جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-29@00:39:10 GMT

مغامرة إبستين والمؤامرة

تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT

مغامرة إبستين والمؤامرة

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

يُلزمنا الواجب برؤية العالم كما يجب أن يكون عليه لا كما يُمكن أن يكون عليه، ومُعظمنا ثابت الاعتقاد بأنَّ مايراه ويسمعه هو حقيقة يقينية حسب ما انتهى إليه علمه لسببين: الأول هو الواقع الذي يتفق عليه كل النَّاس في تشابهٍ للظروف وتقاربٍ للأحوال تشير فيما لايترك مجالًا للشك بصدقيتها، والثاني هو الفطرة الإنسانية الطبيعية التي تقدم افتراض حسن الظن قبل افتراض ظنونٍ ريبية أخرى، ولذلك تقع عقول معظم سكان العالم في منطقة ضبابية بين التصديق والتكذيب وتَرجَح كفة التصديق متسقة مع ظواهر الأمور وحسن النوايا على كفة التكذيب غير المدعومة بالدليل أو الإثبات، وإن أشكل المشكلات تفسير الظاهرات.

أكثر ما يقع فيه معظم سكان العالم اليوم من وَهْمِ تصديق الظاهر هو حالة الإعجاب بالشخصيات الاعتبارية والمشاهير؛ سواءً على المستوى الفني أو السياسي ولا بأس في الأمر إذا ما بقي في حدود الإعجاب بأعمالهم الجيدة ودون خلط الإعجاب بشخوصهم وأساليبهم وهيئاتهم، ثم بتقليدهم والذود عنهم وممارساتهم في ساحات الوغى الإعلامية التي تصورهم فرساناً وصفوة المجتمع. وقد تشكلت صورة خادعة في مخيلة مُعظم المتابعين لمشاهير عالم الفنون والسياسة الغربية والعوالم الموازية لها بحسب مايبدو ظاهرًا كنشر المحبة والسلام وتبرعاتهم للجمعيات الخيرية ومساعداتهم الإنسانية وتأليفهم للكتب التي تحمل صورهم على أغلفتها وغيرها من التمويهات، وحتى لانسرف كثيرًا في حسن الظن فهل كل مانراه ونسمعه هو حقيقة كما يجب أن تكون؟!

لم أكن واثقًا جدًا من زيف مصطلح "نظرية المؤامرة" ولطالما خالجني إحساس أقرب للتصديق منه للتكذيب أو على الأقل تجنب نفيها المطلق لسبب واحد فقط، وهو صمود هذه النظرية لأكثر من 120 عامًا وهي مدة كافية لاندثارها لو كانت وهمية، مع ما أوعب بها من محاولات التكذيب وتضمينها ببعض العلوم التي تبدو زائفة، وقد ساعدت هذه المدخلات على بقائها وانتشارها نظرًا لتوق الناس الفطري لغريب العلوم والأخبار، مما جعل منها مؤخرًا مادة إعلامية جيدة ودسمة للنشر وتحويل كل ماهو غير معقول أو مقبول إليها وبذلك باتت ملفًا مناسبًا يدحض ببساطة الكثير من الحقائق التي تتكشف بين الحين والآخر لتتحول إلى أوهام كمخرج إحسانٍ يغلق معه باب الريبة والشك إلى إشعارٍ آخر.

كلَّما تكشفت لنا فضيحة عالمية جديدة بالوثائق المعتمدة قربتنا إلى الحقيقة خطوة واثقة وصادقت أكثر على شبهات الظنون التي كانت تائهة في فلك "المؤامرة" الشاسع والذي تحول إلى مردم قمامةٍ عملاق يُلقى فيه كل ما لايمكن للعقل تصديقه واستغلال خيرية الإنسان في اعتبارات تقديم حسن الظن قبل إساءته، بينما حقيقة الأمر تُلمح لوجود عوالمٍ موازية للعالم المموه الذي نحياه ويحيا معنا فيه أناس يَعتقد معظمنا بأنهم نُخبة مميزة وتُحب الخير للجميع وتُسخر حياتها في سبيلهِ وهم على النقيض من كل ذلك الإحسان حيث يُظهرون عكس ما يُبطنون وقد تمكنوا من خداع الجميع بكل اقتدار، وصحيح أنهم استتروا في مبتلاهم لكن إرادة الحق تأبى إلا أن تفضحهم على رؤوس الأشهاد بعد أن تقممتهم الشياطين وتَبيَّغ بهم غلوهم إلى تعمد إلحاق الضرر الدائم بغيرهم من المساكين والأبرياء مقابل ملذاتهم وشهواتهم المؤقتة دون ذرة عطف أو حياء.

