حذر باحث إسرائيلي بارز حكومة بلاده والحكومة الأمريكية من مغبة محاولة استعداء قطر أو التصعيد ضدها، بسبب ما تعتبره تل أبيب دعما من الدوحة لحركة "حماس"، مشيرا إلى أن القوة الناعمة الضخمة التي توفرها الدولة الخليجية في مفاوضات تبادل الأسرى لا غنى عنها، بالإضافة إلى دورها المنتظر في مستقبل غزة على المدى الطويل.

ويرى الباحث يوئيل جوزانسكي، من معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، في مقال نشره موقع "فورين أفيرز"، أنه ينبغي على واشنطن وإسرائيل أن تتصرفا بحذر بينما تعتمدان على قطر للحصول على المساعدة مع "حماس"، حيث لا يستطيع أي منهما تحمل استعداء الدولة الخليجية.

((1))

أهمية قطر للولايات المتحدة

وأضاف: تُعتبر قطر حليفاً قيماً للولايات المتحدة في منطقة ذات أهمية جيوسياسية؛ فهي تستضيف الآلاف من القوات الأمريكية، بما في ذلك المقر الأمامي للقيادة المركزية الأمريكية، وهي موطن أكبر قاعدة جوية أمريكية خارج الولايات المتحدة، والمعروفة باسم العديد.

وفي يناير/كانون الثاني 2022، أصبح أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أول زعيم خليجي يلتقي بالرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أشاد بصفقة قطر بقيمة 20 مليار دولار مع شركة "بوينج" - وهي واحدة من أكبر الصفقات في تاريخ الشركة - ثم أعلن قطر "حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو".

علاوة على ذلك، تمتلك قطر أكثر من 26 مليار دولار من المبيعات العسكرية الأجنبية النشطة للولايات المتحدة، مما يجعلها ثالث أكبر مشتر للمعدات العسكرية الأمريكية من الولايات المتحدة.

وفي الأسابيع الأخيرة، توصلت واشنطن إلى اتفاق مع الدوحة لتوسيع وجودها في قاعدة العديد، مما يسلط الضوء على اعتماد الولايات المتحدة العسكري على الإمارة.

((2))

قطر وجهود الوساطة

ويشير الكاتب إلى أن قطر ناورت بنجاح في عدة ملفات واستخدمت نفوذها الإقليمي ونفوذها الدبلوماسي لكسب ثقة واشنطن من خلال التوسط بين القوى الأمريكية الأخرى بما في ذلك إيران وفنزويلا، وأصبحت تدريجياً أحد أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط.

ويضيف أن قطر نجحت في ترسيخ مكانتها كوسيط ثقيل الوزن في النزاعات، وهو الدور الذي جعلها حليفاً قيماً لمجموعة غير متوقعة من الدول.

وتوسطت الدوحة في المفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان. رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية؛ والجيش السوداني ومجموعة الدعم السريع، من بين آخرين.

وعلى الرغم من أن جهود الوساطة القطرية لم تنجح دائمًا، إلا أنها ساعدت الدولة الخليجية على الفوز بالمكانة الدولية الضرورية لبقائها بين جيرانها الأكبر والأقوى، المملكة العربية السعودية وإيران.

((3))

اتهامات دعم "حماس"

ويستعرض الكاتب اتهامات إسرائيلية لقطر بالتورط في هجوم "حماس" على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بسبب المزاعم في تل أبيب حول دعم الدوحة لـ"حماس" بشكل مباشر، واستضافة قيادة الحركة في العاصمة القطرية، رغم أن تلك الاستضافة جاءت بطلب أمريكي.

ويعتبر جوزانسكي أن علاقة قطر المشحونة مع حماس تمنحها أيضًا قدرة فريدة على التأثير على قادة الجماعة وإحضارهم إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى صفقة رهائن جديدة.

ولا تزال الولايات المتحدة وإسرائيل بحاجة إلى الاعتماد على الدوحة لاستخدام نفوذها لدى "حماس" لتحقيق بعض المكاسب الأساسية - حتى لو اضطرت قطر في نهاية المطاف إلى قطع علاقاتها مع المنظمة، يقول الكاتب.

((4))

وسيط حصري

وقد تمكنت قطر من وضع نفسها كوسيط حصري بين إسرائيل و"حماس" في وقت كانت فيه دول أخرى في المنطقة تنأى بنفسها عن القضية الفلسطينية حيث بدت آفاقها السياسية باهتة.

وحتى مصر، التي عملت حتى سنوات قليلة مضت على مواجهة النفوذ الإقليمي لقطر، قامت منذ ذلك الحين بإصلاح العلاقات مع الدوحة وقبلت احتكار قطر الدبلوماسي لغزة.

