الجزيرة:
2025-04-17@17:48:41 GMT

أسرار ودوافع زيارة حميدتي لجنوب أفريقيا

تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT

أسرار ودوافع زيارة حميدتي لجنوب أفريقيا

لم تُثر زيارات قائد التمرّد محمد حمدان دقلو، دولَ الجوار الأفريقية في شرق القارة، استغرابًا مثلما أثارت زيارته جمهوريةَ جنوب أفريقيا من تساؤلات واستغراب، فالزيارة تم ترتيبها على مستوى عالٍ من مجموعة شركات علاقات عامة دولية، وسخّرت فيها أبوظبي عَلاقاتها الدبلوماسية؛ بغرض تسويق الرجل في المحيط القاري، وتسليعه في سوق السياسة بالإقليم، وعرضه على أرفف المتجر المفتوح على الروّاد، وهم بعض رؤساء دول المنطقة، وجعل الباعة المتجولين يعرضونه على قارعة الطريق مع سخام الأسواق السياسية رغم كسادها العظيم.

نادي المبادرات

السؤال: لماذا جنوب أفريقيا وكيف..؟ الإجابة تتضمن بعض التفاصيل، ففي سبتمبر الماضي بدأت أطراف حكومية في العاصمة بريتوريا تطرح على الرئيس سيريل راما فوزا، أفكارًا حول ما إذا كان ممكنًا لجنوب أفريقيا أن تدخل نادي المبادرات حول الحرب في السودان، على خلفية زيارة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار إلى جنوب أفريقيا في يوليو الماضي، ولقائه الرئيسَ راما فوزا وإبلاغه رسالة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان حول الحرب والأوضاع بالسودان وسبل حلها .

تبنَّى فرع القرن الأفريقي في الاستخبارات الجنوب أفريقية طرحَ الفكرة عبر مستشار الرئيس الأمني والمسؤول السابق عن منطقة القرن الأفريقي الجنرال ( تني إيكو جورج هلو نجواني – TINYIKO G HLUNWANE )،  ووافق الرئيس راما فوزا، وكان يشعر بقدرة بلاده على تحقيق شيء في الملف السوداني بعد نجاحه- بالتنسيق مع واشنطن- في توقيع الاتفاق بين الحكومة الإثيوبية، وجبهة تحرير التغراي بعد حرب طاحنة، وتم التوقيع على اتفاق السلام بالعاصمة بريتوريا في 3 نوفمبر 2022م.

من هنا بدأت لجنة برئاسة مستشار الرئيس راما فوزا السيد هلو نجواني، التحرك في دول المنطقة والاتصال بقيادة الاتحاد الأفريقي ودول المنطقة ذات الصلة بالقضية السودانية، حيث أطلعت في أديس أبابا السيّدَ موسى فكي رئيس المفوضية الأفريقية على المبادرة، وكذلك التقت لجنةُ مستشار الرئيس راما فوزا بمفوض الشؤون السياسية رئيس مجلس السلم والأمن الأفريقي النيجيري بانكولي أديو، كما تم إجراء اتصالات ولقاءات مع قيادة وسكرتارية منظمة الإيغاد في جيبوتي .

تهيئة الأجواء

أجرى مستشار راما فوزا ووفده اتصالات مع مسؤولين في إثيوبيا، وكينيا، وتشاد وجنوب السودان بغرض الإخطار وتهيئة الأجواء لطرح المبادرة والاستماع لوجهات النظر المختلفة، وزار الوفد ليبيا وعقد اجتماعات منفصلة مع المسؤولين في العاصمة طرابلس ومع مجموعة حفتر في بنغازي، فضلًا عن جولة شملت المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتركيا، وقطر.

وتوجت كل هذه التحركات بتوافق (مصري – جنوب أفريقي) عبر الاتصالات الهاتفية للرئيس راما فوزا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول الأوضاع في السودان، ووجدت مبادرة جنوب أفريقيا آذانًا مصغيةً وترحيبًا من القاهرة.

