ما صحة حديث «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم»؟، سؤال يشغل ذهن الكثيرين، وأوضحه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ونوضحه في التقرير التالي.

ما صحة حديث أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم؟

روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم إلا الحدود»، يقول ابن القيم- رحمه الله- في معنى حديث أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعبر عن أهل التقوى والطاعة والعبادة بأنهم ذوو الهيئات، ولا عهد بهذه العبارة في كلام الله ورسوله للمطيعين المتقين، والظاهر أنهم ذوو الأقدار بين الناس من الجاه والشرف والسؤدد، فإن الله تعالى خصهم بنوع تكريم وتفضيل على بني جنسهم، فمن كان منهم مستورا مشهورا بالخير حتى كبا به جواده، ونبا عضب صبره، وأديل عليه شيطان، فلا نسارع إلى تأنيبه وعقوبته، بل تقال عثرته ما لم يكن حدا من حدود الله، فإنه يتعين استيفاؤه من الشريف كما يتعين أخذه من الوضيع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها متفق على صحته».

فضل الستر على الناس

وتقول دار الإفتاء: حَثَّ الشرعُ الشريف على الستر؛ لأنَّ أمور العباد الخاصّة بهم مبنيةٌ على الستر؛ فلا يصحّ من أحد أن يكشف ستر الله على غيره حتى ولو كان ذلك معصيةً؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» رواه مسلم، وفي رواية لابن ماجه: «منْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ». قال الإمام أبو عمر ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 337، ط. مؤسسة قرطبة): [وفيه أيضًا ما يدلّ على أنَّ الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة، وواجب ذلك عليه أيضًا في غيره] اهـ.

وقال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (3/ 408، ط. دار الفكر): [يجب ستر الفواحش على نفسه وعلى غيره لخبر: «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ»] اهـ.

إضافة لذلك: فإنَّ نشر خصوصيات الناس فيه اعتداءٌ صريحٌ على حقوق الناس الأسرية والمجتمعية الخاصة والعامة؛ وهذا مذمومٌ شرعًا، وهو أيضًا جريمة قانونية يُعاقَب عليها وفق القانون رقم (175) لسنة 2018م، والخاص بـ"مكافحة جرائم تقنية المعلومات"؛ فقد جَرَّم المُشَرِّع المصري في هذا القانون نشر المعلومات المُضَلِّلة والمُنَحرفة، وأَوْدَع فيه مواد تتعلق بالشق الجنائي للمحتوى المعلوماتي غير المشروع؛ ففي المادة (25) من القانون المشار إليه نَصَّ على: [يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين: كل مَن اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة..] اهـ.

وشددت بناءً على ذلك: فقد حثَّ الشرع الشريف على الستر والاستتار؛ ممَّا يدلّ على فضل الستر على الناس والحفاظ على حرماتهم.

خطيب المسجد الحرام: الستر نعمة عظيمة لو كشفها الله عن الناس لافتضحوا خطيب المسجد الحرام: الله أحكم الستر بالدين والشرع وربطه بجمال اللباس والصورة أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم

يقول الدكتور علي جمعة: أمرنا سيدنا رسول الله ﷺ أن نستر المؤمنين: « أَقِيلُوا ذَوِى الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ »، « مَن استطاع منكم أن يستُرَ أخاه المؤمِنَ بطَرَفِ ثَوْبِه فَلْيَفعَلْ»، «مَنْ ستر مؤمنًا في الدنيا، ستره الله يوم القيامة » الإسلام مبني على الستر والعفو، وعلى عدم إشاعة الفاحشة بين الناس، ومبني على عدم التفاخر بالمعصية، بل يجب علينا أن نستر هذه المعصية حتى تُنْسَى، وحتى يستمر مَنْ وقع فيها وَقُدِّرَ عليه هذا البلاء في التوبة إلى الله من غير فضيحة، فَأُمِرْنَا بالنصيحة دون الفضيحة، فإذا ما نصحت أخاك في السر برفق، فإنها نصيحة، وإذا ما جهرت بذلك، فإنها فضيحة.

وتابع: ربنا عز وجل يستر المؤمن مرات؛ ولذلك عندما جيء لسيدنا علي بن أبي طالب –رضى الله عنه- بشخص يستحق الحد؛ لأنه قد ارتكب جريمة من الجرائم، وجاءت أمه تتشفع، فقال لها سيدنا علي: إن الله سبحانه وتعالى لا يفضح العبد في المرة الأولى -ابنك هذا ارتكب هذه الجريمة مرات- .

قالت: كيف تعلم؟ قال: لأنه الله سبحانه وتعالى سَتِيرٌ يحب الستر. وبعد ما أقام عليه العقوبة، سأله: أي مرة هذه؟ فقال: هذه هي المرة العشرين. أي أن الله سبحانه وتعالى ستره مرة، وثانية، وثالثة، ورابعة، وخامسة.....، بل ستره عشرين مرة، وهو يرتكب ذلك الجرم لا يستحي من الله ويضر الناس ويوقع بهم الأذية. وأيضًا: يتهم بعضهم بعضًا؛ ظانين أنهم هم الذين ارتكبوا هذه المعصية، في حين أن هذا هو الذي ارتكبه. كان ينبغي عليه أن يتوب إلى الله، وأن يتمتع بستره؛ ولكنه لم يفعل.