ولم تمنع اتصالات الدوحة مع "حماس" الدولة الخليجية من إدارة علاقة إيجابية مع إسرائيل، كما يقول الكاتب، مكنتها من الحفاظ على خطوط اتصال مع تل أبيب أسهمت في وضع حد لجولات من الصراع بين "حماس" والاحتلال في غزة.

ويرى جوزانسكي أن هذا الخط الحساس بين الدوحة وتل أبيب استمر حتى بعد هجوم "حماس" الكبير في 7 أكتوبر، فحتى عندما انتقد الأمير تميم، إسرائيل بسبب عدد القتلى المدنيين في حربها في غزة، عمل المسؤولون القطريون بشكل وثيق مع وكالة المخابرات المركزية والموساد الإسرائيلي للتفاوض على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى "حماس".

وقد استضافت إسرائيل وفودا استخباراتية قطرية لإجراء مناقشات مماثلة.

((5))

معضلة إسرائيل

ويقول الكاتب إنه مع تعهد إسرائيل بالقضاء على حماس، فإنها تواجه الآن معضلة بشأن الدوحة. ولا تستطيع إسرائيل أن تسمح لقطر بمواصلة دعم المجموعة، لكن علاقات قطر مع حماس جعلت منها ركيزة لا غنى عنها في أي مفاوضات مستقبلية، وخاصة فيما يتعلق بالإفراج عن الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في غزة.

المصدر | يوئيل جوزانسكي / فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: وساطة قطر غزة حماس طوفان الاقصى تبادل أسرى الولایات المتحدة الدولة الخلیجیة تل أبیب

إقرأ أيضاً:

النخبة الإسرائيلية تناقش في هرتسيليا: هل نستطيع العيش دون أميركا؟

يعقد في كل عام في جامعة رايخمان في هرتسيليا – وهي الجامعة الخاصة الوحيدة في إسرائيل – مؤتمرٌ سياسيّ وأكاديميّ، يشارك فيه كبار السياسيين والأكاديميين الإسرائيليين، إلى جانب ضيوف من خارج البلاد لهم علاقة بالمواضيع المطروحة على أجندة المُؤتمر.

انعقد يومَي 24 و25 يونيو/حزيران 2024م المؤتمر الـ 21 تحت عنوان: "على طريق المفاجآت الإستراتيجية". كما يشير العنوان، تمحورت الندوات والمحاضرات السياسية والأكاديمية حول قراءة واستقراء مستقبل إسرائيل في ظلّ الإخفاق الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر/تشرين الأوّل، وما تلاه حتى انعقاد المؤتمر.

كما تمحورت النقاشات حول المرحلة المقبلة، خاصة محاولة فهم الإشكاليات والمعضلات التي تواجهها إسرائيل إثر تدهور علاقاتها الخارجية، والتنافر مع الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى إمكانات التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، واحتواء الأزمة مع حزب الله، أو فتح جبهة قتال واسعة قد تؤدي إلى حرب إقليمية تشارك فيها عدة جهات.

أهمية إعلامية

اكتسب المؤتمر الواحد والعشرون – كما العديد من المؤتمرات السابقة – أهمية إعلامية واسعة لمشاركة أصحاب القرار أو المقربين منهم في أعمال المؤتمر. وخلال يومَي المؤتمر، وفّرت بعض المحاضرات والنقاشات مادة إخبارية دسمة تناولتها وسائل الإعلام المحلية والعالمية؛ لما لأقوالهم من أهمية في فهم وتحليل المشهد العام لجبهات القتال حاضرًا ومستقبلًا.

ومن بين المحاور الهامة، برز المحور العسكري والسياسي الذي تمحور حول إمكانات حدوث مفاجآت مستقبلية شبيهة بمفاجأة 7 أكتوبر/تشرين الأول. كما برز محور العلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة، وطرح سؤال النقاش: هل تستطيع إسرائيل العيش دون دعم الولايات المتحدة؟ وتلاه محور الملفّ النووي الإيراني، النظام العالمي، النظام الإقليمي وموقع إسرائيل، وملف اللاسامية، والمخطوفين والأمن الداخلي، وغيرها من القضايا.

وقد غابت عن أجندة المؤتمر قضية الاحتلال والاستيطان. وغياب هذا الملف الرئيسي يوضح الهروب الإستراتيجي الإسرائيلي من مواجهة لبّ الصراع، وعدم مواجهة الأكاديميا والسياسة للقضية التي تسببت في التناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي، لذا غاب عن النقاش كل صوت يساري أو قريب من اليسار يطرح قضية إنهاء الاحتلال بصفتها القضية الأولى لإسرائيل والتي نتجت عنها عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول.