إلى هذا الحد، الأمور كانت طبيعية، لكن الانعطاف الذي حدث، أن الوفد الجنوب أفريقي المكلف بإجراء الاتصالات، التقى في العاصمة الإثيوبية بالدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السابق الذي كان قد اختير للتوّ رئيسًا لمجموعة (تقدم)، وجاء مقترح اللقاء مع حمدوك من جهات داعمة للتمرّد في الإمارات وأديس أبابا دفعت به لوفد بريتوريا.

استقطاب الدعم المالي

وطبقًا لتقارير دبلوماسية في العاصمة الإثيوبية، فإن ما دار من نقاش مع حمدوك ومجموعته تم تمريره لقيادات "قحت" المجلس المركزي وللمتمردين وحلفائهم، أطلعت مجموعةُ حمدوك الجانبَ الإماراتي على تفاصيل اللقاء وما دار فيه، والطريقة التي سعى فيها وفد جنوب أفريقيا من أجل استكناه الآراء المختلفة للقوى السياسية السودانية ودول الجوار وكيفية استمزاجها؛ توطئة لطرح مبادرة بشكل رسمي من الرئيس راما فوزا بعد أن يعكف الفريق الأمني والسياسي التابع له على إعداد تصوراتها.

كان واضحًا منذ البداية أن جنوب إفريقيا – حسب ما ظلّ يردده موفد ومبعوث الرئيس راما فوزا – لا تريد أن تعمل وحدها في ملف المصالحة السودانية، ولا ترغب في جمع قائد الجيش وقائد المليشيا المتمردة، إنما تريد العمل على مبادرة شاملة تجمع مكونات الصراع والحرب والقوى السياسية والاجتماعية في السودان، كذلك طرحت فكرة ابتدائية مؤداها محدد وواضح؛ أنها تريد شريكًا يعمل معها خاصة من دول جوار السودان أو في الإقليم، كما تريد ضمان النجاح في استقطاب الدعم المالي لمقابلة تكلفة إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الحرب، وإعادة الإعمار بالسودان إذا أُقر السلام، وتم التوقيع على مصالحة شاملة .

على هذه الخلفية، كانت الخطة المشتركة للإمارات وأديس أبابا ومجموعة حمدوك وأطراف دولية أخرى هي احتواء المبادرة الجنوب إفريقية في مهدها، وجرّ الرئيس راما فوزا إلى مربع آخر حتى تلبّي مبادرته كل الشواغل المطلوبة، وتحويل الموقف العام لبلده من الحياد الكامل في هذا الصراع والحرب الدائرة، إلى موقف يقارب ما بين دوره كوسيط، وفي الوقت نفسه دور داعم ولو بشكل غير مباشر للمُرادات التي تخدم مصالح قوى دولية وإقليمية.

تم الترتيب لعملية احتواء المبادرة وتوظيف مناخها وتوجهاتها، بتسخين خطوط الاتصال بين دولة الإمارات وجنوب إفريقيا عبر مكتب الرئيس مباشرة، بينما واصل حمدوك ومجموعته العمل على تهيئة وتأهيل قدرات التمرد وقيادته للعب الدور المطلوب، بجانب تنسيق التحركات والاتصالات مع دول المنطقة ودوائر غربية وسفراء ومسؤولين غربيين، للالتفاف على المبادرة الجنوب إفريقية وتجييرها لصالح تحالفهم مع التمرد واستغلال عدم الإلمام الكافي من جانب بريتوريا بتفاصيل وأبعاد الصراع المسلح والحرب في السودان.

تعريفات مضللة

وسعت مجموعة حمدوك في إعداد تصورات غير صحيحة، وتعريفات مضللة لما يجري في السودان، خاصة التركيز بشكل محدد على الإيعاز الواضح للجنوب أفريقيين بضرورة استبعاد فكرة مشاركة جميع القوى السياسية السودانية في المبادرة أو تسويق فكرة إتمام مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحدًا أو سَودَنة مشروع المصالحة. والحقيقة الذي جرى في جنوب أفريقيا مع الهزيع الأخير من عهد الفصل العنصري وتصفية نظامه وانتصار الإرادة الحرة لشعب جنوب أفريقيا.

ومن هنا تم التحرك من أطراف متعددة لمحاصرة المبادرة المطروحة من جنوب أفريقيا، وعملت مجموعات إماراتية وأوروبية وجهات داخل الاتحاد الأفريقي للالتصاق الطلحي بالمبادرة الجنوب أفريقية.

