قافلة “رحلة الهجـن”.. 10 أعوام من الحكايات المحفورة على حبات الرمال.
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
لم تكن الطرق ممهدة أمام القوافل الإماراتية في العقود التي سبقت قيام الاتحاد، بل كانت تشق مسالكها بين شعاب البوادي وسط الرمال للوصول إلى هدفها، وكانت القبائل تستعين بقصاصي الآثر للاستدلال على خطوط الطرق التي كانت ترسمها الرياح والعواصف وغالباً ما تغيّر من أشكالها كثبان رملية تأخذ شكل أقدام الجمال التي تعلمت الصبر في سبر أغوار الصحراء.
ومن أجل إحياء ذلك التراث الإماراتي، ليمتد الأثر من الآباء المؤسسين إلى الأجيال الناشئة، يستمر ذلك التقليد السنوي الذي يحيه “مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث” من خلال قافلة “رحلة الهجن”؛ بعيداً عن مجتمع المدينة حيث فتحت الصحراء أحضانها لتقص على ضيوفها من 16 جنسية مختلفة من مواطنين ومقيمين على أرض الدولة قصصاً وحكايات لأناس مروا من هنا.. كان ضوء القمر مؤنسهم والنجوم دليلهم، لربط الحاضر بالتراث.
عادت “رحلة الهجن” أمس إلى دبي، قطعت خلالها قافلة الهجن بنسختها العاشرة مسافة 557 كم بين الكثبان الرملية لصحراء دولة الإمارات العربية المتحدة لقافلتها التي ضمت 37 مشاركاً من 16 جنسية مختلفة، في الرحلة التي استغرقت 12 يوماً على ظهر المطية وسط الكثبان الرملية، والتي بدأت من منطقة “عرادة” لتعود إلى وجهتها الختامية في القرية التراثية بالقرية العالمية.
وانطلقت الرحلة من آخر منطقة في صحراء الربع الخالي يوم 26 ديسمبر الماضي، حيث قطع المشاركون عدة محطات أبرزها: جنوبي تل مرعب، الخرزة، شرقي محمية قصر السراب، محمية المها العربي، شرقي حليبه، شرقي أم الحب، جنوبي محمية بوتيس حيث تتابع القافلة مسيرها باتجاه، جنوبي الخزنة، سويحان، العجبان، سيح السلم، وصولاً إلى نقطة الختام بالقرية التراثية في القرية العالمية أمس 6 يناير الجاري.
تستحوذ قصة طرق القوافل القديمة و”المدقات” الصحراوية التي كانت تنبض بالحياة وسط الرمال في الإمارات على الكثير من الذكريات والشجن لا سيما من طرقها بقدميه جيئة وذهاباً بين أطراف الإمارات، ويمتاز أهل البادية بالمعرفة الجيدة بتلك الطرقات والدروب الصحراوية فقد فرضت عليهم ظروف الحياة أن يتقنوا هذا الأمر من أجل البحث عن الماء والطعام.
وبهذا الصدد يؤكد سعادة عبد الله حمدان بن دلموك، الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، على المضمون والجوهر لتلك الرحلة التي يرعاها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ويشرف على تفاصيلها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي ، لما بها من عبر ،والتزام وتعاون وصبر في اجتياز العديد من التحديات، ووعورة بعض المناطق التي اجتازتها القافلة، وزيادة عدد ساعات الترحال.
وقال بن دلموك وهو يفترش المجلس بالقرية التراثية ويرسم على حبات الرمل بعد استراحة قصيرة بعد عودته تواً من (رحلة الهجن): “تلك الرحلة هامة ومدعاة للفخر بالنسبة لنا.. هي بمثابة رسالة لإيصال رؤيتنا في حفظ وصون تراث الوطن منذ أن تم انشاء المركز عام 2004، تحمل في طياتها الكثير من قيمنا العربية الأصيلة في التعايش والمحبة”.
وعن “رحلة الهجن” قال سعادته لوكالة أنباء الإمارات “وام”: “كنا نصل إلى المسارات المحددة في كثير من الأحيان بعد حلول الظلام، و قصة تلك الدروب والمسارات ليست قصة انتقال من مكان إلى مكان فحسب ، إنما تختصر بتفاصيلها علاقة القبائل الوثيقة مع المكان والزمان وتشكل بالنسبة لهم معالم تنبض بالحياة وسط الصحراء”.
و عن القيم التي تغرسها حياة الترحال في نفوس المشاركين قال : ” البادية هي مهد اللغة العربية وحاضنتها، نريد أن نعلم عيالنا ونوسع خيالهم إلى أماكن وبيئات لم يألفوها، التأدب بآداب وأصالة المجتمع البدوي وتقاليده وثقافته المتشكلة أساساً من مدرسة الصحراء، التعامل مع الهجن، التعرف على البيئة والأهمية الكبرى لشجرة الغاف في التراث المحلي، تناقل الحكايات الشعبية عن الجدود والآباء، الحفاظ على التراث الإماراتي الأصيل، وبالنهاية تشكّل الرحلة في الذاكرة مدارك ومفاهيم تهيئهم لقيم الصبر والقوة”.
وعبر المشارك الفرنسي “إلكسندر فيدوتوف”، في تصريح لـ “وام”، عن فخره وسعادته بالمشاركة ضمن مسار رحلة الهجن في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقال : “رغم صعوبة ركوب الهجن والتي تختلف كثيراً عن الخيول في مناطق وعرة للغاية ولمدة أسبوعين كاملين في أجواء صحراوية حارة، إلا أنها كانت تجربة ممتعة وبها الكثير من المناظر الخلابة في الوديان ومشاهدة الشروق والغروب وراء الجبال التي تجعلك تنسي كل شيء”.
