كنائس القرن الـ20 في فرنسا تواجه صعوبات الترميم والتمويل
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
في ضاحية إبينيه سور سين، أقفلت كنيسة أبوابها بسبب تشققات، وتسربت المياه إليها، إذ تعاني المباني الدينية -العائدة إلى القرن العشرين في هذه البلدة الواقعة في المنطقة الباريسية كما في مناطق فرنسية أخرى- تدهورا، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل اللازم لتجديد بنائها.
وتُعد "نوتردام دي ميسيون" (أي "سيدة الإرساليات")، ببرج جرسها الذي يشبه المئذنة وواجهتها ذات الشكل القريب من المعابد البوذية الصينية، من أكثر الكنائس تميّزا في المنطقة الباريسية.
لكنّ المبنى الذي أريدَ منه أن يكون كتحية للإرساليات التبشيرية لدى تشييده بمناسبة المعرض العالمي عام 1931، اضطر إلى إغلاق أبوابه بين ليلة وضحاها مطلع أكتوبر/تشرين الأول الفائت، بعدما تسبّبَ ظهور تشققات بمخاوف من انهيار أجزاء منه.
من جهته، قال جان باتيست دوبوي أمين صندوق أبرشية مقاطعة سين سان دوني لوكالة الصحافة الفرنسية إن "الخبراء رأوا أن ذلك قد يحدث خلال 10 سنوات أو في غضون أسبوع".
وأتاحت الدعائم في وقت لاحق إعادة فتح الكنيسة، وهو حل موقّت يسبق التصليحات، مع أن المبنى الرئيسي لا يبدو للوهلة الأولى مهددا. وقال المدير العام لجمعية "شانتييه دو كاردينال" التي تساعد في بناء وصيانة المباني الدينية في المنطقة الباريسية (إيل دو فرانس) جان بيار غاسبار "نعلم منذ الآن أن التكلفة ستبلغ مئات الآلاف من اليورو".
مشهد لكنيسية نوتردام التاريخية حين اشتعل برجها عام 2019 (غيتي) وضع مزروفي مكان آخر من البلدة قبالة أبراج مجمّع أورغومون السكني الشعبيّ، تقع كنيسة القديس باتريس التي تعاني هي الأخرى وضعا مزريا، وأبقت أبوابها مفتوحة على مصراعيها بهدف التخلص من الرطوبة.
وروى كاهن الرعية الأب ديزيريه زانتيه أن "المياه تسرّبت وأدّت قبل أسبوعين إلى انفجار عدّاد الكهرباء، ونجم عن ذلك حريق محدود".
وأضاف "قال الخبير أننا محظوظون، لكننا لم نجرؤ على تشغيل التدفئة مجددا منذ ذلك الحين".
ووُضعَت أغطية من القماش المشمّع على هذه الكنيسة المربَعة الشكل المبنيّة بخرسانة من النوع الذي كان مستخدما في ستينيات القرن العشرين. وفي هذه الحالة أيضا، يتوقع أن تكون فاتورة التصليحات باهظة، وأن تناهز 400 ألف يورو.
ومن المعلوم أن هاتين الكنيستين شيّدتا بعد قانون الفصل بين الكنائس والدولة الصادر عام 1905، وهي تابعة تاليا لأبرشية سين سان دوني التي تشرف على ما مجموعه 72 كنيسة، مما يشكّل تحديا في هذه المقاطعة التي تُعدّ من أفقر المناطق الإدارية في فرنسا.
ولن تتمكن كنائس سين سان دوني أيضا من تسجيل نفسها على لائحة التراث الديني، إذ إن هذه العملية -التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون- مخصصة للبلدات التي يقل عدد سكانها عن 10 آلاف نسمة.
وأكد جان بيار غاسبار أن "فرنسا برمّتها تدعم كنائس القرى الصغيرة، وهذا أمر جيد جدا، لكن يجب ألا ننسى هذه الكنائس" التي بنيت في القرن العشرين لمواكبة التوسع العمراني في المدن، لأنها "ممتلئة وضرورية".
وكانت جمعية شانتييه دو كاردينال، التي تعوّل على التبرعات، توصلت -منذ تأسيسها عام 1931- إلى بناء 330 كنيسة، وثمة 3 أخرى قيد الإنشاء بالقرب من باريس.
