لجريدة عمان:
2025-01-17@23:28:23 GMT

مصطفى البرغوثي والإعلام الغربي المنافق

تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT

أتصور أنّ مهنة المذيع أصابها الكثير من الخلل في السنوات الأخيرة بعد انتشار الفضائيات؛ لأنّ كثيرين ممن لا يملكون شروط وموهبة المذيع امتهنوا هذه المهنة، فكان نتيجة ذلك أن شاهدنا هبوطًا في مستوى الرسالة الإعلامية، بعد ظهور مذيعين همُّهم الوحيد أن يستعرضوا عضلاتهم أمام المتلقين، ويفرضوا توجهاتهم على الناس، فابتعدوا عن المهنية وصاروا بعيدين عن هدف برامج الحوارات؛ لأنّ فن إدارة الحوار هو أرقى وأصعب الفنون الإذاعية، إذ المطلوب من المذيع أن يستخرج من ضيفه كمًّا كبيرًا من المعلومات، لا أن يفرض عليه توجهاته ويقاطع الضيف في كلّ لحظة إذا نطق بما لا يعجبه من الآراء.

هذه الآفة انتشرت بشكل واسع في الفضائيات العربية؛ فلم نعد نعلم هل نحن نشاهد مذيعًا أم محققًا أمنيًا؟ ولعل المذيعة البريطانية جوليا هارتلي بروير في قناة «»TALKTV المملوكة لروبرت ميردوخ، خيرُ دليل على هذه النماذج السيئة في الإعلام. وشخصيًّا لا أدري مدى شعبيتها قبل الجدل الذي أثارته مؤخرًا حول طريقة تعاطيها مع ضيفها مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، الذي استضافته للحديث عن اغتيال الشيخ صالح العاروري في بيروت، حيث انفعلت خلال اللقاء، صارخة في وجهه، وساخرة من كلامه، وجاهدَت في إسكاته، ولم تعطه الفرصة للحديث، متهمة إياه بأنه «غير معتاد على وجود امرأة تتحدث»، رغم أنّ موضوع اللقاء لم يكن اجتماعيًّا أو يخص المرأة. ونشرت قناة «TALKTV» مقطع فيديو للحظات انفعال مذيعتها، عبر صفحتها على منصة «إكس» معلّقة عليه «جوليا هارتلي بروير تشتبك مع الدكتور مصطفى البرغوثي بعد اغتيال نائب زعيم حماس». بدأت المذيعة مقابلتها بتهنئة إسرائيل باغتيال صالح العاروري، وهذا في حد ذاته استفزازٌ غير أخلاقي للضيف، ولا يتصف بالمهنية ولا بأخلاق المهنة، وعندما سألها مصطفى البرغوثي إن كانت تدين الاحتلال الإسرائيلي، تظاهرت بأنها «صحفية» مدعيةً أنها لا تستطيع التعبير عن أيّ رأي. وعندما سألها هل تعتقد أنّ إسرائيل دولة ديمقراطية؟ أكدت ذلك، إلا أنّ البرغوثي أوضح أنّ رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو دمّر الديمقراطية، وإذا بها تقاطعه منفعلة رافضة الحديث عن تاريخ نتانياهو لضيق الوقت، كما رفضت تكرار البرغوثي الحديث عن السابع من أكتوبر ووضعه في سياق تاريخي، قائلة «أوضحتَ وجهة نظرك خمس مرات.. ليس لدي وقت لذلك». وبعد أن سألها الضيف: «ما الذي لديك من الوقت له»، صرخت طالبة منه انتظارها لإنهاء حديثها قائلة «ربما لستَ معتادًا على نساء يتحدثن». ومن وقاحتها دافعت عن اغتيال الكيان الصهيوني للشيخ صالح العاروري عندما صرخت في وجه البرغوثي: «إذا كنتَ لا تعتقد أنّ رد فعل إسرائيل مقبول، فما هو رد الفعل الذي سيكون مقبولًا بالنسبة لك؟ لديك عشر ثوان متبقية»، فأجاب بهدوء: «إنهاء الاحتلال والسماح للسلام أن يسود لكلا الشعبين»، وبدا أنها غير راضية عن الإجابة، ثم ردت بسخرية: «رائع»، وأنهت المقابلة بقولها: «آسفة لكوني امرأة تتحدث إليك!».

