#بلا_مجاملة د. #هاشم_غرايبه
سأل معاوية عمر بن العاص يوما: بِمَ سُميتَ (داهية العرب)، قال: مادخلت مدخلا قط إلا خرجت منه، رد عليه معاوية: إذن فأنا أدهى منك، فما دخلت مدخلا لا يمكنني الخروج منه.
لعل الملاحظ أنه منذ الألفية الجديدة من تاريخ أمتنا، انتقلت السلطة في معظم أقطار الأمة من الجيل الأول من مؤسسي أنظمة سايكس بيكو الى الجيل الثاني، الذين تعلموا في معاهد الغرب وتربوا على قيمه، وتدربوا على استكمال ما بدأه آباؤهم الملتزمين بمنهج منع توحد الأمة من جديد تحت يافطة إسلامية، وللتمويه على هذا الهدف النقيض لتطلعات الأمة والمعاكس لمنهجها، سمي ذلك مرحلة المد القومي، واجتهد الغرب في انتقاء قيادات وتدريب طبقة حاكمة لهذه المرحلة لا ترى خيرا في الإسلام، وشجعت تأسيس أحزاب تنتهج مناهج علمانية نقيضة له، تلهث وراء سراب التقدم عن طريق اتباع منهج الغرب.
وهذه الاحزاب انبنت على التعالي على منهج الأمة، بل وتعتبر اتباعه رجعية وتخلفا، فاحتكرت لنفسها مسمى التقدمية، بالمقابل اعتبرت الإسلاميين عملاء للغرب المستعمر، وظلت تردد العبارات الحماسية التي تتوعد الغرب وأعوانهم بالويل والثبور، الى أن جاءت ساعة الحقيقة، عندما ثارت الشعوب العربية المقهورة عام 2011 على أنظمتها العميلة للغرب، فانكشف زيف ادعائها سريعا، إذ أيدت استقواء هذه الأنظمة بالغرب المستعمر ذاته على شعوبها، وصفقت لقمع تلك الثورة بقسوة، عندما تبين أن البديل لها سيكون من الاسلاميين.
ومع أنه وخلال قرن (المد القومي) المنصرم، تحقق برنامج الراعي الغربي بالكامل في (النكبة والنكسة والحل السلمي)، بهدف تركيع الأمة، إلا أن هذا البرنامج استكمل بشكل أعمق في الجيل الثاني من القيادات العربية، وتمثل ذلك بتقسيم المقسم من أجل شرذمة الأمة أكثر، ثم أشغلوها بحروب مع الذات (الحرب على الإرهاب) للقضاء على الروح الجهادية، التي بنيت عليها كل معالم المقاومة للغزاة طوال تاريخنا، ثم التدمير الذاتي وتقطيع أوصال المجتمع في الأقطار العربية الأقوى، فبدأوا بالجزائر ثم العراق فمصر فالسودان فسوريا فليبيا فاليمن، وبعد أن أنجز ذلك، كانت الحلقة الأخيرة وهي تدمير اقتصادات الأقطار التي نجت من كل تلك الحرائق وهي الدول الخليجية، فغلبة الطيش أذهبت الحكمة والتبصر، فوقعت الأنظمة مرة أخرى في مطب الاحتواء المزدوج، فكانت (عاصفة الحزم) على اليمن استنساخا للحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات بلا هدف ولا نتيجة سوى الإستنزاف.
لا شك أن الجيل الثاني أبلوا بلاء يفوق إنجازات آبائهم في إبعاد ذلك المحذور الذي يخشاه الغرب (وحدة الأمة)، ولا بد أيضا أن الراعي الغربي راضٍ عنهم بدرجة أكبر من رضاه عن آبائهم، فقد حققوا له من مصالح في عقدين من الزمن أكثر مما حققه له جيل الآباء في ثمانية عقود.
بناء على ذلك نفهم لماذا كانت تتفاقم المشكلات البسيطة وتتعقد، فالسمة العامة لهؤلاء أبعد ما تكون عن الحكمة والتعقل في التعامل مع الأزمات الخارجية، وبدرجة أعمق مع الداخلية، فعلى صعيد المعارضين، يغلب الطيش والنزق الصبياني في القيام بعمليات التصفية الجسدية بدل الحوار والتفاهم، مما أوقعهم في مآزق تجعلهم هدفا سهلا لابتزاز الغرب، فتستنزف الثروات الطائلة وتضيع سدى.
والأمثلة كثيرة نلمسها في كل الأقطار العربية، فهي إما أنهكها الفساد وسوء إدارة النظام السياسي، أو أهلكها التدمير الذاتي الذي قامت به الأنظمة في العراق والجزائر وتونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن ودول الخليج والسودان، وكانت جميعها تحت عنوان واحد: الخوف من الإسلام.
صحيح أنها برغم كل هذا الإهلاك للحرث والنسل، لم تفلح في قطع أمل الشعوب بتحقق حلمها في الوحدة الإسلامية، إلا أنها حققت تماما ما تدّعي أنها تمانعه وهو البرنامج الاستعماري، من تدمير للنسيج المجتمعي والاقتصاد الوطني، وبشكل تفوق خسارته كل ما يمكن أن يحققه غزو خارجي.
فهل سنبقى أسرى للوهم الذي طالما وعدنا به الممانعون (التقدميون)، وهو أنهم تسعى للتصدي للبرنامج الاستعماري، بعد أن رأيناهم يحققونه بحذافيره!؟.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
الإعلامية هبة جلال: مصر تواجه حملات تشويه من الغرب حول حقوق الإنسان
قال الإعلامية هبة جلال، إن الحديث عن الجانب الثقافي والفكري في ملف حقوق الإنسان في مصر مهم للغاية، مشيرة إلى ضرورة توعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم.، وذلك خلال كلمتها بالجلسة المشتركة التي عقدها المجلس الأعلى للإعلام حول ملف حقوق الإنسان في مصر.
اختلاف مفهوم حقوق الإنسان في مصر عن المجتمع الغربيولفتت إلى اختلاف مفهوم ملف حقوق الإنسان في مصر والدول العربية عن مفهومه في المجتمع الغربي والدول الأوروبية التي يصدر عنها تلك التقارير المشبوهة حول حقوق الإنسان في مختلقا أكاذيب حول الوضع الحقوقي بمصر، مما يتطلب كتابة مقالات شارحة للوضع.
وأكدت أن الدولة المصرية بذلت جهدا كبيرا في منح المواطنين حقوقهم الأساسية من خلال المبادرات وغيرها.