مغامرة إبستين والمؤامرة
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
ماجد المرهون
majidomarmajid@outlook.com
يُلزمنا الواجب برؤية العالم كما يجب أن يكون عليه لا كما يُمكن أن يكون عليه، ومُعظمنا ثابت الاعتقاد بأنَّ مايراه ويسمعه هو حقيقة يقينية حسب ما انتهى إليه علمه لسببين: الأول هو الواقع الذي يتفق عليه كل النَّاس في تشابهٍ للظروف وتقاربٍ للأحوال تشير فيما لايترك مجالًا للشك بصدقيتها، والثاني هو الفطرة الإنسانية الطبيعية التي تقدم افتراض حسن الظن قبل افتراض ظنونٍ ريبية أخرى، ولذلك تقع عقول معظم سكان العالم في منطقة ضبابية بين التصديق والتكذيب وتَرجَح كفة التصديق متسقة مع ظواهر الأمور وحسن النوايا على كفة التكذيب غير المدعومة بالدليل أو الإثبات، وإن أشكل المشكلات تفسير الظاهرات.
أكثر ما يقع فيه معظم سكان العالم اليوم من وَهْمِ تصديق الظاهر هو حالة الإعجاب بالشخصيات الاعتبارية والمشاهير؛ سواءً على المستوى الفني أو السياسي ولا بأس في الأمر إذا ما بقي في حدود الإعجاب بأعمالهم الجيدة ودون خلط الإعجاب بشخوصهم وأساليبهم وهيئاتهم، ثم بتقليدهم والذود عنهم وممارساتهم في ساحات الوغى الإعلامية التي تصورهم فرساناً وصفوة المجتمع. وقد تشكلت صورة خادعة في مخيلة مُعظم المتابعين لمشاهير عالم الفنون والسياسة الغربية والعوالم الموازية لها بحسب مايبدو ظاهرًا كنشر المحبة والسلام وتبرعاتهم للجمعيات الخيرية ومساعداتهم الإنسانية وتأليفهم للكتب التي تحمل صورهم على أغلفتها وغيرها من التمويهات، وحتى لانسرف كثيرًا في حسن الظن فهل كل مانراه ونسمعه هو حقيقة كما يجب أن تكون؟!
لم أكن واثقًا جدًا من زيف مصطلح "نظرية المؤامرة" ولطالما خالجني إحساس أقرب للتصديق منه للتكذيب أو على الأقل تجنب نفيها المطلق لسبب واحد فقط، وهو صمود هذه النظرية لأكثر من 120 عامًا وهي مدة كافية لاندثارها لو كانت وهمية، مع ما أوعب بها من محاولات التكذيب وتضمينها ببعض العلوم التي تبدو زائفة، وقد ساعدت هذه المدخلات على بقائها وانتشارها نظرًا لتوق الناس الفطري لغريب العلوم والأخبار، مما جعل منها مؤخرًا مادة إعلامية جيدة ودسمة للنشر وتحويل كل ماهو غير معقول أو مقبول إليها وبذلك باتت ملفًا مناسبًا يدحض ببساطة الكثير من الحقائق التي تتكشف بين الحين والآخر لتتحول إلى أوهام كمخرج إحسانٍ يغلق معه باب الريبة والشك إلى إشعارٍ آخر.
كلَّما تكشفت لنا فضيحة عالمية جديدة بالوثائق المعتمدة قربتنا إلى الحقيقة خطوة واثقة وصادقت أكثر على شبهات الظنون التي كانت تائهة في فلك "المؤامرة" الشاسع والذي تحول إلى مردم قمامةٍ عملاق يُلقى فيه كل ما لايمكن للعقل تصديقه واستغلال خيرية الإنسان في اعتبارات تقديم حسن الظن قبل إساءته، بينما حقيقة الأمر تُلمح لوجود عوالمٍ موازية للعالم المموه الذي نحياه ويحيا معنا فيه أناس يَعتقد معظمنا بأنهم نُخبة مميزة وتُحب الخير للجميع وتُسخر حياتها في سبيلهِ وهم على النقيض من كل ذلك الإحسان حيث يُظهرون عكس ما يُبطنون وقد تمكنوا من خداع الجميع بكل اقتدار، وصحيح أنهم استتروا في مبتلاهم لكن إرادة الحق تأبى إلا أن تفضحهم على رؤوس الأشهاد بعد أن تقممتهم الشياطين وتَبيَّغ بهم غلوهم إلى تعمد إلحاق الضرر الدائم بغيرهم من المساكين والأبرياء مقابل ملذاتهم وشهواتهم المؤقتة دون ذرة عطف أو حياء.