يبدو أنّ المذيعة جوليا هارتلي بروير لا تعايش الواقع، فلا تعلم أنّ فرض رأيها على الناس أصبح غير مقبول، مع انتشار وسائل التواصل الحديثة، التي سحبت البساط من الإعلام الجامد؛ فما إن انتهت الحلقة حتى انهالت الانتقادات عليها؛ فاتهمها بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي بـ «الوقاحة والعنصرية والعنف والتعالي والأداء البلطجي»، وأنها مارست «فوقية وتعاملت بعنصرية في خطابها البعيد جدًّا عن الأخلاق المهنية»؛ لأنها حاولت أن تفرض رأيها على الضيف، الذي ظلّ محافظًا على هدوئه ولباقته، رغم كلّ محاولات المذيعة لاستفزازه، مما أثار أعصابها أكثر، فلجأت إلى استخدام المفاهيم النسوية، التي يركز الغرب عليها كثيرًا، وكأنّ البرغوثي يقمع ويضطهد المرأة، لكي تكسب تعاطف جمهورها بعد احتقارها لضيفها وإغلاقها أذنيها لعدم سماع إجاباته، مع ضحكات أقرب إلى أن تكون هيستيرية، وقيامها وجلوسها المتكرر على الكرسي مع حركات سيئة بيديها.

تصدّر المقطع واسم المذيعة جوليا هارتلي بروير المواضيع الأكثر تداولًا على موقع «إكس» في بريطانيا، وسط تعليقات أجمعت على إدانة المذيعة، التي كانت تقاطع الضيف وتصرخ في وجهه، وتظهر حركات غريبة، بدت «مقرفة» لكثيرين وهي تسخر من كلامه. في المقابل أشاد كثيرون بهدوء الضيف وقوة حجته.

وإذا كان مصطفى البرغوثي ظلّ على هدوئه أثناء اللقاء، إلا أنه أوضح فيما بعد، خلال حواره مع الإعلامي المصري خالد أبو بكر، خلال برنامجه «كلّ يوم» على قناة «ON» المصرية، أنّ «المذيعة أصيبت بالصدمة والعصبية؛ لأنها لم تستطع أن تحقق ما تريد خلال المداخلة، وأعتقدُ أنّ هناك عاصفة عالمية ضدها؛ والآلافُ الآن يقدّمون شكاوى ضد المحطة»، وأنّ ما اقترفتْه من صراخ ليست بمهنية، لافتًا إلى أنّ «ما أثار المذيعة وأغضبها أنها تتعامل مع إنسان يتحدث بلغة حضارية».

كشفت المقابلة في الواقع ما يجري من سنوات من انحياز الإعلام الغربي الشديد للرواية الإسرائيلية، وكان سبب انفجار المذيعة «أننا نجحنا في تقديم قوة الرواية الفلسطينية، ولأنّ الحقيقة الفلسطينية مؤلمة ولا تستطيع أن تتجاهلها وأن تلغيها، وهذا يأتي من قوة عدالة القضية الفلسطينية» كما أوضح البرغوثي، الذي خرج بثلاثة انطباعات؛ الأول عدم قدرة المذيعة على سماع الحقيقة، والثاني أنها إنسانة عنصرية، وأبدت جهلًا عميقًا عن حقوق المرأة، وكأنّ كلّ العرب والمسلمين لا يحترمون المرأة، والثالث أنها أبدت عدم مهنية مطلقة، فلا أحد يمكن أن يجري مقابلة بهذا الشكل، ويرى مصطفى البرغوثي أنّ ردة فعل المقابلة كانت رائعة على امتداد المعمورة، حيث أحسنت المذيعة في الوقت الذي كانت تظن أنها أساءت، وهو ما أكده البرغوثي بقوله: «كسبنا من خلال هذه المقابلة الرأي العام الدولي أكثر من مئات المقابلات الأخرى؛ لأنها أظهرت بوضوح مدى انحياز هذا النوع من الإعلام الغربي لإسرائيل وبشكل وقح ومفرط، وأظهرت كذلك العنصرية ضد الفلسطينيين بشكل واضح».

