآن
  • السعودية.. حكم بإدانة خالد الحربي مدير الأمن العام سابقا بجرائم منها الرشوة والاختلاس.. والكشف عن العقوبات بحقه