لقد كنَّا حتى عام 2011 نتلقى كلمة "ماسونية" وهي الملف الأضخم في نظرية المؤامرة بنوع من التهكم والسخرية؛ إذ إنَّ عوامل النفي الظاهرة أقوى من عوامل الإثبات الغائرة ولم يكن يخطر على كل العقول القويمة ممن يقدمون حسن الظن بوجود طغمةٍ عالمية مُتسلطة تريد أن تستأثر بكل شيءٍ لنفسها، ثم بدأنا تدريجيًا مع لغطِ تجنيد شخصيات اعتبارية مرموقة وعلماء على مستوى العالم مع بروز علاقة ترابط بين هذه الماسونية والصهيونية من خلال ميول وأفكار وأهداف تلك الشخصيات الواقعة في دائرة ضوء الاشتباه، وإنتاج أفلامٍ وأغانٍ ترمق من طرفٍ خفي إلى تأصيل كل تلك التعالقات السابحة في فلك المؤامرة تمهيدًا لتغليفها وإقصائها وهاهما الباراكان "أوباما وإيهود" المعاصران لبعضهما في فترة الرئاسة يسرحان ويمرحان بكل حرية.
نلمس اليوم واقعيًا تقنية الذكاء الاصطناعي ونحاول مسايرته وتعلمه ولاننكر أنه كان في مرحلة من المراحل ضمن المؤامرة ولاتزال شآبيب ريبتها تمطر على كارهي المواكبة، وهكذا مع الكثير مما كنا ولازلنا نسمع به كأسلحة التحكم بالطقس مع غاز "الكيمتريل" السام وإكسير الحياة "الادرينوكورم" المستخلص من دماء الأطفال وعلاقته بفرية طقوس قتل الأطفال واستخدام دمائهم التي اتُهم بها يهود أوروبا في القرون الوسطى، ومنها إلى "ملفات باندورا" وحسابات "الأوفشور" للشركات العابرة للحدود والتي تأكدت مع فضيحة بنك "كريدي سويس" قبل 3 أعوام، والأسلحة البيولوجية الجرثومية ليُكشف النقاب عن المعامل التي تمولها أمريكا في أوكرانيا قبل أقل من عامين، وغيرها الكثير مما كان يعتقد أنها تهويماتٍ تبدو غير واقعية لعدم إمكانية تصديقها عند معظم الناس الأخيار، لتتبين بمرور الوقت وبشكل رسمي لا يُبقي نُزرة شك مع أسماء شخصياتٍ قادت ملايين البشر بوجهٍ كاذب منافق بعد أن كنَّا نجزم بعظمتها وإنسانيتها، حتى وصلنا الأسبوع الماضي إلى وثائق الهالك جيفري إبستين ولا أعلم إن كان قد انتحر في سجنه أم تم نحره. وبما أن تكرار الفضائح والتي غالبًا ما تأتينا من العالم الغربي ومشاهيره شكل لدينا نوعًا من التأهيل الاستباقي لتقبلها فإننا لم نُصدم بهذا الخبر، عمومًا سقطت مع هذه الفضيحة الجديدة الكثير من الأقنعة الجميلة البراقة التي تتحلى بها شخصيات عالمية خدعت العالم كله بطيبها ومحبتها حتى إذا خلت إلى شياطينها تقممتهم ملذاتهم وشهواتهم الإبليسية في جزيرة إبستين المشبوهة ولكن عندما دار الباب على حقه واستوى فتحه بعد إطباقه على مُغلقه بات من اليسير الكشف عن حقيقةٍ مختلفةٍ عما كان موصدًا عليه وهاهي الآن تكشف عن قبحها لكل من كان محسنًا للظن بها.
