اتفاق أرض الصومال يجعل إثيوبيا قوّة بحرية.. التداعيات الجيوسياسية

 

يقدم الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال ديناميكيات جديدة في الجغرافيا السياسية الإقليمية..

يقدم الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال ديناميات جديدة في الجغرافيا السياسية الإقليمية، مما يؤثر بشكل مختلف على مصالح إسرائيل ومصر والإمارات.

يعزز الاتفاق دور إسرائيل ونفوذها البحري بالبحر الأحمر، مع سيطرة الحوثيين قرب المدخل البحري ويزود إسرائيل بقدرات استخباراتية لمراقبة التهديدات الإقليمية.

اتفاقية الوصول إلى البحر بين إثيوبيا وأرض الصومال تطور محوري له آثار بعيدة المدى. فهو يعيد تعريف الاستراتيجية البحرية لإثيوبيا ويؤثر على توازن القوى الإقليمي.

* * *

وقعت إثيوبيا وأرض الصومال الأسبوع المنصرم اتفاقية مثيرة للجدل تمنح الثانية بموجبها إثيوبيا حق الوصول إلى مياه البحر الأحمر. وبموجب هذا الاتفاق، ستقوم أرض الصومال غير المعترف بها دولياً بإعطاء إثيوبيا، الدولة الحبيسة، منفذاً على البحر بطول 20 كلم يمكّنها من استخدام ميناء بربرة وإنشاء ميناء عسكري والوصول بحريّة تامة لمياه البحر الأحمر وذلك لمدّة 50 عاماً في مقابل وعد للاعتراف الرسمي بها من قبل إثيوبيا.

ويعد هذا الاتفاق، الذي وقعه رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد ورئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي، بمثابة اتفاق تاريخي لأديس أبابا التي فقدت منفذها على البحر بعد انفصال أريتريا عنها وإعلان استقلالها عام 1993. وبالرغم من أنّ إثيوبيا اعتمدت على ميناء عصب الأريتري بعدها، إلاّ أنّها فقدت القدرة على استخدامه خلال النزاع بين البلدين بين عامي 1998 و2000، ما دفعها إلى توظيف ميناء جيبوتي لتنشيط تجارتها.

ففي تصريحات تعكس طموح إثيوبيا في تأمين وصول مستدام على البحر الأحمر فضلاً عن بناء قاعدة عسكرية بحريّة، أكّد أبي أحمد في أكتوبر الماضي أن الحصول على منفذ بحري قضية حياة أو موت لبلاده الحبيسة، مشيراً إلى أنها ستحصل على هذا الحق بالقوة أو بوسائل أخرى، وهو الأمر الذي انتهى إلى التوصل إلى صفقة مع أرض الصومال.

ويُعدّ هذا الاتفاق بمثابة اختراق استراتيجي للسلطات الأثيوبية، وهو يصب الزيت على نار التنافس المحتدم في منطقة القرن الأفريقي، الأمر الذي يمكن رصده من خلال ردود الأفعال التي صدرت حتى الآن تعقيباً على الاتفاق.

وفي هذا السياق، نددت الحكومة الصومالية، التي تعتبر أرض الصومال جزءا من أراضيها، بالصفقة باعتبارها انتهاكا لسيادتها وسلامة ووحدة أراضيها. وتضمّن هذا الرفض الصارم من جانب الصومال، استدعاء سفيرها من إثيوبيا. كما أعربت مصر، وهي لاعب رئيسي في المنطقة، عن مخاوفها.

وشددت وزارة الخارجية المصرية على أهمية احترام وحدة الصومال وسيادته، مُلمّحة إلى احتمال عدم الاستقرار الذي قد يثيره الاتفاق في منطقة القرن الأفريقي. وقد رددت جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي نفس الموقف، حيث يدعو كلاهما إلى الحفاظ على السيادة الصومالية، أمّا الولايات المتّحدة فقد عبّرت عن قلقها البالغ إزاء هذه الخطوة.

ويربط البعض الاتفاق بعوامل أخرى تتعلق بالسياق والتوقيت، وهو ما قد يستدعي الإمارات وإسرائيل بشكل غير مباشر. فالسياق يشير إلى أنّ دورا سبّاقا للإمارات في أرض الصومال حيث كانت قد وقّعت عام 2016 اتفاقاً بقيمة 442 مليون دولار عبر شركتها "موانئ دبي العالمية"، لتشغيل مركز لوجستي في ميناء مدينة بربرة التجارية. كما التزمت الإمارات ببناء قاعدة عسكرية في جوار مطار المدينة وواجهتها البحرية، قيل حينها أنّها ستُستخدم لمحاربة الحوثيين.