ونظرًا لوجود خلفيات أخرى متعلقة بطبيعة البيئة السياسية وتوجهات السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا وحساسيتها المفرطة من طبيعة النزاعات في القارة، كان من السهل إدراج موضوع زيارة قائد التمرد (حميدتي) إلى بريتوريا للاستماع إليه وتقييم الموقف.

خاصة أنها استقبلت نائب الرئيس السوداني مالك عقار، فمثلما فعلت في السابق مع زعماء معارضين ومتمردين في دول أفريقيةـ كاستقبال الرئيس راما فوزا زعيمَ جبهة البوليساريو في أكتوبر 2022م، وقادةَ حركات معارضة من الكونغو الديمقراطية، والصومال، وليبيا، ورواندا، ومن دول في غرب أفريقيا، بجانب تاريخ زيارات زعيم المتمردين السودانيين السابق الراحل جون قرنق وقيادات حركته ــ فإنه بالإمكان استقبال حميدتي في السياق ذاته دون أن يتلطخ وجه المبادرة.

جهات غير مرئية وشخصيات نافذة

ويمكن القول إن تنامي العلاقات السياسية والاقتصادية بين جنوب أفريقيا والإمارات لم يكن هو العامل الوحيد الذي أسهم في تذليل كثير من العقبات من أجل وضع زيارة حميدتي على جدول أعمال الرئيس راما فوزا والتعامل المباشر مع مكتبه، فهناك عوامل أخرى لعبت فيها جهات غير مرئية وشخصيات نافذة، تعمل في مجال العلاقات العامة الدولية لكسب جنوب أفريقيا لصالح المسرحية التي يراد من عرضها على المسرح السياسي، وجعلها مقدمة لصياغة واقع سياسي جديد في السودان، لم يكن ظهور قائد التمرد إلا صورة باهتة وظلالًا على ستارة العرض ستتم إزالتها بعد تحقيق الأغراض وبلوغ المرام .

وليس خافيًا كذلك أن أموالًا تخص المليشيا المتمردة أودعت في حسابات لدى بنوك في جنوب أفريقيا تم تحويلها من الإمارات؛ بغرض تنويع وتغطية وتمويه مصادر الصرف على الحرب وملحقاتها.

وسبق أن راجت معلومات واتهامات في وسائل إعلامية ولم تنفَ من أصحابها حتى اللحظة، بأن المخابرات الإماراتية أودعت عام 2021م أموالًا في حسابات سرية ببنك جنوب أفريقي لصالح رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك ووزيرة الخارجية السابقة مريم الصادق المهدي، وخالد عمر يوسف – سلك وزير شؤون مجلس الوزراء السابق .

وحسب التقصي والاستطلاع عن حقيقة ما جرى، فإن الفريق الأمني في بريتوريا الذي طرح مسألة المبادرة وعكف على الاتصالات بدول المنطقة وأعد تصورها ويعمل على هذا الملف، تم تغييبه تمامًا عن زيارة حميدتي، ولم يكن على علم بها، فقد حضر اللقاء مع الرئيس الجنوب أفريقي فقط الناطق الرسمي ومسؤول الإعلام في الرئاسة والذي كان يجلس شمال الرئيس وموظفة أخرى وهما من صاغا الخبر الصادر عن الرئاسة، ولم يظهر آخرون في الصورة  وهم ممثلو شركة العلاقات العامة البريطانية – الإماراتية التي تولت ترتيب كل زيارات حميدتي لدول المنطقة .

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الجنوب أفریقی جنوب أفریقیا جنوب أفریقی دول المنطقة فی العاصمة فی السودان رئیس ا

إقرأ أيضاً:

قائد الدعم السريع يعلن قيام حكومة موازية في السودان تمثّل الوجه الحقيقي .. سودانايل تنشر نص خطاب حميدتي

(رويترز) الخرطوم: أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي على تلغرام “قيام حكومة السلام والوحدة” مشيرا إلى أنها تمثّل “الوجه الحقيقي للسودان”، وذلك مع دخول الحرب في السودان الثلاثاء عامها الثالث، وقال دقلو على تلغرام “نؤكد بفخر قيام حكومة السلام والوحدة – تحالف مدني واسع يمثل الوجه الحقيقي للسودان. مع جميع القوى المدنية والسياسية السودانية والجبهة الثورية السودانية والمجتمع المدني والمنظمات الانسانية والحركات الشبابية ولجان المقاومة، وقعنا ميثاقا سياسيا ودستورا انتقاليا تاريخيا لسودان جديد”.