لقد كنَّا حتى عام 2011 نتلقى كلمة "ماسونية" وهي الملف الأضخم في نظرية المؤامرة بنوع من التهكم والسخرية؛ إذ إنَّ عوامل النفي الظاهرة أقوى من عوامل الإثبات الغائرة ولم يكن يخطر على كل العقول القويمة ممن يقدمون حسن الظن بوجود طغمةٍ عالمية مُتسلطة تريد أن تستأثر بكل شيءٍ لنفسها، ثم بدأنا تدريجيًا مع لغطِ تجنيد شخصيات اعتبارية مرموقة وعلماء على مستوى العالم مع بروز علاقة ترابط بين هذه الماسونية والصهيونية من خلال ميول وأفكار وأهداف تلك الشخصيات الواقعة في دائرة ضوء الاشتباه، وإنتاج أفلامٍ وأغانٍ ترمق من طرفٍ خفي إلى تأصيل كل تلك التعالقات السابحة في فلك المؤامرة تمهيدًا لتغليفها وإقصائها وهاهما الباراكان "أوباما وإيهود" المعاصران لبعضهما في فترة الرئاسة يسرحان ويمرحان بكل حرية.

نلمس اليوم واقعيًا تقنية الذكاء الاصطناعي ونحاول مسايرته وتعلمه ولاننكر أنه كان في مرحلة من المراحل ضمن المؤامرة ولاتزال شآبيب ريبتها تمطر على كارهي المواكبة، وهكذا مع الكثير مما كنا ولازلنا نسمع به كأسلحة التحكم بالطقس مع غاز "الكيمتريل" السام وإكسير الحياة "الادرينوكورم" المستخلص من دماء الأطفال وعلاقته بفرية طقوس قتل الأطفال واستخدام دمائهم التي اتُهم بها يهود أوروبا في القرون الوسطى، ومنها إلى "ملفات باندورا" وحسابات "الأوفشور" للشركات العابرة للحدود والتي تأكدت مع فضيحة بنك "كريدي سويس" قبل 3 أعوام، والأسلحة البيولوجية الجرثومية ليُكشف النقاب عن المعامل التي تمولها أمريكا في أوكرانيا قبل أقل من عامين، وغيرها الكثير مما كان يعتقد أنها تهويماتٍ تبدو غير واقعية لعدم إمكانية تصديقها عند معظم الناس الأخيار، لتتبين بمرور الوقت وبشكل رسمي لا يُبقي نُزرة شك مع أسماء شخصياتٍ قادت ملايين البشر بوجهٍ كاذب منافق بعد أن كنَّا نجزم بعظمتها وإنسانيتها، حتى وصلنا الأسبوع الماضي إلى وثائق الهالك جيفري إبستين ولا أعلم إن كان قد انتحر في سجنه أم تم نحره. وبما أن تكرار الفضائح والتي غالبًا ما تأتينا من العالم الغربي ومشاهيره شكل لدينا نوعًا من التأهيل الاستباقي لتقبلها فإننا لم نُصدم بهذا الخبر، عمومًا سقطت مع هذه الفضيحة الجديدة الكثير من الأقنعة الجميلة البراقة التي تتحلى بها شخصيات عالمية خدعت العالم كله بطيبها ومحبتها حتى إذا خلت إلى شياطينها تقممتهم ملذاتهم وشهواتهم الإبليسية في جزيرة إبستين المشبوهة ولكن عندما دار الباب على حقه واستوى فتحه بعد إطباقه على مُغلقه بات من اليسير الكشف عن حقيقةٍ مختلفةٍ عما كان موصدًا عليه وهاهي الآن تكشف عن قبحها لكل من كان محسنًا للظن بها.

