لجريدة عمان:
2024-10-05@13:53:01 GMT

نوافذ: وهم المعرفة والغطرسة البشرية!

تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT

العقل الذي اكتشف النواة الذرية، ووقف على سطح القمر وطور حبّة الطماطم المُعدلة وراثيا وأعد أنظمة الحوكمة والاقتصاد الذي يضمن رفاهية الحياة، هو نفسه العقل الذي قدّم لنا صورا من الغطرسة والغرور والطيش!

فالعقل البشري بقدر ما نراه عبقريا بقدر ما هو مُثير للشفقة في آن، لاسيما في الظروف التي تعصفُ بها موجات من الاستقطاب والعنف والاستحواذ.

يطرح كتاب «وهم المعرفة» لستيفن سلومان وفيليب فيرنباخ، ت: أحمد م.أحمد، هذه الفكرة جوار أفكار أخرى لا تقل أهمية سنأتي على ذكرها تباعا.

يجد العالِمان أنّنا نعيشُ وهم المعرفة، لأننا نفشل في رسم خط دقيق بين ما هو داخل أدمغتنا وما هو خارجها. وفي حقيقة الأمر لا وجود لخط فصل حاد بينهما، لذلك فنحن غالبا لا نُدرك ما نجهله، ولو أننا أدركنا حدود فهمنا لأصبحنا أكثر تواضعا مما نبديه الآن من غرور، «فالجماجم التي تُحدد حدود الأدمغة، لا يمكنها أن تُحدد حدود المعرفة». ما يريد أن يُؤكده الكتاب هو أنّ البشرية لم تُنجز مشاريعها الكبيرة على نحو فردي، فمشروع المعرفة تراكمي ومُعقد أكثر مما يبدو لنا. فقد طور الناس منذ بداية الحضارة خبرات متباينة ضمن مجموعاتهم، وعليه فنحنُ بطريقة أو بأخرى نتشاركُ حيزا من أذهاننا مع الآخرين.

لكن صُناع الأفلام والروايات حتى قصص التاريخ، لم يُقدروا هذه الطبيعة التشاركية، فهي على نحو ما تمجدُ القوة الفردية للبطل الذي يُنقذ الكوكب، تُمجد أفرادا من المخترعين من قبيل: ماري كوري والنشاط الإشعاعيّ، نيوتن وتفاحته، أو جنكيز خان من بين جميع المغول، فهل يمكن التصديق أنّ هذه التجارب نضجت دون معامل أو دون أصدقاء وخصوم؟

بات من السهل الحصول على المعرفة من أدمغة من حولنا ومن الإنترنت، إذ يمكننا بضغطة زر واحدة أن نعرف الكثير جدا عن الطب والصيد والموسيقى والفن الطبخ والعلوم، وهي أمور متوفرة خارج دماغنا البشري. يجد العالِمان أنّ العقل ليس آلة مُصممة لحفظ الذكريات وإلا كان سينهار أمام تعقيد العالم الذي نتفاعل معه كل يوم، وتشير إحدى قصص بورخيس إلى أنّ تذكر كل شيء يتعارض مع فكرة التجريد، فالعقل مشغول في اصطفاء الأمور الأكثر فائدة وحسب.

ورغم أن الكتاب يشير إلى الاستقطابات السياسية في أمريكا، فإنّه يُرينا مدى ضآلة فهمنا لمجتمعاتنا ومعتقداتنا ومواقفنا من الأشياء. إذ تنشأ الخلافات بسبب التوقعات الفردية أو سوء الفهم، بينما لو تمّ فهم الموقف جيدا من المرجح أن نُصبح أقلّ استقطابا وأقلّ شيطنة.

لقد رأينا مثالا قويا بهذا المعنى في «غزّة»، فعبر صور وفيديوهات ومقاطع تشاركية ومُؤثرة خرجت مُشكاة ألم واحد، تمكن الضحايا -إلى حد ما- من زعزعة يقين مُضلل، وفرض احتمالات جديدة للفهم لدى الآخر - رغم الكلفة الباهظة - بينما لا تتمكن بلدان أخرى من الخلاص من صورتها المُستعارة باعتبارها: مجرد إرهاب مُتناحر فيما بينه!