وفيما يلي تنشر سودانايل نص خطاب قائد قوات الدعم السريع

خطابي للأمة السودانية بعد مرور عامين من حرب 15 أبريل

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
الشعب السوداني العظيم
أشاوس قواتنا الأبطال
باسمكم جميعاً نترحم على أرواح شهداءنا الأبطال الذين قدموا أرواحهم في سبيل الوطن
وندعو بعاجل الشفاء للجرحى والمصابين وعوداً حميداً للأسرى والمفقودين
في مثل هذا اليوم، قبل ثلاث سنوات، فُرضت حرب جديدة على شعبنا. حربٌ لم تُشعلها إرادة الشعب، بل نخبة عسكرية من قيادة الحركة الإسلامية متشبثة بالسلطة. ثلاث سنوات من سفك الدماء. ثلاث سنوات من النزوح. ثلاث سنوات من الوعود الكاذبة. ومع ذلك، ورغم المعاناة، لا يزال شعبنا صامدًا.
اخاطبكم اليوم ليس فقط بصفتي قائد قوات الدعم السريع، بل كمواطن - واحد من بين ملايين - يحلم بسودان حرّ ديمقراطي، تعددي، ومسالم. سودان لا تكمن قوته في السلاح، بل في إرادة الشعب.
لسنا في حرب لأننا نحب العنف، بل نحن في حرب لأن كل طريق سلمي سُدّ من قِبل جيش الحركة الاسلامية ورعاتها. لم نختر المواجهة. واوصلنا كل حوار - جدة، جنيف، المنامة. في كل مرة، جئنا بأيدٍ مفتوحة. وفي كل مرة، قوبلنا برفض.
شعبنا العظيم:
الأزمة التي نواجها اليوم ليست مجرد معركة بين أطراف مسلحة، بل هي إرثٌ مؤلمٌ لنظامٍ سياسيٍّ خذل شعبه لعقود. منذ استقلال السودان عام ١٩٥٦، شهدنا انقلاباتٍ أكثر بكثيرٍ من الدساتير. كلُّ محاولةٍ من الشعب السوداني لتشكيل مستقبله قوبلت بالرصاص والاعتقالات والخداع.
نتذكر تضحيات عام ٢٠١٩. بميلاد ثورةٌ في شوارع الدمازين، عطبرة، وأم درمان، والخرطوم، والجنينة. ثورةٌ حملها الطلاب، والنساء، والعمال، كانت صرخةً من أجل الحرية والسلام والعدالة. لكن الجيش، بقيادة السفاح عبد الفتاح البرهان والحركة الإسلامية التي يدين لها بالولاء، اختطفها.
انقلب على الحكومة المدنية في أكتوبر ٢٠٢١، وأزال التقدم نحو الديمقراطية، وواصل الحكم كما فعل البشير سابقًا - بالقوة والقمع ومساومات النخب. إن الإفراج الأخير عن كبار مسؤولي عهد البشير - بكري حسن صالح ويوسف عبد الفتاح محمود - تحت ستار الرعاية الصحية، يكشف حقيقةً لطالما أُخفيت: برهان لا يُقاتل لإنقاذ السودان، بل يُحيي ماضيه المُظلم. فالرجال الذين أشرفوا على الإبادة الجماعية في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، والذين مكّنوا الإرهاب والفساد والدكتاتورية، يُرحّب بهم مجددًا في كل دوائر السلطة المزعومة.. هذا ليس عدلاً، هذا خيانة.
المواطنون الشرفاء:
الحل الوحيد الذي يطرحه برهان للأزمات السياسية هو الحل العسكري. مفهومه الوحيد للحكم هو الحرب. تحت قيادته، أصبحت القوات المسلحة السودانية مطرقةً تُحطم كل شيء في طريقها. تقصف المدن عشوائيًا. تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي مزقتها الحرب. تُحوّل الغذاء والعملة والتعليم إلى أسلحة.