لقد سقطت جوليا هارتلي بروير - كما سقط الإعلام الغربي الموالي للكيان الصهيوني - ففي سبيل دفاعها عن الكيان الصهيوني في جرائمه، لم تراعِ القواعد المهنية لا في الشكل ولا في المضمون، ومنها احترام الضيف وإعطاؤه الوقت الكافي للإجابة، والإنصات لما يقوله، وإذا كان لا بد من التدخل لتوضيح أمر ما، يجب على المذيع أن يدحض الموضوع بالحجة والمعلومة، وليس بقمع الضيف والصراخ في وجهه.

أظن أنّ هذا اللقاء يشكّل وصمة عار في تاريخ المذيعة والقناة معًا ولكلّ المتعاطفين مع جرائم الكيان الصهيوني ضد الإنسانية؛ وإن كان له من إيجابية، فهو قد أظهر أنّ مثل هذه النماذج من الإعلاميين منبوذون الآن، وأنّ مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مؤثرة جدًا، ولها قوة وسلطة ونفوذ أكثر من القنوات الموجّهة، وأنّ بفضل هذه المواقع عرفت الشعوب الغربية الحقيقة عن الوضع في فلسطين. والمفارقة أنّ البلدان العربية طوال الحقب الماضية فشلت في توصيل عدالة القضية الفلسطينية للشعوب الغربية، رغم الملايين التي تُنفق على السفارات والملحقيّات الإعلامية والثقافية الكثيرة.

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مصطفى البرغوثی الإعلام الغربی

إقرأ أيضاً:

ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع

توشك المفاوضات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس أن تصل إلى ذروتها بإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. ورغم أن جانب دولة الاحتلال غير مأمون بناء على التجارب التاريخية وبناء على تجارب مفاوضات الحرب الحالية، لكن المؤشرات والتسريبات التي رشحت خلال الأيام الماضية والمشهد العام في المنطقة والمزاج الأمريكي كلها تشير إلى أن إسرائيل مضطرة هذه المرة إلى التوقيع قبل بدء الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي ترامب.

إن هذه الخطوة كان يمكن أن تحدث منذ أكثر من عام لولا تعطش رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة للدماء ولولا الأحقاد التي تستعر في نفوسهم ضد الشعب الفلسطيني، ولو حدثت في ذلك الوقت لكان يمكن لآلاف الأطفال الذين استشهدوا في هذه الحرب أن يكونوا من بين الذين سيفرحون بالقرار وهم يعودون إلى قراهم المدمرة ليبحثوا عما تبقى من ذكرياتهم وألعابهم وبعض طفولتهم.

لكن قتلة الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء لا يفهمون معنى الطفولة ولا قدسيتها حتى خلال الحرب ومن باب أولى لا يفهمون معنى أن تعود الأمهات الثكلى بأطفالهن فلا يجدن حتى قميصا فيه رائحة طفلها قد يخفف بعض حزنها أو يوقف دموع عينها المبيضة من الحزن والبكاء.

من حق الفلسطينيين أن يشعروا بالنصر رغم كل الخسائر التي منوا بها: خسائر في الأرواح التي قد تصل الآن بعد أن تتلاشى أدخنة الحرب إلى نحو 50 ألف شهيد وأكثر من 200 ألف جريح وبنية أساسية مهدمة بالكامل وغياب كامل لكل مظاهر الحياة الإنسانية وانعدام كامل للمواد الغذائية والطبية.. وشعور النصر مصدره القدرة على البقاء رغم الإبادة التي عملت عليها قوات الاحتلال، الإبادة المدعومة بأعتى الأسلحة الغربية التي جربها العدو خلال مدة تصل إلى 18 شهرا.

