قصة انتصار مهووس بالتنظيم وإنصافه لضحايا المافيات والعصابات
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
لا شك أن شخصية البطل السينمائي المنقذ كانت وما زالت من الشخصيات المؤثرة في جمهور السينما بكل ما تحمله من امتداد يعود إلى جذور الدراما وبداياتها وبواكيرها وخاصة الدراما الإغريقية.
وعلى هذا عني أرسطو في التأسيس لتلك الشخصية ورسم مواصفاتها وهو ما عنيت به الفنون الدرامية إلى يومنا هذا وخاصة السينما التي كرست لهذه الشخصية الاستثنائية مساحة واسعة من الاهتمام وقدمت نجوما كثرا اضطلعوا بذلك الدور المهم والاستثنائي الذي ظل يحظى باهتمام الجمهور العريض على مدى عقود.
ويحرص المخرج الأمريكي المتميز من أصول إفريقية أنطوان فوكوا منذ العام 2014 وحتى اليوم على شخصية هذا المنقذ من خلال سلسلة من ثلاثة أفلام حملت اسم العادل وقادم بدور العادل فيها الممثل اللامع دينزل واشنطن في دور روبرت مكال، ضابط المارينز ومكتب الاستخبارات العسكرية السابق والمتقاعد حاليا.
ها هو منذ الجزء الأول الذي شاهدناه في عام 2014 يزج نفسه في أكثر التحديات خطورة من أجل إصلاح ما حوله، في تلك البداية كان تصادمه مع المافيا الروسية التي تتاجر بالبشر وتسخر صديقته عاملة المقهى لصالحها وتستعبدها مما يدفع مكال إلى التدخل وعرض شراء حرية الفتاة بالمال في مقابل عدم التعرض لها، لكن التفاوض يفشل وينتهي النزال بمجزرة يخرج منها مكال منتصرا.
مكال قاتل محترف لا يخطئ هدفه ومراوغ بارع وحياته تتسم بدقة متناهية وانضباط عال كرسته حياته العسكرية السابقة، فها هو يمضي الليل بطوله عاجزا عن النوم وهو جالس في مقهى ومطعم ليلي للقراءة وخلال ذلك يشاهد أفعال الخطائين والمنحرفين.
وما إن ينتهي مكال من مهمة حتى يزج نفسه في أخرى، يحرر الفتاة الروسية ثم ينتصر لصديقه في العمل الذي يريد أن يصبح شرطيا لكنه هو وأمه يتعرضان لابتزاز من طرف شرطيين مرتشيين يتولى مكال تأديبهما والنجاح في إدخال صديقه إلى سلك الشرطة.
وهكذا يمضي مكال، بوصفه شخصية درامية استثنائية ذات قدرات خاصة وذكاء مفرط، فضلا عن أنك تشعر في منازلاته الأشد خطورة على أنه ليس كائنا بشريا عاديا فهو فيه من خصال الضواري في الافتراس وقهر أشرس الخصوم. وهكذا اكتسبت شخصية مكال شعبية ونجح الجزء الأول ليليه الجزء الثاني في عام 2018 وحيث سينتقم من من أجل زميلته وأقرب الناس إليه في العمل الاستخباري التي يجري اغتيالها في العاصمة البلجيكية بروكسل وبالفعل يتمكن مكال من قهر شخصيات الخصوم.
يمكن القول إن أعداء مكال متعددو الجنسيات، روس ومن أمريكا اللاتينية وأوروبيون وغيرهم، وها هو المخرج يتحفنا بالجزء الثالث الذي يعرض الآن حيث سينتقل مكال إلى إيطاليا وتحديدا إلى جزيرة صقلية لا لغرض أن يمضي عطلته أو ربما تقاعده هناك بل لملاحقة زعيم عصابة لا أحد يستطيع الوصول إليه، لكن مكال سوف يصل وليس ذلك فقط بل إنه سوف يجهز على كل أفراد عصابته ليرتكب مجزرة حقيقية يستهل بها أحداث الفيلم.
ما بعد تشافيه من رصاصة أصابت ظهره سوف يتفاعل مع بساطة سكان الجزيرة وألفتهم ووقوف الطبيب انزو إلى جانبه ومعالجته إلا أنه ما يلبث أن يفتش عمن يمكن أن يخوض معهم صراعا بشكل ما، أو بمعنى آخر أنه تلك الشخصية الباحثة عن المتاعب.
على أن حبكة ثانوية غير متوقعة سوف تربك مسار الأحداث وذلك من خلال رصد مكال عصابة الكامورا التي تنشط بتجارة الكبتاغون السوري الذي كانت تنتجه داعش ولكن في هذه المرة تنتجه عصابات سورية وتتولى مافيا كامورا بيعه والاستفادة منه بينما هنالك إرهابيون سوريون يفجرون ويقتلون مستفيدين من حبوب الكبتاغون.
هذا التحول في المسار الدرامي صار علامة فارقة ليس في هذا الجزء من السلسلة بل حتى في الأجزاء الأخرى، هنالك دائما قوى تدخل في المسار الدرامي فتحدث تحولا مفاجئا كمثل اكتشاف المافيا الروسية أو كمثل سفر مكال إلى تركيا لغرض استرجاع طفل لوالدته وغيرها، أما هنا فإن معايشة مكال لسكان جزيرة صقلية المسلمين سوف يدفعه إلى التعاطف معهم وليس ذلك فحسب بل في التصدي إلى مافيا كامورا في مغامرة كارثية لا تحتمل.
