لجريدة عمان:
2025-03-16@15:42:45 GMT

نوافذ: وهم المعرفة والغطرسة البشرية!

تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT

العقل الذي اكتشف النواة الذرية، ووقف على سطح القمر وطور حبّة الطماطم المُعدلة وراثيا وأعد أنظمة الحوكمة والاقتصاد الذي يضمن رفاهية الحياة، هو نفسه العقل الذي قدّم لنا صورا من الغطرسة والغرور والطيش!

فالعقل البشري بقدر ما نراه عبقريا بقدر ما هو مُثير للشفقة في آن، لاسيما في الظروف التي تعصفُ بها موجات من الاستقطاب والعنف والاستحواذ.

يطرح كتاب «وهم المعرفة» لستيفن سلومان وفيليب فيرنباخ، ت: أحمد م.أحمد، هذه الفكرة جوار أفكار أخرى لا تقل أهمية سنأتي على ذكرها تباعا.

يجد العالِمان أنّنا نعيشُ وهم المعرفة، لأننا نفشل في رسم خط دقيق بين ما هو داخل أدمغتنا وما هو خارجها. وفي حقيقة الأمر لا وجود لخط فصل حاد بينهما، لذلك فنحن غالبا لا نُدرك ما نجهله، ولو أننا أدركنا حدود فهمنا لأصبحنا أكثر تواضعا مما نبديه الآن من غرور، «فالجماجم التي تُحدد حدود الأدمغة، لا يمكنها أن تُحدد حدود المعرفة». ما يريد أن يُؤكده الكتاب هو أنّ البشرية لم تُنجز مشاريعها الكبيرة على نحو فردي، فمشروع المعرفة تراكمي ومُعقد أكثر مما يبدو لنا. فقد طور الناس منذ بداية الحضارة خبرات متباينة ضمن مجموعاتهم، وعليه فنحنُ بطريقة أو بأخرى نتشاركُ حيزا من أذهاننا مع الآخرين.

لكن صُناع الأفلام والروايات حتى قصص التاريخ، لم يُقدروا هذه الطبيعة التشاركية، فهي على نحو ما تمجدُ القوة الفردية للبطل الذي يُنقذ الكوكب، تُمجد أفرادا من المخترعين من قبيل: ماري كوري والنشاط الإشعاعيّ، نيوتن وتفاحته، أو جنكيز خان من بين جميع المغول، فهل يمكن التصديق أنّ هذه التجارب نضجت دون معامل أو دون أصدقاء وخصوم؟

بات من السهل الحصول على المعرفة من أدمغة من حولنا ومن الإنترنت، إذ يمكننا بضغطة زر واحدة أن نعرف الكثير جدا عن الطب والصيد والموسيقى والفن الطبخ والعلوم، وهي أمور متوفرة خارج دماغنا البشري. يجد العالِمان أنّ العقل ليس آلة مُصممة لحفظ الذكريات وإلا كان سينهار أمام تعقيد العالم الذي نتفاعل معه كل يوم، وتشير إحدى قصص بورخيس إلى أنّ تذكر كل شيء يتعارض مع فكرة التجريد، فالعقل مشغول في اصطفاء الأمور الأكثر فائدة وحسب.

ورغم أن الكتاب يشير إلى الاستقطابات السياسية في أمريكا، فإنّه يُرينا مدى ضآلة فهمنا لمجتمعاتنا ومعتقداتنا ومواقفنا من الأشياء. إذ تنشأ الخلافات بسبب التوقعات الفردية أو سوء الفهم، بينما لو تمّ فهم الموقف جيدا من المرجح أن نُصبح أقلّ استقطابا وأقلّ شيطنة.

لقد رأينا مثالا قويا بهذا المعنى في «غزّة»، فعبر صور وفيديوهات ومقاطع تشاركية ومُؤثرة خرجت مُشكاة ألم واحد، تمكن الضحايا -إلى حد ما- من زعزعة يقين مُضلل، وفرض احتمالات جديدة للفهم لدى الآخر - رغم الكلفة الباهظة - بينما لا تتمكن بلدان أخرى من الخلاص من صورتها المُستعارة باعتبارها: مجرد إرهاب مُتناحر فيما بينه!

تبدو كل الاختراعات البشرية باهتة المعنى فيما لو كانت مُصممة لإبادة الآخر واحتقاره والهيمنة عليه، وهي في العموم باهتة أمام تعقيد العالم الطبيعي أصلا، يكفي أن نعرف أنّ الجرذان تمتلكُ ٢٠٠ مليون خلية عصبية، القطط لديها ما يقرب المليار، والبشر 100 مليار، وعلى الرغم من وجود كل هذه الخلايا العصبية إلا أنّها لا تكفي للاحتفاظ بكل ما نواجهه في يومنا من سيل المعلومات. هل لنا أن نتصور أيضا أنّ الطقس مُعقد مثل الدماغ البشري؟ وأنّ الإنسان لا يستطيع حتى الآن إلا أن يتنبأ بالقليل وقبل أيام قليلة من حدوث التغيرات!