كُل إنسان تقريبًا حين يسمع عن ارتكاب الفواحش والموبقات سوف يوهم نفسه باستحالةِ اقترافه لمثل تلك الأفعال لثقته شبه المطلقة بنفسه ولكنه يغفل دون وعيٍ عن شرطية ظروفه المقيد بها مكرهًا وليس اختيارًا، ثم إضفاء نوع من العصمة الذاتية على نفسه لاجتراح أعمالٍ مشابهة وسوء ظن الإنسان بنفسه أقرب لتربيتها من حسن ظنه بها، وحري بمن يعتقد باستحالة إقدامه على تلك الذنوب أو مجرد التفكير بإقباله عليها أن يطرح على نفسه سؤالًا وهو: ماذا لو كنت مكانه؟ مع اعتبار كل الظروف والأحوال والدوافع، فهل الوازع الديني أو الأخلاقي عند معظم الناس أقوى من إغراءات الأموال والملذات والشهوات واستعادة الشباب وإطالة العمر؟!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سامح محجوب: الشعر يعيش بيننا ويشكّل معظم تصوراتنا.. و"بيت الشعر العربي" يتصدر المشهد| حوار
منذ تولى الشاعر سامح محجوب إدارة بيت الشعر العربي، التابع لصندوق التنمية الثقافية، ونجح في تحقيق عمل طفرة كبيرة على مستوى الفعاليات والأنشطة التي يقدمها البيت والتي جذبت الجماهير إليه، وأعادت الفعاليات التي ابتكرها محجوب في البيت، الالتفاف من جديد حول الشعر، وسماع الشعراء الشباب وهم يلقون قصائدهم في أصداء البيت، الأمر الذي جعل بيت الشعر العربي متصدرا للمشهد.
سامح محجوب، شغل من قبل، مدير الأنشطة الثقافية بصندوق التنمية، بوزارة الثقافة، وعمل مديرًا لمركز سعد زغلول الثقافي في الفترة من 2001 حتى 2002، وعمل نائبًا لمدير مركز النقد والإبداع بمتحف أحمد شوقي من 2002 حتى 2004، واستقال من وزارة الثقافة عام 2004 ليلتحق رسميًا بوزارة الإعلام المصرية (التليفزيون المصري)، معدًّا للبرامج ثم رئيسًا لتحرير العديد من البرامج الثقافية والفنية والدينية والاجتماعية بقنوات (التنوير/التعليم العالي/القناة الأولى/ نايل سينما/ النيل الثقافية/ mbc)، وهو عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر ( 2019/2020)، وأحد مؤسسي جماعة دعاء الشرق الشعرية، وحاضَرَ وشارك فى العديد من الندوات حول الإعلام الثقافي والرقمي والقضاء على إمبريالية المركز فى الإعلام والثقافة، وحكم في العديد من المسابقات الأدبية في عدد كبير من المؤسسات.
ولما للدور الكبير الذي لعبه محجوب في بيت الشعر، أجرى موقع صدى البلد حوار مع سامح محجوب، لمعرفة ما يقدمه، وكواليس نجاحه في بيت الشعر، وقال في نص الحوار: «يقدم الشعر كحالة ثقافية متكاملة وليس كقصيدة يقرؤها شاعر على منصة وينصرف، بيت الشعر العربي يطرح في أمسياته وندواته كل ما يخص الشعر تاريخًا ونقدًا وقضايا، كما يعمل بيت الشعر الآن على استعادة رموز الشعرية العربية البعدين عن دائرة الضوء رغم منجزهم الشعري الفارق والمؤثر»، وإلى نص الحوار:
في البداية.. ما هي حقيقة أن الشعر فقد جماهيريته؟
أتمنى أن نتخلى عن مقولات من مثل أن الشعر فقد جماهيريته وأنه لا يقرأ، ومن ثمّ يعزف أصحاب دور النشر عن طباعته، لأن كل الشواهد تدحض ذلك، الشعر يعيش بيننا بل يشكّل معظم تصوراتنا عن الأشياء، ولا يمكن للإنسان أن يتحمل الحياة بطبيعة إجرائية دون تأمل معطياتها وتذوقها والوقوف أمامها لسبر أغوارها وبحث أبعادها غير المرئية وتلك هي الشاعرية التي ترى الصبح نهرًا من الأغنيات وترى الليل مهرجانًا من الألوان .