ومن جانبها قالت المشاركة المكسيكية “نادية كورتيس”، التي ظلت مبتهجة ترتدي الزي النسائي الإماراتي: ” أعتز كثيرا بفكرة التخييم في صحراء الإمارات لمدة 12 يوماً ورغم الصعوبات في امتطاء الهجن واحكام قبضتي لمواصلة السير مع القافلة تطلب الأمر الكثير من المجهود البدني، ،و جمال الصحراء والاندماج مع الطبيعة والعودة بالزمن إلى الوراء أيام الأجداد هي مشاهد لا يمكن ان تصفها الكلمات”.
و بدوره قال المشارك الإماراتي سيف كتاب السويدي:” إن الهجن موروث شعبي يعتز به كل إماراتي ، خاصة أنها تعكس جانباً من حقبة الأجداد الاولين الذين نفخر بهم، و رحلة الهجن تعد تجربة صعبة وجميلة في نفس الوقت ، و نشيد بالقائمين على مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث لحرصه على توفير متطلبات الرحلة لجميع المشاركين والاحتفاء بالتراث الإماراتي الأصيل”.
فيما بين المشارك الإماراتي عبدالخالق السركال، أن المتعة الحقيقة في رحلة الهجن كانت في التنوع البشري من المشاركين من جنسيات مختلفة أرادوا استكشاف إبداع الصحراء في دولة الإمارات، والعمل ضمن فريق واحد لمواجهة جميع التحديات.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: حمدان بن محمد رحلة الهجن الکثیر من
إقرأ أيضاً:
معالم الهوية رحلة عبر الزمن لاكتشاف أسرار التاريخ المعماري العُماني
"العُمانية": صدر عن وزارة التراث والسياحة النسخة المحلية لأحدث كتبها العلمية ضمن سلسلة التراث الأثري العُماني بعنوان "معالم الهوية: أبراج العصر البرونزي في شبه الجزيرة العُمانية" لمؤلفته البروفيسورة ستيفاني دوبر، الذي يسلط الضوء وبأسلوب فريد على ما يقارب من 100 برج من الألفية الثالثة قبل الميلاد. ويقدم المجلد المدعم بالصور والرسوم التوضيحية رؤى جديدة في تاريخ هذه الهياكل المعمارية الضخمة ووظائفها وأهميتها الثقافية والحضارية. وتدحض المؤلفة ستيفاني دوبر في هذا الكتاب المُعتقد السائد قديمًا بأن هذه الأبراج ما هي إلا مُجرد أبنية مُراقبة وتحصينات دفاعية مصغرة حيث إن التنقيبات الأثرية الحديثة دحضت ذلك المُعتقد بالكشف عن أن هذه الأبراج لها مجموعة متنوعة من الأغراض التي تستخدم من أجلها في العصور القديمة.
وعمدت المؤلفة على إجراء دراسة عميقة ومفصلة لكيفية بناء هذه الأبراج وتطورها، وكيف تمت إعادة توظيفها مع تنوع طرق استخدامها عبر قرون من النشاط البشري. كما يشرح هذا الكتاب كيف تناسبت هذه الأبراج مع التطورات الأوسع للأنشطة والمجتمعات في العصر البرونزي، والتي تشمل شبكات التجارة لمسافات طويلة، وإنتاج النحاس على نطاق واسع، وتطور أشكال البناء والعمارة الضخمة.
ويُعد هذا الإصدار أكثر من مجرد مرجع علمي متخصص، بل هو أيضًا دليل للزوار والباحثين، ويضم في طياته خرائط ورسومًا توضيحية وصورًا فوتوغرافية توثق موقع كل برج على حدة وبالتفصيل. كما يسهم الكتاب في إثراء فهمنا للتقاليد الثقافية للمنطقة وارتباطها بالعمليات التاريخية الأوسع من خلال جمع وتحليل أحدث البيانات.
وكرست ستيفاني دوبر - عالمة الآثار المتخصصة في شبه الجزيرة العربية - سنوات عُمرها لدراسة عمارة العصر البرونزي والمشاهد الثقافية. فشملت مسيرتها الأكاديمية العديد من الدراسات الأثرية والمسوحات والتنقيبات في سلطنة عُمان، مما يجعلها ضليعة في هذا العِلم.
وقد جاء هذا الكتاب تتويجًا لعملها المكثف والدؤوب وخبرتها في هذا المجال حيث يقدم نظرة شاملة لواحدة من أهم الظواهر الأثرية في المنطقة. ويقدم "معالم الهوية: أبراج العصر البرونزي في شبه الجزيرة العُمانية" مُساهمة كبيرة في مجالات علم الآثار والتاريخ، ومن المؤمل أن يصبح مرجعًا أساسيًّا لكل المتخصصين والباحثين والقراء المهتمين بماضي عُمان التليد حيث يُعد هذا العمل الذي طبعت نسخته الدولية دار الآركيوبرس أكسفورد للنشر شهادةً على التراث الثقافي الثري لسلطنة عُمان بصفة عامة وعلى الأهمية التاريخية لأبراج العصر البرونزي بصفة خاصة.
يذكر أن كتاب "معالم الهوية: أبراج العصر البرونزي في شبه الجزيرة العُمانية" لمؤلفته البروفيسورة ستيفاني دوبر هو الإصدار الثالث عشر لوزارة التراث والسياحة ضمن سلسلة التراث الأثري العُماني التي تصدرها الوزارة دوريًّا في إطار جهودها الرامية إلى توثيق وتأليف وطباعة وترجمة مختلف الإصدارات العلمية في قطاع التراث العُماني.