وأوضح جان بيار غاسبار أن "تكلفة البناء تبلغ 10 ملايين يورو على الأقل"، مشيرا إلى أن لدى جمعيتها التي لا تتعدى موازنتها ما بين 4 و5 ملايين يورو سنويا "احتياجات أكبر بكثير من الإمكانات".
وأشار إلى أن تقدّم المانحين في السن، وعدم إدراك الجمهور دائما خفايا تمويل كنائس ما بعد عام 1905، أدى إلى "انخفاض مستمر في قيمة التبرعات التي تجمعها الأبرشية"، في حين تشهد احتياجاتها زيادة كبيرة.
وقد تكون أزمة العنف الجنسي في الكنيسة أثّرت سلبا أيضا على سخاء المانحين.
تاريخ في مهب الإهماللكن أعمال الترميم تبقى ضرورية، في وقت يتدهور فيه وضع الكنائس بفعل 3 عوامل: هبوط الأراضي، وتضرر الأسطح (الذي يؤثر على نحو 50 كنيسة في إيل دو فرانس)، وتفتُت المواد القديمة.
وهذه حال كنيسة نوتردام دو رينسي، وهي تحفة خرسانية أنشأها الأخوان أوغست وغوستاف بيريه، إذ شهدت سقوط قشور من برج الجرس قبل أن يخضع للتجديد مارس/آذار الماضي.
وشكّلت الإعانات العامة مصدر جزء كبير من التمويل، إذ صُنّف المبنى على أنه "نصب تاريخي"، وهي صفة تنطبق على اثنتين فحسب من كنائس ما بعد 1905 في سين سان دوني، مع نوتردام دي ميسيون.
وأشاد غاسبار برغبة ماكرون المعلنة في الدفع لاعتبار مباني القرنين الـ19 والـ20 مصنّفة.
ورأى أنّ ثمة "وعيا على مستوى الدولة بأن التراث الديني للقرن العشرين لا يمكن أن يساعده إلا الكرَم العام".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
مشهد العودة
بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، بدأ مئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين بالعودة إلى ديارهم فى شمال قطاع غزة. وفقًا للمكتب الإعلامى الحكومى فى غزة، عاد حوالى 300 ألف نازح إلى محافظتى غزة والشمال عبر شارعى الرشيد وصلاح الدين.
تدفق العائدون سيرًا على الأقدام وعلى متن المركبات، حاملين أمتعتهم وأطفالهم، وسط مشاعر مختلطة من الفرح بالعودة والخوف مما سيجدونه من دمار فى منازلهم. العديد من العائدين وجدوا منازلهم مدمرة بالكامل، ما يضطرهم إلى الإقامة فى خيام أو ملاجئ مؤقتة. يُقدَّر أن العائدين بحاجة إلى ما لا يقل عن 135 ألف خيمة ومأوى لإعادة بناء حياتهم.
يأتى هذا التطور بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذى تضمن تبادل الأسرى بين الجانبين. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه العائدين، بما فى ذلك نقص الخدمات الأساسية والدمار الواسع للبنية التحتية. تعمل المنظمات الإنسانية على تقديم المساعدات اللازمة، لكن حجم الدمار يجعل عملية إعادة الإعمار مهمة شاقة وطويلة الأمد.
فى الوقت نفسه، تستمر الجهود الدبلوماسية لضمان استقرار وقف إطلاق النار ومتابعة المفاوضات لتحقيق سلام دائم فى المنطقة. يأمل الفلسطينيون العائدون فى أن تكون هذه الخطوة بداية لإنهاء معاناتهم والعيش بسلام فى ديارهم.
القصص الإنسانية التى ظهرت مع عودة سكان غزة إلى ديارهم تعكس حالة الصمود بين الألم والأمل، مع بدء عودة سكان غزة إلى منازلهم بعد وقف إطلاق النار، برزت العديد من القصص الإنسانية التى تعكس معاناة الشعب الفلسطينى وقدرته على الصمود، رغم الدمار الذى خلفته الحرب.