ماذا عن النباتات التي تقوم بأعمال بدائية، بتوجيه أوراقها نحو الشمس، أو إسناد نفسها بشيء ما لتتسلقه؟ ماذا عن تلك التي ترتد عند اللمس؟ ماذا عن دقة عمل النبات اللاحم «خناق الذباب»؟ ماذا عن رقصة تزاوج سرطانات حذوة الحصان والتي تُقامُ منذ ٤٥٠ مليون سنة؟ ما الذي يدور في أدمغتها؟

أليس من واجب الغرور البشري أن يتضاءل إزاء صورة الكون مُدهشة التعقيد؟ يشيرُ الكتاب إلى أنّ الكائنات المُفكرة من المرجح بقاؤها على قيد الحياة أكثر من غيرها، شريطة أن تكون برفقة عقول مُتعاونة لإنجاز أشياء مذهلة خارج أوهامنا بشأن المعرفة الكلية، إذ لم نُؤت من العلم إلا قليلا..

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ماذا عن التی ت

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر: الحوار بين الأديان لم يعد ترفاً بل ضرورة وجودية لإنقاذ البشرية من براثن الجهل

أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، أن الحوار بين الأديان والثقافات لم يعد اليوم ترفاً بل ضرورة وجودية لإنقاذ البشرية من براثن الجهل وسوء الفهم، مشددا على ضرورة توحيد الصفوف لبناء جسور التفاهم علي أنقاض الجهل والغطرسة والكراهية.

جاء ذلك في بيان ألقاه السفير أسامة عبد الخالق مندوب مصر الدائم لدي الأمم المتحدة بنيويورك، نيابة عن فضيلة الإمام الأكبر أمام جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة للاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا.

وقال شيخ الأزهر: إن عقد الاجتماع جاء تتويجاً لجهود مشكورة تحملت عبئها مجموعة الدول الإسلامية لدي الأمم المتحدة لمواجهة هذه الظاهرة اللامعقولة واللامنطقية والتي باتت تمثل تهديداً حقيقياً للسلم العالمي.. مشيرا إلى أن ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام ما هي إلا نتاج لجهل بحقيقة هذا الدين العظيم وسماحته ومحاولات متعمدة لتشويه مبادئه التي قوامها السلام والعيش المشترك في كذبه هي الأكبر في التاريخ المعاصر استناداً لتفسيرات خاطئة واستغلال ماكر خبيث لعمليات عسكرية بشعة اقترفتها جماعات بعيدة كل البعد عن الإسلام.

وسلط البيان الضوء علي إنشاء مرصد الأزهر الشريف لمكافحة التطرف لتوضيح مفاهيم الدين الصحيحة للمسلمين ولغير المسلمين في شتي بقاع العالم وأيضاً لمواجهة الفكر المتطرف وجماعات الإرهاب وحركات العنف، ورصد أعمال العنف ضد المسلمين.. مطالبا بوضع تعريف دولي لظاهرة الاسلاموفوبيا وإنشاء قواعد بيانات شاملة ومحدثة لتوثيق الجرائم والممارسات العرقية والعنصرية ضد المسلمين، واستحداث آلية للمراقبة والتقييم لفعالية التدخلات والمبادرات الهادفة إلي مكافحة الإسلاموفوبيا.

وأشار البيان إلى إطلاق وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية والتي وقعها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر مع قداسة البابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية في أبوظبي عام 2019 وإلى ضرورة مكافحة خطاب الكراهية الذي يتسلل عبر الخطابات والممارسات اليومية في منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وإعلاء مفاهيم الحوار والتسامح والتعايش المشترك، وإصدار تشريعات ملزمة، وإطلاق حملات توعوية تزرع بذور التسامح، وتعزز ثقافة الاحترام المتبادل مما يتيح التعاون علي صناعة خطاب قادر علي إعادة روابط التفاهم والتضامن والإخاء بين الشعوب.

وأعرب شيخ الأزهر عن التقدير للمواقف النزيهة والشجاعة لأنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة ولكلماته التي تحدث فيها عن الإسلام حديثاً منصفاً ينم عن معرفة حقيقية بهذا الدين وبتعاليمه السمحة التي تقف في مواجهة هذه الظاهرة، وتقطع الطريق على فلسفة الانجرار خلف الأحكام الجاهزة، والخضوع المهين للصور النمطية التي يحاول البعض الصاقها بالإسلام، والتي غالباً ما توظف بشكل شعبوى من قبل بعض جماعات اليمين المتطرف لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.

اقرأ أيضاًشيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والقوَّات المسلحة والشعب المصري بذكرى انتصار العاشر من رمضان

شيخ الأزهر: المرأة الفلسطينية ضربت المثل في الصمود والشجاعة والتمسك بالوطن

شيخ الأزهر: التاريخ سيقف طويلًا وهو يحني الرأس للمرأة الفلسطينية التي تشبثت بوطنها

مقالات مشابهة

  • "عُمان المعرفة" تتعاون مع "تكنو" لدعم 200 عائلة خلال رمضان
  • شيخ الأزهر: الحوار بين الأديان لم يعد ترفاً بل ضرورة وجودية لإنقاذ البشرية من براثن الجهل
  • سيرة الفلسفة الوضعية (12)
  • البروفيسور مجدي يعقوب: الشباب المستقبل وعلينا نقل المعرفة إليهم
  • “وما أدراك ما صيدنايا”.. وثائقي يكشف خبايا مسلخ نظام الأسد البشري / شاهد
  • وما أدراك ما صيدنايا.. وثائقي يكشف خبايا مسلخ نظام الأسد البشري
  • ضرورة إبادة الجنس البشري
  • علي بابا تكشف عن ذكاء اصطناعي قادر على تعرف المشاعر البشرية
  • وزيرة التنمية المحلية تتابع مع وفد برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ملفات التعاون المشترك
  • لقاء الخميسي: السعي المستمر وراء المعرفة هو المفتاح لتحقيق الأحلام