الاستعلاء بالعلم والعبادة.. وزير الأوقاف يحذر الواعظات من أخطر أنواع الكبر
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
عقد د.محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، أول اجتماع بالواعظات في عام 2024م بالقاعة الرئيسية الكبرى بمسجد النور بالعباسية، بحضور الشيخ خالد الجندي عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وقيادات وزارة الأوقاف والواعظات على مستوى الجمهورية والمكرمين من الحاصلين على جائزة التميز الوظيفي لعام 2023م.
الاستعلاء بالعلم والعبادةوفي كلمته رحب د.
وأكد وزير الأوقاف، أن حديثه يدور بين أمرين: الأول بين وسائل الدعوة سواء للأئمة أم للواعظات أو بعبارة أدق فقه الدعوة، والجزء الآخر عن أهمية اللغة العربية في حياتنا وفي ضبط الحديث والخطاب الديني، مؤكدًا أن الفارق بين العلماء وغير العلماء هو الضيق والسعة، فالعلماء يوسعون على الناس ويدركون أن الأصل في الأمور هو الحِّل وليس الحرمة، وأن الأصل في الناس الخير وليس الشر، ويتعاملون مع الناس بحسن الظن لا بسوء الظن، والجهلاء يتسرعون في التكفير والتبديع والتفسيق وإخراج الناس من الإسلام، وربما يتجاوزون ذلك إلى الحكم على الناس في شأن أخراهم.
وتابع وزير الأوقاف: أخطر ما في الأمر مداخلة الشيطان، فكثيرًا مما أضر بالجماعات المتطرفة التمييز والإقصاء والاستشعار أنهم أفضل من غيرهم، وأخطر وأعلى أنواع الاستعلاء والكبر وأخطرها على النفس الاستعلاء بالعلم والعبادة، فالعلماء والدعاة أحوج الناس إلى لطف الله (عز وجل)؛ لأن العاصي يستشعر بعصيانه الندم والتقصير، وقد يوكل العلماء والدعاة إلى أنفسهم، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "كان رجلانِ في بني إسرائيلَ مُتآخِينِ، فكان أحدُهما يذنب، والآخرُ مجتهدٌ في العبادة، فكان لا يزال المجتهدُ يرى الآخرَ على الذنبِ فيقول: أَقصِرْ فوجده يومًا على ذنبٍ فقال له: أقصِر، فقال: خلِّني وربي أبعثتَ عليَّ رقيبًا؟ فقال: واللهِ ! لا يغفر اللهُ لك - أو لا يدخلُك اللهُ الجنةَ! - فقبضت أرواحَهما، فاجتمعا عند ربِّ العالمين، فقال لهذا المجتهدِ: أكنتَ بي عالما، أو كنتَ على ما في يدي قادرًا؟ وقال للمذنب: اذهبْ فادخلِ الجنةَ برحمتي، وقال للآخرِ: اذهبوا به إلى النارِ"، فدائمًا يجب أن ندرك مدى حاجتنا الشديدة إلى التذلل والتضرع والانكسار بين يدي الله (عز وجل)، وإلى الاحتراز من مداخلة الشيطان، وقد سئل أحدهم ما السيئة التي لا تنفع معها حسنة فقال: الكبر، مؤكدًا على ضرورة أن ننظر إلى الناس بعين الرحمة، فلا ننظر إلى العاصي أو المذنب بعين اللوم وإنما ننظر إليه بعين الرحمة فهو المريض الذي يحتاج إلى العلاج.
وأكد وزير الأوقاف، أن رسولنا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) كان نعم القدوة لأمته وللإنسانية جمعاء، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا"، فعن معاوية بن الحكم السلمي (رضي الله عنه) : بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ الله , فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ؛ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي ، لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ؛ مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ؛ فوالله : مَا كَهَرَنِي ، وَلَا ضَرَبَنِي ، وَلَا شَتَمَنِي ، قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ".