وشدد: الله سبحانه وتعالى يستر، فعليك أيها المؤمن أن تستر؛ وأول من تستر نفسك ، ولذلك نهانا سيدنا رسول الله ﷺ أن نجاهر بالمعصية وأن نفتخر بها، وتستر أخاك ثانيًا؛ ولذلك أُمِرْنَا أن نستر على المؤمنين.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء النبی صلى الله علیه الله سبحانه وتعالى على الستر الله عن

إقرأ أيضاً:

حكم الحلف بغير الله والترجي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم

الحلف بغير الله.. قالت دار الإفتاء المصرية إن العلماء اتفقوا على أن الحالف بغير الله لا يكون كافرًا حتى يُعَظِّم ما يحلف به من دون الله تعالى، فالكُفْرُ حينئذٍ من جهة هذا التعظيم لا من جهة الحلف نفسه.

حكم الحلف بغير الله

والحلف بما هو مُعَظَّم في الشرع كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام والكعبة لا حرج فيه؛ لأنه لا وجه فيه للمضاهاة، بل هو تعظيمٌ لما عظَّمه الله، وظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله غير مراد قطعًا؛ لإجماع الفقهاء على جواز الحلف بصفاته سبحانه، فهو عموم أريد به الخصوص.

أما الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف فغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائزٌ لا حرج فيه؛ لوروده في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة وجريان عادة الناس عليه بما لا يخـالف الشـرع الشـريف، وليس حرامًا ولا شركًا كما يُقال، ولا ينبغي للمسلم أن يتقول على الله بغير علم، ولا يجوز له أن يتهم إخوانه بالكفر والشـرك فيدخـل بذلك في وعيد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» رواه مسلم.

حكم الحلف وتأكيد الكلام والترجي بما هو معظم شرعًا
وأوضحت الإفتاء أن الإسلام وأهل الجاهلية كانوا يحلفون بآلهتهم على جهة العبادة والتعظيم لها مضاهاة لله سبحانه وتعالى عما يشركون كما قال عز وجل واصفًا لحالهم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ﴾ [البقرة: 165]، فنهى النبي صلى الله عليه وآلـه وسلم عن ذلك حماية لجنـاب التوحيد فقـال: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» رواه .

وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التشبه بأهل الجاهلية في حلفهم بآبائهم افتخارًا بهم وتقديسًا لهم وتقديمًا لأنسابهم على أخوة الإسلام جاعلين ولاءهم وعداءهم على ذلك، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ» متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

حكم الترجي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
أما عن الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف فغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائزٌ لا حرج فيه؛ حيث ورد في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة الكرام، فمن ذلك:
ما رواه مسلم في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهْ؛ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ ...» إلخ.
وروى في "صحيحه" أيضًا عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في حديث الرجل النجدي الذي سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الإسلام ... وفي آخره: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ أو دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ».
وروى ابن ماجه في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَبِّئْنِي بِأَحَقِّ النَّاسِ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ، فَقَالَ: «نَعَمْ، وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّ؛ أُمُّكَ ...» إلخ.
وروى الإمام أحمد في "مسنده" عَنْ أَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلَّا فِي الْحَلْقِ أَوِ اللَّبَّةِ؟ قَالَ: «وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لأَجْزَأَكَ».
وروى في "مسنده" أيضًا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِطَعَامٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَقَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ»، فَنُووِلَ ذِرَاعًا فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: «ناوِلْنِي الذِّرَاعَ»، فَنُووِلَ ذِرَاعًا فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا هُمَا ذِرَاعَانِ! فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَأَبِيكَ لَوْ سَكَتَّ مَا زِلْتُ أُنَاوَلُ مِنْهَا ذِرَاعًا مَا دَعَوْتُ بِهِ».
وروى الإمام مالك في "الموطأ" في قصة الأَقْطَعِ الَّذِي سَرَقَ عِقْدًا لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال له: "وَأَبِيكَ مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ"، وروى الشيخان أن امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت له: "لا وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاثِ مَرَّاتٍ" تعني طعام أضيافه.

 

مقالات مشابهة

  • جد يُراد به هزل!!
  • هل يجوز نشر أسرار البيوت على السوشيال من أجل التربح؟ أمين الفتوى يجيب
  • هل يرى المؤمنون الله يوم القيامة؟.. دار الإفتاء توضح معنى الحديث الشريف
  • بيان معنى الأمّية في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم
  • الله يعوض عليه
  • بيان مدى علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للغيب
  • حكم الحلف بغير الله والترجي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
  • كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (34)
  • هل سيسمح ترامب ببقاء إسرائيل في لبنان وكيف سيتعامل مع حزب الله؟.. صحيفة تُجيب
  • الفرق بين الغبطة والحسد في الشرع الشريف