ما الدور الذي يلعبه بيت الشعر في إثراء الساحة من جديد؟
بيت الشعر العربي بالقاهرة الآن، و بالفعل يتصدر المشهد الشعري العربي حيث يقدم الشعر كحالة ثقافية متكاملة وليس كقصيدة يقرؤها شاعر على منصة وينصرف، بيت الشعر العربي يطرح فى أمسياته وندواته كل ما يخص الشعر تاريخًا ونقدًا وقضايا، كما يعمل بيت الشعر الآن على استعادة رموز الشعرية العربية البعدين عن دائرة الضوء رغم منجزهم الشعري الفارق والمؤثر، وبالفعل بدأ قبل أيام في استعادة الشاعر الراحل صالح الشرنوبي وسنحتفل الأيام القادمة بشاعر الكرنك الشاعر أحمد فتحي ولدينا خطة طموح خلال الأشهر القادمة في استعادة رموز مصرية وعربية كبيرة دخلت دائرة النسيان من خلال صالون الشاعر الرائد أحمد عبدالمعطي حجازي- رئيس بيت الشعر العربي - الذي يعقد شهريا بشكلٍ دوري ، هذا وسوف يتبنى بيت الشعر العربي بداية من ديسمبر المقبل مشروع (حلقة القاهرة النقدية).
ما هي المشروعات الجديدة التي يقدمها بيت الشعر لجمهوره؟
مبادرة (ناقد ومشروع) الذي تقدم به لبيت الشعر مؤخرًا الناقد/ أحمد حسن عوض، وتهدف حلقة القاهرة النقدية عبر مبادرتها (ناقد ومشروع) إلى إلقاء الضوء على منجز نقاد جيل الوسط ممن أسهموا بكتابة فاعلة مؤثرة في مشهدنا الأدبي المعاصر، ولم يقرؤوا باعتبارهم مشاريع تسعي لتجسير الفجوات بين مبدع الأدب وقارئه أو بين الأفكار النقدية ومستقبليها.
والمشكلة الحقيقية أن أغلب نقاد جيلنا النقدي أو ما يمكن أن نطلق عليه جيل الوسط تكمن في أنهم أصبحوا أشبه بالجزر المنعزلة التي لا تفتح الممرات الحوارية لتطالع ما يكتبه الناقد المجامل.
وفي هذا الإطار يتجلى معنى مشروع المبادرة لعله يسهم في عودة العمل الجماعي من ناحية وتثمين دور الناقد الحديث من ناحية أخرى، هذا وسوف تفتح حلقة القاهرة النقدية مستقبلًا المجال لقراءة المشاريع النقدية لجيل الرواد في مصر والوطن العربي.
بيت الشعر يعتبر متنفسًا للشعراء الشباب فكيف يمكن مساعدتهم في خروج قصائدهم للنور؟
وإيمانًا من بيت الشعر العربي بحيوية الشعرية المصرية والعربية ينحاز بشكل دائم ومنهجي للمواهب والتجارب الحديثة وليس أدلّ على ذلك من ملتقى وورشة بيت الشعر الذي يعقد بشكل دائم في الخامسة من مساء كل أحد والذي يقدمه ويشرف عليه مجموعة من شباب الجامعات المصرية، والذي يُناقش من خلاله أحدث الإصدارات الشعرية وكل ما يطرح على الساحة الأدبية من قضايا شعرية، هذا إلى جانب الأمسيات الشعرية الأساسية بالبيت والتي لا تخلو من كل الأجيال، وبالضرورة والحتمية لا يقتصر دور بيت الشعر على تقديم شعراء القاهرة فحسب بل يذهب النصيب الأكبر لشعراء الأقاليم المصرية والدول العربية حرصًا من البيت على إحاطة وثراء وتنوع الشعرية المصرية والعربية.
حدثنا عن أبرز الفعاليات التي أقامها بيت الشعر وحققت نجاحا كبيرا؟
سبق أن أقمنا احتفالية كبرى بمئوية الشاعرة العراقية نازك الملائكة في حضور عربي كبير، ربما لم تشهده فعالية شعرية في أي مكان، كما أحيا البيت قبل أشهر قليلة ذكرى رحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش وشعراء المقاومة الفلسطينية، وعلى الجانب المصري يستقبل البيت في كل فعالياته شعراء وكُتّاب ونقاد من كل الأقاليم المصرية ويوفر لهم إقامة بالقاهرة ولا يفوتني في هذا المقام تقديم الشكر لصندوق التنمية الثقافية التابع له البيت ممثلًا في رئيسه المعماري المهندس حمدي سطوحي الذي يذلل كل العقبات في سبيل قيام بيت الشعر بدوره النوعي في الحركة الثقافية مصريًا وعربيًا ، هذا إلى جانب الدعم الكبير من الفنان الدكتور أحمد فؤاد هنّو وزير الثقافة المستنير الذي استقبل الأستاذ حجازي واستقبلني بمكتبه لدعم بيت الشعر العربي وبحث كل ما يخصه من لوجستيات للقيام بدوره المؤسسي على أكمل وأجمل وجه.