وتابع: فوظيفة الدعاة التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله هَلَكْتُ. قَالَ : "مَا لَكَ؟" قَالَ : وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟" قَالَ : لاَ، قَالَ : "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لاَ، فَقَالَ: "فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ : لاَ، قَالَ : فَمَكَثَ النَّبِيُّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ – وَالعَرَقُ المِكْتَلُ – قَالَ : "أَيْنَ السَّائِلُ؟" فَقَالَ : أَنَا ، قَالَ : "خُذْهَا ، فَتَصَدَّقْ بِهِ" ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ الله؟ فَوَ الله مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا – يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ – أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ".
كما أن على الدعاة أن يتواضعوا فهذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول لأحد أصحابه: "هَوِّن عليك ، فإني لستُ بملِكٍ ، إنما أنا ابنُ امرأةٍ من قريش كانت تأكل القَديدَ"، مؤكدًا على ضرورة معاملة الناس باللطف واللين، فعَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، قَالَ : وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ ، فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: يَا رَسُولَ الله ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا ، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ الله ، قَالَ: "هَلْ حَضَرْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا؟" قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : "قَدْ غُفِرَ لَكَ"، فهذا تعامل سيدنا النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه ومع الناس ومع الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
وأكد وزير الأوقاف أن القرآن الكريم معطاء إلى يوم القيامة يأخذ منه الأمي ربما أكثر مما يأخذ منه المتعلم ربما لا يدرك الأمي تفسير الآيات ولكنه يكون أكثر تشبعًا روحيًّا وتفاعلا مع الآيات، وهذا ما شاهدناه من خلال إقبال الناس على مقارئ القرآن الكريم للجمهور وعلى برنامج صحح قراءتك، وقد قالوا حال رجل في ألف أو حال امرأة في ألف خير من كلام ألف لرجل أو امرأة، فنأخذ الناس بالرحمة ونستمع إليهم ولا نهون منهم ولا نحقر من شأنهم ولا نصعب حياتهم عليهم ولنفتح لهم باب الأمل في الله فإن الأمر كله لله (عز وجل).
وعن اللغة العربية أكد وزير الأوقاف على أهمية التمكن من اللغة العربية في الأداء والفهم، وقد قالوا إن فهم الكتاب والسنة، موضحًا أن فهم الكتاب والسنة أمر واجب ولا يمكن أن يتم فهم الكتاب والسنة فهما صحيحا إلا بالتمكن من لغة القرآن الكريم وهو ما اشترطه أهل العلم في المفتي والمفسر والمجتهد، وقديمًا كان إذا لحن أحد الناس كانت سبة عليه يقال لحن فلان وكأنه ارتكب جرمًا كبيرًا، ولما مر سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) على قوم يتعلمون الرمي ولامهم على سوء رميهم، فقالوا خطأ: إنا قوم متعلمين، والصواب أن يقولوا: إنا قوم متعلمون، فقال: والله لخطؤكم في لسانكم أشد عليَّ من خطئكم في رميكم، وكتب إليه سيدنا أبو موسى الأشعري كتابًا وجد فيه خطأ لغويا فقال له قنع كاتبك سوطًا واعزله من عمله.
وشدد أن كثرة التعلم وقراءة القرآن الكريم يحسن من اللغة العربية، وكان هارون الرشيد يقول لمعلم أبنائه: أقرئهم القرآن تعزب ألسنتهم، وكذلك حفظ متون الشعر والنثر من الكتب المضبوطة، كما أكد على تكثيف برامج التدريب في اللغة العربية، فالوزارة بصدد تنفيذ خطة تدريبية مكونة من مائة دورة في اللغة العربية منها عشرين دورة بدأت في يناير الجاري بالفعل، وستكون هناك دورات متخصصة في فن الإلقاء.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الأوقاف وزير الاوقاف وسائل الدعوة قيادات وزارة الأوقاف مسجد النور بالعباسية برنامج صحح قراءتك واعظات الأوقاف صلى الله علیه وسلم اللغة العربیة القرآن الکریم ى الله ع ل ی ه وزیر الأوقاف رضی الله عنه ی ا ر س ول عز وجل
إقرأ أيضاً:
لماذا أخفقنا في تعليم اللغة العربية وكيف نُعلمها؟.. إصدار جديد في جناح الأزهر
يقدِّم جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ 56 لزوَّاره كتاب "مشكلة اللغة العربية.. لماذا أخفقنا في تعليمها؟ وكيف نعلمها؟"، بقلم الشيخ محمد عرفة، عضو جماعة كبار العلماء بالأزهر (ت١٩٧٣م)، من إصدارات الإدارة المركزية للشئون الفنية بمشيخة الأزهر.