تكمن شخصية البطل القادم من خلفية تدريب وامتلاك مهارات أمريكية أنه قادر على تصفية خصومه بمهارة عجيبة دون أن يخدش أو يجرح، فالتفوق متحقق بالنسبة له بشكل مؤكد لمجرد تحديد من سوف يموت خلال الدقائق أو الثواني القليلة التالية من المشهد وهو ما كنا شهدناه عندما كان مكال يصارع المافيا الروسية وهنا مع المافيا الإيطالية.
بالطبع سوف يظهر البطل الأمريكي المصلح القادم من وراء الحدود فساد أجهزة الشرطة الإيطالية وبمن فيهم رئيس الشرطة الذي يجرؤ زعيم مافيا الكامورا على قطع يده لكي يكف عن التضييق على المافيا لكن في المقابل فإن البطل الأمريكي الفرد هو قوة في حد ذاتها تتفوق حتى على قدرات رئيس الشرطة ويستطيع أن يفعل ما لا تستطيع أن تفعله السلطات، ولهذا فإن مكال يؤدي تلك المهمة التي آمن بها ببسالة.
على أن التحول الدرامي اللاحق الذي سوف يشكل إضافة جديدة في البناء الدرامي يتمثل في زج مكال للمخابرات المركزية الأمريكية في هذه المعركة وذلك من خلال اتصاله بالمكتب الرئيس في واشنطن وليس صدفة أن تتلقى الاتصال ضابطة محترفة ومتمرسة هي إيما ( تقوم بالدور الممثلة داكوتا فاننغ) لكنها لن تنجز شيئا يذكر أمام براعة مكال لنكتشف أن تلك الضابطة هي ليست إلا ابنة الضابطة السابقة صديقة مكال التي اغتيلت في بروكسل.
مهمة المخرج هنا لا تتوقف عن تذكيرنا في كل مرة بهذه الدورة التي تبدأ من نقطة يقف عندها مكال وتنتهي عنده وحتى هذه الضابطة تشخص من هو مباشرة وعلى الرغم من انكشاف شخصيته إلا أن له أن يقوم بما شاء من عمليات وآخرها قراره مواجهة عصابة كامورا بعد قتل شقيق زعيم العصابة.
ولنمض في مسيرة إقناع المشاهد والتأثير فيه فها هي الجزيرة التي نحتت بيوتها في الجبال تقيم احتفالها الديني رافعين دمية للسيدة العذراء في مشهد ليلي للحشود وهي تحمل الشموع والصلبان لكن في موازاة هذا المشهد هنالك من يؤمن للمحتفلين التمتع بالأمان إذ يكون مكال قد أجهز على عصابة الكامورا واحدا واحدا لينتهي به المطاف بزعيمهم جاثيا على ركبتيه وقد أجبره مكال على ابتلاع كميات من الحبوب المخدرة تجعل بقاءه على قيد الحياة مسألة وقت.
ربما تكمن قوة الجزء الثالث في نظر كثير من النقاد في بساطة المعالجة الفيلمية وعدم تعقيد الأحداث والذهاب مباشرة باتجاه الحلول والمواجهات وذلك من خلال الإبقاء على دور مكال مفتوحا على أي بلاء سوف يبتلى به وأي مجرمين عالميين سوف يتصدى لهم، فكأنه الشرطي الكوني المبتلى بهوس التنظيم والدقة والذي تتلبسه حالة غير مسيطر عليها وهو يواجه خصومه وهو ما أبدع فيه المخرج في الجزء الأول من السلسلة بينما لا يتعاطف كثيرون مع الجزء الثاني.
وحتى إذا سئلنا، يا ترى هل يمكن أن يكون هنالك جزء رابع من هذه السلسلة فإن الجواب هو بالإيجاب، فما دام مكال حي يرزق وما دام الشر وقواه يمكن أن تظهر في أي بلد وفي أي زمان ومكان فإن جزءا جديدا يمكن أن يتم إنتاجه.
...
إخراج / أنطوان فوكوا
سيناريو/ ريتشارد وينك
تمثيل/ دينزل واشنطن، داكوتا فاننغ، ديفيد دينمان، غايا سكوديلارو
منتج منفذ/ طارق بن عمار
تقييم / روتين توماتو 70%، موقع أي ام دي بي 7 من 10، موقع كومين سنس 3 من 5
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يشعل شمعة الحانوكا ويتوعد الحوثيين
أضاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء اليوم الأربعاء، الشمعة الأولى من عيد الحانوكا، معربًا عن فخره بذكرى انتصار المكابيين في العصور القديمة وتأكيده على تحقيق انتصارات إسرائيلية معاصرة.
وفي كلمته التي ألقاها بهذه المناسبة، شدد نتنياهو على أن إسرائيل تواصل تنفيذ ضربات ضد أعدائها في مختلف أنحاء المنطقة.
وقال نتنياهو: "اليوم نضيء الشمعة الأولى من عيد الحانوكا لإحياء ذكرى انتصار المكابيين في ذلك الوقت، وانتصرنا في الوقت الحاضر كما كان الحال آنذاك. نحن ننفذ ضربات ضد أعدائنا، والحوثيون سيتعلمون ما تعلمته حماس وحزب الله ونظام الأسد وغيرهم من اللاعبين في الشرق الأوسط".
وأضاف: "حتى لو استغرق الأمر بعض الوقت، فإن هذا الدرس سيُعلّم للشرق الأوسط بأسره".
ونتنياهو أكد أن إسرائيل ستظل قوية في مواجهتها للمجموعات التي تهدد أمنها، معربًا عن تمنياته لشعبه بمناسبة عيد الحانوكا.