تبدو كل الاختراعات البشرية باهتة المعنى فيما لو كانت مُصممة لإبادة الآخر واحتقاره والهيمنة عليه، وهي في العموم باهتة أمام تعقيد العالم الطبيعي أصلا، يكفي أن نعرف أنّ الجرذان تمتلكُ ٢٠٠ مليون خلية عصبية، القطط لديها ما يقرب المليار، والبشر 100 مليار، وعلى الرغم من وجود كل هذه الخلايا العصبية إلا أنّها لا تكفي للاحتفاظ بكل ما نواجهه في يومنا من سيل المعلومات. هل لنا أن نتصور أيضا أنّ الطقس مُعقد مثل الدماغ البشري؟ وأنّ الإنسان لا يستطيع حتى الآن إلا أن يتنبأ بالقليل وقبل أيام قليلة من حدوث التغيرات!

ماذا عن النباتات التي تقوم بأعمال بدائية، بتوجيه أوراقها نحو الشمس، أو إسناد نفسها بشيء ما لتتسلقه؟ ماذا عن تلك التي ترتد عند اللمس؟ ماذا عن دقة عمل النبات اللاحم «خناق الذباب»؟ ماذا عن رقصة تزاوج سرطانات حذوة الحصان والتي تُقامُ منذ ٤٥٠ مليون سنة؟ ما الذي يدور في أدمغتها؟

أليس من واجب الغرور البشري أن يتضاءل إزاء صورة الكون مُدهشة التعقيد؟ يشيرُ الكتاب إلى أنّ الكائنات المُفكرة من المرجح بقاؤها على قيد الحياة أكثر من غيرها، شريطة أن تكون برفقة عقول مُتعاونة لإنجاز أشياء مذهلة خارج أوهامنا بشأن المعرفة الكلية، إذ لم نُؤت من العلم إلا قليلا..

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ماذا عن التی ت

إقرأ أيضاً:

اليونسكو واليونيسف: بنك المعرفة المصري نموذج عالمي للتحول الرقمي في التعليم

أعلن د. أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، إصدار منظمتي "اليونسكو واليونسيف" بشكل مشترك دراسة حالة شاملة حول منصة التعلم الرقمي الوطنية "بنك المعرفة المصري" (EKB) كمنصة رائدة للمعرفة ودعم التعلم في مصر.

ويعُد هذا الإصدار هو الأول ضمن مبادرة "بوابات التعلم الرقمي العام"، التي أطلقتها منظمة اليونسكو بالشراكة مع اليونيسف؛ لرصد وتمكين المنصات العامة للتعلم الرقمي على مستوى العالم، وتسليط الضوء على النماذج الأكثر نجاحًا، وتعزيز تبادل الخبرات؛ بهدف جعل التعليم أكثر وصولًا وعدالة وتعزيز البيئات التي يمكن أن تزدهر فيها المعرفة.

وأشادت الدراسة ببنك المعرفة المصري كأحد المنصات العامة الرائدة، وأهمية دوره في دعم التعلم الذي امتد من قارة إفريقيا والشرق الأوسط، إلى إحداثه تأثيرًا بارزًا على مستوى العالم من خلال مساهمته بشكل كبير في تمكين التعليم ونشر المعرفة وتعميمها.
 
وتناولت دراسة الحالة، رحلة بنك المعرفة المصري منذ إطلاقه، وقدمت نظرة متعمقة حول الإستراتيجيات والتحديات والإنجازات التي حققها، فضلًا عن استعراض دوره الكبير في توحيد جهود نشر المعرفة، عبر تقديم مجموعة من البوابات والأدوات التعليمية والمعرفية التي تخدم كافة الأعمار والتخصصات.

كما استعرضت الدراسة وضع بنك المعرفة المصري كأحد أكبر المنصات العامة الرائدة في إفريقيا والشرق الأوسط، مبرزًة دوره في تعميم ونشر المعرفة ومصادر التعلم من خلال تعاونه مع كُبرى دور النشر العالمية.
 
وأشارت الدراسة إلى أن بنك المعرفة المصري استطاع منذ إنشاؤه في عام 2016، أن يصبح حجر الزاوية في المشهد التعليمي في مصر، من خلال مشاركته في مبادرة تطوير التعليم في مصر، وتفعيل التحول الرقمي كوسيلة لتمكين الوصول العادل للمصادر التعليمية والمعرفية، وكذا مساهمته في تحقيق رؤية مصر 2030 للتعليم.

