(1)

تتضوَّع النَّجمات على وسائد الغائبين.

(2)

القوس مجرد احتمال، والموت هو الرَّاجح لدى العشب، وفي نزهة الغزالة.

(3)

لا أستطيع أن أموت من دونك (وهذا من تمارين اللغة).

(4)

لا يلاطفوننا، لا في الجرائد، ولا في الفواتير، ولا في الفضائح.

(5)

الحياة شأن يمكن الاعتناء به لاحقا؛ فالحياة شأن يتعلق بالآخرين في الغالب. أما الإخفاق فيخصُّ ترتيب الأولويَّات، فقط.

ومثل أيَّة قنبلة موقوتة مصنوعة بطريقة بدائيَّة، يمكن ألا يحدث الانفجار في أيَّة لحظة (إنه سيحدث، أو لن يحدث، فحسب).

أقصد أنه قد فات الأوان لإدراك أن الحياة قد تعنيك أنت (أيضا).

(6)

اقتنعت الليلة أكثر من أي وقت مضى بعبارة «الشِّيبة العود»: «الخجل عاطفة ثوريَّة» (كارل ماركس، من رسالة إلى أرنُلد روج).

لكن كيف، وما معنى ذلك بالضبط في النَّسق المتجدِّد دوما؟ أهو سياقٌ غرامي، أو ذو علاقة بالتَّكوين النَّفسي الشَّخصي، مثلاً، أو هو تنويع على السِّياق الأصل الذي كان ماركس يقارن فيه بين الفرنسيِّين والألمان، أو أن الأمر غير هذا ولا ذاك؟ أم أن الشأن يتعلق بلجوء أحد قياديي «الحركة الثوريَّة الشعبيَّة» إلى اقتباس عبارة «الشّيبة العود» هذه لدى مثوله أمام محكمة أمن الدَّولة في الكويت في ستينيَّات القرن الماضي؟

جوابي المبدئي (فقط): فلينظر كلٌّ منا إلى وجهه (وليس إلى المرآة).

(7)

في التَّاريخ المعاصر لإحدى بلدان منطقتنا هذه من العالم، وتحديدا في إحدى سنوات الشَّظف والعوز من أربعينيَّات القرن الماضي، حيث أوزار الحرب العالميَّة الثانية التي حاقت حتى بأناس يقطنون الحياة هنا في شرق الدُّنيا، ولا ناقة لهم ولا دبَّابة في ذلك المجون الدَّموي الغربي (أعيد القول توكيدا: «الغربي») الشَّنيع، أصدر الحاكم الحازم أمرا بسمل عيون رهط من «الرَّعايا» ممن أدينوا بارتكاب جرم السَّرقة.

والحقيقة أنه يمكن القول إن بعض أولئك البائسين كانوا من «اللصوص الصِّغار» بالفعل، وبسبب الحاجة إلى سد الرَّمق. لكن حتى لو كانوا «لصوصا» حقَّا فإن عقابهم المنصوص عليه حتى في الشَّريعة ليس السَّمل (وإلى هذا فإن مصادر التاريخ الإسلامي تقول إن ذلك الحد نادرا ما نُفِّذ). هذا ناهيكم عن أن الخليفة عمر بن الخطاب قد أبطل حد السرقة في عام الرَّمادة. ولكن جُيِّرت الاتهامات ضد أولئك البائسين لاعتبارات تتعلق بتصفية الحسابات والضَّغائن، ونيل مكافأة الوشاية، والكيد، والانتقام.

في ظهيرة تطبيق العقوبة علنا من باب الردع، وقُبيل تنفيذ أمر سمل العيون، تقدمت امرأة عجوز متهالكة، باكية حابية، وتوسَّلت همسا في أذن الجلاد المنوطة به مهمة إمساك سيخ الحديد الدَّقيق الذي حمَّره أوار الجمر الموقد أمامه ليمرِّره في مُقَل المحكومين بمن فيهم فلذة كبدها: «من فضلك! توقف لأجل الله! ليس لديَّ في هذه الحياة سوى هذا الولد! هذه كل الفلوس والقليل من الذَّهب والفضَّة الذي عندي أعطيه لك عن طيب خاطر. لكن إذا لم يكن من السَّمل بُدٌّ فإني أتوسل إليك من فضلك وإحسانك، وحفظ الله لك مالك وعيالك، أن تسمل عينا واحدة فقط. الله يخليِّك تخلِّي العين الثانية له ولي». وهذا ما كان.