أم لأربعة أطفال، عادت إلى حى الشجاعية الذى تعرض لدمار واسع، بعد أيام من النزوح، كانت تحمل حقيبة صغيرة بيد، وتجر طفلتها بيد أخرى. وجدت منزلها مدمرًا بالكامل، لكنها تفاجأت بوجود صور عائلية ملقاة بين الأنقاض. تقول تلك الأم:
«رأيت صورة زفافى بين الحطام، وكأنها تذكرنى بأننا سنعيد بناء كل شيء، كما بدأنا حياتنا من الصفر قبل عشرين عامًا».
محمود، طفل فى العاشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى بيت لاهيا، وجد منزله مدمّرًا جزئيًا، لكنه بدأ يبحث بين الأنقاض حتى وجد دميته القديمة، كان يحملها بفخر، قائلًا:
«قد تكون لعبتى الصغيرة، لكنها تمثل لى أمل العودة والبدء من جديد».
رغم المآسى، تعكس هذه القصص الروح الإنسانية التى لا تنكسر، وحب الفلسطينيين لأرضهم وبيوتهم. العودة ليست فقط جسدية، بل هى شهادة على إصرار شعب غزة على الحياة والبناء من جديد، رغم كل الصعاب..
صمود أهالى غزة وإصرارهم على العودة إلى ديارهم ينسف الفكرة الشيطانية التى طرحها ترامب بنقلهم إلى مصر والأردن فى محاولة لإحياء ما يسمى بصفقة القرن التى حاول تطبيقها فى فترة ولايته الأولى وفشل
تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حول نقل سكان غزة إلى مصر والأردن أثارت الكثير من الجدل والتحليلات، خاصة فى سياق الحديث عن إعادة إحياء خطة «صفقة القرن» التى طرحها جاريد كوشنر خلال ولاية ترامب الأولى. لنفهم أبعاد هذا الحديث وتأثيره، يمكن تحليل الأمر من عدة جوانب:
ترامب، المعروف بتصريحاته المثيرة، قد يكون أشار إلى فكرة نقل سكان غزة كجزء من خطابه السياسى أو لرسم رؤية استراتيجيات قديمة تُطرح فى دوائر معينة. هذه التصريحات تمثل
رؤية اليمين الإسرائيلى المتطرف الذى يروج لفكرة «الترانسفير» كحل لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين.
محاولة لفتح ملف غزة كجزء من حل إقليمى أكبر، ما يعيد طرح أفكار صفقة القرن التى تسعى لإعادة رسم خارطة الصراع الفلسطيني
صفقة القرن التى طرحها كوشنر تضمنت:
تعزيز السيادة الإسرائيلية على أراضٍ واسعة فى الضفة الغربية.
مقترحات اقتصادية ضخمة تهدف إلى «إغراء» الفلسطينيين بالموافقة على التسويات.
محاولة تحويل الصراع من كفاح سياسى إلى مسألة اقتصادية وإنسانية.
حديث ترامب عن نقل السكان قد يكون جزءًا من هذه الأفكار، حيث تم تداول فى بعض التسريبات السابقة أن الخطة تضمنت مقترحات لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين فى دول أخرى مقابل تعويضات مالية.
مصر: ترفض بشدة أى فكرة تتعلق بتوطين الفلسطينيين فى أراضيها، إذ ترى ذلك تهديدًا لسيادتها الوطنية وأمنها القومى.
الأردن: تعارض مثل هذه الأفكار أيضًا، خاصة فى ظل وجود عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها، إضافة إلى القلق من زعزعة استقرارها الداخلى.
صفقة القرن لم تختفِ كفكرة من ذهن ترامب، لكنها فقدت الزخم خاصة مع التحولات السياسية والاقتصادية فى ولاية ترامب الجديدة.
تصريحات ترامب قد تكون محاولة لإعادة طرح أفكار صفقة القرن بصورة معدلة، لكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب:
المعارضة الفلسطينية والإقليمية بقيادة مصر، مع تغير أولويات المنطقة، حيث تركز دول الإقليم على قضايا التنمية والأمن الداخلى أكثر من مخططات إعادة التوطين.
يبقى الأمر فى إطار التصريحات السياسية، دون وجود خطة عملية واضحة أو قابلية حقيقية للتنفيذ.
وفى النهاية سوف تبقى الفكرة الحالية بلا تنفيذ كما كانت صفقة القرن نفسها لأنه ببساطة مصر لن تقبل بها ولا حتى الفلسطينيون.
[email protected]