هل لا يوزع الشعر كما يدعى الناشرين؟
ليس صحيحًا بالمرة أن الشعر لا يوزع ولا يحقق أرباحًا للناشر وإلا ما استمروا حتى اللحظة في نشره والبحث عنه، وللأسف معظم دور النشر المصرية غير مؤهل للعمل في هذه الصناعة التي تطورت بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة خاصة في بعدها التكنولوجي والرقمي، ومن تطور منها لا يتعامل بأمانة مع الكُتَّاب بل ويفرض عليهم عقودًا مجحفة لا تتضمن على سبيل المثال حقوقهم المادية من النشر على المنصات الالكترونية وحقهم في معرفة كميات الطبع ونسب التوزيع! ناهيك عن ارتباط بعض دور النشر ببعض الجوائز العربية، وهو الأمر الذي لا يخضع حتى اللحظة لمعايير واضحة يمكن أن يُحتكم إليها.
حدثنا عن أحدث إصداراتك الشعرية، وقدوتك في الكتابة؟
( كن أنت فليس أعظم منك سواك)، إحدى مقولات ديوان مجاز الماء الذي طبع ثلاث مرات، أنا محظوظ بنشر ديوانين في عام واحد وخلال أشهر متقاربة، أحدهما (أمشي ويصل غيري) عن دار الشؤون الثقافة بوزارة الثقافة العراقية والآخر عن سلسلة كتاب القارئ التي توزعها مؤسسة أخبار اليوم الصحفية والتي تصدر عن دار القارئ للنشر والتوزيع ، وبالمناسبة أنا لا أدفع مليمًا واحدًا مقابل نشر كتبي بل وأحصل على مستحقاتي كاملةً قبل النشر، وليس كاتبًا من يدفع لينشر ثمرة موهبته، وجهده العلمي مهما كانت إغراءات النشر.
أما عن الحديث حول ديواني الجديدين فهذا الأمر متروك لمن أراد من القرّاء والنقاد، فأنا لا أجيد الحديث عن نفسي وليس لي أساتذة، وليس هناك كبير وصغير في الفن الكبير والصغير هو النص الذي يكتبه الشاعر ولست في حاجة أن أقول أن معظم مَنْ أحدثوا تحولات كبرى في الشعر والفنون عمومًا عاشوا أعمارًا قصيرة جدًا وتركوا نصوصًا كبيرة جدًا ، ولست حريصًا على تقديم نفسي لأحد كشاعر بل ولا أهدي كتبي لأحدٍ ليكتب عنها ولست حريصًا على مجاملة أحدٍ، الشعر الجيد يدافع عن نفسه وينتخب قارئه ويحجز لنفسه المقعد المناسب لقيمته، بل ويضمن لصاحبه صك المرور في الزمن، وغير معني بالتواجد المجاني الذي يمكن أن يحققه البعض فى وسائل التواصل الحديثة، وأضم صوتي لصوت إمبرتكو إيكو أنه غزو البلهاء ، ومن المهم والضروري أن أعترف أنني لا أعاني من أي إقصاء أو استبعاد وقصائدي ومقالاتي تنشر منذ ثلاثة عقود فى متن أهم وأكبر الدوريات والصحف المصرية والعربية كما تمت ترجمت قصائد لأكثر من لغة حية بدون أن أطلب من أحد ذلك، كما تم طرح نصوصي فى رسائل علمية كثيرة بعد أشهر قليلة سيتم مناقشة رسالة ماجستير بآداب الإسكندرية حول مجمل أعمالي بدون سابق معرفة بيني وبين المشرف العلمي أو الباحث الجامعي ، وهذا ما يجعلني لا أنظر خلفي بغضب وأردد دائمًا: أيها لست مدينًا لك بشيء.