نوافذ: وهم المعرفة والغطرسة البشرية!
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
العقل الذي اكتشف النواة الذرية، ووقف على سطح القمر وطور حبّة الطماطم المُعدلة وراثيا وأعد أنظمة الحوكمة والاقتصاد الذي يضمن رفاهية الحياة، هو نفسه العقل الذي قدّم لنا صورا من الغطرسة والغرور والطيش!
فالعقل البشري بقدر ما نراه عبقريا بقدر ما هو مُثير للشفقة في آن، لاسيما في الظروف التي تعصفُ بها موجات من الاستقطاب والعنف والاستحواذ.
يطرح كتاب «وهم المعرفة» لستيفن سلومان وفيليب فيرنباخ، ت: أحمد م.أحمد، هذه الفكرة جوار أفكار أخرى لا تقل أهمية سنأتي على ذكرها تباعا.
يجد العالِمان أنّنا نعيشُ وهم المعرفة، لأننا نفشل في رسم خط دقيق بين ما هو داخل أدمغتنا وما هو خارجها. وفي حقيقة الأمر لا وجود لخط فصل حاد بينهما، لذلك فنحن غالبا لا نُدرك ما نجهله، ولو أننا أدركنا حدود فهمنا لأصبحنا أكثر تواضعا مما نبديه الآن من غرور، «فالجماجم التي تُحدد حدود الأدمغة، لا يمكنها أن تُحدد حدود المعرفة». ما يريد أن يُؤكده الكتاب هو أنّ البشرية لم تُنجز مشاريعها الكبيرة على نحو فردي، فمشروع المعرفة تراكمي ومُعقد أكثر مما يبدو لنا. فقد طور الناس منذ بداية الحضارة خبرات متباينة ضمن مجموعاتهم، وعليه فنحنُ بطريقة أو بأخرى نتشاركُ حيزا من أذهاننا مع الآخرين.
لكن صُناع الأفلام والروايات حتى قصص التاريخ، لم يُقدروا هذه الطبيعة التشاركية، فهي على نحو ما تمجدُ القوة الفردية للبطل الذي يُنقذ الكوكب، تُمجد أفرادا من المخترعين من قبيل: ماري كوري والنشاط الإشعاعيّ، نيوتن وتفاحته، أو جنكيز خان من بين جميع المغول، فهل يمكن التصديق أنّ هذه التجارب نضجت دون معامل أو دون أصدقاء وخصوم؟
بات من السهل الحصول على المعرفة من أدمغة من حولنا ومن الإنترنت، إذ يمكننا بضغطة زر واحدة أن نعرف الكثير جدا عن الطب والصيد والموسيقى والفن الطبخ والعلوم، وهي أمور متوفرة خارج دماغنا البشري. يجد العالِمان أنّ العقل ليس آلة مُصممة لحفظ الذكريات وإلا كان سينهار أمام تعقيد العالم الذي نتفاعل معه كل يوم، وتشير إحدى قصص بورخيس إلى أنّ تذكر كل شيء يتعارض مع فكرة التجريد، فالعقل مشغول في اصطفاء الأمور الأكثر فائدة وحسب.
ورغم أن الكتاب يشير إلى الاستقطابات السياسية في أمريكا، فإنّه يُرينا مدى ضآلة فهمنا لمجتمعاتنا ومعتقداتنا ومواقفنا من الأشياء. إذ تنشأ الخلافات بسبب التوقعات الفردية أو سوء الفهم، بينما لو تمّ فهم الموقف جيدا من المرجح أن نُصبح أقلّ استقطابا وأقلّ شيطنة.
لقد رأينا مثالا قويا بهذا المعنى في «غزّة»، فعبر صور وفيديوهات ومقاطع تشاركية ومُؤثرة خرجت مُشكاة ألم واحد، تمكن الضحايا -إلى حد ما- من زعزعة يقين مُضلل، وفرض احتمالات جديدة للفهم لدى الآخر - رغم الكلفة الباهظة - بينما لا تتمكن بلدان أخرى من الخلاص من صورتها المُستعارة باعتبارها: مجرد إرهاب مُتناحر فيما بينه!
تبدو كل الاختراعات البشرية باهتة المعنى فيما لو كانت مُصممة لإبادة الآخر واحتقاره والهيمنة عليه، وهي في العموم باهتة أمام تعقيد العالم الطبيعي أصلا، يكفي أن نعرف أنّ الجرذان تمتلكُ ٢٠٠ مليون خلية عصبية، القطط لديها ما يقرب المليار، والبشر 100 مليار، وعلى الرغم من وجود كل هذه الخلايا العصبية إلا أنّها لا تكفي للاحتفاظ بكل ما نواجهه في يومنا من سيل المعلومات. هل لنا أن نتصور أيضا أنّ الطقس مُعقد مثل الدماغ البشري؟ وأنّ الإنسان لا يستطيع حتى الآن إلا أن يتنبأ بالقليل وقبل أيام قليلة من حدوث التغيرات!