كُل إنسان تقريبًا حين يسمع عن ارتكاب الفواحش والموبقات سوف يوهم نفسه باستحالةِ اقترافه لمثل تلك الأفعال لثقته شبه المطلقة بنفسه ولكنه يغفل دون وعيٍ عن شرطية ظروفه المقيد بها مكرهًا وليس اختيارًا، ثم إضفاء نوع من العصمة الذاتية على نفسه لاجتراح أعمالٍ مشابهة وسوء ظن الإنسان بنفسه أقرب لتربيتها من حسن ظنه بها، وحري بمن يعتقد باستحالة إقدامه على تلك الذنوب أو مجرد التفكير بإقباله عليها أن يطرح على نفسه سؤالًا وهو: ماذا لو كنت مكانه؟ مع اعتبار كل الظروف والأحوال والدوافع، فهل الوازع الديني أو الأخلاقي عند معظم الناس أقوى من إغراءات الأموال والملذات والشهوات واستعادة الشباب وإطالة العمر؟!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تقرير: معظم الشباب والمراهقين الذين يحاولون الهجرة عبر مضيق جبل طارق يأتون من شمال المغرب

قدمت منظمة « كاميناندو فرونتيراس » تقريرها السنوي لعام 2024 بعنوان « مراقبة الحق في الحياة »، والذي وثّقت فيه 10,457 حالة وفاة هذا العام بين المهاجرين الذين حاولوا الوصول إلى إسبانيا، منهم 110 ضحايا على طريق مضيق جبل طارق.

يتضمن التقرير قسمًا خاصًا بمدينة سبتة والضحايا الذين لقوا حتفهم على هذه الحدود البرية بين المغرب وإسبانيا، خاصة في محاولات المهاجرين عبور البحر سباحة عند الحاجز البحري.

تزايد الضحايا بشكل مطرد

يُشير التقرير إلى أن « عدد الضحايا في الحدود الغربية بين أوربا وإفريقيا خلال عام 2024 تجاوز عدد العام الماضي، مما يعكس تصاعدًا في تأثير السياسات المرتبطة بالموت وفقًا للبيانات التي وثقتها منظمتنا ».

من بين إجمالي الضحايا، بلغ عدد الوفيات في طريق المضيق 110، مما يمثل زيادة بنسبة 58% في الحوادث المميتة مقارنة بالعام الماضي. ويُسجل التقرير متوسطًا يوميًا يبلغ 30 حالة وفاة، تشمل نساءً وأطفالًا وبالغين، بالإضافة إلى اختفاء 131 قاربًا بمن كانوا على متنها.

« هل سأرى أمي؟ »

تُسلط المنظمة الضوء على الوضع المأساوي الذي يعيشه شمال المغرب، حيث يؤدي الاختناق الاقتصادي إلى زيادة محاولات الدخول إلى سبتة، التي غالبًا ما يكون أبطالها من القُصّر.

يصف التقرير وضع الأطفال في طريق المضيق بـ »المروع »، حيث يمثل الأطفال 20% من الضحايا، وهي أعلى نسبة مسجلة على طرق الهجرة إلى إسبانيا. ويُشير التقرير إلى أن القيود التي فرضها إغلاق الحدود بسبب جائحة كوفيد-19 ساهمت في تفاقم الوضع، إذ أدت إلى خنق المدن المحيطة بسبتة وتقليص فرص العمل والمستقبل.

ويذكر التقرير أن « معظم الشباب والمراهقين يأتون من شمال المغرب، خاصة من الفنيدق، تطوان، طنجة، القصر الصغير، بالإضافة إلى مناطق ريفية مثل بني أحمد ومناطق أخرى مثل سلا، فاس، مكناس، قلعة السراغنة. في السابق، كان القرب الجغرافي هو الدافع الأساسي للهجرة، لكن الآن تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تنظيم محاولات العبور ».