وفي العام 2018، وقع الطرفان اتفاقية لتطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة كانت إثيوبيا طرفاً فيه. وتتمتع أبو ظبي بعلاقات قوية مع إثيوبيا حيث دعمتها مؤخراً ضد التمرد الداخلي الذي اندلع، كما يقال أنّها تدعم موقفها في سد النهضة ضد مصر. ومن أجل كل ذلك، من الصعب تصوّر أنّ الإمارات لم يتم إطلاعها على الأمر ما لم تكن هي المسهّل الحقيقي لهذا الاتفاق.

وفيما يتعلق بالتوقيت، يثير التصعيد الأخير الحاصل قبالة البحر الأحمر نتيجة تهديد الحوثيين باستهداف السفن المتوجهة إلى إسرائيل علامات استفهام حول ما إذا كانت إسرائيل حاضرة في الاتفاق بشكل غير مباشر. إذ تتمتع إسرائيل بعلاقات جيّدة مع أثيويبا الذي كانت تاريخيا جزءاً من استراتيجية الحزام المحيط بالعالم العربي الإسرائيلية.

خلال السنوات الماضية، لم يخف الإسرائيليون دعمهم للتواجد العسكري والاقتصادي الإماراتي في أرض الصومال وتشجيع سياسة مواجهة الحوثيين ومن خلفهم الإيرانيين من هناك.

وتتأثر مصالح إسرائيل في المنطقة بشكل خاص بهذا التطور. فالموقع الاستراتيجي للقرن الأفريقي، وخاصة قربه من مدخل البحر الأحمر، أمر بالغ الأهمية لأمن إسرائيل وتجارتها خاصة في ضوء التهديدات التي يفرضها تزايد النفوذ الإيراني. إن تاريخ إسرائيل من التعاون العسكري والاستخباراتي مع دول مثل أريتريا أيضاً، واهتمامها المتجدد بأفريقيا، يشير إلى نواياها الاستراتيجية في القرن الأفريقي.

إن الجولات التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ العام 2016 إلى العديد من البلدان الأفريقية، بما في ذلك تلك الموجودة في القرن الأفريقي، تسلط الضوء على توجه إسرائيل لتعزيز التعاون لاسيما من الناحية الأمنيّة.

وفي هذا السياق، يقدم الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال ديناميكيات جديدة في الجغرافيا السياسية الإقليمية، مما يؤثر بشكل مختلف على مصالح إسرائيل ومصر والإمارات العربية المتحدة من بين دول أخرى.

وبالنسبة لإسرائيل، فإن هذا الاتفاق يمكن أن يعزز دورها ونفوذها البحري في البحر الأحمر، خاصة في ظل سيطرة الحوثيين بالقرب من المدخل البحري. وقد تزود إسرائيل أيضًا بقدرات استخباراتية معززة لمراقبة التهديدات الإقليمية.

علاوة على ذلك، يمكن أن يكون الاتفاق بمثابة مدخل لتحقيق ثقل موازن للنفوذ المتزايد لتركيا وقطر في القرن الأفريقي، علما أنّ لتركيا علاقات مهمّة مع إثيوبيا ومصر أيضاً، وهو ما قد يفتح الباب أمام مزيد من التقارب المصري مع تركيا لموازنة النفوذ الأثيوبي المتزايد في البحر الأحمر.

باختصار، تعد اتفاقية الوصول إلى البحر بين إثيوبيا وأرض الصومال تطوراً محورياً له آثار بعيدة المدى. فهو لا يعيد تعريف الاستراتيجية البحرية لإثيوبيا فحسب، بل يؤثر أيضًا على توازن القوى الإقليمي.

ردود الفعل القادمة من الصومال ومصر والجامعة العربية، والفوائد المحتملة لإسرائيل والإمارات، تسلط الضوء على التفاعل المعقد بين المصالح في القرن الأفريقي. ومع تطور المشهد الجيوسياسي، لا شك انّنا سنتابع تداعيات هذا الاتفاق عن كثب في المرحلة المقبلة.

*د. علي باكير أستاذ بمركز ابن خلدون، جامعة قطر

المصدر | عربي21

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الصومال أثيوبيا مصر إسرائيل الإمارات أرض الصومال قوة بحرية الاستراتيجية البحرية الوصول إلى البحر

إقرأ أيضاً:

اتفاق سوري لبناني لترسيم الحدود.. وتشكيل لجان قانونية في السعودية

وقع وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة ونظيره اللبناني ميشال منسى على اتفاق بشأن ترسيم الحدود بين البلدين، وذلك خلال اجتماع استضافته مدينة جدة في المملكة العربية السعودية.