ماذا عن النباتات التي تقوم بأعمال بدائية، بتوجيه أوراقها نحو الشمس، أو إسناد نفسها بشيء ما لتتسلقه؟ ماذا عن تلك التي ترتد عند اللمس؟ ماذا عن دقة عمل النبات اللاحم «خناق الذباب»؟ ماذا عن رقصة تزاوج سرطانات حذوة الحصان والتي تُقامُ منذ ٤٥٠ مليون سنة؟ ما الذي يدور في أدمغتها؟
أليس من واجب الغرور البشري أن يتضاءل إزاء صورة الكون مُدهشة التعقيد؟ يشيرُ الكتاب إلى أنّ الكائنات المُفكرة من المرجح بقاؤها على قيد الحياة أكثر من غيرها، شريطة أن تكون برفقة عقول مُتعاونة لإنجاز أشياء مذهلة خارج أوهامنا بشأن المعرفة الكلية، إذ لم نُؤت من العلم إلا قليلا..
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أبل تخترق عالم الروبوتات البشرية
تتجه شركة أبل نحو تطوير روبوتات ثورية، سواء كانت بشرية الشكل أو غير بشرية.
رغم أن التقارير السابقة كانت تشير إلى تركيز الشركة على الروبوتات غير البشرية، فإن معلومات جديدة من سلاسل التوريد تشير إلى أن أبل لا تستبعد تصميم روبوتات شبيهة بالبشر، ولكن مع ميزات فنية وإبداعية قد تغير شكل التكنولوجيا المستقبلية. وتوقع المحللون أن نرى أحد هذه الروبوتات بحلول عام 2028، وفق موقع "اكستريم تيك".
اقرأ أيضاً.. اختبار جديد يكشف حدود التفكير المنطقي للذكاء الاصطناعي.. وهذه هي المفاجآت!
من مشروع السيارة إلى الروبوتات المنزلية
في العام الماضي، أفادت مصادر لبلومبيرغ بأن أبل بدأت في استكشاف تطوير الروبوتات المنزلية بعد التخلي رسميًا عن مشروع "Apple Car".
وظل مشروع الروبوتات سريًا إلى حد كبير، حتى الشهر الماضي، عندما نشر مهندسو أبل ورقة بحثية تضمنت تصميمًا تجريبيًا لروبوت يشبه المصباح.
وأظهرت الرسوم التوضيحية المرفقة الروبوت وهو يراقب الأشياء، يومئ برأسه، ويتفاعل مع المستخدم بطريقة تشبه الاتصال البصري، بل وحتى يُظهر سلوكًا شبيهًا بتحريك الذيل تعبيرًا عن الحماس. ومع ذلك، لم يكن الهدف من البحث تقديم منتج فعلي، بل دراسة كيفية جعل الروبوتات غير البشرية جذابة للمستخدمين.
أبل تبني نماذج أولية بالفعل
وفقًا لتقرير من للمحلل الشهير مينغ-تشي كو، فإن أبل "تستكشف تطوير روبوتات بشرية وغير بشرية لدمجها في منظومة المنزل الذكي المستقبلية".
وأضاف كو أن "بينما يناقش القطاع مزايا التصاميم البشرية مقابل غير البشرية، تشير بيانات التوريد إلى أن أبل تركز أكثر على كيفية تفاعل المستخدمين مع الروبوتات بدلًا من شكلها الفعلي"، مما يشير إلى أن تقنيات الاستشعار والبرمجيات الذكية ستكون جوهر هذا التطوير.
أخبار ذات صلة
متى نرى روبوتات أبل في الأسواق؟
وفقًا لكو، يتوقع أن الإنتاج الضخم لروبوتات أبل لن يبدأ قبل عام 2028 أو ما بعده.
ورغم الغموض الذي يحيط بخطط أبل النهائية، فهي ليست الشركة التقنية الوحيدة التي تستكشف مجال الروبوتات المنزلية.
فقد قدمت جوجل الشهر الماضي براءة اختراع لروبوت يتحرك بعجلات شبيهة بالدبابات، قادر على تتبع المستخدمين في المنزل ومساعدتهم في العثور على الأشياء المفقودة أو مراقبة الأطفال.
اقرأ أيضاً.. "بوتنونو": أذكى روبوت في العالم.. يجمع بين الفكاهة والابتكار
ومن جهتها، تستعد سامسونج لإطلاق روبوت Ballie الصغير والمتدحرج في الأسواق هذا العام.
فهل ستغير أبل قواعد اللعبة في عالم الروبوتات كما فعلت مع الهواتف الذكية؟
إسلام العبادي(أبوظبي)