ونوّه التقرير الصادر عن المنظمتين إلى أن دراسة الحالة حول بنك المعرفة المصري تمثل موردًا لصانعي السياسات والمعلمين وأصحاب المصلحة المهتمين بالتحول الرقمي في التعليم، حيث يقدم إلهامًا لمبادرات مماثلة في جميع أنحاء العالم، وإرشادات لتنفيذها.

وقد دعت "اليونسكو واليونيسف" القادة التعليميين والمسؤولين الحكوميين والمجتمع التعليمي لاستكشاف نتائج دراسة حالة بنك المعرفة المصري، معتبرة أن هذه الوثيقة تُعد انعكاسًا للرؤية الثاقبة لمبادرة تعزيز التعليم الرقمي، وللجهود التعاونية والشراكات الإستراتيجية التي شكلت تجربة بنك المعرفة المصري ليصبح نموذجًا للنجاح في التعلم الرقمي العام على مستوى العالم.
 
يأتي هذا التقرير، في أعقاب الزيارة الناجحة لوفود منظمة اليونسكو للقاهرة خلال شهر مايو الماضي، والتي حظيت بدعم كبير من الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، حيث شارك ممثلو اليونسكو واليونيسف، وكذا ممثلو 22 دولة من مختلف دول العالم على مدار ثلاثة أيام؛ لدراسة تأثير بنك المعرفة المصري المُباشر والفاعل في نشر المعرفة ودعم وتمكين التعلم.

جدير بالذكر أن بنك المعرفة المصري هو مبادرة أطلقتها الحكومة المصرية وتهدف إلى تزويد كافة المصريين بإمكانية الوصول إلى المعرفة ومصادر التعلم، ويعُد أكبر مكتبة رقمية ومركز معرفة حول العالم، حيث يوفر وصولًا مجانيًا إلى موارد تعليمية عالية الجودة لجميع الفئات العمرية، كما يُعتبر نموذجًا للتعاون الناجح بين مؤسسات الدولة المختلفة، ومثالًا على التأثير الإيجابي للتكنولوجيا الرقمية في التعليم عند حسن توظيفها.

ويعكس صدور هذا التقرير حجم الإنجاز الذي حققه بنك المعرفة المصري وقيامه بدور أساسي في دعم المُتعلمين والمعلمين والمؤسسات، بما يوفره من ثروة من المحتوى التعليمي والعلمي، بالإضافة إلى تقديمه لدورات بناء القدرات لتحسين استخدام هذه الموارد، كما يؤكد التزام الدولة بتطوير وتعميم التعلم والوصول إلى المعرفة وتعزيز ثقافة التعلم مدى الحياة وبناء مجتمع معرفي مبدع.

ولمزيد من المعلومات، وللاطلاع على الدراسة الكاملة، التي تُقدم نظرة مُتعمقة على الإستراتيجيات والتحديات والإنجازات لبنك المعرفة المصري، يُرجى زيارة صفحة مكتبة اليونسكو الرقمية من خلال الرابط التالي:
‏ https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000391125.
 
 الإدارة العامة للمكتب الإعلامي والمتحدث الرسمي

مقالات مشابهة

  • اليونسكو واليونيسف: بنك المعرفة المصري نموذج عالمي للتحول الرقمي في التعليم
  • إصدار "اليونسكو- اليونيسف" دراسة حالة عن بنك المعرفة المصري
  • الذكاء الاصطناعي يهدد الذكاء البشري
  • اليونسكو واليونيسف يصدران دراسة عن بنك المعرفة المصري: نموذج ناجح في التعلم
  • ماذا نعرف عن “المسيّرة العراقية” الحديثة التي ضربت إسرائيل وأوقعت عشرات من جنودها بين قتيل وجريح؟
  • 8 حقائق عن فضل رسول الله على العالمين
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • مركز الملك فيصل للبحوث يتعاون مع صندوق تنمية الموارد البشرية في أبحاث تنمية رأس المال البشري في سوق العمل
  • ورش ثقافية متنوعة في برنامج إثراء بمحافظة شمال الباطنة