يدّعون الدفاع عن الوطن. لكن كيف يُدافع المرء عن وطن بحرق منازله؟ واعتقال الأطباء وقتل الأطفال والنساء بالبراميل المتفجرة والمواد الكيميائية المحرمة؟ وبتجويع مناطق بأكملها من خلال الحصار الاقتصادي ومنع وصول المساعدات الإنسانية وبتصفية المدنيين على أسس عرقية تحت ما يسمى بقانون الوجوه الغريبة؟
ليس لدى مجموعة بورتسودان برنامج سياسي. ليس لديها خارطة طريق اقتصادية. ليس لديها رؤية شاملة. هدفها الوحيد هو الحفاظ على امتيازات نخبة عسكرية إسلامية ضيقة. هذه الامتيازات لا مكان فيها للشعب السوداني، بل لمجموعة مُتميزة فقط.
إن إصدار إدارة برهان مؤخرًا لعملة جديدة، وإقامة امتحانات الشهادة السودانية تقتصر على المناطق الخاضعة لسيطرته، هي خطوات خطيرة نحو التقسيم الفعلي. إنه يُعيد إلى الأذهان الأخطاء المأساوية التي أدت إلى انفصال الجنوب. واليوم، يسعون إلى تقسيمنا مجددًا - ليس على أساس الحدود فحسب، بل على أساس الهوية والعرق والانتماء.
شعبنا العظيم:
على العكس تمامًا، اخترنا نحن وحلفائنا المدنيين والعسكريين في تحالف السودان التأسيسي مسارًا مختلفًا. مسارًا يُدرك أن السلاح وحده لا يكفي لحل المشكلات السياسية. مسارًا يرى في تنوع السودان أعظم قوه له، ليس مهدداً له.
في هذه الذكرى، نؤكد بفخر قيام حكومة السلام والوحدة - تحالف مدني واسع يُمثل الوجه الحقيقي للسودان.
مع جميع القوى المدنية والسياسية السودانية، والجبهة الثورية السودانية، والمجتمع المدني، والمنظمات النسائية، والحركات الشبابية، ولجان المقاومة، وقّعنا ميثاقاً سياسياً ودستورًا انتقاليًا تاريخيًا - لسودان جديد.
تتضمن هذه الوثيقة ما يلي:
• نموذج حكم لامركزي اتحادي، يُمكّن الأقاليم من حكم نفسها بعدلة.
• جيش موحد، محترف، غير سياسي، مُشكّل من جميع أقاليم السودان، ويعكس التنوع السكاني لشعبنا.
• حقوق متساوية للجميع، بغض النظر عن العرق، أو الدين، أو اللغة.
• فصل الدين عن الدولة، وضمان الحرية الدينية وحياد الدولة.
• مجلس رئاسي من 15 عضوًا، يُختارون من جميع الأقاليم، يرمز إلى وحدتنا الطوعية.
نحن لا نبني دولة موازية. نحن نبني المستقبل الوحيد القابل للاستمرار للسودان. ستوفر حكومتنا الخدمات الأساسية - التعليم والصحة والعدالة - ليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وقوات الحركات، بل في جميع أنحاء البلاد. نحن نصنع عملة جديدة، ونعيد الحياة الاقتصادية. ونصدر وثائق هوية جديدة، حتى لا يُحرم أي سوداني من حقوقه.
هذه ليست دولة أمراء حرب، بل هي حكومة الشعب.
المواطنون الشرفاء:
لنتحدث بصراحة: إذا استولت الحركة الاسلامية بقيادة برهان السيطرة الكاملة على السودان، فلن يُنقذ البلاد، بل سيُدفنها.