ليس بالنِّيابة عن تاريخنا في هذه المنطقة من الأرض، فقد شاهدتُ بعد حوالي نصف قرن من هذه الواقعة التي أتيت على ذكرها لقطة سمل العين الشَّهيرة في فيلم «كلب أندلسي» الذي أخرجه لويس بونويل وشاركه في كتابة السِّيناريو سلفادور دالي. وقد أُنجز ذلك الفيلم قبل حدوث واقعة السَّمل الفعليَّة التي ذكرتها أعلاه بأكثر من عشر سنوات في الأقل (أي في 1929). من نافلة القول إن «كلب أندلسي» يعتبَر واحدا من أهم الأفلام في مسيرة السينما فهو، ضمن أشياء أخرى، «الانفجار الأول للشِّعر في السِّينما» كما يقول أوكتافيو باز.

ما يهمني هنا أن هذا الفيلم -الذي ينتمي إلى فئة الأفلام الروائيَّة القصيرة- يحفل بسؤال الزمن بصورة خاصة، وآليَّة مروره غير الخيطيَّة؛ إذ إن أقسامه الأربعة متفاوتة الطول تحمل العناوين التالية: «كان يا ما كان في قديم الزَّمان»، و«بعد ثماني سنوات»، و«في حوالي الثالثة صباحا، و«قبل ست عشرة سنة»، وأخيرا «في الرَّبيع». يتكون الفيلم من لقطات ومشاهد سورياليَّة منفصلة ومتَّصلة في الوقت نفسه (حيث «لو لم توجد السورياليَّة لما كان لهذا الفيلم أن يوجد» كما يقول بونويل نفسه): نمل ينبثق من باطن كفٍّ بشريَّة، ويدٌ آدميَّة مقطوعة ملقاة على طريق تعبث بها امرأة بعصا، ولقطات لما يشبه اعتداء جنسيَّا تنجم عنه لذَّة ساديَّة تحدث في الهلوسة، ورجل يجرُّ آلتي بيانو محشور فيهما حماران نافقان ومتعفِّنان يتحولان إلى قِسَّين، إلخ. بيد أن من بين لقطات الفيلم حظيت لقطة سمل العين -التي اعتبرها النُّقاد واحدة من أكثر اللقطات تدميريَّة في كل تاريخ السينما- بالنصيب الأوفر من التأويلات والإحالات منذ إنتاج الفيلم ولغاية الآن. وعلى الرغم من أن دالي وبونويل قالا في إحدى المرَّات إن الفيلم يصوِّر عددا من أحلامهما وكوابيسهما، فقد اعتقدت، كما كثرٌ غيري، أن لقطة السَّمل (في الفيلم، قصدتُ) كانت في غاية البربريَّة.

أما لقطة سمل العين (التي حدثت في الواقع على بقعة من الأرض غير بعيدة جدا من مكان نقر هذه السُّطور الليلة، عنيتُ) فليس لديَّ الكثير مما يمكن قوله عنها، تقريبا لأنه لا داعي لقول أي شيء.

ترى، ما الذي يمكن للمرء أن يقوله عن سمل عين إنسان جائع في لحظة يُفترض أنها «تحدث» في السِّينما فقط؟

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

جامعة الإمارات تعلن نجاح إطلاق القمر الاصطناعي" العين سات -1"

أعلنت جامعة الإمارات العربية المتحدة، نجاح مهمة إطلاق أول قمر اصطناعي يطلقه المركز الوطني لعلوم وتكنولوجيا الفضاء "العين سات- 1"، بالشراكة مع جمعية علوم الأرض والاستشعار عن بُعد، التابعة لمعهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات، حيث تم إطلاق القمر عبر الصاروخ "فالكون- 9 سبيس إكس"، وتمكنت المحطة الأرضية للمركز من التقاط الإشارة الأولى من القمر الاصطناعي.