تجارب شخصية

أ.م.، شاب تطواني يبلغ من العمر 15 عامًا، يروي تجربته: « حاولت العبور أكثر من مرة، الحقيقة تسع مرات. في كل مرة كانت الشرطة المغربية تقبض عليّ وتضربني قبل أن تضعني في سيارة الدورية. أحيانًا كانوا ينقلونني إلى فاس ويتركونني في الشارع عاريًا إلا من ملابس السباحة. شعرت بالإهانة والخوف. كنت فقط أريد دخول سبتة للعمل ومساعدة أسرتي وأمي ».

يُضيف: « في إحدى الليالي الضبابية من غشت، تمكنت من العبور بعد 12 ساعة. كنت أسبح وأرتاح كل ساعتين، وكانت المياه باردة جدًا، لكنني واصلت حتى وصلت صباحًا. في محاولاتي السابقة، كنت أعبر مع أصدقاء، بعضهم نجح، والبعض الآخر لا نعرف مصيرهم. في حينا اختفى الكثير من الشباب. لا أحد يعرف أين هم. هل تعلم متى سأرى أمي مرة أخرى؟ ».

وسائل التواصل الاجتماعي والمآسي

يُبرز التقرير دور وسائل التواصل الاجتماعي في تغيير أنماط الهجرة، حيث أصبحت وسيلة لتنظيم محاولات العبور الجماعية. ويشير إلى زيادة في عدد الفتيات المراهقات اللاتي يحاولن العبور سباحة، رغم أنهن غير مرئيات في الشوارع.

ويُنتقد التقرير غياب استجابة حكومية فعالة للتعامل مع هذه الظاهرة، حيث تُركز السياسات الحالية على الرقابة الحدودية بدلاً من حماية الأرواح.

وينتقد التقرير بشدة نقص كفاءة عمليات الإنقاذ، حيث يصفها بأنها غير كافية ولا تُلبي معايير الاستجابة الطارئة. ويُشير إلى أن العديد من القوارب، حتى عندما يتم تحديد موقعها الجغرافي، لا تحصل على مساعدة فورية.

ويُوضح التقرير أن هذا النقص في الاستجابة يُفاقم الوفيات، خاصة مع استخدام قوارب مطاطية غير آمنة أو محاولات السباحة عبر الحاجز البحري بين المغرب وسبتة.

تدعو المنظمة إلى إصلاح شامل لسياسات الإنقاذ، مع التركيز على حماية الأرواح بدلًا من الأولوية الحالية للرقابة الحدودية. كما تُطالب بإنشاء بروتوكولات فعالة للبحث والإنقاذ، وضمان استجابة سريعة للحالات الطارئة لتقليل الخسائر البشرية على هذه الطرق المميتة.

كلمات دلالية المغرب بحار جريمة سبتة هجرة

مقالات مشابهة

  • "نداء شرارة تشعل الأجواء في عيد ميلادها  وتحتفل بنجاحاتها التي لا تُقهر في الساحة الفنية"
  • طقس مصر غدًا.. بارد نهارًا وشديد البرودة ليلًا في معظم مناطق
  • طقس شديد البرودة على معظم أنحاء الدقهلية
  • تقرير: معظم الشباب والمراهقين الذين يحاولون الهجرة عبر مضيق جبل طارق يأتون من شمال المغرب
  • معظم ضحاياه نساء وفتيات.. معلومات مرعبة عن "دنيجا دنيجا " المرض الأوغندي الغامض
  • كشف المؤامرة.. كيف تحاول جماعة الإخوان السيطرة على عقولنا؟
  • تراجع معظم بورصات الخليج وسوق دبي عند أعلى مستوى في عقد
  • نهاية عصر المؤامرة
  • أبرز أحداث عام 2024 التي شغلت العالم
  • معظم الهزات الأرضية منه .. حزام زاگروس الزلزالي يطوق العراق