أؤكد لكم أن هذا لن يحدث أبدًا.
لن نسمح أبدًا بعودة الطغيان السابق.
لن نسمح أبدًا بتجاهل الشعب السوداني.
إذا استولت الحركة الاسلامية مجدداً على البلاد سنشهد عودة السجون السرية وبيوت الأشباح، والاختفاء القسري، والوجود الخانق لأجهزة المخابرات في كل منزل ومسجد. ستُطارد أشباح نظام البشير كل مؤسسة. سيتلاشى حلم الديمقراطية لجيل كامل.
ولن يكون السودان دولة واحدة، بل مجموعة من الإقطاعيات تحكمها ميليشيات بالزي الرسمي. لقد أصبحت بورتسودان بالفعل قاعدة للتدخل الخارجي، حيث يعتمد جيش الحركة الاسلامية على الدعم المصري والايراني للحفاظ على قبضة ضعيفة على الشرق... دعونا لا ندع التاريخ يعيد نفسه.
أهلنا الأعزاء
رؤيتنا واضحة. لا نسعى للهيمنة، بل للتوحيد. نؤمن بأنه لا قبيلة ولا منطقة ولا دين يحتكر الهوية السودانية.
في نيروبي، اجتمع الشعب السوداني، ليس كعرب أو أفارقة، مسلمين أو مسيحيين، بل كسودانيين - فخورين، متعددي الأعراق، ومسالمين. وقّعنا الميثاق الأكثر شمولاً في تاريخ بلادنا، وفعلنا ذلك بهدف واحد: ضمان ألا يحكم السودان مرة أخرى نخبة أقلية.
نحن نبني دولة قانون، لا دولة رجال. سودان تُشكّل فيه النساء 40% من الهيئة التشريعية. سودان لا تُشكّل فيه أي منطقة (هامش). سودان ليس ايدلوجياً، بل ديمقراطياً، متسامحاً، وعادلاً.
نمد يدنا للعالم - ليس طلبًا للإذن، بل من أجل الشراكة.
إلى جيراننا - إثيوبيا، تشاد، أوغندا، كينيا – جنوب السودان وليبيا نشكركم على استقبال شعبنا في أحلك أوقاته. ونؤكد التزامنا بوحدة السودان واستقراركم.
إلى الاتحاد الأفريقي - ندعوكم إلى الاعتراف بالإرادة الديمقراطية للشعب السوداني، وعدم البقاء رهينة لمدبري الانقلاب في بورتسودان.
إلى الولايات المتحدة - نتقدم بأحر التهاني للرئيس دونالد ترامب. نؤمن بأن أمريكا، تحت قيادته، قادرة على لعب دور حيوي في إنهاء هذه الحرب. لقد تحدث الرئيس ترامب عن إنهاء الحروب التي لا نهاية لها، ويجب أن يكون السودان أحدها.
• نؤكد التزامنا بالتعاون الكامل مع المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان.
• منع تحول السودان إلى قاعدة للإرهاب الدولي.
• حماية البحر الأحمر ورفض استخدامه كساحة صراع جيوسياسي.
• ضمان وصول عمال الإغاثة دون عوائق، وإعادة فتح ممرات آمنة للنازحين.

شعبنا الكريم:
بعد عامين من هذه الحرب، يقف السودان عند مفترق طرق. إما أن نسمح للماضي بأن يجرّنا إلى الوراء، أو أن نشقّ طريقًا جديدًا للأمام.
قوات الدعم السريع مع الشركاء في تحالف السودان التأسيسي، يقفون إلى جانب الشعب. لا نسعى إلى السلطة لأنفسنا، بل نسعى إلى السلطة للشعب السوداني - للاختيار، والحكم، والعيش بحرية، وعدالة.
ما حدث في نيروبي لم يكن مجرد مؤتمر. لم يكن فرصة لالتقاط الصور أو لقاءً عابراً. بل كان انفراجًا سياسيًا وأخلاقيًا - اللحظة التي نهضت فيها الأغلبية السودانية التي طال صمتها وأعلنت ملكيتها الشرعية للوطن. ليس تحت راية حزب أو فصيل أو عرق واحد - بل تحت راية مشتركة قوامها الأمل والانتماء. ليعلم العالم أننا لسنا حكومة موازية، بل نحن الذين نمتلك الشرعية الحقيقية.
نحن نبني هذه الحكومة ليس لمنطقة واحدة أو لشعب واحد، بل لكل سوداني شعر بالنسيان والتهميش والحرمان.
لا نسعى إلى بناء سودان جديد فحسب - بل نسعى إلى دفن ما كان فاسدًا في السودان القديم.