وقال زكي أنور نسيبة المستشار الثقافي لرئيس الدولة، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات، إن إطلاق القمر الاصطناعي "العين سات -1" على متن الصاروخ فالكون- 9، يعد إنجازاً تاريخياً لجامعة الإمارات العربية المتحدة، وتتويجا لجهود مضنية بذلها فريق من الباحثين والخبراء بالتعاون مع مؤسسات علمية عالمية مرموقة"، مشيراً إلى أن هذا النجاح الكبير يمثل علامة فارقة في مسيرة الجامعة نحو الريادة في البحث العلمي وعلوم الفضاء، ويجسد رؤية القيادة الرشيدة في تعزيز مكانة الدولة في استكشاف الفضاء وابتكار الحلول التقنية المتقدمة.
وتقدم بخالص التهاني لفريق العمل الذي ساهم في تحقيق هذا الإنجاز، متمنيا لهم التوفيق في استكمال المهمة وتحقيق أهدافها، لافتاً إلى أن "العين سات -1"، بتصميمه المبتكر وإمكاناته التقنية المتطورة، سيعزز من قدرات الجامعة في الاستشعار عن بُعد ويوفر بيانات دقيقة تسهم في دعم مشاريع التنمية المستدامة في مختلف القطاعات.

مشروع “العين سات-1”

يذكر أن المركز الوطني لعلوم وتكنولوجيا الفضاء، يلعب دوراً محورياً في تعزيز المبادرات الفضائية، وسد الفجوات بين القطاعات الأكاديمية والتقنيات المستخدمة في صناعة الفضاء.
ويظهر هذا الالتزام والطموح في مشروع “العين سات-1” ، المشروع المشترك بين المركز وجمعية علوم الأرض والاستشعار عن بعد “GRSS” التابعة لمعهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات، حيث أن القمر عبارة عن مكعب بحجم 3 وحدات مكعبة، وأبعاده 10 سم ×10سم ×30سم ،ويعمل على مدار أرضي منخفض وكتلته 3.7 كغ.
ويهدف المشروع إلى تمكين فرق الطلبة من جامعات محلية وعالمية مختلفة، من العمل على تطوير الأقمار الاصطناعية الصغيرة، ومن ثم تبادل الخبرات والمعرفة فيما بينهم، ويأتي هذا المشروع ضمن مجموعة من مشاريع المركز الهادفة إلى تهيئة بيئة ملهمة للطلبة والباحثين لتطوير مهاراتهم وخبراتهم في مجال الفضاء.
ويعمل المركز على توفير فرص فريدة للطلبة للعمل في مشاريع الأقمار الاصطناعية، كان نتاجها الأول "العين سات-1"، الذي يُعد نموذجاً حياً للتعاون الدولي المثمر، الذي جمع بين عقول طلابية من مختلف أنحاء العالم للعمل نحو هدف مشترك في مجال تكنولوجيا الفضاء، كما يعد انعكاساً لرؤية المركز "فضاء بلا حدود"، إذ يُظهر العمل الجماعي وتبادل المعرفة بين مختلف الثقافات والبلدان ويعزز الإنجازات العلمية والتقنية ويلهم الجيل القادم من المهتمين بمجال الفضاء.

مقالات مشابهة

  • محمد بن زايد: الإمارات تدعم الابتكارات التي تخدم التنمية
  • جامعة الإمارات تعلن نجاح إطلاق القمر الاصطناعي العين سات -1
  • الحرس الثوري: وقف إطلاق النار في غزة هزيمة للصهاينة لا يمكن تعويضها
  • جامعة الإمارات تعلن نجاح إطلاق القمر الاصطناعي" العين سات -1"
  • واحة العين سياحة في أحضان الطبيعة والتاريخ
  • قصة عرضة أثني سلام التي رُددت احتفالاً بالملك عبدالعزيز قبل 90 عامًا بحائل .. فيديو
  • ماذا نعمل؟، ماذا يمكن أن نعمل؟
  • عن عناصر حزب الله وإمداده بالسلاح... ما الذي قاله مسؤول أميركيّ؟
  • شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تسخر من “الدعامي” الذي قبضت عليه قوات العمل الخاص بمدني وقال لهم “أنا حامل”: (الله يحلك بالسلامة وكدة عرفت سبب قعادكم في الدايات)
  • WP: ما هو الثمن الباهظ الذي يمكن أن تدفعه غزة بعد تهديدات ترامب؟