في مقابل هذا لا أحد يستطيع أن ينكر أن الموازين في المنطقة قد تغيرت بالكامل خلال هذه الحرب، والمنطقة في اليوم التالي لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار ليست هي المنطقة التي كانت عليها قبل يوم 7 أكتوبر.

وإذا كانت إسرائيل قد صفَّت الكثير من خصومها في هذه الحرب وفككت محور المقاومة وأثخنت الكثير من جبهاته وآخرها الجبهة السورية إلا أنها كشفت عن ضعفها في المواجهات المباغتة، وفضحت أسطورة أجهزتها الأمنية وقبتها الحديدية.

وفي مقابل ذلك فإن حركة حماس رغم ما تعرضت له من خسائر فادحة في رجالها وقياداتها الميدانية إلا أنها أثبتت في الوقت نفسه أنها منظمة بشكل دقيق ومعقد وأنها قادرة على الصمود وتجديد نفسها وتقديم قيادات جديدة.

والأمر نفسه مع حزب الله ومع إيران التي دفعتها هذه الحرب إلى دخول مواجهة مباشرة لأول مرة في تاريخها مع إسرائيل، ولا شك أن تلك المواجهات كشفت لإيران نفسها عن مواطن الضعف في منظوماتها كما كشف مواطن القوة.

ورغم أن بعض الخبراء يرون أن حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله يمكنهم تجديد قوتهم خلال المرحلة القادمة إلا أن الأمر يبدو مختلفا في سوريا التي يظهر أنها خرجت من المحور تماما سواء كان ذلك على المستوى الأيديولوجي أو حتى مستوى العمل الميداني واللوجستي.

وأمام هذا الأمر وتبعا لهذه التحولات ما ظهر منها وما بطن فإن الموازين في المنطقة تغيرت بالكامل، ولا يبدو أن ذلك ذاهب لصالح القضية الفلسطينية في بعدها التاريخي أو في جوهر ما تبحث عنه وهو دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المحتلة ولو على حدود 5 يونيو 1967.

لكن هذا لا يعني أن المقاومة ستنتهي أو تنتهي نصرة القضية الفلسطينية من الشعوب الحرة المؤمنة بالقضية، بل ستزهر في كل مكان في فلسطين أشكال جديدة من المقاومة والندوب الذي أحدثتها الحرب في أجساد الفلسطينيين وفي أرواحهم، ستبقى تغلي وستكون بذورا لمواجهات أخرى أكثر ضراوة وأكثر قوة وإصرارا على النصر.

مقالات مشابهة

  • بينهم “البرغوثي”.. ابرز الشخصيات بين “أصحاب المؤبدات” الذين لن يفرج عنهم  
  • فاطمة بنت مبارك تشيد بدور المرأة المصرية والاهتمام الذي توليه مصر بالأسرة والمرأة
  • مصطفى بكري: الشعب الفلسطيني يعي جيداً دور مصر في الحفاظ على القضية الفلسطينية
  • الإعلام الغربي ينقلب على نتنياهو: يستعد لرفض صفقة السلام
  • الإعلام العبري: الجيش الإسرائيلي يبدأ بالانسحاب من محور فيلادلفيا
  • غدا.. "الفجوة بين الكنيسة والإعلام" سيمنار بمجمع القاهرة الإنجيلي
  • بيان عاجل من كارينا كابور زوجة سيف علي خان حول حادث الطعن وحالته الصحية
  • ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع
  • طنجة تكرم البوزدايني بعد 40 سنة من العطاء الإعلامي والسينمائي
  • انفصال غوارديولا عن زوجته يغذي إحباطه بعد تعادل السيتي