سنبني مدارس بدل الأنقاض. سنُحوّل الخنادق إلى طرق، والأسواق المُفجّرة إلى مراكز تجارية مزدهرة. لن ننسى اللاجئين في تشاد، وجنوب السودان، وإثيوبيا. لن نتخلى عن النازحين الذين شرّدتهم الحرب والإهمال. سيعودون إلى وطنهم في رحاب وطنٍ يرحّب بهم.
نفتح قلوبنا لجميع الجيران، وللمجتمع الدولي، ولكل سوداني مُستعدّ للعمل من أجل السلام. ولكن ليكن معلومًا: لن نسمح للقوى الأجنبية بتحويل السودان إلى رقعة للصراعات والطموحات الإقليمية أو التنافسات على البحر الأحمر. السودان دولة ذات سيادة. وللسودان الآن حكومة - من الشعب، وبالشعب، ولأجل الشعب.
من خانوا الثورة، وفرّوا من العاصمة وهي تحترق، والمتشبثين الآن بحلفاء أجانب في بورتسودان، نقول لهم: لن يكون لكم مكان في مستقبل السودان ما لم تقبلوا بإرادة الشعب. لن تكون هناك عودة للنظام الذي قسمنا على أساس القبيلة واللغة والمعتقد. لن يكون هناك عودة لسودان البشير. هذا الباب مغلق إلى الأبد.
لا ينبغي أبدًا لأي طفل يولد اليوم في دارفور أو النيل الأزرق أو كسلا أن يكبر معتقدًا أنه مواطن من الدرجة الثانية. لا ينبغي أبدًا أن يُطلب من أي سوداني إثبات انتمائه.
من هذا اليوم فصاعدًا، دعونا نكتب قصة جديدة. قصة انتماء. قصة إعادة بناء. قصة وحدة، لا بالقوة، بل بالموافقة. فليكن هذا بداية استقلال السودان الثاني - ليس من إمبراطورية أجنبية، بل من الاستبداد والعسكرة والخوف.
فليكن هذا العام الذي يطوي فيه السودان صفحة الماضي - من هوامش الدول الفاشلة إلى عناوين التجديد.
لابد للشباب، الذين تظاهروا في عام ٢٠١٩ ولم يعرفوا منذ ذلك الحين سوى اليأس، أن يروا ثمار شجاعتهم أخيرًا.
ليكن السودان أرض العدالة، لا الإفلات من العقاب.
ليكن السودان ارض صناديق الاقتراع لا الرصاص.
ليكن السودان ارض الحوار لا الهيمنة.
قد نتعثر. قد نواجه مقاومة. لكننا لن نتوقف
ستصمد حكومة التحالف التأسيسي. سينمو تحالفنا الاستراتيجي. لن ينطفئ هذا الأمل.
ولكل سوداني، هنا في الداخل وفي الخارج، سوف يكون لكم وطنًا كاملًا، حرًا،
الرحمة والمغفرة لشهداءنا.
شعب واحد. أمة واحدة. مستقبل واحد.
والسلام عليكم ورحمة الله
فريق أول/ محمد حمدان دقلو
قائد قوات الدعم السريع  

مقالات مشابهة

  • النيابة العامة في السودان تبدأ أولى جلسات محاكمة حميدتي ودقلو وآخرين في هذه القضية
  • قلق أممي من تفكك السودان بعد إعلان حميدتي عن حكومة منافسة
  • حمدوك درقة الجنجويد والامارات
  • قائد الدعم السريع يعلن قيام حكومة موازية في السودان تمثّل الوجه الحقيقي .. سودانايل تنشر نص خطاب حميدتي
  • شوبير يعلن تفاصيل انتهاء أزمة هبوط طائرة الأهلي لجنوب أفريقيا
  • أزمة تواجه الأهلي قبل السفر لجنوب أفريقيا
  • رسالة الدكتور عبدالله حمدوك إلى الشعب السوداني في الذكرى الثانية للحرب
  • ناشد بالتصدي لخطاب الكراهية .. حمدوك: حرب السودان صراع على السلطة
  • حمدوك يناشد السودانيين "التصدي لخطاب الكراهية"
  • الأهلي يغادر لجنوب أفريقيا اليوم استعداداً لمواجهة صن داونز بدوري الأبطال