وأفادت وكالة الأنباء السعودية "واس"، الجمعة، بأن المملكة استضافت اجتماعا بين وزيري الدفاع اللبناني والجنوبي بحضور نظيرهما السعودي خالد بن سلمان، بهدف تعزيز التعاون في القضايا الأمنية والعسكرية بين دمشق وبيروت.

وخلال الاجتماع، وقع الوزيران اللبناني والسوري على "اتفاق أكد خلاله الجانبان على الأهمية الإستراتيجية لترسيم الحدود بين البلدين، وتشكيل لجان قانونية ومتخصصة بينهما في عدد من المجالات".

كما أكد الجانبان على "تفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية وبخاصة فيما قد يطرأ على الحدود بينهما"، بالإضافة إلى الاتفاق على عقد اجتماع متابعة في السعودية خلال الفترة القادمة.

وبحسب "واس"، فإن الرياض شددت على "دعمها الكامل لكل ما يحقق أمن واستقرار البلدين الشقيقين وبما يسهم في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة".

سعدنا بتوقيع الاتفاق المهم بين صاحبي المعالي وزير الدفاع السوري ووزير الدفاع الوطني اللبناني في اجتماعهما الذي استضافته المملكة بتوجيه من القيادة -أيدها الله- في إطار جهود المملكة لدعم كل ما يحقق الأمن والاستقرار والتنمية للبلدين الشقيقين والمنطقة. https://t.co/UN5BBvpeEa pic.twitter.com/389Rq60DUj — Khalid bin Salman خالد بن سلمان (@kbsalsaud) March 28, 2025
من جهته، قال وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان في تدوينة عبر منصة "إكس"، "سعدنا بتوقيع الاتفاق المهم بين صاحبي المعالي وزير الدفاع السوري ووزير الدفاع الوطني اللبناني في اجتماعهما الذي استضافته المملكة بتوجيه من القيادة -أيدها الله- في إطار جهود المملكة لدعم كل ما يحقق الأمن والاستقرار والتنمية للبلدين الشقيقين والمنطقة".

ويأتي الاتفاق بعد توترات أمنية شهدتها الحدود بين سوريا ولبنان بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، حيث وقعت اشتباكات وعمليات قصف متبادل انطلاقا من أراضي الجانبين.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، اتهمت وزارة الدفاع السورية حزب الله اللبناني بقتل 3 من عناصرها وسحب جثثهم إلى الأراضي اللبنانية، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة على الحدود، رغم نفي الحزب ذلك.


وانتهى التوتر بعد إعلان وزارة الدفاع السورية عن التوصل إلى اتفاق مع الجيش اللبناني يقضي بسحب قوات الجانبين من قرية "حوش السيد علي" على الحدود بين البلدين، بحسب وكالة الأنباء السورية "سانا".

وتسعى الإدارة السورية إلى ضبط الأوضاع الأمنية في البلاد، وتعزيز قبضتها على الحدود مع دول الجوار ومنها لبنان، بما يشمل ملاحقة مهربي المخدرات وفلول النظام السابق الذين يثيرون قلاقل أمنية، بحسب وكالة الأناضول.

وتتسم الحدود اللبنانية السورية بتداخلها الجغرافي، إذ إنها تتكون من جبال وأودية وسهول دون علامات أو إشارات تدل على الحد الفاصل بين البلدين، اللذين يرتبطان بـستة معابر حدودية برية على طول نحو 375 كلم.

مقالات مشابهة

  • أوكرانيا تتلقى نسخة جديدة من اتفاق المعادن مع أميركا
  • اتفاق المعادن.. كييف تلقت من واشنطن "النسخة المجحفة"
  • مخاوف أوكرانية من اتفاق المعادن مع واشنطن
  • اتفاق سوري لبناني لترسيم الحدود.. وتشكيل لجان قانونية في السعودية
  • الحوثي يعلن مسؤوليته عن استهداف مطار بن غوريون وقطع بحرية في البحر الأحمر
  • أنصار الله يعلنون استهداف إسرائيل بعدد من الصواريخ البالستية
  • جماعة «الحوثي» تعلن تنفيذ عمليتين ضد إسرائيل وأمريكا
  • بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا
  • روسيا تستهدف ميناء ميكولايف الأوكراني في البحر الأسود بعد ساعات من إعلان هدنة بحرية
  • دون تردد..زعيم الحوثيين يعلن التشبث بالهجمات على إسرائيل وعلى القوات الأمريكية في البحر الأحمر