اكتسب حديث غادي آيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق وعضو مجلس الحرب حتى استقالته قبل حوالي أسبوعَين، أهميةً خاصة، حيث كان في مركز القرار خلال وجود حكومة الطوارئ في إسرائيل. وبعد أن تحدث عن أسباب عدم إتمام صفقة التبادل مع حماس؛ بسبب مواقف رئيس حكومة إسرائيل الرافضة لإنهاء الحرب والذي يغير مواقفه حسب رغبة سامعيه وحسب مصالحه السياسية الشخصية، انتقل للحديث عن المستقبل الإستراتيجي لإسرائيل، ووجّه سؤالًا للسياسيين الإسرائيليين: "هل تقبلون أو ترفضون مبادرة السلام العربية لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي والإسرائيلي – الفلسطيني؟".

يعتقد آيزنكوت أن السؤال الجوهري الذي يجب أن يشغل كل إسرائيلي وكل سياسي إسرائيلي، هو هذا السؤال الذي إذا قبلته إسرائيل، فسيتغير وجه المنطقة، وتبدأ مسيرة إستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، وضمنها إسرائيل.

خطوة جريئة

وفي خطوة جريئة وخارجة عن المألوف، وضع آيزنكوت المرآة أمام مجتمع يتّجه أكثر نحو اليمينية وحكومات أكثر تطرفًا تتبنّى سياسة العدوان والاحتلال والاستيطان بدلًا من قبول عرض السلام العربي، وإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة منذ 5 يونيو/حزيران 1967.

وشارك كذلك المفتّش العام للشرطة الإسرائيليّة، الذي تحدّث عما خشي الحديث عنه خلال فترة خدمته قبل أن يتخلّى عنه الوزير اليميني المتطرف بن غفير. هذا المفتش، المتهم بالتواطؤ مع وزيره ضد المتظاهرين وضد المواطنين الفلسطينيين، تحدّث عن وجوب استقلال الشرطة، ومنع إخضاعها لنزوات الوزير، حيث يجب أن تصون حريات المواطنين. تجاهل أنه داسَ على هذه القيم عندما خدم لمدة سنتَين تحت قيادة الوزير بن غفير.

وفي قضية عدم تحرير المخطوفين الإسرائيليين، دار نقاشٌ بين المشاركين في الندوة حول ما إذا كانت دولة إسرائيل قد نقضت "الاتّفاق بينها وبين مواطنيها". ووفقًا لهذا النقاش، فإن إسرائيل تعهّدت لمواطنيها بإنقاذهم من أي مأزق يتعرضون له أثناء تقديم أرواحهم للدفاع عن دولتهم. وحسب النقاش، فإن إسرائيل نقضت هذا التعهد، مما جعل المواطنين في حِلّ من عهدهم، ويحق لهم عدم الخدمة في جيش دولتهم. المسؤول عن هذا النقض مباشرة هو رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي فضل مصلحته الخاصة على مصلحة المواطنين وخاصة المخطوفين.

وفي هذا الملفّ، برزت نقطة نقاش حامية تزامنت مع قرار المحكمة العليا بوجوب تجنيد اليهود الحريديم، ومشاركتهم في تحمّل الأعباء أسوة بباقي اليهود. تشكّل هذه القضية محورًا أساسيًا في المجتمع الإسرائيلي، حيث يرفض الحريديم التخلّي عن نهج حياتهم الديني، ومعارضة الانخراط في مؤسّسات الدولة العلمانية. بعضهم رفع شعار: "نموت ولا نخدم في الجيش" أو "نرحل ولا نخدم"، وعدم التوصل لحلّ يرضي قيادات الحريديم الدينية والسياسية بالضرورة، سيطيح بحكومة نتنياهو، كما لم تستطع مواضيع أكثر حراجة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • في حوار تل أبيب .. مكي المغربي ينتقد إتفاقيات أبراهام ويشيد بمنظمة أمريكية تدعم السودان حاليا
  • إعلام إسرائيلي: غالانت يؤكد دعم تل أبيب لصفقة التبادل
  • النخبة الإسرائيلية تناقش في هرتسيليا: هل نستطيع العيش دون أميركا؟
  • كاتب إسرائيلي: ليست إيران هي التي تخيفني بل بلدي إسرائيل
  • تقرير أمريكي: إسقاط حزب الله واليمن المسيرات يتحدى الهيمنة الجوية لـ”تل أبيب” وواشنطن
  • عميل استخباراتي إسرائيلي سابق: حماس أكثر ذكاء من نتنياهو
  • هل تخطط حماس لمغادرة قطر والاتجاه إلى العراق؟
  • الرشق ينفي مزاعم تخطيط حماس لمغادرة قطر
  • مسؤول أمني إسرائيلي: لم تفلح “تل أبيب” في تحقيق أي من أهداف الحرب
  • مسؤول أمني إسرائيلي: القضاء على حماس سيستغرق وقتا طويلا