يحمل كتاب مشكلة اللغة العربية؛ لماذا أخفقنا في تعليمها؟ وكيف نعلمها؟ للشيخ الأستاذ محمد عرفة، طابع الإصلاح من خلال ما يقدِّمه من معالجته لمشكلة معضلة، هي "تعليم اللغة العربيَّة وتعلمها"، ويقف على أسباب الإخفاق في تعليمها، ويعزوها إلى طريق تعليمها التي كانت سائدةً في مدارس الشرق ومعاهده في عصره، وإلى قواعد اللغة نفسها، ويقترح منهجًا جديدًا في تعليم اللغة عامة واللغة العربية خاصة، وهو منهج طبيعي (فطري) يجب أن تسلكَه هذه المدارس والمعاهد، ويتناول قضية تيسير النحو واللغة، وينقدها، وهو ممَّن يؤمنون بضرورة تيسير علوم اللغة؛ إذ التيسير ظاهرة من ظواهر التطور اللغوي، لكن الشيخ ينطلق من قواعد تخالف دعاة التيسير والتجديد؛ إذ التيسير عنده يكمن في ضرورة عرض النحو بطريقة تقرِّبه من طبيعة المتكلمين باللغة، وتكشف عن سر العربية، على نمطٍ قويمٍ.
ويدعو الشيخ إلى الأخذ بالعلم في إصلاح أساليب التَّعليم والتربية والاجتماع والاقتصاد -بَلْهَ السياسة- وأساليب المعاش، والإفادة منه في حلِّ مشكلاتنا العلمية والعقلية أيضًا، والانتفاع من تراثنا بصورة أفضل، لذلك فهو يستصحب رأي العلم؛ كي تجد دعوته سبيلًا إلى تطبيقها.
ويعتمد الشيخ محمد عرفة في أسلوبه الذي يقترحه لإصلاح طريقة تعليم اللغة العربيَّة، على خصائص العربية نفسها وطبيعتها، ويشير إلى الفكرة المحوريَّة التي يدور عليها الكتاب؛ وهي أنَّ اللغة ملكة لا تحصل إلا بالمران الدائم والتكرار الملح، وأنَّ استظهار القواعد دون المران على قراءة النصوص الأدبية، لا يجدي فتيلًا في تكوين هذه الملكة، وأنَّه إذا أراد الأساتذة أن يوجدوا هذه الملكة فلا بد من الإكثار من الشواهد المناسبة، وأن يحرصوا على تهيئة فصول سهلة لكبار الأدباء تكون زادًا للطلاب، ومشوقة لهم، تدفعهم إلى الاستيعاب في شغف حين تنحو منحى الشعر السلس أو القصة الطريفة أو الخطبة المؤثرة.
ويشتمل الكتاب على المباحث التالية: عَرض الآراء المعاصرة في تيسير اللغة العربية ونقدها، إخفاقنا في تعليم اللغة العربية ونتائجه الخطيرة، دَرْس أسلوب تعليم اللغة العربية وبيان عيوبه، اللغة ملكة والملكة لا تكتسب بالقواعد بل بالتكرار، أسلوب الفطرة في تعليم اللغات.. المرانة والتكرار، هل العربية للعرب بالطبيعة، سر إخفاق مدارسنا في تعليم اللغات الأجنبية، ما في الملكات من أسرار عجيبة، المنهج الجديد في تعليم العربية.. ما فيه من فوائد، الصعاب التي تعترض تكوين ملكة اللغة العربية وتذليلها، تأييد رجال التربية في القديم والحديث لما ندعو إليه من تعليم اللغة بالتكرار.